درس الكتاب المقدس

كيف ندرس الكتاب المقدس؟

الكتاب المقدس

مقدمة في رسالة تيطس

مقدمة في رسالة فليمون

مقدمة في سفر عوبديا

مقدمة في سفر يوئيل

مقدمة في سفر عاموس

كيف ندرس الكتاب المقدس؟

هناك طرق عديدة ومتنوعة لدراسة الكتاب المقدس بهدف الحياة به وتطبيقه في كل أمور حياتنا.

وهذه الطريقة هي إحدى الطرق البسيطة التي تمكنك من التعامل مع أي من نصوص الكتاب المقدس بحرية وهدوء، وتمكنك من معرفة رسالة الله لك بكل وضوح من خلال خطوات ثلاث هي:

 

الخطوة الأولى: الملاحظة (قراءة)

وتتمثل في قراءة النص مرات عديدة بهدف الوصول إلى بعض الأفكار الهامة من أجل فهم النص وتطبيقه عملياً في حياتنا:

1. معرفة نوع النص:

تعرف على نوع النص هل هو قصصي ، تاريخي ، نبوي ، تشريعي أو تعليمي؟ فكل من هذه الأنواع يعبر عن الحق الكتابي بطريقة مميزة.

2. النظرة العامة:

+ ما هو انطباعك الأول بعد قراءة النص؟

+ تتبع الأفكار ولاحظ الفكرة الرئيسية التي يدور حولها النص.

+ حدد الأجزاء التي بها تغير في المكان ، الحدث الرئيسي، الأشخاص ، الأفكار، عنون كل جزء.

+ تخيل كاتب النص أمامك وتريد أن تستفسر منه عن أجزاء صعبة، كلمات غير مفهومة ... الخ. ما هي أسئلتك؟ اكتبها لتفتح الدراسة أمامك. لا تجيب عليها الآن.

أحذر

- التخمين

- الأسئلة التي ليس لها مدلول.

3. 6 أسئلة لملاحظة النص (الأصدقاء الستة)

1.     من؟ لمعرفة الشخصيات.

2.     أين؟ لمعرفة المكان.

3.     متى؟ لمعرفة الزمان.

4.     ماذا؟ لمعرفة الحدث، المعلومة ، الحجة، الشعور، الرؤية.

5.     كيف؟ لمعرفة طريقة الله والناس في عمل شئ ما. أو طريقة التعامل.

6.     لماذا؟ لمعرفة هدف الحدث، تصرفات الناس ، عمل الله.

لذلك: لمعرفة نتيجة الحدث وينبغي أن نبحث عنها صراحة في النص. 

الخطوة الثانية: الفهم

وهو استيضاح معنى ودلالة كل نقطة من النقاط التي جمعتها في المرحلة السابقة (الملاحظة).

أ) تصور نفسك في الموقف المذكور واسأل نفسك:

1-  ماذا كان يعني هذا النص للذين كتب لهم آنذاك؟

2-  ماذا كان هدف الكاتب عند كتابته؟

3-  ابحث عن خط يربط بين الحقائق والأفكار التي لاحظتها.

4-  ما هي الرسالة التي أراد الكاتب أن يستقبلها قرائه وأن يعرفوها؟

5-  اختبر فهمك من خلال 3 مبادئ:

1)     الإحساس الطبيعي: الفهم البسيط

2)     الإحساس الأصلي: الفهم التاريخي

3)     الإحساس العام: الفهم المتناغم، الفهم العام لروح الكتاب.

ب) افعل ما بوسعك ... ثم ارجع للمراجع.

- استعمل : قواميس ، فهرس الكتاب المقدس ، أطلس ، مراجع التعبيرات المتخصصة والعادات و الأحداث التاريخية.

- لا تستعمل: كتب تفسير إلا بعد أن تكون قد بذلت افضل ما عندك للوصول إلى الفهم، وعندئذ حاول قراءة عدة تفاسير لتحصل على وجهات نظر متعددة.

ج) لا تدع أفكار هذه الكتب تلغي النتائج التي توصلت إليها في بحثك بل ناقشها.

 الخطوة الثالثة : التطبيق (الحياة)

وهو الهدف الأساسي من دراستنا للكتاب، وأي دراسة -مهما كانت - لا تنتهي بالتطبيق هي دراسة جافة لا قيمة لها.

أ) إن عمل الروح القدس ومحاولة استخدامنا لمواهبنا في ملاحظة وفهم الكتاب المقدس هما اللذان يحضرا الكتاب المقدس إلى الحياة فعلياً. فعلينا الآن أن نعيش ما أرشدنا الله إلى فهمه.

ب) ابحث عن نقاط تلاقي مع الحياة الآن:

1.     كيف نشبه نحن الأشخاص الموصوفين أو المخاطبين في النص؟

2.     كيف تشبه مشاكلنا مشاكلهم؟

3.     هل يعني تعامل الله معهم شيئاً لنا؟

4.     كيف يؤثر رد فعلهم الإيجابي أو السلبي تجاه الله في تصرفاتنا؟

ج) للتطبيق شروط هامة هي:

1-  أن يكون كتابيا: مبني على أساس واضح من ملاحظة وفهم النص.

2-  أن يكون واقعياً لا خياليا: مناسباً للتعامل مع الواقع الحاضر.

3-  أن يكون محدداً لا عاماً: بتفاصيل تطبيقية مناسبة فلا نضع معاني واسعة.

4-  روحياً : وليس حرفياً لأن التطبيق الحرفي الساذج يشوه النص.

د) للتطبيق ثلاث مستويات:

1-  أفكار: كيف يضيف النص إلى فهمنا من التعاليم؟

2-  أحاسيس: ردود الأفعال الداخلية لكلمة الله.

3-  أعمال: هي المظهر الخارجي لعمل كلمة الله في حياتنا.

ه) أحضر حياتك للكتاب المقدس: فكر في التطبيق العام للكنيسة ، في التطبيق الخاص بمجموعتك الصغيرة، في التطبيق الخاص بك شخصياً.

- كيف تعيش حياتك على حق الإنجيل؟

- ابحث في النص عن:

·        وعد تتمسك به.

·        وصية تقوم بتنفيذها.

·        خطية لكي تتجنبها.

·        صلاة تقوم بترديدها.

والآن وقد درسنا معاً هذه الطريقة للدراسة الشخصية أو الدراسة في مجموعات صغيرة والتي تتطلب بذل القليل من الجهد من أجل ملاحظة وفهم وتطبيق النص الكتابي، ولكنها تأتي بنتائج باهرة في تقوية علاقة الشخص بالكتاب المقدس ودراسته ، وبمرور الوقت تتحول إلى أسلوب شخصي يتمثل في عدم ترك أي نص أو آية كتابية أو كلمة في الكتاب المقدس دون محاولة الوصول إلى فهم واضح لها.

 أما الوصايا العشر من أجل جلسة درس كتاب مقدس ناجحة فتتمثل في الآتي (خاصة بخادم المجموعة الصغيرة لدرس الكتاب المقدس):

 الوصية الأولى: اقرن  جميع خطوات التجهيز والتحضير بالصلاة.

الوصية الثانية:

احضر قبل الجلسة بفترة مناسبة وتأكد أن:

1. المكان جيد الإضاءة.

2. المكان جيد التهوية.

3. الكراسي مريحة عددها مساو أو يزيد قليلاً عن عدد الأعضاء.

4. تفضل الموائد الواسعة المستديرة أو البيضاوية ويمكن استخدام الموائد المربعة.

5. هناك كتب مقدسة متوفرة ذات أحرف واضحة .

6. توافر نسخ من الأسئلة المعدة سابقاً لتوزيعها على الأعضاء.

الوصية الثالثة:

استقبل الأعضاء بوجه بشوش وكلمات ترحيب مناسبة.

الوصية الرابعة: التزم بالوقت المحدد – ابدأ في موعدك مهما كان عدد الأعضاء – أعط لكل سؤال زمنه المناسب والمحدد سابقاً – انتهي في الوقت المحدد.

الوصية الخامسة: اجعل الأعضاء يقرءون النص أكثر من مرة بالتناوب وبلغة سليمة وتشكيل مضبوط..

الوصية السادسة: اختار الأسئلة جيداً، واعلم أن السؤال الجيد هو الذي يفرض على الأعضاء التفكير والعودة لقراءة النص. سؤال على الأقل لكل من الملاحظة والفهم والتطبيق.

الوصية السابعة: شجع الآخرين على المشاركة – لا تنفرد بالحديث طويلاً ، ولا تجعل أحد الأعضاء ينفرد بالحديث كثيراً.

الوصية الثامنة: ارشد بذوق ولطف، إياك أن تحرج أحداً، أو تحاول أن تسخر من أحد.

الوصية التاسعة: وضح النقاط الصعبة أو الغامضة، وفي حالة عدم معرفتك اعترف بذلك وحاول الاستعانة بالآخرين.

الوصية العاشرة: اهتم بنقاط التطبيق بصفة خاصة وحول الدراسة إلى حياة معاشة.

 

الكتاب المقدس

  نحن نؤمن بالله، ونؤمن بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله المكتوبة، وأنه روح وحياة يقودنا في رحلتنا في هذا العالم، يرشد ويعلم، يبكت ويعزي، يشرح ويفسر من أجل أن تستنير حياتنا بكلماته وشخصياته ومواقفه وتعاليمه.

نعم ؛ إن من قرأ الكتاب المقدس وتأثر به يكن له في قلبه مكانة عظيمة ويشعر بأهميته القصوى للحياة. ولا أظن أنه يستطيع أن يحيا حياة حقيقية بدون هذا الكتاب العظيم.

ولذلك ، وبنفس الطريقة التي حاول بها الشيطان أن يسقط حواء: "أحقاً قال الله" (تك 3 : 1)، يحاول اليوم أن يهاجم أبناء الله بنفس الحيلة:"هل الكتاب المقدس هو حقاً كلمة الله؟" فهو يعلم أن الكتاب المقدس هو القادر بقوته وسلطانه أن يقوض مملكة الشر ويقضي على سلطان إبليس. ولذا فقد حاول عبر العصور أن يستخدم كل أسلحته لينال من هذا الكتاب ولكن دون جدوى فقد ثبت وانتشر واثر في العالم ونفوس البشر بطريقة لم يسبق لها مثيل.

ولكثرة ما تعرض له الكتاب المقدس من هجوم أصبح الكتاب الوحيد الذي لا يخشى شيئاً فقد انتصر على كل ضروب النقض والتشكيك حتى أنه لم يبقى للمعارضين أن يقولوا شيئا جديداً، ولذا افخر يا عزيزي الشاب فكتابك قد انتصر على كل عدو حاول أن ينال منه ولا يوجد سؤال أو تشكيك إلا وإجاباته حاضرة تماماً. إننا اليوم نشكر الله من أجل أنه يحول كل شر إلى خير، فقد أظهرت حملات الهجوم الشرسة الشريرة قوة هذا الكتاب العظيم بدلاً من أن تنال منه.

ولكن ، ورغم كل ذلك ما زال هناك من يسال هل من الممكن أن يصيب هذا الكتاب أي تحريف أو تغيير أو تعديل أو أن يكون قد أصابه التحريف في فترات سابقة؟ وما هي الشهادات العلمية والتاريخية والنبوية التي تؤكد على صدقه؟

وسوف نتناول في هذه الكلمات شهادات قليلة من كثير ، تؤكد استحالة أن يصيب الكتاب أي تحريف، منها شهادة المخطوطات الكثيرة ، وشهادة العلم ، والتاريخ والنبوات.

1. شهادة المخطوطات الكثيرة:

يقول روبرتس في كتابه عن نقد العهد الجديد (عن كتاب ثقتي في الكتاب المقدس):" إنه يوجد نحو عشرة آلاف مخطوطة للفولجاتا اليونانية، وعلى الأقل ألف مخطوطة من الترجمات القديمة ونحو 5300 مخطوطة يونانية للعهد القديم بكامله، كما يوجد لدينا 24 ألف مخطوطة لأجزاء من العهد الجديد، كما أننا نقدر أن نجمع أجزاء كثيرة من العهد الجديد من اقتباسات الكتاب المسيحيين الأولين"

ويعود الكثير من هذه المخطوطات للعهد الجديد إلى القرون الأولى للمسيحية - ويمكن أن نفرد لدراسة المخطوطات دراسة مستقلة - وجميعها تؤكد على صدق الكتاب الذي بين أيدينا.

2. صحيح علميا:

تحدث الكتاب المقدس عن بعض الحقائق العلمية والتي لم يستطع العلم اكتشافها إلا بعد قرون طويلة مثل:

الأرض كروية                إشعيــــاء 40 :  22

دورة الماء في الطبيعة         أيــوب 36 : 27 ، 28   ، جامعة 1 : 6 ، 7  و 11 : 3 ، عاموس 9 : 6

الأرض مثبتة في مكانها بقوة غير مرئية (قوة الجاذبية الأرضية)  أيـــــوب 26 : 7

الدم البشري واحد بين كافة الأمم والشعوب  أعمال 17 : 26

ضرورة عزل المرضى بأمراض معدية             لاويين 13 : 46

ضرورة التخلص من فضلات الإنسان    التثنية 23 : 12 ، 13

كيف تفسر أن الكتاب المقدس تحدث عن حقائق علمية قبل أن يكتشفها العلماء بمئات السنين؟

هل تستطيع أن تجد أي آيات كتابية تتعارض مع العلم الحديث؟ (لقد حاول أعداء الكتاب أن يجدوا ما يناقض العلم في الكتاب وقالوا كيف يقول الكتاب أن الأرض كروية بينما هي في حقيقة الأمر – حسب الاعتقاد القديم – مسطحة وممدودة ، ومضت الأيام وصعد الإنسان إلى الفضاء وقام بتصوير الأرض فوجدها كما قال الكتاب نماماً، ومرة أخرى قالوا كيف تثبت الأرض على لا شئ فهي مثبتة على قرني ثور ضخم أو مثبتة عن طريق الجبال – حسب الاعتقاد القديم – ومضت القرون وتم اكتشاف قانون الجاذبية ورأينا بعيوننا ما قاله الكتاب أن الأرض معلقة في السماء على لا شئ بواسطة قوانين الجاذبية.  ونستطيع أن نذكر الكثير من الأمثلة المشابهة)

3. صحيح تاريخياً:

هل أكد علم الحفريات على صحة أحداث الكتاب المقدس؟ نعم فقد أثبتت الحفريات صدق الكتاب الكامل ، وقد وجد علماء الحفريات الكثير من حفريات بعض الشعوب القديمة مثل الحثيين والتي لم تكن معروفة قبلاً إلا من خلال الكتاب المقدس ، ووجدوا فلك نوح بنفس أبعاده فوق جبل أراراط ، ووجدوا لوح موآب وقصته الشهيرة، والكثير غيرها وقد قال في هذا عالم الاثار نلسون جلويك (ونقله روبرتس في كتابه): "لم يحدث اكتشاف اثري واحد ناقض ما جاء في الكتاب المقدس. إن التاريخ الكتابي صحيح تماماً بدرجة مذهلة، كما تشهد بذلك الحفريات والآثار".

كما أننا نجد أن جميع الشخصيات ، والأماكن، والشعوب ، والأسماء، والأحداث التاريخية التي ذكرها الكتاب هي صحيحة تماماً ومثبته تاريخياً، وقد تحدثت الشعوب القديمة عن الكثير من حوادث الكتاب المقدس مثل الخليقة والطوفان وبرج بابل، فعلى أي شئ يؤكد هذا؟

ومن المستحيل أن يدعي شخصاً تحريف الإنجيل ويقدم دليلاً على ذلك فلا يستطيع أي مدعي أن يجيب على هذه الأسئلة: متى حرف الإنجيل؟ من حرف الإنجيل؟ أين حرف الإنجيل؟ لماذا حرف الإنجيل؟ لو حرفت كلمة الله ، لماذا لم يمنع الله هذا التحريف؟

فالسؤال الأول مستحيل الإجابة إليه لأنه توجد لدينا مخطوطات قديمة جداً للكتاب المقدس والآلاف من اقتباسات الآباء منه كما تشهد الكتابات القديمة له. والسؤال الثاني مستحيل الإجابة عليه لأنه لا توجد مصلحة لأحد في هذا التحريف، ولو حرفه اليهود لكانوا قد استبعدوا الآيات التي تسئ إليهم وتذكر أعمالهم الشريرة في حق الله و الأنبياء ولحذفوا أخطاء الأنبياء. ولو حرفه المسيحيون لحذفوا الإهانات التي وجهت للسيد المسيح، ولاستغل اليهود هذه الفرصة وشهدوا عليهم لأنهم كانوا موجودين في هذه الفترة. والسؤال الثالث مستحيل الإجابة عليه لأنه لم تمض سوى سنوات قليلة من البشارة بالإنجيل وكان الإنجيل قد انتشر في أغلب مناطق العالم القديم ومن المستحيل أن تجمع كل هذه المخطوطات من أنحاء العالم لتحريفها. ومن المستحيل الإجابة على السؤال الرابع لأنه لا يوجد سبب واحد يدعو المسيحيين أو اليهود لتحريف الكتاب المقدس الذي سفكوا دمائهم من أجل الحفاظ على الإيمان الموجود به.

وتأتي الحقيقة الأخيرة أن كلمة الله لا تحرف لأن الله هو الذي يحفظها عبر الزمان وحاشا لله العظيم القدرة أن يترك كلمته للتحريف. فكل شخص يدعي تحريف الكتاب المقدس إنما يفتري في المقام الأول على الله له كل المجد والقدرة والعزة.

لقد دافع الفخر الرازي (543-606هـ)، أحد مشاهير أئمة الإسلام عن صحة الكتاب المقدس وسلامة نصّه، فقال 327: "كيف يمكن التحريف في الكتاب الذي بلغت آحاد حروفه وكلماته مبلغ التواتر المشهورة في الشرق والغرب؟ وكيف يمكن إدخال التحريف في التوراة مع شهرتها العظيمة بين الناس؟.. إن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى تغيير اللفظ، فكل عاقل يرى أن تغيير الكتاب المقدس كان متعذّراً لأنه كان متداولاً بين أناس كثيرين مختلفي الملل والنحل. فكان في أيدي اليهود الذين كانوا متشتتين في أنحاء الدنيا، بل كان منتشرا بين المسيحيين في أقاصي الأرض.."

عزيزي، وقد تأكدت الآن من استحالة تحريف الكتاب المقدس ، وتعرفت على قوته وسلطانه فهل تبدأ في قراءته ودراسته بانتظام؟

 

رسالة معلمنا بولس الرسول إلى تيطس

تركز هذه الرسالة الرائعة على أهمية الأعمال الصالحة في حياة الكنيسة بأساقفتها وقسوسها وشعبها بأكمله.

وقد كتب الرسول بولس هذه الرسالة إلى تيطس أسقف جزيرة كريت، التي اشتهر أهلها بالكذب والشراسة (1 : 12 ، 13). وقد كان تيطس أممياً وواحداً من تلاميذ الرسول بولس الذين آمنوا على يديه ، وقد صحب بولس وبرنابا إلى أورشليم بعد حوالي 17 سنة من إيمان الرسول بولس.

وتحتوي هذه الرسالة على نصائح عملية للأسقف صغير السن لتساعده على قيادة الكنيسة وتحذره من الهرطقات الموجودة في وقته. ويطلب الرسول من تيطس أن يأتي إليه ليخبره بأحوال الكنيسة في هذه الجزيرة.

وبالرغم من كون هذه الرسالة هي رسالة شخصية إلا أنه من المحتم أنها قرأت على الكنيسة في كريت أيضاً.

أعمال الأسقف (تيطس 1)

يتحدث الرسول بولس عن نفسه في هذه الرسالة أولاً كعبد لله وثانياً كرسول للرب يسوع المسيح. فالرسول بولس يحب أن يدعوا نفسه عبداً للمسيح، فرغم أن الله أعطاه الحرية الحقيقية الكاملة إلا أنه يتمتع بكونه عبداً للمسيح واهب هذه الحرية. فمن المزعج أن تكون عبداً لسيد قاس يسعى لإذلالك وتقييدك. ولكن المتعة كل المتعة أن تكون عبداً بإرادتك لذاك الذي رفض أن يلقبنا عبيد بل أبناء أحباء. هي عبودية الحب الجميل لا القسوة المذلة.

هو رسول ( 1 : 1) ليس كامتياز يجعله يتكبر على الآخرين أو يهملهم بل من أجل أن يضم مختاري الله إلى الإيمان ويعرفهم الحق الذي هو حسب التقوى.

ونرى الرسول وهو يركز عينيه على رجاء الحياة الأبدية ، فقد كان شيخاً في هذه الأيام منتظراً ملاقاة الرب متطلعاً إلى الحياة الرائعة في السماء "على رجاء الحياة الأبدية التي وعد بها الله المنزه عن الكذب قبل الأزمنة الأزلية" (1 : 2).

وقد ترك الرسول بولس تلميذه تيطس في كريت لكي يرتب الأمور الناقصة ويقيم القسوس في وقت كانت كريت فيه بحاجة إلى عناية شديدة بسبب تدهور أحوالها.

كيف نتصرف في منازلنا؟ أي نوع من المسيحيين نحن داخل بيوتنا؟ هذا هو اختبار مسيحيتنا الحقيقي، أن نسلك كما يحق لإنجيل المسيح في بيوتنا أولاً. فالخدمة المسيحية لبيوتنا هي بداية الطريق الحقيقي نحو خدمة الكنيسة ككل، فحينما يكون البيت مسيحياً حقيقياً يكون مجتمعنا كله مسيحياً حسب إرادة الله.

ولذا يجب أن يكون الراعي قدوة طيبة أمام شعبه في رعاية بيته، له زوجة واحدة طوال حياته ، ولو انتقلت إلى السماء لا يسمح له بالزواج بثانية. له أولاد مؤمنين حقاً لا يقدر أحد أن يشتكي على سلوكهم أو تصرفاتهم. لأنه إن لم يستطع أن يرعى بيته فكيف يرعى كنيسة الله.

يجب أن يكون الراعي مثالاً أخلاقياً على أعلى مستوى يمتنع عن كل شر وكل رغبة قبيحة وكل سلوك شائن وكل ربح قبيح. متمتعاً بالفضائل المباركة مضيفاً للغرباء ، محباً للخير ، متعقلاً ، باراً، ورعاً ، ضابطاً لنفسه.

يجب على الراعي أن تكون له علاقته الحية الدائمة بكلمة الله الصادقة قادراً على الوعظ و التعليم الصحيح. بل وأن تكون له القدرة على توبيخ الذين يحاولون خداع العقول البسيطة بتعاليم مضللة بقصد تحقيق المكسب المادي.

وقد اهتم الرسول بذلك نظراً لتعرض كريت إلى الكثير من المعلمين الكذبة متسببين في خراب البيوت رغبة في الربح القبيح. هؤلاء الذين يتكلمون بالباطل ويخدعون العقول، ولا سيما الذين من الختان (اليهود). يحاولون أن يدخلوا خرافات يهودية ووصايا لأناس ليست حسب الحق. ولذا يدعوهم الرسول "رجسون" ، "مرفوضون" (1 : 16). ويخبرهم أنه  يجب عليهم أن يتوقفوا عن تعاليمهم. ويوصي تلميذه أن يداوي أعمالهم بتوبيخ الشعب بصرامة لكي يكونوا أصحاء في الإيمان (1 : 13).

ليس الإيمان مجرد إدعاء بأننا نعرف الله ولكن أعمالنا تختلف كثيراً عن هذه المعرفة ، نتصرف بطياشة في كثير من الأحيان وكأن الله لا يرانا. أن نؤمن بالله هو أن نعمل حسب إرادته الصالحة، أن تثق بوجوده في حياتنا في كل لحظة، أن نتبعه في كل خطواته.

أعمال أبناء الكنيسة (2):

يعلن الرسول بولس أنه من الضروري أن يظهر الإيمان بالأعمال في حياتنا، فيرسل كلمته إلى الأشياخ والعجائز (2 : 2 ، 3) موصيا تيطس أن يخبرهم بالأعمال التي يجب أن يتحلوا بها والتي ينبغي أن يعلموا الحدثات والأحداث بها (2 : 4 – 6). ولا ينسى الرسول أن يذكر العبيد بالصفات التي يجب أن يتحلوا بها (2: 9 ، 10).

فينبغي أن يتحلى الأشياخ بالوعي والوقار والصحة ، ليس الصحة الجسدية ، ولكن صحة الإيمان والمحبة والصبر.

والعجائز في سيرة مقدسة ، بعيدات عن كلام النميمة الذي لا ينفع، وعن الخمر الذي يفقد العقل والإرادة، ليس ذلك فقط بل ويكونوا قادرين على تعليم الصغيرات أيضاً لكي يكن زوجات وأمهات صالحات ويتسبب سلوكهن الحسن في تمجيد الله كشهود للمسيح أمام مجتمع ربما يكون وثنياً لا يعرف الله.

أما الأحداث فيجب أن يتحلوا بالتحكم بالنفس ، وألا يسيروا وراء اندفاعات الشباب التي تهلك الحياة في كثير من الأحيان.

والعبيد يكونوا مثالاً جيداً لسادتهم ، ليعرفوا الفرق بين العبد المسيحي وغيره،  يطيعونهم ويرضوهم في كل شئ ولا يخالفون أوامرهم ، أن يكونوا أمناء غير مختلسين مبينين تعاليم إلههم في كل شئ.

وفي كل هذا يكون تيطس المعلم هو المثال والنموذج:" مقدماً نفسك في كل شئ قدوة للأعمال الصالحة ومقدماً في التعليم نقاوة ووقاراً وإخلاصاً" (2 – 7).

المبادئ الثلاثة الهامة ( 2 : 12 – 13):

-  أن نترك حياتنا القديمة : منكرين الفجور والشهوات العالمية.

-  أن نحيا حياة جديدة: فنعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر.

- أن ننتظر مجيء الرب الثاني: منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح.

يسوع المسيح الذي بذل نفسه من أجل فداءنا من كل إثم ، يسوع المسيح الذي يريد أن يطهرنا لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة.

هذا هو سلطان الراعي أن يتكلم ويعظ ويوبخ من أجل أن يصل برعيته إلى هذه الحياة الجديدة والملكوت الأبدي دون أن يستهن أحد به.

المسيحي مواطن صالح (3):

يستحث الرسول بولس مواطني ملكوت الله (أبناء الكنيسة المجيدة) أن يكونوا مواطنين صالحين أيضاً في مجتمعاتهم أياً كان العلم الذي يعيشون تحته. فيجب أن يخضع المسيحي للرياسات والسلاطين مقدمين لمجتمعاتهم ما يستطيعون من الأعمال الصالحة.

لا تقل أي شئ عن الشخص طالما أنك لا تستطيع أن تقول عنه كلاماً طيباً ، هذه وصية طيبة إذا استطعنا اتباعها أن لا نطعن في أحد.

يجب أن يكون المسيحي رجل سلام ومسامحة ووداعة للجميع وليس لفئة معينة من الناس.

يجب أن يتذكر المسيحي في كل وقت أن حياته هذه بكل ما فيها من بركات وأعمال صالحة إنما هي ثمرة لعمل الرب من أجله ، فلولا عمل الرب لكنا ضائعين في  حياة الجسد الفاسدة.

"ولكن حين ظهر لطف مخلّصنا الله وإحسانه، لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس، الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلّصنا، حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية" (3 : 4 – 7).

وينهي الرسول رسالته بتحذيره من المباحثات الغبية وتذكيره بالأعمال الحسنة ويدعوه إلى زيارته ويرسل تحيات العاملين معه.

 

مقدمة في رسالة معلمنا بولس الرسول إلى فليمون

تظهر لنا رسالة فليمون بوضوح المحبة والصفح المسيحي. فهي توضح لنا قوة البشارة بالإنجيل في ربح العبد السارق الهارب، وفي تغيير فكر السيد نحوه. حقاً أنها رسالة في " المسيحية التطبيقية"، وموسوعة في "الخدمة الاجتماعية".

هذه الرسالة هي رسالة شخصية مكتوبة من الرسول بولس إلى فليمون، مكونة من إصحاح واحد ، فقط من خمس وعشرين آية، ولكنها تحتوي على عبارات قوية جميلة ، مع تعبيرات فائقة الروعة  والتأثير، مما يجعلها جوهرة في كتاب الكتب - الكتاب المقدس.

وحينما نقرأ رسالة فليمون ينبغي أن نلاحظ اللطف واللباقة في كتابتها ، وكيف أن رسائلنا الشخصية من الممكن أن تصطبغ بهذه الصبغة الرائعة حتى تكون خدمة حقيقة لله المحب إذا أردنا حدوث ذلك.

وفي هذه الرسالة يتشفع الرسول بولس عند فليمون (الذي كان عضواً بارزاً في كنيسة كولوسي) من أجل عبداً هارباً كان يدعى أنسيموس الذي سرق سيده وهرب إلى روما. وبترتيب إلهي قابل الرسول بولس وجهاً لوجه حيث تعرف على شخص السيد المسيح المبارك الذي جاء ليهب الحرية للعالم أجمع. وقد صار محبوباً للرسول بولس بما قدمه من خدمة مخلصة نافعة.

ولكن الرسول بولس كان يعلم أنه عبد لفليمون حسب القانون الزمني ولذلك فإنه لم يفكر قط في أن يستبقيه لديه بصفة دائمة، فأعاده إلى سيده مقدماً له المبررات التي تشجعه على قبوله مرة ثانية، وقد جعل نفسه ضامناً شخصياً لدين أنسيموس طالباً من فليمون أن يضعه على حسابه.  وبهذا كان يحمي أنسيموس من العقوبة الشديدة التي كان يستحقها نتيجة عمله حسب القانون الروماني.

كما تناقش هذه الرسالة قضية العبودية والرق. فلم يطالب الرسول بإلغاء العبودية والرق ولكنه أوضح أنه من المستحيل أن تكون العبودية ثمرة من ثمار المسيحية. فهذه الرسالة الجميلة من رسول المسيح العظيم المقيد من أجل الإنجيل تبشر بالوقت حينما تنتصر قيود محبة المسيح على أغلال العبودية.

وقد كان أنسيموس واحداً من عبيد العالم القابعين تحت قبضة سادتهم. ففي سنة 300 ق.م. كان هناك 21000 مواطن في أثينا وحدها يملكون حوالي 400000 من العبيد. ولم تختلف هذه النسبة كثيراً في أيام الإمبراطورية الرومانية وقت كتابة هذه الرسالة، فكان السيد الروماني يملك من 10 إلى 200 عبداً ، وكان البعض يملكون ألفاً أو أكثر الذين لم يكن لهم أي حقوق في الحياة أو الحرية.

أولاً: الرسول بولس يلتمس من أجل أنسيموس (1 – 25)

هذه الرسالة من بولس الشيخ (9) أسير يسوع المسيح ، فقد كان في حوالي الستين من عمره حينما كتب هذه الرسالة وكان مقيداً في سجون روماً ليس من أجل شر أقترفه أو عمل يخجل من ذكره بل من أجل البشارة بالإنجيل. وهل يستطيع أحد مهما كان أن يرفض طلباً لشخص له مثل هذه المواصفات؟

هي رسالة صديق لصديقه " إلى فليمون المحبوب والعامل معنا" (1). وهو لا يقول هذا من أجل إشباع غرور فليمون أو إرضائه بل لأنه ينظر دائماً إلى جانب المضيء الجيد في حياة من يتعامل معهم.

وهي رسالة إلى أسرة مسيحية تقية من أسر مدينة كولوسي: الرجل (فليمون) ، وزوجته (أبفية) ، وابنهما (أرخبس). وربما كان بيتهم كنيسة صغيرة بالمعنى الحرفي حيث تقام بها الخدمة الكنسية فعلياً. أو بمعناه المجازي حيث أن كل أسرة مسيحية مباركة هي كنيسة صغيرة. نواة لكنيسة المسيح المجيدة.

وربما كان واحداً من أهم أسباب الضعف الروحي في حياتنا هو اختفاء كنيسة المنزل والمذبح العائلي حينما تلتف الأسرة حول عريسها السماوي تتمتع بالحديث معه في الصلاة والاستماع إلى كلماته من خلال الكتاب المقدس.

هي رسالة إلى شخص محب ومؤمن ، له هذه الصفات الرائعة نحو الرب وجميع القديسين أعضاء جسد المسيح حتى أن الرسول سمع بها رغم بعد المسافة بينهما واهتم أن يصلي إلى الله شاكراً إياه من أجلها وأن يزيده الله صلاحاً وفاعلية (4 – 7).

ومن الجميل في هذه الرسالة أن الرسول بولس قد امتنع عن استخدام سلطانه الرسول من أجل حل هذه المشكلة ، ولكنه كدارس متميز للطبيعة البشرية قام باستعطاف فليمون بدلاً من أن يأمره، رافعاً من شأن أنسيمس إلى مرتبة الابن الذي ولده بينما هو مقيد من أجل اسم المسيح (8 –10).

ثم يستخدم الرسول بلاغته اللغوية حينما يتحدث عن أنسيموس Onhsimov ومعنى اسمه نافع فيقول أنه "كان قبلاً غير نافع لك ولكنه الآن نافع لك ولي" (11). وهذا هو عمل السيد المسيح في النفوس الغير نافعة فيحولها بقوته ونعمته إلى نفوس نافعة تأتي بثمار ثلاثون وستون ومائة.

ومن الملاحظ أن الرسول بولس وهو يقترب من طلبه الرئيسي من فليمون لا يفعل ذلك مرة واحدة ولكنه يستخدم التدرج الرقيق حتى يستطيع أن يمتص غضب فليمون ومرارته الناتجة عن هروب عبده بعد أن سرقه.

كما نرى أن طريقة الرسول بولس في معالجته لقضية العبد السارق تشبه  - مع الفارق – طريقة السيد المسيح في تعامله مع خطايانا. فلم يقلل بولس من خطأ  أنسيموس ولكنه طلب من فليمون أن يسامحه على أساس المحبة المتبادلة بينهما كما تعهد أن يقوم بسداد الدين بالكامل. وهذه هي رسالة الإنجيل أن المسيح – له كل المجد – حمل خطايانا وأخذ مكاننا ومات عنا وقام ليهبنا الحياة الأبدية ، لا كعبيد بل كأبناء أحباء.

ثانيا: المعالجة الاجتماعية

إن السر في حل المشكلة الرئيسية في هذا السفر - قبول أنسيموس السارق الهارب - يأتي من محبة المسيح الغير نهائية ، والتي سادت العلاقة بين فليمون وأنسيموس بعد ذلك "لا كعبد في ما بعد بل افضل من عبد أخا محبوبا ولا سيما إلىَّ فكم بالحري إليك في الجسد والرب جميعا" (16)

وهذه الرسالة تعطي فكرة واضحة نحو موقف المسيحية من التنظيمات الاجتماعية العالمية.

فالموضوع الرئيسي هو العبودية التي كانت سائدة في العالم في ذلك الوقت. فإذا كانت العبودية خطأ فلماذا لم يقل الرسول بولس ذلك صراحة بدلاً من هذه الرسالة لطلب الصفح من أجل عبد هارب؟

هل تتوقع ما كان يمكن حدوثه إذا فعل الرسول ذلك ؟ بالطبع فإن معالجة كهذه تتسبب في تمزيق المجتمع ، قيام الانقلابات ، تهديد الأمن ، موت العبيد والسادة أيضاً .. إلى آخر هذه المظاهر بنتائجها الوخيمة.

ولكنه بدلاً من ذلك وضع المبادئ العامة القادرة على ضعضعة نظام العبودية عالماً بأنه حتماً سيأتي الوقت حينما تنتشر هذه المبادئ في كل مكان وينتهي هذا النظام بطريقة هادئة سلمية. فحرية الأخوة والعضوية في جسد المسيح أقوى بكثير من أي عبودية عالمية. فالمسيحية لا تحرر العبيد فقط ولكنها تؤكد أن العبيد والسادة  كلاهما أعضاء متساوين في جسد المسيح.

وفعلاً فقد تحرر العالم من هذه التجارة البغيضة بفضل تعاليم الكتاب المقدس العظيم.

ولكن وللأسف فإن إنسان اليوم يغمض عينيه عن تعاليم المسيح، ويتورط في هذه التجارة المريعة تحت أسماء أخرى في العديد من بقاع العالم ، فنجد أن الأجساد والنفوس تمتهن وتباع وتشترى بطريقة لا ترضي إلهنا الذي جاء من أجل أن يطلق المسببين أحراراً .

وإن كان الرسول قد أملى هذه الرسالة على تيموثاوس أو تيخيكس  كما هي العادة في هذه الأيام إلا أننا نراه وهو يأخذ قلم الكتابة ويكتب بيده "أنا بولس ، كتبت بيدي ، أنا أوفي ، حتى لا أقول لك أنك مديون لي بنفسك أيضاً" (19)

وفي هذا إشارة إلى التزام بولس بالوفاء بالدين ، رغم علمه بأنه صاحب معروف كبير على فليمون نفسه ، ربما أن إيمان فليمون كان بسبب تعاليم الرسول العظيم.

ندعوك أن تنمو معنا وأن تتعمق في معرفة الكتاب المقدس يوماً بعد يوم

 

سفر عوبديا

تعتبر مدينة "بترا" واحدة من عجائب الدنيا، فهي مدينة متفردة في نوعها بين جميع أعمال الجنس البشري لأنها تقع في مكان عال خطير مثل أعشاش النسور (عوبديا 4) في وسط جبل نائي منعزل من الصعب الوصول إليه. فالطريق الوحيد للوصول إلى هذه المدينة من خلال شق صخري عميق يصل طوله إلى أكثر من ميل، وعلى كل من جانبيه منحدر صخري شاهق يصل ارتفاعه إلى 700 قدم. وبهذا التكوين الطبيعي كانت المدينة قادرة على صد أي هجوم خارجي من الأعداء مما أصاب أهلها بالغرور والكبرياء.

وقد كان بهذه المدينة حوالي ألف هيكل وثني كانت محفورة في الصخرة الوردية المكونة لمنحدراتها الصخرية. كما كان سكانها من سكان الكهوف المنحوتة في الصخور الحمراء المكونة من الحجر الرملي في أماكن يصعب الاعتقاد بأن من الممكن أن تتسلق لها قدم إنسان.

وقد كانت هذه المدينة ومعنى اسمها "الصخرة" والتي تسمى الآن " المدينة الصامتة من الماضي المنسي" عاصمة ل "سعير" التي سكنها عيسو بعد أن باع بكوريته لأخيه يعقوب. وقد كان جبل سعير عبارة عن جبل أحمر شديد الانحدار مكون من الحجر الجيري جنوب البحر الميت وبجوار النجد العربي المتسع. وقد كان هذا الجبل مسكونا بالحوريين (تك 14 : 15 ، 16)، قبل أن يطردهم نسل عيسو منها (تثنية 2 : 12).

وقد أطلق اسم الأدوميين على نسل عيسو الذين كانوا يخرجون في حملات للغزو ثم يعودون إلى كهوفهم وقلعتهم الحصينة حيث كانوا يقيمون. وقد كانت هناك عداوة شديدة بين الأدوميين واليهود منذ الخلاف القديم الذي بدأ بين عيسو ويعقوب حينما سرق يعقوب البركة من أخيه.

ولم يمتنع الأدوميون يوما عن مضايقة إسرائيل ومساندة الجيوش التي كانت تحارب اليهود. واثناء حكم المكابيين أصبحوا العدو اللدود لليهود. وقد استطاعوا من خلال هيرودس الأدومي أن يكون لهم الحكم على إقليم اليهودية. وقد اختفى الأدوميين من التاريخ تماماً في نفس الوقت الذي تحطمت فيه أورشليم على يد تيطس سنة 70م.

ويعتبر سفر عوبديا من اسفار الأنبياء الصغار هو اقصر أسفار العهد القديم وعدد آياته 21 عدداً ولكنه يحتوي على موضوعين هامين جداً هما:

1.     عقاب المتكبر

2.     نجاة المتضع

فالسفر يتحدث مباشرة إلى آدوم وصهيون اللذان يمثلان ابني اسحق عيسو ويعقوب. ولكنه يتحدث أيضا إلى الإنسان بصفة عامة سواء كان إنساناً أرضياً كعيسو بما في حياته من انتفاخ وكبرياء. أو الإنسان الروحاني مثل يعقوب الذي اختاره الله الذي سلم حياته لله وطلب بركته.

1. عقاب المتكبر (عوبديا 1 – 16)

لا نعرف كثيراً عن عوبديا النبي فمعنى اسمه "عابد يهوه ، عابد الرب" ، وقد كان معاصراً لإرميا النبي على ارجح تقدير. أما مناسبة كتابة هذا السفر فنجدها في العدد 11 حينما يتحدث إلى آدوم:"يوم وقفت مقابله يوم سبت الاعاجم قدرته ودخلت الغرباء أبوابه والقوا قرعة على أورشليم كنت أنت أيضاً كواحد منهم". وعليه تكون مناسبة كتابة هذا السفر هو ذلك اليوم حينما سبى نبوخذ نصر مملكة يهوذا إلى بابل ، ويومها ساعد الأدوميين الغزاة فكانوا يمسكون باليهود الفارين من أمام ملك بابل ليبيعوهم كأسرى ، آخذين دور حلفاء الأعداء، ناظرين شامتين مهللين لضيقة أخوتهم (7 – 14).

وفي هذا السفر إدانة للكبرياء والأنانية واللامبالاة والروح العدائية التي أظهرتها آدوم نحو جيرانهم وأخوتهم

فلم يكتف الآدوميين بأن يتخذوا موقف سلبياً نحو تحطيم البابليون لأورشليم ولكنهم ساهموا جزئياً في سبيها وإفسادها. وكان الأولى بهم أن يساعدوها ضد أعداءها.

فالله أوصى اليهود بالأدوميين في سفر التثنية قائلا:"لا تكره أدومياً لأنه أخوك" (تث 23 : 7). ولكن آدوم قابلوا هذه المعاملة بالعكس بدءاً من عدم سماحهم لليهود أن يمروا بأرضهم وهم في الطريق إلى كنعان وهددوهم بالحرب (عد 20 : 14 – 21). إلى ما حدث في السبي البابلي حينما صرخ آدوم يشجع الأعداء أن ينالوا من أورشليم قائلين:"هدوا هدوا حتى إلى أساسها" (مزمور 137 : 7).

وبسبب ما صنعه الأدوميين في يوم شدة إسرائيل، بسبب كبرياءهم وكرههم وجشعهم فإن عوبديا يتنبأ عليهم قائلاً:" إن كنت ترتفع كالنسر وان كان عشك موضوعاً بين النجوم فمن هناك أحدرك يقول الرب" (4) ،"من أجل ظلمك لأخيك يعقوب يغشاك الخزي وتنقرض إلى الأبد" (10).

لا أمل لهم ، ولا يستطيع أحد أن ينقذهم لأنه " كما فعلت يفعل بك. عملك يرتد على رأسك" (15).

وفعلاً لم يمض خمس سنوات على سبي اليهود إلى بابل إلا وأتى نبوخذ نصر ملك بابل عابراً إلى مصر في الطريق الحربي عبر وادي عربة ، فقضى على الأدوميين - الذين سبق ووقفوا بجواره ضد يهوذا - في طريقه. ولم يعودوا يذكرون كشعب اعتباراً من سنة 150 ق.م . و زال اسمهم بالكامل في نفس وقت تحطيم الرومان لأورشليم سنة 70م. ولم تقم لهم أي قائمة.

2. نجاة صهيون (17 – 21)

ويختتم السفر بوعد بنجاة صهيون:" وأما جبل صهيون فيتكون عليه نجاة ويكون مقدساً" (17) ، وفي هذا وعد بعودة المسببين مرة أخرى إلى أراضيهم وليس لأراضيهم فقط بل ويأخذون ارض آدوم أيضاً (19). حتى تأتيهم النجاة الحقيقية على يد السيد المسيح الذي خلص العالم أجمع وفك أسره من قبضة إبليس وجنوده ، حينما صلب ومات وقام من بين الأموات، حينما كسر شوكة الموت والخطية، حينما فك أسرى الرجاء. مؤسساً كنيسته ، صهيون الجديدة ، واعدا كل من يؤمن به بأورشليم الجديدة في ملكوت السموات. حينما تدين الكنيسة المجيدة كل شر وخبث وكبرياء ممثلاً في الأشرار الذين قاوموا القديسين كما قاوم آدوم  أبناء الله.

 ملاحظات على النص:

عوبديا (1) hydbe اسم عبري معناه "عبد يهوه أو عابد يهوه" والكلمة مكونة من مقطعين dbe (عاباد) بمعنى عبد ، hy (ياه) وهو تصغير لكلمة hwhy (يهوه) بمعنى الكائن ، وهو اسم علم للرب في العهد القديم.

آدوم (1) Mda ومعناها "أحمر" وقد أطلق هذا الإسم على عيسو لحمرة بشرته، وعلى نسله من بعده، كما أطلق على الأرض التي سكنوها نسبة إلى أبيهم أو لطبيعة جبالها الحمراء اللون.

خصاصة (5) : الخصاصة هو ما يتبقى في الكرم بعد حصاده أي القليل جداً.

عيسو (6): اسم عبري معناه " مشعر "، وهو أكبر التوأمين اللذين ولدتهما رفقة " بنت بتوئيل لإسحق بن إبراهيم " والمقصود هنا الأرض التي سكنها نسله.

التخم (7): يقصد بها الحدود.

تيمان (9): مدينة في شمال آدوم مشهورة بأبطالها وحكمائها وتنسب الى تيمان بن اليفاز بكر عيسو.

يغشاك (10): يغطيك

سبت (11): السبي هو أسر الشعب ونقله إلى مكان بعيد عن أرضه.

الأعاجم (11): الذين يتكلمون بلسان غير لسان أهل البلد ، والمقصود الغرباء أو الأجانب.

تفغر فمك (12): أي تفتحه واسعاً دليل على الفرح والشماتة.

منفلتيه (14): الهاربين

 أسئلة للدراسة:

1.       عن أي الشعوب يتنبأ عوبديا النبي (1)؟ أذكر بعضاً من صفات هذا الشعب (2 ، 3 ، 10 ، 12 ، 13)؟

2.       ماذا فعل هذا الشعب بشعب يعقوب (10 – 14)؟ وما العقاب الناتج عن هذا العمل (4 – 9)؟

3.       تخبرنا الآيتان 15 ، 16 أن العقاب من نفس نوعية العمل. وضح ذلك.

4.       ما هي البركات التي يحصل عليها شعب الله في الأعداد 17 – 20؟

5.       العددان 17 ، 21 نبوة عن السيد المسيح وكنيسة العهد الجديد وضحها.

6.       في ضوء نص اليوم ما هو موقفنا تجاه خطية الكبرياء؟

 

سفر يوئيل

تعتبر نبوة يوئيل النبي من النبوات الهامة في الكتاب المقدس التي يستمتع المسيحي بقراءتها ودراستها وتطبيق ما جاء فيها عمليا في حياته اليومية. خاصة أنها تتحدث عن الانتعاش الروحي وحلول الروح القدس في كنيسة العهد الجديد. مما دفع الرسول بطرس إلى الاستعانة بها في حديثه إلى الجموع عند حلول الروح القدس في يوم الخمسين (أع 2 : 16).

ولا نستطيع أن نعرف عن شخصية يوئيل النبي أكثر مما جاء في مقدمة السفر:"قول الرب الذي صار الى يوئيل بن فثوئيل" (1: 1). واسم يوئيل lawy مشتق من كلمتين هما hwhy (يهوه) ومعناها الكائن وهو اسم الله ، و la (إيل) ومعناها الله، وعليه يكون معنى الاسم هو "يهوه هو الله". وفي الاسم اعتراف صريح بالإله الواحد في مقابل الآلهة الوثنية الكاذبة التي انتشرت في أرض يهوذا في ذلك الوقت حيث كانت نبوته.

وقد أكدت نبوة يوئيل أن الانتعاش الروحي إنما يأتي كنتيجة مباشرة للتوبة والاعتراف بالخطية:"ولكن الآن يقول الرب ارجعوا إلىّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح. ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر." (يوئيل 2 : 12 ، 13). فالمسيحي يستطيع أن يشعر بنعمة الله وعمل الروح القدس في حياته حينما يفتش قلبه بدقة عن كل خطية بغيضة، يتركها، يتوب عنها ، يعترف بها وحينئذ يتمتع بثمار الروح القدس في حياته ويكون غصناً مثمراً في كرم الرب.

وقد جاءت نبوة يوئيل بعد معاناة شديدة في ارض يهوذا بسبب غزو الجراد الفظيع الذي تعرضت له. فقد قضى الجراد على كل نبات ، على كل ثمرة ، بل وعلى كل عشب أخضر مخلفاً ورائه الخراب والدمار. فلم يجد لا الإنسان ولا البهائم أبسط أنواع القوت اليومي. وقد أوضح يوئيل أن هذه الضربة الشديدة إنما هي عقوبة سمح الله بها بسبب خطايا شعبه وابتعادهم عنه.

1. التحذير – ضربة الجراد (يوئيل 1)

كانت المجاعة المرعبة التي حدثت نتيجة لضربة الجراد الشنيعة وما صحبها من ندرة ودمار لفترة طويلة وموت للبشر والغنم نتيجة لنقص الطعام فرصة ليتحدث يوئيل إلى يهوذا مستخدماً هذه الضربة لدعوة شعبها إلى التوبة والرجوع إلى الله، متمنياً أن ينقذهم رجوعهم من قضاء أشد متمثلاً في دفعهم إلى أيدي أعداءهم وكأن الجراد هو تحذير أولي لشر أكبر سيأتي إليهم لو استمروا في شرَّهم وعنادهم.

وقد رسم لنا يوئيل النبي صورة واضحة لما حدث في ضربة الجراد مؤكداً أنه وبشهادة الشيوخ لم تحدث ضربة بهذه الشدة في أيامهم أو في أيام آبائهم - فعلى قدر الخطية كانت الضربة - طالبا أن يتناقلوا أخبارها إلى أولادهم وأحفادهم أيضاً حتى يتعلموا أن الابتعاد عن الله حتما سيؤدي إلى الخراب والدمار (يوئيل 1 : 2 ، 3). فقد تبارت أنواع الجراد في أطوارها المختلفة في دمار الأرض  (1 : 4)، حتى أن سكارى الخطية لابد أن يتعقلوا ويصحوا ويولولوا على خطاياهم لأن العصير قد أنقطع عن أفواههم بسبب المجاعة. فطالما أنهم لم يستطيعوا أن يعودوا إلى الله بأنفسهم فربما يعودوا إليه بمنع أسباب الخطية إجباريا عنهم (1 : 5). لقد ناح الكهنة أيضاً بسبب انقطاع تقديم الذبائح والتقدمات والسكائب إلى هيكل الله (1 : 9). لقد كان الدمار شاملاً حتى أن بهائم الصحراء قد تأثرت به (1 : 20).

وقد دعا يوئيل الشعب للتوبة :" تنطّقوا ونوحوا أيها الكهنة.ولولوا يا خدام المذبح.ادخلوا بيتوا بالمسوح يا خدام الهي لأنه قد امتنع عن بيت إلهكم التقدمة والسكيب". ( 1: 13). ثم استمر في وصف الضربة الموجعة.

لقد دعاهم أن يتعرفوا على الأسباب الحقيقية للنكبة، يجب أن ينوحوا ويقدموا توبة حقيقية. لقد كانت مناسبة عظيمة للنبي أن يبين لهم خطورة حالتهم فقد كانت آذانهم مصغية لأي إنسان لكي يوضح لهم سبب البلوى التي تسببت في مصيبتهم. ونحن هل ننتظر التجربة لكي تكشف خطايانا؟ أم نفحص ذواتنا ونتوب في هذا الوقت المقبول لكي ننجو من دينونة السماء والعقاب الأبدي حيث النار التي لا تطفأ، حيث تكون جميع فرص التوبة قد ضاعت؟.

2. الوعد – الصوم (يوئيل 2)

يفتتح هذا الإصحاح بضرب الأبواق والمناداة في جبل الله ليرتعد الحضور من عقاب الرب القادم في يومه:" اضربوا بالبوق في صهيون صوّتوا في جبل قدسي.ليرتعد جميع سكان الأرض لان يوم الرب قادم لأنه قريب" (2 : 1). وينادي بصوم عام للجميع ليغيروا قلوبهم فيه تجاه الله ، يصوم الجميع الكبار والصغار بل والرضاع أيضاً :"اضربوا بالبوق في صهيون قدسوا صوما نادوا باعتكاف.  اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الأطفال وراضعي الثدي ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها(2: 16). ليبك الكهنة ويطلبوا الرب من أجل الشعب بين الرواق والمذبح ويقولوا:" أشفق يا رب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار حتى تجعلهم الأمم مثلا.لماذا يقولون بين الشعوب أين إلههم؟" (2 : 17). إنها فرصة عظيمة للتذلل أمام الله حينما نشعر أن حالتنا غير مرضية، حينما نشعر أننا نعمل ما لا يوافق إرادة الله، حينما نشعر أن الخطية والعقاب يحيط بنا من كل مكان. حينئذ يأتي الوقت للتذلل وطلب معونة الله الذي يستجيب حتما لندائنا. حينما نشعر أن جراد العالم ممثلاً في الخطية والانشغال الدنيوي وعدم الرحمة قد حول جنة حياتنا إلى صحراء موجعة فلابد لنا أن نتجه إلى الله الذي يسرع في الاستجابة:"ويجيب الرب ويقول لشعبه هانذا مرسل لكم قمحا ومسطارا وزيتا لتشبعوا منها ولا أجعلكم أيضا عارا بين الأمم"(2 : 19). الله برجوعنا له يعطينا الوعد بالشبع الروحي الذي لا يستطيع أحد أن بنزعه منا يعطينا الوعد بالفرح السماوي وبركات الروح القدس التي لا توصف ( 2 : 21 – 24). يعطينا النجاة من كل مصادر الشر والخطية والجوع والجراد الذي يدمر حياتنا :"والشمالي أبعده عنكم واطرده إلى ارض ناشفة ومقفرة مقدمته إلى البحر الشرقي وساقته إلى البحر الغربي فيصعد نتنه وتطلع زهمته لأنه قد تصلّف في عمله" ( 2: 20). يعوضنا عن السنين التي أكلها الجراد ، السنين التي مرت بلا ثمر، السنين التي ابتعدنا عنه بقلوبنا وعقولنا وأجسادنا (2 : 25). فنأكل ونشبع ونسبح كما تقول النبوة:"فتأكلون أكلا وتشبعون وتسبّحون اسم الرب إلهكم الذي صنع معكم عجبا ولا يخزى شعبي إلى الأبد" ( 2 : 26).

حلول الروح القدس:

ثم يتحدث عن حلول الروح القدس على جميع أبناء الله بكل أعمارهم ودرجاتهم وفئاتهم بلا تفرقة :"ويكون بعد ذلك أنى اسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاما ويرى شبابكم رؤى. وعلى العبيد أيضا وعلى الإماء اسكب روحي في تلك الأيام" ( 2 : 28 ، 29). فيتمتعون بملكوت الله ويصيرون مسكنا حياً له يعملون ما يرضيه حسب مشيئته الصالحة.

يوم الرب:

ثم يتنبأ يوئيل عن يوم الرب الذي يذكره خمس مرات في هذه النبوة القصيرة حيث يأتي السيد المسيح في مجده ومجد أبيه ليدين الأحياء والأموات ويعطي كل واحد كحسب أعماله:" وأعطي عجائب في السماء والأرض دما ونارا وأعمدة دخان. تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف." (2 : 30 ، 31). وينبغي أن ينتبه المسيحي ويلاحظ نفسه وحياته حتى يستحق الدخول إلى ملكوت الله "ويكون أن كل من يدعو باسم الرب ينجو. لأنه في جبل صهيون وفي أورشليم تكون نجاة.كما قال الرب. وبين الباقين من يدعوه الرب" (2 : 32).

 

3. المستقبل – البركات (يوئيل 3)

ثم يتحدث يوئيل عن البركات التي يعد الله شعبه بها: فجميع أعداء أبناء الله ينهزمون ( 1 – 15)، ومدينة الله تنجو ( 16 – 17)، وأرض الله تبارك (18)، ويهوذا تشفى (19 – 21) ويسكن الله في وسط شعبه.

وفي هذا نبوة عن عودة شعب الله من السبي ، وعودة جميع أبناء الله الذين قبلوا السيد المسيح من أسر إبليس والخطية المرة ، عن انتصار الكنيسة على كل قوى الشر والظلام فأبواب الجحيم لن تقوى عليها، عن البركات التي يسكبها الروح القدس على كنيسته ، عن شفاء جميع من طلبوا الشفاء ونجاة جميع من سألوا النجاة. حين يسكن السيد في وسط كنيسته ، يمتعها بجسده المكسور من أجلها ودمه المسفوك فداءاً وغفراناً. حينما نصير جميعاً أعضاء في جسده المبارك، نثبت فيه وهو يثبت فينا.

 

سفر عاموس

كان عاموس النبي من تقوع ، المدينة الصغيرة التي تبعد حوالي 12 ميلاً جنوب أورشليم. لم يكن نبياً أو ابن نبي (عاموس 7 :14) ، لم يكن كاهناً كما أنه لم يكن عضواَ في مدرسة الأنبياء. كان راعياً للغنم وجانياً للجميز ولكنه رغم ذلك كان عارفاً بمعاملات الله مع شعبه ، ومع الشعوب المجاورة، كان واعياً بتعدياتهم على وصايا الله وأحكامه. بل وكان عالماً بحال الشعوب وما وصلت إليه من دمار أخلاقي وروحي. وربما كان هذا ناتجاً عن كثرة سفره إلى هذه المناطق المحيطة من أجل بيع المنتجات الناتجة عن الرعي والجمع.

وسفر عاموس يوضح لنا إمكانية اختيار الله لبعض الأشخاص المنهمكين في أعمالهم من أجل أن يقوموا بخدمته. فقد دعاه الله وعصى الرعي والقطف في يده وأرسله ليجمع التائهين في أرض بعيدة.

وفي اراضي تقوع تدرب عاموس على نبوته على يد الله مباشرة، الذي أرسله ليتنبأ في مملكة إسرائيل الشمالية الضالة، رغم انتمائه إلى مملكة يهوذا الجنوبية. وفي مدينة بيت إيل عاصمة الضلال على بعد 22 ميلاً من بلدته حيث نصب يربعام الأول العجل الذهبي ونادى به إلهاً لإسرائيل بدأ عاموس نبوته.

وقد تنبأ عاموس النبي حينما كان عزيا (779 – 740 ق.م) يجلس على عرش اليهودية وكان يربعام الثاني (783 – 742 ق.م) بن يوآش ملكاً على إسرائيل. وقد كانت هذه الفترة من فترات الازدهار الاقتصادي والنجاح السياسي ، فاستطاع يربعام أن يستعيد حدود مملكة داود القديمة ، وتدفقت الأموال على خزائنه ، وكانت الشعوب المحيطة ضعيفة بدرجة لا تقدر على تهديده. ورغم ذلك فقد كانت فترة للظلم الاجتماعي والضلال الروحي.

لذا فإننا نجد نبوته وهي تدعو إلى التوبة ، كما أنها تحذر من خطورة الظلم الناتج عن ترك الشعب لوصايا الله.

1. قضاء الله على الأمم (1 ، 2)

بدأ عاموس نبوته بالتأكيد أن إعلانه هذا إنما هو من الإله القوي الديان القادر على كل شئ، الإله الحقيقي الذي يرسل دينونته إلى جميع الأمم المحيطة من أجل شرورهم لأن شرهم قد كثر جداً ، فقد أطال أناته عليهم ولكن دون جدوى فقد تمادوا في الشر كما يخبرنا في العبارة الرمزية في بداية الحديث عن كل من الأمم (من أجل ذنوب ... الثلاثة والأربعة) ( 1 : 3 ، 6 ، 9 ، 11 ، 13 و 2: 1 ، 4 ، 6). فقد تنبأ على دمشق ، غزة ، صور (فينيقية) ، أدوم ، عمون ، موآب ثم تنبأ على يهوذا (المملكة الجنوبية) ، و إسرائيل (المملكة الشمالية) وأوضح شرور كل منها ، كما أوضح قضاء الله عليها.

فدمشق تعاقب لأنها داست جلعاد (2 مل 10 : 32 ، 33)

غزة وصور لأنهما سلما سبياً كاملاً لأدوم (2 اخ 21 : 16 ، 17 ، 28 : 18).

أدوم لأنها ساعدت الكلدانيين في حربهم ضد شعب الله (راجع عوبديا 10 – 12).

عمون من أجل الفظائع التي ارتكبوها في جلعاد (1 : 13).

موآب من أجل التصرفات البربرية نحو آدوم (2 مل 3 : 27).

يهوذا لأنها رفضت ناموس الله (2 اخ 3 – 19 ، 2 مل 25 : 9).

إسرائيل لشرورها الكثيرة (2 مل 17 : 17 – 23).

ثم استفاض في سرد خطايا إسرائيل وأوضح كسلهم وعدم مبالاتهم وظلمهم للفقير ، تحدث عن كذبهم وخداعهم وأسوأ من كل هذا عبادتهم للأوثان وتركهم للإله الحي. ورغم تأديب الله لهم حيناً ، وإرساله الأنبياء للتحذير أحياناً إلا أنهم لم يرجعوا إلى الله (4 : 6). ورغم كل ذلك فإنه يوضح أن فرصة التوبة ما زالت قائمة "اطلبوني فتحيوا" (5 : 4).

2. قضاء الله على إسرائيل (3 – 6)

لقد اخبر عاموس شعب إسرائيل بخطاياهم ، الطمع ، الجشع ، الظلم ، النجاسة (2: 6 –12)، ولكنهم برروا نفسهم بدعوى أنهم يعرفون الله وأنهم شعب الله ، لذا فإن الله يذكرهم بأن هذا يجعل خطيتهم أعظم  وعقابهم أشد " اياكم فقط عرفت من جميع قبائل الأرض لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم" (3 : 2). فليس كافياً أن تؤمن بالله أو أن تثق بوجوده ولكنه ينبغي أن تعمل أعمال الله وتنفذ وصاياه وأن لا تحد عن الحياة معه. فهو لا يسر بالمظهر ولكنه يبحث عن القلب والجوهر ( 5 : 21 ، 23 ، 25).

ويحوي قضاء الله على إسرائيل عقابهم "لأنهم باعوا البار بالفضة" (2 : 6) وفي هذا نبوة عن ظلمهم للسيد المسيح الذي بيع بثلاثين من الفضة.

وقد أدان الله سيدات إسرائيل على ما فعلوه من ظلم فدعاهم ببقرات باشان وذلك لكسلهم الشديد وانكبابهم على المسرات العالمية (4 : 11) ، فقد اشتهروا في هذا الزمان بالجشع والقسوة وعدم الفهم والكسل والسلوك البهيمي في إشباع الشهوات الجسدية.

حتى الذبائح والأعياد التي يقدمونها رفضها الله " بغضت كرهت أعيادكم ولست ألتذ باعتكافاتكم" (5 : 21). فلم تكن احتفالاتهم من الجلجال إلى بيت إيل سوى احتفالات للضلال والبعد عن الله وعبادة الآلهة الغريبة لذا كانت مكرهة أمام الله (5 : 4 – 6)، لذا فقد اراد الله منهم العودة إليه لتحيا نفوسهم . لقد استخدم الله كل الطرق لكي يرجعهم إليه فيم يرجعوا، كما اهتم عاموس بتوضيح الضربات التي أرسلها الله عليهم ليتوبوا فلم يتوبوا. لذا كان عقابهم على يد آشور في يوم قضاء الرب (5 : 18 – 20) .

عقاب الله الذي يحل على إسرائيل في 5 رؤى رآها عاموس

الرؤيا الأولى: هجوم الجراد (7 : 1- 3)

في الرؤيا الأولى رأى عاموس عشباً أخضر (العشب متأخر النمو) والله يصنع جراداً ، فأكل الجراد كل العشب الأخضر ، وحينئذ تشفع عاموس " أيها السيد الرب أصفح . كيف يقوم يعقوب فهو صغير" فاستجاب الله ولم يصنع هذا بالشعب.

الرؤيا الثانية : النار المحرقة (7 : 4 – 6)

وفي هذه الرؤيا رأي عاموس الله وقد ارسل ناراً للمحاكمة فأكلت الغمر والجقل، وتشفع عاموس كما في المرة السابقة. فلم تكن هذه الضربة.

الرؤيا الثالثة: زيج الاختبار (7 : 7 –11)

وفي هذه الرؤيا رأي الرب واقفاً على حائظ قائم وبيده زيج. والزيج هو خيط البنَّاء الذي يمده علي الحائط لتسوية صفوف الطوب به . وقد شُبه إسرائيل ببناء أو حائط ، والرب يمتحنه بالزيج ليكتشف عدم استقامته. فكان إسرائيل بعيداً جداً عن مقاييس الله. ومن الملاحظ أن عاموس لم يتشفع من أجل الشعب هذه المرة لأن الله أعلن أنه لا مجال للصفح بعد، فتقفر مرتفعات اسحق، وتخرب مقادس إسرائيل، ويكون السيف من نصيب بيت يربعام.

الرؤيا الرابعة: سلة القطاف (8 : 1 – 3)

وفي هذه الرؤيا رأى عاموس سلة للقطاف ، أي السلة التي يتم فيها جمع المحصول دليل على نهاية فترة زراعته وبداية عملية حصاده. مما يرمز إلى أن عقاب إسرائيل قد حل "فتصير أغاني القصر ولاول في ذلك اليوم... الجثث كثيرة يطرحونها في كل موضع بالسكوت".

الرؤيا الخامسة: السيد قائماً على المذبح (9 : 1 – 10)

وفي هذه الرؤيا، رأى عاموس السيد قائماً على المذبح طالباً من عاموس أن يضرب تاج العمود أي رأس العمود حتى ترتجف الأعتاب وتكسر على رؤوس شعب إسرائيل الأشرار، ولا يكون لهم نجاة أيا كان المكان الذي يحاولون فيه الاختباء من وجه الله.

و أثناء هذه الرؤى حاول أمصيا كاهن بيت إيل ويربعام الثاني ملك إسرائيل أن يبعدا عاموس عن مدينتهم وأن يمنعاه عن التنبؤ على إسرائيل. وهدداه فأوضح لهما أنه يتنبأ بسلطان من الله وأكد على دينونة المدينة وملكها (7 : 14 – 17).

وعود مفرحة تحققت في مجئ السيد المسيح مخلص العالم ومؤسس الكنيسة المجيدة (9: 11 – 15)

ثم يذكر عاموس نبوة عن مجئ السيد المسيح الذي جاء لكي يقيم مظلة داود الساقطة ويحصن شقوقها ويقيم رمها ويعيد بنائها كنيسة مجيدة لا عيب فيها ولا غضن ولا شئ من مثل هذا. حينما يفيض على كنيسته ببركات السماء ومواهب الروح القدس وعطاياه التي لا حصر لها. حينما يرد سبي شعبه من اسر إبليس ، ويقيمهم في كنيستهم "وأغرسهم في أرضهم" فلن يقلعوا منها إلى الأبد ، ويسكنون مع الله وملائكته في أورشليم السماوية، الأرض الجديدة التي وعدنا الله بها.

الصفحة الرئيسية