المسيح ابن اللـه
القسم الأول
المسيح هو الله المتجسد
الفصل الأول: في العقيدة المسيحية
الفصل الثاني: شهادة الإسلام
الفصل الأول:
المسيح هو الله المتجسد [ أو الذي ظهر في جسد ]
بحسب العقيدة المسيحية
أرجوك أن لا تصدم أيها القارئ العزيز وأنت تقرأ هذا العنوان! لأنه بالطبع كلام غريب عن فكرك، ولكن لا تنـزعج وأرجوك أن تواصل القراءة لتعرف الرأي الآخر الذي قد يختلف مع رأيك، ولكني واثق أنه إن كنت فعلا تبحث عن الحقيقة بإخلاص فإنك سوف تواصل القراءة.
نحن المسيحيين نؤمن أن السيد المسيح من الناحية الجسدية هو إنسان كامل يحمل كل الصفات البشرية؛ يأكل ويشرب ويتعب ويشعر بالألم وينام، تماما كالبشر ولكنه بلا خطية. هذا هو الجانب الأول من عقيدتنا في المسيح من جهة [طبيعته الجسدية أو ناسوته (أي طبيعته الإنسانية)].
ولكننا نؤمن أيضا أن روح الله أو ما يعرف باللاهوت قد حل أو ظهر في هذا الجسد البشري الطاهر دون اختلاط أو امتزاج أو تغيير في أية طبيعة من الطبيعتين. وهذا هو الجانب الآخر من عقيدتنا في المسيح من جهة [طبيعتة الإلهية أو لاهوته].
فالسيد المسيح إذن هو إنسان بشري كامل قد حل أو ظهر فيه اللاهوت. وهذا ما عبر عنه الكتاب المقدس بقوله:"عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد" (الرسالة الأولى إلى تيموثاوس الإصحاح الثالث والآية 16).
والتساؤل هنا كيف يمكن أن يظهر الله سبحانه في جسد بشري أو في شيء مادي؟
وحيث أننا نتكلم في هذا الفصل من وجهة نظر المسيحية فقط فدعنا نشرح ذلك من هذه الوجهة المسيحية مرجئين الحديث عن وجهة النظر الإسلامية للفصل التالي.
فمن حسن الحظ أن الآباء القديسين، قد فسروا ذلك بتشبيه رائع إذ قالوا أن هذا الاتحاد يشبه اتحاد النار بالحديد (عندما توضع قطعة من الحديد في النار تتحد بها) دون أن تختلط النار أو تمتزج بالحديد ودون أن تتغير النار فتصبح حديدا أو الحديد تتغير طبيعته ويصبح نارا. فالنار المتحدة بالحديد لازالت تحتفظ بطبيعتها إذ يمكن أن تحرق وتكوي، ولكن في نفس الوقت لم يفقد الحديد طبيعته لذلك يمكن طرقه وتشكيله.
على هذا القياس فإن حلول الله في جسد المسيح هو كحلول النار في الحديد إذ أن طبيعة اللاهوت قد اتحدت بالناسوت بغير اختلاط أو امتزاج بينهما وبغير تغيير فلم يصبح اللاهوت ناسوتا ولا الناسوت لاهوتا.
هذا عن إيماننا في المسيح أنه هو الله الذي ظهر في الجسد". وقد يكون ذلك صعبا على غير المسيحي أن يفهمه أو أن يقبله. أما بالنسبة لاخوتنا المسلمين فإن هناك أرضية مشتركة بيننا وبينهم فيمكن للمسلم أن يدرك هذه الحقيقة ببساطة. والأرضية المشتركة التي أقصدها هنا تتمثل في قصة ظهور الله لموسى النبي بصورة نار مشتعلة في شجرة في البرية وكلامه معه من خلالها. وقد ذكرت هذه القصة في الكتاب المقدس وفي القرآن بكل تتطابق وتفصيل. وسوف أورد هذه القصة هنا من الكتاب المقدس، وفي الفصل التالي سأورد ما ذكر في القرآن عنها.
نقرأ في (سفر الخروج 3: 1ـ 6):
"وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان.فساق الغنم الى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب. وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليّقة. فنظر وإذ العليقة تتوقّد بالنار والعليقة لم تكن تحترق. فقال موسى أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العليقة. فلما رأى الرب أنه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال موسى موسى.فقال هاأنذا. فقال لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذائك من رجليك. لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة، ثم قال أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب.فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله".
بقراءة هذا الجزء من الكتاب المقدس يتضح لنا أن الله قد ظهر لموسى في شجرة متقدة بالنار وقال له بصريح العبارة "أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله اسحق واله يعقوب" مما دعا موسى أن يغطي وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله.
هذه القصة ذاتها قد ذكرت بالقرآن أيضا، وحيث أن هناك آيات قرآنية وأقوال لعلماء المسلمين توضح أن الله يمكن أن يظهر في مادة أو في أشخاص ماديين، فدعنا نبحر معا إلى ذلك الشاطئ لنرى صحة هذا الكلام من عدمه.
الفصل الثاني:
شهادة الإسلام لحقيقة
[المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد]
قلنا في الفصل السابق أننا نحن المسيحيين نؤمن أن المسيح هو (الله ظاهرا في الجسد) كما سبق الإيضاح.
وقد أرجأنا إيضاح الرد من وجهة النظر الإسلامية على السؤال الخطير وهو (هل يمكن أن يظهر الله في جسد؟). وقد يقول قائل إن هذا الأمر غريب بل مستحيل من وجهة النظر الإسلامية.
ولكن دعنا أيها القارئ العزيز المخلص في دوافعك والأمين مع نفسك والباحث عن الحق بلا حساسية نرى ماذا قال القرآن بهذا الخصوص وكذلك كبار علماء وفقهاء المسلمين.
أولاً : شـهادة القرآن
عندما نقرأ قصة موسى النبي في سورة القصص وفى سورة طه وفي سورة النمل يتضح لنا أن الله قد ظهر له في شجرة كما سبق أن ذكرنا.
1- سـورة القصص : (29 : 30)
"فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس (رأي) من جانب الطور (جبل الطور) ناراً. قال لأهله امكثوا. إني آنست ناراً لعلى آتيكم منها بخبر أو جذره (جمرة ملتهبة) من النار لعلكم تصطلون (تستدفئون) . فلما آتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن: يا موسى إني أنا الله رب العالمين".
لعلك تلاحظ هنا أن الصوت الذي سمعه موسى انبعث من البقعة المباركة من الشجرة.
ويؤكد ذلك ما ورد أيضا في:
2- سـورة طه : (8-13).
"هل أتاك حديث موسى إذ رأى ناراً . فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً. لعلى آتيكم بقبس (شعلة) منها . أو أجد على النار هدى (إرشادا). فلما أتاها نودي: يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى (هذا هو اسم الوادي) … إني أنا الله لا إله إلا أنا".
ويزيد الموضوع إيضاحا ما ذكر في:
3- سورة النمل (7ـ9):
"إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس (شعلة ملتهبة) لعلكم تصطلون فلما جاءها نودي أن: بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم".
من هذا يتضح إن الله قد ظهر لموسى في شجرة وخاطبه منها قائلا: "إنى أنا الله رب العالمين" (سورة القصص) وأمره أن يخلع نعليه لأنه بالوادي المقدس [أي الذي تقدس بحلول الله فيه]. ثم أكد له القول "إني أنا الله لا إله إلا أنا" (سورة طه) وفي سورة النمل يقول له:" بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين، وأيضا: إنه أنا الله العزيز الحكيم".
ودعني أقدم سؤالا بسيطا وهو: من هو يا ترى المتكلم في هذه الآيات؟
الواقع أنني وجهت هذا السؤال لأحد العلماء المسلمين فتفضل مشكورا بالإجابة ـ بعد فترة ليست بقليلة من التفكير ـ قائلا: "لقد خُيل إلى موسى النبي أن الله يتكلم إليه من الشجرة!!
فسألته أن يذكر الدليل من هذه الآيات على صحة ما يقول بأنه خُيل إلى موسى ذلك. وعندما آثر الصمت، سألته بمنتهى الأدب واللطف عن أساليب التوكيد في اللغة العربية بصفته أحد فقهائها.
وأقصد بأسلوب التوكيد هو أنه إذا أردنا أن نؤكد أمرا فما هي الصيغة التي نؤكد بها صحة هذا الموضوع؟
وبحكمة منه طلب مني أن أجيب أنا على هذا السؤال. فقلت له أن أساليب التوكيد المستعملة في اللغة العربية على ما أذكر هي:
استخدام أداة إن التوكيدية: وهذا الأسلوب قد ورد في الآيات القرآنية الثلاثة المذكورة سابقا: ففي سورة القصص قيل: "إني أنا الله رب العالمين". وفي سور طه قيل:" إني أنا ربك….". وفي سورة النمل قيل:" إنه أنا الله العزيز الحكيم".
والأسلوب الثاني للتوكيد هو تكرار الكلمة سواء كانت اسما أو ضميرا… وهذا ما استخدم أيضا في هذه الآيات الثلاث السابقة إذ يكرر ضمير المتكلم ليؤكد أنه هو الله ذاته، ففي سورة القصص يقول:" إني أنا الله رب العالمين". وفي سور طه قيل:" إني أنا ربك….". وفي سورة النمل قيل:" إنه أنا الله العزيز الحكيم".
والأسلوب الثالث للتوكيد يسمى أسلوب القصْر، أي يقصر المعنى على شخص واحد، وقد استخدم هذا الأسلوب أيضا ليوضح أن الذي ظهر لموسى هو الله نفسه وليس آخر سواه، إذ يقول في سورة طه: "إني أنا الله لا إله إلا أنا" أي لا يوجد إله سواي.
من هذا يتضح بكل تأكيد أن الذي تكلم إلى موسى النبي هو الله نفسه.
وهنا نأتي إلى السؤال الثاني والأهم وهو: من أين جاء هذا الصوت إلى موسى؟
وبكل تأكيد لا يستطيع أحد أن ينكر أن هذا الصوت جاء من الشجرة وبالتحديد من بقعة معينة فيها بحسب ما قيل في سورة القصص:"فلما آتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين".
من كل ما تقدم ندرك أن الله قد ظهر لموسى في شجرة مادية وتكلم إليه منها، فيا عزيزي المخلص إن كان الله قد ظهر في شجرة مادية وتكلم منها، فهل يعتبر كفراً إن قلنا أن الله ظهر في جسد إنسان مادي أيضا وتكلم منه؟! وخاصة كما هو معروف أن الإنسان أرقـي من مملكة النبات في ترتيب الكائنات الحية.
ثانياً: شـهادة علماء الإسلام:
رأينا في النقطة السابقة كيف يشهد القرآن عن ظهور الله سبحانه في شجرة مادية، والآن نورد بعض أقوال علماء الإسلام عن إمكانية ظهور الله في جسد مادي فيما يأتي:-
أهل النصيرية والإسحاقية :
وهما فرقتان من فرق الإسلام المعترف بهما قالوا:"إن ظهور الروحاني بالجسد الجسماني (أي المادي) لا ينكره عاقل".
وقد أعطوا أمثلة على صحة ذلك فقالوا:"كظهور جبريل في صورة أعرابي، وتمثله بصورة البشر".
(كتاب الملل والأهواء والنحل جزء 2 ص 25)
ولعلهم يقصدون بهذا الكلام ما جاء في:
سورة مريم16و 17:
" واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت (أي اعتزلت) من أهلها مكانا شرقيا. فاتخذت من دونهم حجابا (أي سترا) فأرسلنا لها روحنا (أي ملاكا) فتمثل (تصور) لها بشرا سويا (أي مماثلا)"
فمن هنا نرى أن الملاك الذي هو روح قد ظهر في صورة بشر، فهل يعسر على الله ذاته أن يظهر في بشر أيضا وهو القائل "هو عليّ هيّن (أي سهل)" (سورة مريم آية 9و21)؟
ولذلك خلص أهل النصيرية والاسحاقية من ذلك إلى النتيجة التالية الرائعة إذ قالوا: "إن الله تعالى قد ظهر بصورة أشخاص).
(كتاب الملل والأهواء والنحل جزء 2 ص 25)
2- الشيخ أبو الفضل القرشي :
قال:"إن اللاهوت ظهر في المسيح وهذا لا يستلزم الكفر وأن لا إله إلا الله". (كتاب هامش الشيخ القرشي على تفسير الإمام البيضاوي جزء 2 ص 143)
من كل ما تقدم أيها القارئ العزيز يتضح لك أن ظهور الله في جسد إنسان أمر ليس بغريب وليس بكفر. وذلك بشهادة القرآن وشهادة علماء وأئمة الإسلام.