الفصل السادس
بحث في بعض أخلاق محمد
بحسب ما ورد عنه في القرآن
والتواريخ الإسلامية والتفاسير لنعلم دعواه النبوة
علينا الآن أن نتأمل في بعض أعمال محمد والأخبار عن صفاته لنرى هل تثبت هذه دعواه كرسول من الله ونبي وإننا في بحثنا هذا نرى وجوب سلوك اللياقة التامة إكراماً لخاطر إخواننا المسلمين, وعليه فلسنا نريد أن نقتبس أقوال كتبة المسيحيين في ذلك بل نقتبس من مشاهير المسلمين وذلك أردنا أن لا نحكم بأنفسنا على أي أمر كان متذكرين قول بولس الرسول مَنْ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ? هُوَ لِمَوْلَاهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ (رو 14: 4), ونحن جميعاً عبيد الله وهو وحده الديان العادل ولكن يحسن لكل منا أن يرى رأياً خاصاً في الموضوع ولو لم يصرح به, ولكي يعرف القراء المحترمون حقائق هذه المسألة المهمة ليحكموا بأنفسهم إذا كان محمد حسبما يعتقد فيه المسلمون أم لا نرى وجوب اقتباس آيات قرآنية مع تفسيرها من أكابر المفسرين لئلا نخطئ في معناها ثم نأتي ببعض عبارات من حياة وسيرة محمد التي كتبها المسلمون وبعض الأحاديث المتفق عليها ليتضح ما فعل بعد ما نال قوة باتحاده مع قبيلتي الأوس والخزرج (الأنصار) واعتناقهم للإسلام, وليلاحظ أننا لا نأتي هنا بآرائنا بل نقتبس فقط عبارات إسلامية في الموضوع,
والمواضيع التي نريد أن نتكلم عنها هي (1) حوادث محمد الزوجية (2) طريقة معاملته لأعدائه, والعلماء من القراء سيرون إنه كان يمكننا اقتباس أقوال أدنى من التي اقتبسناها في كل موضوع ولكننا تحاشينا ذكر ما نظنه مبالغاً فيه أو تساهلوا في نقله كالمتأخرين من الكتاب الذي لم يفكروا بأن ما كتبوه مبالغ فيه فيصور ذلك للقراء المنصفين صورة غير ملائمة لمحمد, فتحاشينا الاقتباس من أمثال هؤلاء واكتفينا بالمؤلفات الأولى المقبولة لدى الجميع, وتوجد بعض الاقتباسات من كتب فارسية أو تركية تثبت أن العالم الإسلامي بأجمعه يوافق على ما سنذكره,
1 - مسألة زواجه - في سو رة النساء 4: 3 قاعدة لكل مسلم أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع أو ما ملكت يمينه ويفسر البيضاوي هذا الجزء الأخير بالسراري وهذه الآية تجيز تعدد الأزواج واتخاذ السراري لكل المسلمين في كل الأوقات وقد سبب ذلك أضراراً عظيمة شائعة في البلاد الإسلامية ولكن لم يكن لمحمد حد (1) (انظر روضة الأحباب حيث ترى كل شيء عن محمد كزوج) لزواجه لأنه يقول في سورة الأحزاب 33: 50 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكِ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَا مْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكْتَ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌوقال البيضاوي خالصة لك من دون المؤمنين إيذان بأنه مما خص به لشرف نبوته وتقرير لاستحقاقه الكرامة لأجله وقال أيضاً خالصة أي خلوصاً لك أن هبة خالصة ولكي نعرف مقدر استعمال محمد هذا الترخيص نجد أنه عند وفاته كانت له تسع نسوة أحياء فضلاً عن سريتين على الأقل مارية وريحانة ويقول ابن هشام أن محمداً تزوج ثلاث عشر ة امرأة منهن عائشة التي كانت بنت ست لما عقد عليها وبنت سبع لما بنى بها ابن هشام وابن الأثير والمشكاة والبخاري ,
أما مارية القبطية التي أرسلها المقوقس حاكم مصر الخ, فقد جاء في سورة التحريم 66: 1 و2 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَا للَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَا للَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ , وقد ذكر البيضاوي تفسيرين لهذه العبارة أحدهما أثبته سائر المفسرين وهو روي أنه خلا بمارية في فراش عائشة أو حفصة فاطلعت على ذلك حفصة فعاتبته فيه فحرم مارية فنزلت, والحطايات بحذافيرها واردة في روضة الصفا وغيره ولكنا اخترنا هذا التفسير المختصر كي نتحاشى ذكر ما لا يجب ذكره ههنا وما تنيره لنا هذه الحكاية عن محمد ليس حسناً, وليلاحظ هنا أن وحياً نزل لحل الإيمان,
أما عن زواج محمد بزينب بنت جحش امرأة ابنه الذي تبناه زيد بن حارثة فإننا نقرأ في سورة الأحزاب 33: 37 و38 وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَا تَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَا للَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَّوَجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهُ مَفْعُولاً مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً يقول الجلالان في تفسيرهما ما ملخصه نزلت في زينب فزوجها النبي لزيد ثم وقع بصره عليها بعد حين فوقع في نفسه حبها وفي نفس زيدكراهتها (?) فقال هذا للنبي أريد فراقها فقال أمسك عليك زوجك ثم طلقها زيد وانقضت عدتها فدخل عليها النبي بغير إذن واشبع المسلمين خبزاً ولحماً, وقال البيضاوي أمسك عليك زوجك زينب وذلك أنه أبصرها بعدما أنجحها إياه فوقعت في نفسه فقال سبحان الله مقلب القلوب وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرت لزيد ففطن لذلك ووقع في نفسه كراهة صحبتها فأتي النبي وقال أربد أن أفارق صاحبتي فقال مالك أرابك منها شيء فقال لا والله ما رأيت منها إلا خيراً ولكنها لشرفها تتعظم علي فقال له أمسك عليك زوجك فلما قضى زيد منها وطراً حاجة بحيث ملها ولم يبق له فيها حاجة وطلقها وانقضت عدتها زوجناكها والمعنى أنه أمر بتزويجها منه أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد ويؤيده أنها كانت تقول لسائر نساء النبي أن الله تولى إنكاحي وأنتم زوجكن أولاؤكن وقيل كان السفير في خطبتها وذلك ابتلاء عظيم وشاهد بين على قوة إيمانه (1) (الضمير عائد على زيد لأنه بعد أن سمح الوحي بطلاقها منه وتزويجها للنبي قال له النبي: إني لا أجد ثقة تسمع لقوله سواك فاذهب إليها واخطبها لي فذهب وأتم ما أمر به ولو كرهت طبيعته هذا العمل (المصحح), ويتضح من هذا القول الأخير أن البيضاوي شعر أن هذا العمل أوجد الشك في قلوب الناس من عمله,
وتاريخ محمد مع صفية وريحانة ونسائه وسراريه موجود في ابن هشام وابن الأثير وروضة الصفا وروضة الأحباب الخ, ولا يحسن أن نورد شيئاً زيادة لعدم نفعه ولعدم لياقته إلا أنه بنير لنا أخلاق محمد, ولكننا نكفي أنفسنا بما اوردناه عن هذا الأمر,
2 - والأن لنتأمل في طرق معاملته لأعدائه وهنا أيضاً نذكر قليلاً من كثير فقط,
قد ذكر ابن هشام كيف سلمت قبيلة بني قريظة نفسها لمحمد بعد حرب طويلة والنبي حكم فيهم عدوهم المجروح, من حربهم سعد بن معاذ قال سعد إني أحكم فيهم أن نقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء قال ابن اسحق قال لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة, قال ابن اسحاق ثم استنزلوا فحبسهم بالمدينة في دار بنت الحرث امرأة من بين النجار ثم خرج رسول الله إلى سوق المدينة الي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضرب أعنقاهم في تلك الخنادق يخرج بهم إليه إرسالاً وفيم عدو الله حيي بن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله أرسالاً يا كعب ما تراه يصنع بنا قال أفي كل المواطن لا تعقلون ألا ترون الداعي لا ينزع وأنه من ذهب به منكم لا يرجع هو والله القتل فلم يظل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله وأتى يحي بن أخطب عدو الله وعليه حلة نقاحية, فلما نظر إلى رسول الله قال أما والله ما لمت نفسي في عدوانك ولكنه من يخذل من الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس انه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل ثم جلس فضربت عنقه,
قالت عائشة لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت والله أنها لعندي تحدث معي وتضحك ظهراً وبطناً ورسول الله يقتل رجالها في السوق إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت أنا والله قلت لها ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم قالت لحدث أحدثته قالت فانطلق بها فضرب عنقها فكانت عائشة تقول فوالله ما أنسى عجباً منها طيب نفسه أوثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل, وهي التي طرحت الرحى على خالد بن سويد فقتلته,,, قال ابن اسحاق وكان رسول اله قد أمر بقتل كل من أنبت منهم قال ابن اسحاق ثم أن رسول الله قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين, ثم بعث سعد بن زيد الأنصار أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع لهم بها خيلاً وسلاحاً وكان رسول اله قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خشافة فكانت عند رسول الله حتى توفي عنها وهي في ملكه وقد كان عرض علهيا أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول الله بل تتركني في ملكك فهو أخف عليّ وعليك (ابن هشام),
وبعد غزوة بدر بعد أن طرح المسلمون قتلى أعدائهم في القليب ورجعوا إلى المدينة بالأسرى قتل بعض الأسرى كما يقول ابن هشام قال ابن أسحاق حتى إذا كان رسول الله بالصفراء قتل النضر بن الحريق قتله على بن ابي طالب كما اخبرني بعض اهل العلم من أهل مكة, ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط قال عقبة حين أمر بقتله فمن للصبية يا محمد قال النار (ابن هشام باب ذكر الفيء ببدر والأساري) وحكاية قتل كعب بن الأشرف حكاها ابن هشام قال: ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم فقال رسول الله من لي بابن الأشرف فقال له محمد بن سلمة أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله, قال له فافعل إن قدرت على ذلك, فرجع محمد بن سلمة فمكث ثلاثاً لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق به نفسه فذكر ذلك لرسول الله فدعاه فقال له لم تركت الطعام والشراب قال يا رسول الله قلت لك قولاً لا أدري هل أفي لك به أم لا فقال إنما عليك الجهد فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسلكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة أحد بني عبد الأشهل وأبو عبس بن جبرا أحد بني حارثة ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الأشرف فجاءه أبو نائلة فتحدث معه ساعة فتناشدا شعراً وكان أبو نائلة يقول الشعر ثم قال ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عني قال افعل قال كان قدوم هذا الرجل (محمد) علينا بلاء من البلاء عادتنا به العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا فقال كعب أنا ابن الأشرف أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول فقال له سلكان إني قد اردت أن تبيعنا طعماً ونرهنك ونوثق لك وتحسن في ذلك فقال اترهنوني أبناءكم قال لقد أردت أن تفضحنا أن معي أصحاباً لي على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها قال إن في الحلقة لوفاء قال فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه فاجتمعوا عنده قال مشى معهم إلىبقيع الفرقد ثم وجههم فقال انطلقوا على اسم الله أعنهم ثم رجع إلى بيته وهو في ليلة مقمرة وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفته فأخذت امرأته بناحيته وقالت انك امرء محارب وأن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة قال انه أبو نائلة لو وجدني نائماً ما أيقظني فقالت والله إني لأعرف في صوته الشر فال لها كعب لو يدعى الفتى لطعنه أجاب فنزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه ثم قال هل لك يا ابن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا هذه فقال إن شئتم فخرجوا بتماشون فمشوا ساعة ثم أن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ثم شم يده فقال ما رأيت كالليلة طيباً أعطر قط ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفود رأسه ثم قال اضربوا عدو الله فضربوه فاخلتفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئاً قال محمد بن سلمة فذكرت نصلاً لي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئاً فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نار فوضعته في معدته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله وقد أصيب الحرث بن أوس بن معاذ فجرح في رأسه أو في رجله أصابه بعض أسيافنا قال فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ثم على بني قريظة ثم على بعاث حتى أسفرنا في حرة العريض وقد أبطأ علينا صاحبنا الحرث بن أوس ونزفه الدم فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارنا قال فاحتملناه فجئنا به رسول الله آخر الليل وهو يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل عدو الله وتفل على جرح صاحبنا فرجع ورجعنا إلى أهلنا سيرة ابن هشام باب قتل كعب ابن الأشرف ,
ولنا حكاية أخرى عن محيصة وحويصة وقتل أحد رجال اليهود بأمر محمد والوسيلة التي اعتنق بها بعض أهل المدنية الإسلام قال ابن إسحاق قال من ظفرتم به من رجال اليهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على ابن شينيه رجل من نجار اليهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم وكان أسن من مخيصة فلما قتله جعل حويصة يصر به ويقول أي عدو الله اقتله أما والله لرب شحم في بطنك من ماله, قال محيصة فقلت والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك قال فوالله إن كان لأول إسلام حويصة قال الله لو أمرك محمد بقتلي لتقتلني قال نعم والله لو أمرني بضرب عنقك لشربتها قال والله إلا ديناً بلغبك هذا لعجيب فأسلم حويصة قال ابن إسحاق حدثني هذا الحديث مولى لبني حارثة عن ابنة محيصة عن أبيها محيصة (ابن هشام باب أمر محيصة وحويصة) ويذكر ابن هشام هذه الحكاية نفسها عن اعتناق حويصة الإسلام باختلاف عن هذا اختلافاً طفيفاً وكان السبب الخوف لأن محيصة قتل إنساناً بأمر محمد,
وذكر ابن إسحاق حكاية مقتل سلام بن أبي الحقيق بأمر محمد أيضاً فذكر أولاً أن بني الأوس وبني الخزرج كانا يتصاولان في غيرتهم على الإسلام فذكرت الأوس أنهم قتلوا كعب ابن الأشرف فقالت الخزرج والله لا يذهبون بها فضلاً علينا أبداً قال فتذاكروا من رجل لرسول الله في العداوة كابن الأشرف فذكروا بن أبي الحقيق وهو بخيبر فاستأذنوا رسول الله في مقتله فأذن لهم فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد بن أنيس وأبو تقادة الحرث بن ربعي وخزاعة بن أسود حليف لهم من أسلم فخرجوا وأمر عليهم رسول الله عبد الله بن عتيك ونهاهم عن أن يقتلوا وليداً أو امرأة فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر أتوا دار ابن أبي الحقيقي ليلاً فلم يدعو بيتاً في الدار إلا أغلقوه على أهله قال وكان في علّية له لها سلم قال فصعدوا فيها حتى أقاموا على بابه فاستأذنوا إليه فخرجت إليهم امرأته فقالت من أنتم قالوا أناس من العرب نلتمس الميرة قالت ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه فلما دخلنا عليه أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوفاً أن تكون دونه محاولة تحول بيننا وبينه قال فصاحت امرأته فنوهت بنا وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قطنية ملقاة قال ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يذكر نهي رسول الله فيكف يده ولولا ذلك لفرغنا منها بليل قال فلما أنفذه وهو يقول قطني قطني أي حسبي حسبي قال وخرجنا وكان عبد الله بن عتيك رجلاً سيء البصر قال فوقع من الدرجة فوثبت يده وثئاً شديداً ويقال رجله (1) (راجع ما قلناه في معجزات محمد عن هذه الحكاية) وحملناه حتى نأتي منهراً من عيونهم فندخل فيه قال فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبوننا حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم فاكتفوه وهو يقضي بينهم,,, فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله فأخبرناه بقتل عدو الله واختلفنا عنده في قتله كلنا يدعيه فقال هاتوا أسيافكم قال فجئنا بها فنظر إليها فقال لسيف عبد الله هذا قتله أرى فيه أثر الطعام (سيرة ابن هشام باب مقتل سلام بن أبي الحقيق) وفي هذه القصة رأينا أن محمداً أمر بعدم قتل امرأة ولكن ليس هذا الحال دائماً لما نرى من قصة قتل عصماء وقتل رجل شيخ عجوز كما يظهر من ابن إسحاق, أن رجلاً يدعى أبو عفك بلغ من العمر نحو المئة كتب أشعاراً ضد محمد فقال من لي بهذا الخبث فخرج سالم بن عمير أخو بني عمرو بن عوف وهو أحد البكائين فقتله وعصماء بنت مروان كانت شاعرة هجت محمداً ببعض أشعارها قال ابن إسحاق قلما قتل عفك نافقت وكانت تحت رجل من بين خطمة يقال له يزيد بن زيد فقالت شعراً تعيب الإسلام فقال حين بلغه ذلك ألا آخذ لي من ابنة مروان فسمع ذلك من رسول الله عمير ابن عدي الخطمي وهو عنده فلما أمسى من تلك الليلة سرى إليها في بيتها فقتلها ثم أصبح مع رسول الله فقال يا رسول الله إني قد قتلتها فقال نصرت الله ورسوله يا عمير فقال هل عليّ شيء من شأنها يا رسول الله فقال لا ينتطح فيها عنزان فرجع عمير إلى قومه وبنو خطمة يومئذ كثير موجهم في شأن بنت مروان ولها يومئذ بنون خمسة رجال فلما جاءهم عمير بن عدي من عند رسول الله قال يا بني خطمة أنا قتلت ابنة مروان فليدوني جميعاً ثم لا تنظرون فذلك اليوم أول ما عز الإسلام في دار بني خطمة وكان يستخفي بإسلامه فيهم من أسلم وكان أول من أسلم عمير بن عدي,, واسلم يوم قتلت ابنة مروان رجل من بني خطمة لما رأوا من عز الأسلام (ابن هشام الجزء الثالث باب قتل أبي عفك وباب قتل عصماء بنت مروان) وفي رواية أخرى أن عميراً كان أعمى وكان سابقاً زوج عصماء وقد سرى إليها ليلاً في حجرتها وفي حضنها طفل فأزاح الطفل عنها وتحامل عليها بسيفه شيئاً فشيئاً حتى نفذ فيها ولما سمع محمد في اليوم التالي أشار إلى عمير في المسجد وقال قد نصر هذا الله ورسوله,
وقبل قتل ابن أبي الحقيق بقليل قتلت أم قرفة بأمر زيد وذلك بأن ربط القوم رجليها إلى جملين وألزموا الجملين بالسير إلى طريقين متعاكسين فانشقت المسكينة وتقطعت فهنأ محمد زيداً بعمله ولم يوبخه على هذا التوحش, وذكر ابن هشام أيضاً أن محمداً أرسل عمرو بن أمية وجبار ابن صخر من المدينة إلى مكة لقتل أبي سفيان بن حرب ولم يمكنهما قتله إذ عرفهما البعض ففرا ولكنهما قتلا ثلاثة رجال في طريقهما الواحد بعد الآخر, (ابن هشام الجزء الثالث باب بعث عمرو بن أمية لقتل أبي سفيان بن حرب وما صنع في طريقه) وكل ذي علم يعرف أنه من السهل علينا أن نقتبس من كتبة مشاهير المسلمين روايات عن أخلاق محمد أشد مما كتبنا مثل حكاية قتل مخيريق ولكن كفى بما ذكرناه في هذا الموضوع (1) (راجع رسالة الكندي عن ذلك) ولا نريد أن نقول كلمة واحدة من أنفسنا عن هذه الروايات فقط نسأل إخواننا المسلمون سؤالاً واحداً,
لو لم يدع محمد النبوة بل كان عربياً وثنياً كالعرب في الجاهلية ولم يتعلم عن الله تعالى الرحمن الرحيم القدوس بل كان فقط محارباً عظيمأً مثل تيمورلنك وكانت رغبته الوحيدة أن يكون قوياً ويلذذ نفسه بالطيب والنساء,
ففي أي شيء كان يختلف (بغض النظر عن القرآن والفرائض الدينية) عن تيمور فرغماً عن ادعائه النبوة والرسالة الإلهية أو بعبارة أخرى في أي شيء اختلفت أخلاقه الأبدية عن الفاتحين الذين جل قصدهم النجاح العالمي والتلذذ بالشهوات?
هل أخلاق محمد في ما ذكرناه من جهة العفة ومسامحة الأعداء والتواضع والشفقة والورع تبرهن على أن رسالته من الله وإنه خاتم الأنبياء وآخر المرسلين وأكمل الخلائق? وهل من الضروري أن نؤمن بدعواه رغماً عن أخلاقه التي ظهرت بعد ادعائه النبوة?
3 - أما طريقة الوحي لمحمد فعندنا أقوال كثيرة ففي ابن اسحاق وكتبة الحديث متفق عليها بين أهل السنة والشيعة ففي ابن اسحاق وابن هشام وابن الأثير وحسين بن محمد وفي علي جلبي (تركي) وفي كثير غير ذلك وتجد أحسن مجموعة للأحاديث في هذا الموضوع كتاب مشكاة المصابيح في كتاب الفتن وباب البعث وبدء الوحي,
قيل بعث في الأربعين سنة من عمره وكان بغار حراء بقرب مكة وزعم محمد أن الملاك جبرائيل جاءه وأمره أن يقرأ باسم ربه فرجع يرجف فؤاده إلى خديجة,
وقال زملوني فغطوه ويظهر أنه اغمي عليه لأنه رشوا عليه الماء حتى صحا لنفسه كما في ابن الأثير وقيل أن خديجة امتحنته لتعرف إن كان الشيطان هو الذي ظهر له فاقتنعت بأنه الملاك جبرائيل ولكن محمداً نفسه كان في شكوك كثيرة وخصوصاً لما فتر الوحي فترة فحزن النبي حزناً شديداً غدا منه مراراً حتى يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل عليه السلام, رواه البخاري وغيره,
وبعد ذلك كان كل ما جاءه الوحي تظهر عليه علامات تجعل الحاضرين ينتظرون منه آيات قرآنية فعن عائشة سئل رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت عنه قال وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول, قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وأن جبينه ليتفصد عرقاً (مشكاة المصابيح باب المبعث وبدء الوحي) وروى مسلم كان النبي إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه (المشكاة),
وقال ابن اسحاق إن محمداً كان يرقى من العين وهو بمكة قبل أن ينزل عليه القرآن فلما نزل عليه القرآن أصابه نحو ما كان يصيبه قبل ذلك واشتهر على بعض الألسنة كما ذكر صاحب كتاب إنسان العيون إن آمنة أم محمد رقته من العين وجاء أن رسول الله قال لخديجة إذا خلوت سمعت نداءان يا محمد يا محمد وفي رواية أرى نوراً أي يقظة لا مناماً وأسمع صوتاً وقد خشيت أن يكون والله لهذا أمر, وفي رواية أخرى أخشى أن يكون بي جنون فإنه كان يصيبه ما يشبه الإغماء بعد حصول الرعدة وتغمض عينيه وتربد وجهه ويغط كغطيط البكر, وروى عن أبي هريرة أن رسول الله كان اذا نزل عليه الوحي لم يستطع أحد أن يرفع طرفه إليه حتى ينقضي الوحي وفي لفظ كان إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة وفي رواية كرب لذلك وتربد وجهه وغمض عينيه وربما غط كغطيط البكر محمرة عيناه وعن عمر بن الخطاب إنه كان إذا نزل على رسول الله الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل, وأيضاً عن أبي هريرة إنهم كانوا يضعون على رأسه الحناء بسبب ألم الرأس الذي كان يصيبه كتاب مرآة الكائنات وفي إنسان العيون عن زيد بن ثابت أنه لما كان ينزل عليه الوحي كان يثقل جداً فجاءت ساقه مرة على ساقي فوالله لم أر أثقل من ساق رسول الله , وكان يأتي الوحي أحياناً وهو على الجمل فكانت تنوء تحته وتجثو وكلماكان الوحي ينزل على النبي كان كأن نفسه تؤخذ منه لأنه كان يحصل له إغماء ويظهر كالثمل ,
ولم تبدأ هذه الحوادث مع محمد قبل النبوةبقليل بل من صغره منها أنه لما كان ولداً صغيراً وهو في الصحراء عند مرضعته حصل له نوع من ذلك ورويت هذه القصة في أشكال شتى ورواها مسلم عن أنس قال أتاه جبرائيل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طشت من ذهب بماء زمزم ثم لأمه وأعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره فقالوا أن محمداً قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون قال أنس فكنت أرى أثر المخيط في صدره وعلى هامش هذا القول قال صاحب مشكاة المصابيح قد وقع الشق له مراراً فعند حليمة وهو ابن عشر سنين ثم عند مناجاة جبرائيل له بغار حراء في المعراج ليلة الإسراء فنرى أن ما حصل له في حداثته حدث له ثانية في غار حراء وهو ما يقال له مبعث الوحي,
ويقول ابن هشام أن زوج حليمة (ظئرة) قال لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فالحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به ولما أرجعته إلى أمه آمنة قالت هذه لها أفتخوفت عليه الشيطان قالت قلت نعم ,
وهنايعترضنا السؤال كيف يثبت أن هذا العارض كان إشارة إلى نزل جبرائيل ونزول الوحي? يخبرنا المؤرخون أن يوليوس قيصر الأمبراطور الروماني وبطرس الأكبر قيصر روسيا ونابليون بونابرت أمبراطور فرنسا الأول وغيرهم من العظماء والمحاربين حدث لهم مثل تلك العوارض, ولكنهم ليسوا أنبياء ولا رسلاً, بل أكد الذين كانوا معهم أنه مرض أصابهم,
لا شك أن بعض المسلمين من القراء درسوا علم الطب والبعض الآخر لهم أصدقاء أطباء فليبحثوا إذا ان يوجد مرض يظهر غالباً في سن الحداثة من أعراضه أن يصرخ العليل صرخة غريبة غير واضحة ويصرع إلى الأرض ويصفر لونه ثم أحياناً يصير بلون الأرجوان ويرتعد الجسد ويزبد الفم وتغلق العينان ويظهر المريض كأنه على وشك الموت وغالباً يرى أنواراً وأضواءً ويسمع صلصلة في أذنيه ثم يعتريه ألم شديد في رأسه, وغالباً يشعر بالنوبة قبل مجيئها,
أكدوا أن هذا المرض موجود وأنه ليس بنادر وحيث أن كاتب هذه الأسطر ليس بطبيب فلذلك لم يبث رأياً في هذه المسألة,
وأنا نترك للقراء أن يحكموا بهداية الله إذا كانت الحقائق التي رويناها عن محمد وعن اخلاقه تثبت أنه نبي مرسل من الله, ولنلاحظ أن ما أوردناه ليس كلام أعدائه بل أقوال أصحابه وأقربائه والمؤمنين به كخاتم الأنبياء والمرسلين,