المسيح ابن اللـه

  

القسم الثالث

 المسيح ابن الله المتجسد

  

الفصل الأول:   في المسيحية

الفصل الثاني:  في الإسلام

  

     في القسم الأول من هذا الكتيب تكلمنا عن حقيقة المسيح من زاوية أنه الله الذي ظهر في الجسد.

     وفي القسم الثاني ناقشنا ذات الموضوع وهو حقيقة المسيح من زاوية أخرى لزيادة الإيضاح فوضحنا أن المسيح هو "كلمة الله المتجسد".

     وفي هذا القسم الرابع وسوف نشرح حقيقة المسيح من زاوية ثالثة وهي المسيح هو ابن الله. وسوف نتناول هذا الجانب من وجهة نظر المسيحية أولا، ثم نستعرض شهادة الإسلام بعد ذلك.

  

الفصل الأول:

المسيح هو ابن الله المتجسد

[بحسب العقيدة المسيحية]

 

    لقد ورد لقب السيد المسيح في الكتاب المقدس أنه "ابن الله" مرارا كثيرة. سوف نورد بعض الآيات التي تذكر ذلك ثم نوضح مفهوم هذا اللقب.

 

1ـ (مت3: 17) عند نهر الأردن وقت العماد سمع صوت من السماوات قائلا: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت"

2ـ (مت17: 5) في يوم تجلي المسيح على الجبل "إذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلا: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا"

3ـ (مر9: 7) مكتوب "وكانت سحابة تظللهم فجاء صوت من السحابة قائلا: هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا"

4ـ (2بط1: 17و)  "أقبل عليه صوت كهذا من امجد الأسنى هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به"

5ـ (لو3: 22) "ونزل عليه الروح بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلا أنت ابني الحبيب بك سررت"

6ـ (يو1: 18) "الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر"

7ـ (يو3: 35و36) "الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يده، الذي يؤمن الابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن ير حياة بل يمكث عليه غضب الله"

8ـ (1يو4: 14و15) "ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصا للعالم من اعترف أن يسوع هو ابن الله فالله يثبت فيه وهو في الله"

 

    هذه الآيات وغيرها الكثير في الكتاب المقدس توضح أن لقب المسيح أيضا هو ابن الله. ولكن بأي معنى؟ هل بالمعنى الجسدي والتوالد الجنسي كالبشر؟ كلا وألف كلا. لكنها الولادة الروحية كما سيأتي الحديث تفصيلا عن ذلك في هذا الباب فيما بعد.

 

  

 

الفصل الثاني:

المسيح هو ابن الله المتجسد

[بحسب العقيدة الاسلامية]

 

 

     لعلنا قد أتينا الآن إلى أكبر صدمة يمكن أن تحدث للقارئ المسلم. فهو لا يقبل بأي حال تعبير أن "الله له ولد"!

 

أولا: كيف يكون لله ولد؟

 

    انتقد القرآن أن يكون لله ولد بحسب النصوص القرآنية التالية:

1- سورة النساء 171 "إنما الله إله واحد سبجانه أن يكون له ولد"

2- سورة الأنعام 101 "أنى (أي كيف) يكون له ولد ولم تكن له صاحبة (أي زوجة) وخلق كل شيء"

3- سورة مريم 35 "ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه"

4- سورة المؤمنون91 "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله"

[وآيات أخرى كثيرة بنفس المعنى انظر: سورة الزخرف 81، سورة البقرة 116، سورة يونس68،سورة الإسراء 111 ، سورة الكهف 4، سورة مريم 88، 91، 92، سورة الأنبياء 26، سورة الفرقان 2، سورة الجن3].

 

     أفبعد كل هذه الآيات يجرؤ النصارى أن يقولوا أن المسيح ابن الله المتجسد؟؟

     حسنا، الواقع يا أخي أن إيماننا لا يتعارض إطلاقا مع كل تلك الآيات.

 

   وقد تتساءل يا عزيزي كيف أن إيماننا لا يتعارض مع هذه الآيات الصريحة التي لا تحتاج إلى شرح أو تأويل، وماذا سوف نقول ردا على ذلك؟

 

    أخي أريد أن أطمئنك بأن الرد بسيط ومنطقي، ولا يحتاج منا إلى جهد لإيضاحه، كما لا يحتاج منك إلى أي مجهود لفهمه، فقط دعني ألفت نظرك إلى مفتاح الحل وهو:

 

     أننا لا نقصد إطلاقا من تعبير "ابن الله" وجود أية علاقة جسدية أو تناسلية أو أن الله سبحانه كان له صاحبة (أي زوجة) الأمر الذي يحاربه القرآن كما هو واضح من سورة الأنعام 101 التي تقول:" أنى (أي كيف) يكون له ولد ولم تكن له صاحبة (أي زوجة) وخلق كل شيء" فحاشا لله أن يكون له ذلك. ولهذا قلت لك أن الآيات القرآنية السابقة لا تتعارض مع عقيدتنا على الإطلاق.

 

     وربما يتساءل البعض من أين أتينا بتعبير أن المسيح هو ابن الله؟

الواقع أن هذا التعبير ليس من اختراع إنسان وإنما قد ذكر بصريح القول في الإنجيل المقدس إذ قيل للعذراء مريم:"القدوس المولود منك يدعى ابن الله".

 ولكن ماذا نعني بهذا الاسم؟

هذا يقودنا إلى توضيح:

 

ثانيا: معني المسيح ابن الله

 

     لإيضاح ذلك نورد بعض مدلولات كلمة (ابن). وبالرغم من أن هذه الكلمة مرتبطة في عقول الناس بالولادة الجسدية التناسلية، إلا أنه في الواقع هناك معان كثيرة لهذه الكلمة نورد هنا بعضها:

 كلمة (ابن) تفيد ذات الطبيعة والجوهر:

فمثلا (ابن الإنسان) هو إنسان له طبيعة الإنسان البشرية، أي أن له لحم ودم مماثل لأبيه، فهو من طبيعة الإنسان ومن جوهره. فلكي يوضح لنا الله أن كلمته المتجسد في المسيح له نفس طبيعة وجوهر (الله) الذي لم يره أحد قط،  عبر عن ذلك بالقول (ابن الله).

 

   ولذلك نقول في قانون الأيمان (بالحقيقة نؤمن بإله واحد: الله الآب نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد نور من نور (أي من ذات طبيعة وجوهر الله).

 

وفي ذلك يقول الأستاذ عباس العقاد:

"إن الأقانيم جوهر واحد. إن الكلمة والأب وجود واحد".        

(كتاب الله ص 171)                      

 

 وأيضا كلمة (ابن) تفيد تأكيد المعنى:

فإذا قلنا (فلان عربي ابن عربي) فإننا نريد أن نؤكد أصالة العروبة في هذا الشخص أي أنه عربي حقاً. وعلى هذا القياس فقولنا (المسيح ابن الله) هو تأكيد أن المسيح من جهة طبيعته اللاهوتية هو من طبيعة الله حقاً. لذلك نقول في قانون الإيمان عن المسيح (.. .. إله حق من إله حق).

 

 كما أن كلمة "ابن" تفيد المساواة:

فإذا قلنا (فلان ابن عشر سنوات) نقصد أن عمره مساو لعشر سنوات. وعلى هذا القياس فقولنا (المسيح ابن الله) تفيد أن المسيح من جهة لاهوته هو مساو لله. ولذلك نقول في قانون الإيمان عن المسيح (مساو للأب في الجوهر).

4- كذلك كلمة "ابن" تفيد ذات الشيء  معلناً (ظاهراً):

فقولنا (بنات الفكر) نقصد الفكر ذاته معلنا أو ظاهراً. وعلى هذا القياس فقولنا (المسيح ابن الله) يفيد أن المسيح من جهة لاهوته هو ذات الله معلناً أو ظاهراً في صورة إنسان ولهذا يقول الكتاب المقدس عن المسيح (هو صورة الله غير المنظور) (كو 1 : 15)

 

ويقول أيضاً "هو بهاء مجده (أي مجد الله) ورسم جوهره" (عب 1 : 3)

 وهذا يوافق قول الشيخ محي الدين العربي (الكلمة هي الله متجلياً ... وأنها عين الذات الإلهية لا غيرها).   (كتاب فصوص الحكم جزء 1 ص 35)

5- بالإضافة إلى ذلك فأن كلمة "ابن" تفيد الملازمة وعدم الانفصال:

ففي سـورة البقرة "  وآتي المال على حبة ذوي القربى (أي الأقرباء) واليتامى والمساكين وابن السبيل". ويفسر الإمام النسفى كلمة (ابن السبيل) فيقول ابن السبيل أي المسافر، ودعي ابن السبيل لملازمته للطريق) أي أنه ملازم السبيل (الطريق) طول حياته لكثرة أسفاره.

وعلى هذا القياس فقولنا (المسيح ابن الله) نقصد أن المسيح من جهة لاهوته ملازم لله ولم ينفصل عنه رغم أنه كان في الجسد. ولذلك نقول في القداس الإلهي (بالحقيقة نؤمن أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين).

ويوافق ذلك قول الأستاذ عباس العقاد:

 

"إن الأقنوم جوهر واحد. فإن الكلمة والآب وجود واحد، وأنك حين تقول الآب لا تدل على ذات منفصلة عن الابن لأنه لا تركيب في الذات الإلهية (أي أن الله غير مركب من ذوات أو نفوس متعددة) ".

                                (كتاب الله ص 171)

  

مما سبق يتضح لنا الآتي:

 

1- أن كلمة (ابن الله) لا يقصد بها المعنى الحرفي (أي الولادة الجسدية).

 

2- أن كلمة (ابن الله) هي تعبير أراد به الوحي الإلهي أن يقرب معني علاقة (اللاهوت) الذي ظهر في المسيح (بالله) الذي لم يره أحد قط أي أنهما واحد في الجوهر.

 

3- أن كلمة (ابن الله) تفيد أن المسيح من جهة لاهوته هو مساو لله.

 

أن كلمة (ابن الله) تفيد أن المسيح من جهة لاهوته هو ذات الله معلناً أو ظاهراً في صورة إنسان.

 

4- إن كلمة (ابن الله) تفيد أن المسيح من جهة لاهوته هو ملازم لله ولم ينفصل عنه رغم أنه كان في الجسد. 

   

   لعلك الآن ياخي قد أدركت أننا لا نعارض القرآن في قولنا أن المسيح ابن الله لأننا لا نقصد المعنى الذي يحاربه القرآن وهو العلاقة الجسدية التناسلية نتيجة الزواج. حاشا وألف كلا.

 

عودة الى الفهرس