إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ

 (المائدة: 110)

فى هذه الآية يُثبت القرآن ان الله علّم المسيح الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، والروح القدس الذى أيّد المسيح فى حياته على الأرض بشهادة القرآن قد حفظ لنا هذه الذخيرة الحية من الحكمة والعلم فى الإنجيل المقدس وقد حافظ عليه من التحريف والتزوير والضياع بحيث يكون هدى للناس أجمعين فى كل زمان ومكان. واليوم نود أن نحدثك عن أحد الأمثلة التى قصّها المسيح يسوع. قال المسيح:

 

إِنْسَانٌ كَانَ لَهُ ابْنَانِ. فَقَالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيهِ: يَا أَبِي أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ. فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ جَمَعَ الابْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ. فَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ، حَدَثَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ، فَابْتَدَأَ يَحْتَاجُ. فَمَضَى وَالْتَصَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْكُورَةِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى حُقُولِهِ لِيَرْعَى خَنَازِيرَ. وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ. فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعاً! أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقّاً بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْناً. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ. فَقَامَ وَجَاءَ إِلَى أَبِيهِ. وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيداً رَآهُ أَبُوهُ، فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ. فَقَالَ لَهُ الابْنُ: يَا أَبِي أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقّاً بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْناً. فَقَالَ الْأَبُ لِعَبِيدِهِ: أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ، وَاجْعَلُوا خَاتَماً فِي يَدِهِ، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ، وَقَدِّمُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ وَاذْبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ، لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتاً فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ. فَابْتَدَأُوا يَفْرَحُونَ. وَكَانَ ابْنُهُ الأَكْبَرُ فِي الْحَقْلِ. فَلَمَّا جَاءَ وَقَرُبَ مِنَ الْبَيْتِ، سَمِعَ صَوْتَ آلاتِ طَرَبٍ وَرَقْصاً، فَدَعَا وَاحِداً مِنَ الْغِلْمَانِ وَسَأَلَهُ: مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذَا؟ فَقَالَ لَهُ: أَخُوكَ جَاءَ فَذَبَحَ أَبُوكَ الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ، لأَنَّهُ قَبِلَهُ سَالِماً. فَغَضِبَ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْخُلَ. فَخَرَجَ أَبُوهُ يَطْلُبُ إِلَيْهِ. فَقَالَ لأَبِيهِ: هَا أَنَا أَخْدِمُكَ سِنِينَ هذَا عَدَدُهَا، وَقَطُّ لَمْ أَتَجَاوَزْ وَصِيَّتَكَ، وَجَدْياً لَمْ تُعْطِنِي قَطُّ لأَفْرَحَ مَعَ أَصْدِقَائِي. وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ ابْنُكَ هذَا الَّذِي أَكَلَ مَعِيشَتَكَ مَعَ الّزَوَانِي، ذَبَحْتَ لَهُ الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ. فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ أَنْتَ مَعِي فِي كُلِّ حِينٍ، وَكُلُّ مَالِي فَهُوَ لَكَ. وَلكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَفْرَحَ وَنُسَرَّ، لأَنَّ أَخَاكَ هذَا كَانَ مَيِّتاً فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ . (الإنجيل حسب لوقا 15: 11-32).

 

من خلال هذه الحكاية البسيطة فى مظهرها والعميقة فى مضمونها يكشف يسوع المسيح لنا بإسلوب بسيط عن محبة الله للبشر وسعيه لخلاصهم. والأب فى هذا المثل يمثل الله الآب الرحوم، الذى أعطى الإنسان حرية الإرادة والتفكير، والإبن الأصغر هو فى الحقيقة يمثل كل واحد منا، فبسبب حرية الإرادة ذهب كل واحد منا فى طريقه ليفعل الشر كما يريد، ويتمتع بصورة سيئة بهذه الحرية فى الإنغماس فى الخطايا والشهوات وتبذير المال والصحة والنفسية فى المتع المختلفة، وفى النهاية لانحصد غير الجوع بكل أشكاله، فنشتهى أمور هذا العالم ولانحصل على شئ يسد هذا الجوع. ولايبقى أمامنا غير مافعله هذا الإبن الذى رجع إلى نفسه وعرف مدى الخسارة التى لحقته فى بعده عن الله. والمسيح يكشف لنا فى هذا المثال عن محبة الله لنا غير المحدودة، فالأب فى هذا المثل كان يتطلع يومياً منتظراً عودة إبنه، والآب السماوى يتطلع إلى عودة كل منا عن طريق الشر الذى يسير فيه. وحالما رأى الأب إبنه من بعيد ركض إليه ووقع على عنقه وقبّله، وكان من المتوقع أن يؤنبه أبوه، ويتخذه كأحد أجرائه ولو لفترة من الزمن كعقاب للإبن، ولكن ما حدث هو العكس، فالأب يأمر الخدام بإحضار حلة (لباس) جديد للإبن، وخاتم وحذاء جديد، فالله يجدد الإنسان التائب إليه بقلب صادق تجديداً كاملاً. وليس هذا فقط بل يأمر أيضاً بذبح العجل المسمن إحتفالاً بالإبن العائد إليه، فهل تتصور أن الله يفرح بكل تائب إليه كما فرح هذا الأب الطيب بإبنه فى هذا المثل. نعم نحن نثق فى هذا ونؤمن به أن الله يحب البشر أجمعين وينتظر ان يعرفوا مدى تعاستهم وبؤسهم فى البعد عن الله، وهو يفرح بكل خاطئ يتوب إليه وفى محبة أبوية فائقة يجدد الله الإنسان ويرفعه إلى مرتبة البنوة بحيث لايكون للشر سلطان عليه.

فهل ذقت أخى الحبيب هذه المحبة الإلهية العجيبة.إن لم تكن قد ذقتها بعد، فاليوم يوم خلاص لك لتعود عن طريق الشر، وترتمى فى أحضان الله وتعبر له فى كلمات بسيطة عن ندمك على حياتك السابقة ورغبتك فى العودة إليه والحياة معه.

 

 

قال السيد المسيح:

كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ،

وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لا أُخْرِجْهُ خَارِجاً

 

(الإنجيل حسب يوحنا 6: 37)