لزوم كفارة المسيح
كيف تنتفع بكفارة المسيح؟
القسم الثاني من كتاب
فلسفة الغفران في المسيحية
عوض سمعان
الباب التاسع
برارة موقف اللّه إزاء البشر وخطاياهم
إن عدم قضاء اللّه على الشيطان من أول الأمر، والسماح له بتجربة آدم وحواء، وعدم تداخله في منعهما من العصيان، ووجود أشخاص لهم حياة أبدية، وآخرين لهم العذاب الأبدي - كل هذه مشكلات بحثها كثير من الفلاسفة والمفكرين دون أن يهتدوا إلى حل لها. لكن في ضوء الأبواب السابقة لا يكون هناك مجال لهذه المشكلات، كما يتضح من الفصول التالية.
- 1 - برارة موقف اللّه إزاء سقوط آدم
1 - لماذا خلق اللّه آدم، مع علمه أنه سيعصاه، ويجلب على نفسه الشقاء الأبدي؟
الرد: إن اللّه خلقه لأنه محبة (1 يوحنا 4: 8)، ومن شأن المحبة الخالصة ألا تحصر صاحبها في إسعاد ذاته، بل تدعه إلى إسعاد الآخرين. ولذلك خلق اللّه آدم لكي يسعده بكل خير لديه. أما قول الفلاسفة ورجال الدين إن اللّه خلق آدم لكي يعلن بواسطته عن وجوده، أو لكي يتقبل من آدم العبادة والإِكرام اللائقين به، فليس له نصيب من الصواب، لأن اللّه كامل كل الكمال ومستغن بذاته كل الإستغناء.
أما من جهة معرفة اللّه السابقة بأن آدم سيعصاه ويجلب على نفسه الشقاء، فكانت تمنعه من خلقه، لو كانت هناك عقبة ما يمكن أن تمنعه من تحقيق أغراضه السامية من نحوه، ومن ثم فإنه خلق آدم مع علمه أنه سيعصاه، لأنه يستطيع أن ينقذه من نتائج العصيان، ويحقق كل أغراضه الأزلية السامية من نحوه. وقد تحققت فعلاً هذه الأغراض كما اتضح لنا فيما سلف.
2 - إذا كان اللّه قد خلق آدم بدافع المحبة، فلماذا لم يخلقه معصوماً من الخطأ؟
الرد: إن العصمة لا تتوافر إلا في يد من لا بداءة له أو نهاية، أو بالحري في اللّه دون سواه، ولذلك فإن الإِنسان أو غيره من المخلوقات لا يكون معصوماً من الخطأ - ومع كل فاللّه وإن لم يخلق آدم معصوماً، لكن خلقه على صورته، بمعنى أنه خلقه بروح عاقلة لها كل الإمكانيات، للتوافق مع اللّه في صفاته الأدبية السامية، ومن ثم كان من الميسور لآدم ألا يخطئ لو كان قد عقد النية على ذلك.
3 - إذا كان اللّه يحب آدم، فلماذا لم يمنعه من العصيان رغماً عنه، حتى يجنبه هو ونسله الشر والبلاء؟.
الرد: لو كان اللّه قد منع آدم من العصيان رغماً عنه، لكان قد سلبه حرية الإِرادة التي خلقه بها، واللّه لا يلغي أو ينسخ عملاً من أعماله، لأنه عملها كلها بكل حكمة وفطنة (مزمور 104: 24). فضلاً عن ذلك لو كان اللّه قد منع آدم من العصيان رغماً عنه، لأصبحت طاعة آدم في هذه الحالة طاعة آلية لا إرادية. والطاعة الآلية فضلاً عن أنه لا قدر لها ولا وزن، فإنها لم تكن تُشعر آدم بمتعة في العلاقة مع اللّه، ومن ثم كان يحل به الضيق والإكتئاب، وتتأجج فيه الرغبة للمخالفة والعصيان، شأنه في ذلك شأن السكير، فإننا إذا منعناه من الخمر رغماً عنه، تزداد رغبته فيها كثيراً.
4 - إن عدم منع اللّه لآدم من العصيان، يدل على أنه هو الذي هيّأ له سبيل السقوط في الخطيئة، فلا يكون آدم مسئولاً عنها.
الرد: إن اللّه أسمى من أن يهيئ لآدم (أو لغير آدم) سبيل السقوط في الخطيئة، لكن آدم هو الذي بإرادته الذاتية عصى اللّه، ومن ثم فإنه يستحق كل القصاص الذي يترتب على عصاينه. هذا وقد أغلق الوحي الباب أمام هذا الإعتراض فقال: إن اللّه لا يجرّب أحداً بالشرور، لكن كل واحد يجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم أن الشهوة إذا حبلت تلد خطيئة، والخطيئة إذا كملت تنتج موتاً (يعقوب 1: 13 - 15).
5 - لو كان اللّه قد أراد لآدم حياة السعادة في الجنة، لكان قد هيأ له الوسائل التي كانت تساعده على عدم العصيان.
الرد: لو كان اللّه قد خلق آدم بطبيعة خاطئة أو وضعه في صحراء قاحلة ونهاه عن الأكل من شجرة كانت فيها، أو بعد ما وضعه في الجنة حرّم عليه الأكل من أشجارها كلها إلا شجرة واحدة، أو سمح له بالأكل من كل الأشجار إلا أحسنها وأفضلها، أو أن الشجرة التي نهى آدم عنها كانت في مكان يلتبس عليه معرفته، لكان هناك مجال لهذا الإعتراض. لكن اللّه خلق آدم مستقيماً، ولم يضعه في صحراء بل في جنة، ولم يأمره بالإمتناع عن الأكل من الأشجار إلا شجرة واحدة، كما أن هذه الشجرة كانت معروفة لدى آدم حق المعرفة. فضلاً عن ذلك فإنها لم تكن أحسن أو أفضل من غيرها من الأشجار، بل كانت مثلها تماماً، وكل ما في الأمر أن رغبة آدم في الأكل منها خلعت عليها جمالاً خاصاً في عينيه، ومن ثم فاللّه، على النقيض مما يظن المعترضون، كان قد أحاط آدم بكل الأسباب الكفيلة بحفظه من العصيان، ولذلك لا عذر له على الإطلاق.
6 - أليس عدم قضاء اللّه على الشيطان من جهة، وإمتحانه لآدم من جهة أخرى، دليلين على أنه لم يشأ لآدم حياة الهناء؟.
الرد: (ا) إن الشيطان مخلوق ضعيف حقير لا شأن له بالنسبة إلى اللّه، ولذلك فبقاؤه لا يمكن أن يقف في سبيل تنفيذ اللّه لمقاصده، لأن اللّه جلت قدرته يستطيع أن يقضي على كل أعمال الشيطان وحيله، بل ويستغلها أيضاً لإِظهار محبته ورحمته للبشر الذين خلقهم على صورته كشبهه، وبذلك يخرج لهم من الآكل أكلاً ومن الجافي حلاوة (قضاة 14: 14).
فضلاً عن ذلك فإن الشيطان لم يرغم آدم على العصيان، فهو لم يأت به إلى الشجرة المنهي عنها، أو قطف من ثمرها ووضع في فمه، بل حواء هي التي ذهبت إلى الشجرة بإرادتها، وهي التي قطفت من ثمرتها وأكلت بنفسها، وهي التي أعطت زوجها بعد ذلك ليأكل فاستجاب لها. ومن ثم فبقاء الشيطان لا يخلي آدم أو إمرأته من مسئولية العصيان، لأنه كان من الميسور لهما أن يتحولا عن صوت الشيطان لو كانا قد أرادا أن يعيشا حياة الطاعة للّه. فإذا أضفنا إلى ذلك أنه كان من الجائز جداً أن يعصيا اللّه لو لم يكن الشيطان موجوداً، وذلك بسبب حرية الإِرادة التي كانا يتمتعان بها، لأن هذه الحرية، كما تقود إلى الطاعة تقود أيضاً إلى العصيان، إذاً ليس هناك مجال لهذا الإعتراض.
(ب) أما من جهة الإمتحان، فقد كان من الواجب أن يظهر آدم وإمرأته أهليتهما للمركز السامي الذي وضعهما اللّه فيه. فإذا تبين أنهما يطيعان اللّه، يمكن أن يتمتعا بهذا المركز إلى الأبد. وإذا سقطا فللسقوط علاج، كفيل بإعادتهما لا إلى حالتهما الأولى فحسب، بل وإلى حالة أفضل منها كثيراً بفضل نعمة اللّه التي لا حد لها، لذلك ليس هناك مجال للإعتراض على هذا الإمتحان.
7 - إذا كان اللّه يعلم منذ الأزل أن آدم سيعصاه، فلماذا لم يتركه وشأنه دون إمتحان، لأنه إذ ذاك لم يكن يحرم من الجنة؟.
الرد: حقاً إن اللّه كان يعرف منذ الأزل أن كلاً من آدم وحواء سيعصيان وصيته، لكن لم يكن لهما أن يعرفا هذه الحقيقة دون إمتحان، ومن ثم كان يجب أن يُمتحنا ليعرفا حقيقة أمرهما، ويعرفا أيضاً كيف يتصرفان إزاء اللّه. وللإيضاح نقول: إذا ألغيت الإمتحانات المدرسية (مثلاً)، لما عرف معظم الطلبة حقيقة أمرهم، بل ربما ظن الضعفاء منهم أنهم أفضل من غيرهم، ومن ثم يتملكهم الغرور بأنفسهم. وإذا التحقوا بعمل بعد ذلك، أساءوا التصرف فيه كثيراً. فالإمتحان ضرورة أدبية لا بد منها، ولا يتنصل منه إلا الذين لا يريدون أن يعرفوا حقيقة ذواتهم. نعم سيرسب الضعيف في الإمتحان، لكن من الأفضل والأشرف أن يرسب ويعالج، من أن يتوهم أنه قوي فيخدع نفسه ويخدع الآخرين أيضاً معه. لذلك كان الأتقياء يطلبون من اللّه أن يمنحهم ويوجههم التوجيه السليم، فداود النبي (مثلاً) كان يقول للّه: إختبرني واعرف قلبي. إمتحني واعرف أفكاري، وانظر إن كان فيّ طريق باطل واهدني طريقاًأبدياً (مزمور 139: 23 و 24).
8 - لو كان اللّه قد أراد لآدم حياة البقاء في الجنة، فهل يكون آدم بعصيانه ونشره للشر قد خالف إرادة اللّه، وإرادة اللّه كما نعلم تسيطر على الكون وتتحكم فيه؟.
الرد: حقاً إن إرادة اللّه تسيطر على الكون وتتحكم فيه، فهي التي تسيّر الكواكب بانتظام في أفلاكها، وهي التي تحفظ للطبيعة خصائصها وكيانها. لكن يجب أن لا يفوتنا أن هناك فرقاً بين الإِرادة والسماح. فالإِرادة عمل إيجابي به نتحكم في الأمور لتسير في الطريق الذي نعينه لها. أما السماح فهو عمل سلبي به نترك الحرية للأمور لتسير في طريقها، لسبب أو غرض خاص. فاللّه سمح لآدم بالعصيان، ليس لعجزه عن إرغامه على حياة الطاعة، بل لأنه خلقه حر الإِرادة، وحرية الإِرادة من شأنها أن تتجه إلى الخير كما تتجه إلى الشر. ومع كل فإن وجود الشر في العالم لا يعطل مقاصد اللّه، لأن اللّه يستطيع استخدامه لتهذيب الإِنسان، وأيضاً لإِظهار محبته له وعطفه عليه. لأنه لولا الشر لما عرفنا أهمية الخير، ولولا سقوطنا في الخطيئة، لما عرفنا عطف اللّه علينا واهتمامه بأمرنا.
9 - لماذا خلق اللّه آدم حر الإِرادة، وهو يعلم أنه سيسيء استخدام هذه الحرية؟.
الرد: (ا) لما كان اللّه محبة (1 يوحنا 4: 8)، والمحبة هي العامل الأساسي في الخلق، لذلك كان من البديهي أن يخلق اللّه البشر بإرادة حرة، حتى تكون لهم القدرة الذاتية على أن يبادلوه حباً بحب، لأن المحبة المتبادلة لا تقوم إلا على حرية الإِرادة. فضلاً عن ذلك فإن هذه الحرية هي التي تكّون في الواقع أخلاق البشر وشخصياتهم، وتهيِّئ لهم أيضاً سبيل التقدم والرقي في الحياة، إذ لولاها لظل الإِنسان إلى الآن بدائياً كما كان منذ آلاف السنين. فإذا أضفنا إلى ما تقدم إن اللّه لا يريد بشراً كالدميات التي تتحرك آلياً بالجذب أو الدفع حسب رغبة صاحبها، لأنه لا يجد سروره إلا في خلائق تتجاوب معه بمحض إختيارها، الأمر الذي لا يتحقق إلا إذا توافرت لديها القدرة على العصيان في أي وقت أرادت، اتضح لنا أن هذا الإعتراض لا مجال له على الإِطلاق.
(ب) كما أننا إذا نظرنا إلى الحرية من الناحية الإِنسانية العامة، نرى أنها أسمى ما يعتز به الكائن العاقل، ومن ثم فإن البشر المحرومين منها يجاهدون بكل قواهم للحصول عليها. وإذا كان الأمر كذلك فمن التناقض أن نعتز بالحرية، وفي الوقت نفسه نعترض على اللّه لأنه خلقنا أحراراً. فإذا كان آدم قد استخدم حرية الإِرادة التي طبعه اللّه عليها في الإنحراف عنه، فالعيب فيه وليس في الحرية - ومع كل فإن اللّه بسبب محبته التي لا حد لها، لم يعامل الإِنسان حسب عصيانه، بل أظهر له كل عطف ورحمة، كما هيأ له كل الوسائل التي تمكنه من استخدام حرية إرادته في الإمتناع عن كل شر، والقيام بكل خير، عندما يؤمن إيماناً حقيقياً كما ذكرنا في الباب السابع، ولذلك ليس هنا مجال لهذا الإعتراض كما ذكرنا.
10 - إذا كان الأمر كذلك، فهل سمح اللّه لآدم بالسقوط في الخطيئة لكي يظهر محبته الأزلية له ويكفر بنفسه عنه؟
الرد: حاشا للّه أن يكون قد سمح لآدم بالسقوط في الخطيئة لهذين الغرضين، لأنه لا يسمح بالشر لكي يأتي الخير، إذ أنه لا يصطاد في الماء العكر كما يفعل بعض الناس. بل ما حدث هو أنه هيأ لآدم الأسباب الكفيلة ببقائه في الجنة إلى الأبد، لكن لما سقط بإرادته لم يشأ اللّه أن يتركه في خطيئته، بل احتملها وكفر عنها بنفسه. فضلاً عن ذلك إن هذين العملين، أي الإحتمال والتكفير، لم يكونا حدثين جديدين بالنسبة إلى اللّه، بل كانا لديه أزلاً، لأنه يعرف كل الأشياء قبل ظهورها - الأمر الذي يتوافق مع كماله، وعدم طروء أي جديد عليه.
- 2 - برارة موقف اللّه إزاء البشر عامة
1 - لكن هل يرضى اللّه أن يشقى ملايين البشر، بسبب خطيئة آدم أبيهم ونائبهم؟
الرد: (ا) طبعاً لا يرضى، ولذلك عيّن لهم منذ الأزل (أو بالحري قبل خلق آدم بأزمنة لا حصر لها) نائباً آخر هو المسيح، ومن ثم دُعي المسيح بالوحي من الناحية الناسوتية آدم الأخير (1 كورنثوس 15: 45) يُطلق على المسيح آدم الأخير من جهة زمن ظهوره في العالم بالنسبة إلى آدم الأول أو النائب الأول. ولكن المسيح من ناحية وجوده الذاتي، كان قبل آدم بأزمنة لا حصر لها، لأنه له المجد هو إبن اللّه و كلمته . وتبعاً لذلك إذا كانت البشرية قد حلّ بها الشقاء بواسطة آدم الأول، يحل بها الخير وكل الخير بواسطة آدم الأخير. فقد قال الوحي: لأنه إن كان بخطيئة واحد (أي آدم الأول) مات الكثيرون، فبالأولى كثيراً نعمة اللّه والعطية بالنعمة التي بالإِنسان الواحد يسوع المسيح، قد ازدادت للكثيرين.. لأنه إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد، فبالأولى كثيراً الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر، سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح. فإذاً كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، هكذا ببر واحد (أي عمل البر الواحد الذي به وفىّ المسيح مطالب عدالة اللّه وقداسته) صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة. لأنه كما بمعصية الإِنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضاً بإطاعة الواحد (أي المسيح يسوع) سيُجعل الكثيرون أبراراً (رومية 5: 15 - 19).
(ب) لذلك فكل من يشعر بشناعة الخطيئة التي تسربت إليه من آدم الأول، عليه أن يتنصل من علاقته به كرأسه العتيق ويلتصق بالروح بالإِيمان الحقيقي بالمسيح الذي هو آدم الأخير، كرأسه الجديد. فيصبح منفصلاً عن الجنس البشري وخطيئته ومصيره من ناحية، ومتحداً مع المسيح البار ومشتركاً معه في استحقاقات كفارته من ناحية أخرى. فقد قال الوحي: إذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديداً (2 كورنثوس 5: 17)، أما إذا رفض إنسان الإلتصاق بالمسيح، فإنه يكون قد فضل البقاء في الحالة الجسدية التي آلت إليه بسبب نيابة آدم الأول، وبالتالي يكون قد أحب البقاء في الخطيئة بمحض اختياره. وحينئذ لا تكون نيابة آدم الأول عنه نيابة شرعية بل نيابة إختيارية، وتكون الدينونة التي يستحقها ليست بسبب نيابة آدم عنه في الإمتحان والسقوط واستحقاق الموت، بل بسبب رفضه لنيابة المسيح عنه في إيفاء مطالب العدالة الإِلهية.
مما تقدم يتضح لنا أنه كما تسربت الطبيعة الخاطئة إلينا من آدم واشتركنا في نتائجها دون أن نرتكب ذنباً، هكذا اقتضت حكمة اللّه أن ننال حياة المسيح في نفوسنا، ونشترك في نتائج كفارته دون أن نقوم بدفع ثمنها للّه، إذ كل ما علينا أن نعمله هو أن نقبل المسيح في قلوبنا نائباً عنا ورأساً لنا، أو بالحري أن نؤمن به إيماناً حقيقياً.
2 - لماذا لم يجعل اللّه المسيح رأساً للخليقة من أول الأمر بدلاً من آدم، لأنه في هذه الحالة لم يكن هناك مجال لوجود الخطيئة التي أساءت إلى اللّه وكلفته القيام بالفداء؟!
الرد: إن اللّه أقام الأول رأساً للخليقة لأنه كائن أرضي ويستطيع أن يأتي بالبشر بواسطة التناسل الطبيعي. أما المسيح فلأنه كائن سماوي وليست له علاقة مع أحد إلا بالروح، كان من البديهي أن لا يظهر كرأس للخليقة الروحية الجديدة، إلا بعد أن يأتي آدم الأول. وليس هذا فحسب، بل وأيضاً بعد أن تظهر في المخلصين من أولاده، الرغبة الحقيقية في الإتصال باللّه والتوافق معه.
هذا مع العلم بأن نيابة آدم الأول وما أنتجته من شر ليست هي التي دعت اللّه إلى إقامة المسيح نائباً ثانياً، بل بالعكس فإن نيابة المسيح هي الأساس في مقاصد اللّه الأزلية، والدليل على ذلك أنه أعلن أن آدم الأول كان مجرد مثال للمسيح من جهة النيابة عن البشر كما يتضح من (رومية 5: 12)، والمثال لا تقوم له قائمة إلا إذا كانت هناك حقيقة سابقة له يمثلها أو يرمز إليها.
3 - إذا كان الخلاص هو بالمسيح وحده، فكيف خلص الأنبياء وغيرهم من الأتقياء الذين عاشوا قبل مجيئه إلى الأرض؟
الرد: (ا) مرّ بنا أن اللّه أوصى الناس في العهد القديم بتقديم الذبائح كفارة عن نفوسهم. ولذلك كان كل من يتوب عن خطاياه ويقترب إلى اللّه بهذه الذبائح، يتمتع بالغفران والقبول أمامه، ليس لأن هذه الذبائح كانت في ذاتها كافية للتكفير، بل لأنها كانت رمزاً إلى كفارة المسيح التي كانت معروفة لدى اللّه أزلاً. فقد قال الرسول للمؤمنين عالمين أنكم أفتديتم… بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم، ولكن قد أظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم (1 بطرس 1: 18 - 20) وقال غيره عن المسيح الذي قدمه اللّه كفارة بالإِيمان بدمه لإِظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة (أي خطايا الذين آمنوا في العصور السالفة للمسيح، وأظهروا هذا الإِيمان بالتوبة إلى اللّه وتقديم الذبائح الرمزية) بإمهال اللّه، (و) لإِظهار بره (أيضاً) في الزمان الحاضر، ليكون باراً ويبرر من هو من الإِيمان بيسوع (رومية 3: 25 و 26).
فالغفران بدم المسيح يمتد من الصليب إلى الخلف، فيجتاز كل العصور السابقة للميلاد حتى يصل إلى آدم قبل خروجه من الجنة - ولذلك لم يوقع اللّه عليه في الحال حكم الموت الجسدي الذي ينبئ بوقوع العذاب الأبدي عليه بسبب الخطيئة، بل عفا عنه وأبقاه حياً على أساس الذبيحة الرمزية التي ارتضاها وقتئذ نيابة عنه. كما أن هذا الغفران يمتد إلى الأمام فيجتاز كل العصور التالية للميلاد لكي يخلص آخر إنسان يأتي إلى الأرض، طالما يؤمن بالمسيح إيماناً حقيقياً. ومن ثم فالمؤمنون الحقيقيون الذين عاشوا قبل الصليب خلصوا أمام اللّه بالنظر إلى المسيح الذي كان بالنسبة لهم عتيداً أن يأتي ويعلن كفارة اللّه، والمؤمنون الذين عاشوا ويعيشون بعد المسيح يخلصون بالإِيمان بأنه أتى وأعلن هذه الكفارة - الأمر الذي يتفق مع كمال اللّه ومحبته للبشر، في كل العصور بلا استثناء.
4 - إن اللّه يحب الناس جميعاً، ولذلك ليس من المعقول إطلاقاً أن يخلّص فقط المنتمين إلى المسيح، لا سيما وأن كثيرين منهم خطاة مثل باقي الناس.
الرد: إن الذين يتمتعون بالخلاص ليسوا الذين ينتمون إلى المسيح (أو بالحري ينتمون ظاهرياً إليه)، لأن كثيرين من هؤلاء خطاة مثل باقي الناس، لكن الذين يتمتعون بالخلاص همالذين قبلوا المسيح مخلصاً لهم، ووُلدوا من اللّه مرة ثانية استطاعوا بها التوافق معه في صفاته الأدبية السامية، وهؤلاء أقلية في كل العصور. ولا غرابة في ذلك فقد ذكر الوحي أنه من بين الآلاف الذين كانوا في أيام الطوفان لم يخلص إلا ثمانية أشخاص (1 بطرس 3: 20). ومن بين سكان سدوم وعمورة العديدين لم يخلص إلا لوط وحده (2 بطرس 2: 7).
5 - إن عطف اللّه ورحمته لا حد لهما، ولذلك لا يمكن أن يهلك إلى الأبد جميع الذين لا يؤمنون بالمسيح إيماناً حقيقياً.
الرد: حقاً إن عطف اللّه ورحمته لا حد لهما، لكن يجب ألا يفوتنا أن قداسته وعدالته لا حد لهما أيضاً. وبما أن المؤمنين بالإسم وغير المؤمنين لا يبالون بالخلاص الذي يقدمه لهم مجاناً في المسيح، لذلك فمن العدالة أن يحرموا منه، ومن العدالة كذلك ألا يطالبوا بأحقيتهم فيه.
فضلاً عن ذلك فاللّه في الواقع ليس هو الذي يهلكهم، بل هم الذين يهلكون أنفسهم بأنفسهم، بسبب عدم رغبتهم في الإِتيان إليه والتمتع بخلاصه. وقد أشار المسيح إلى هذه الحقيقة فقال لأنه هكذا أحب اللّه العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكي لا يَهللك (بفتح الياء لا بضمها) كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يوحنا 3: 16)، كما أشار اللّه إليها من قبل على لسان الحكيم فقال من يخطئ عني يضر نفسه (ولست أنا الذي أضره) (أمثال 8: 36)، كما ذكرنا في الباب الأول.
6 - إذا كان الخلاص هو بكفارة المسيح وحدها، فما مصير الذين لم يسمعوا عنها، أو سمعوا عنها دون أن يدركوها؟
الرد: لسنا في مركز القضاة الذين يقررون مصائر الناس حتى نجيب عن هذا السؤال، لكن نعلم علم اليقين أن اللّه يحب كل الناس بدرجة واحدة. فمكتوب هكذا أحب اللّه العالم (أي العالم أجمع) (يوحنا 3: 16)، وأنه بعلمه اللانهائي يقدّر ظروف كل منهم تقديراً صادقاً، كما يعرف قلب كل منهم معرفة دقيقة، ومن ثم لا يمكن أن يظلم أحداً أو يقسو على آخر. فالراغبون منهم بإخلاص في التمتع برحمة اللّه والسلوك في سبيله، لا يتركهم اللّه وشأنهم، بل يرسل لهم من يرشدهم، ويهذبهم، كما فعل مع كرنيليوس ووزير ملكة كنداكة وغيرهم (أعمال 10 ، 8: 26 - 35).
7 - وما ذنب الأطفال الذين لا يعرفون شمالهم من يمينهم؟
الرد: (ا) إن المسئولية (كما نعلم) لا تقع إلا على الذين يميزون بين الخير والشر، وبما أن الأطفال عامة لا يميزون بين هذا وذاك، لذلك لا تقع عليهم مسئولية شخصية أمام اللّه، وبالتبعية لا يعتبرون مذنبين أمامه، حتى إن كانوا قد عملوا بالطبيعة ما ندعوه خطيئة . أما من جهة إعتبارهم خطاة شرعاً أمام اللّه (مثل غيرهم من الناس) بسبب تناسلهم من آدم الأول، فنقول: نظراً لعدم إدراك الأطفال ماهية الخير أو الشر، فاللّه لا يسمح بأن يضاروا بخطيئة آدم الأول، وأن لا يفيدوا من خلاص آدم الأخير الذي هو المسيح. فقد قال الوحي: ولكن ليس كالخطية هكذا أيضاً الهبة (أي أن هبات اللّه لنا على أساس كفارة المسيح، لا يمكن أن تقل عن نتائج خطيئة آدم علينا)، لأنه إن كان بخطية واحد (الذي هو آدم الأول) مات الكثيرون. فبالأولى كثيراً نعمة اللّه والعطية بالنعمة التي بالإِنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين (رومية 5: 15 - 20). فإذا أضفنا إلى ذلك أن المسيح قال عن الأطفال إن لمثل هؤلاء ملكوت السموات (مرقس 10: 13 - 15)، وإنه لا يريد أن يهلك واحد منهم على الإِطلاق (متى 18: 10 - 14)، لا يبقى لدينا شك في أن الأطفال عامة لا يهلكون بفضل كفارة المسيح.
ومما يثبت هذه الحقيقة أننا إذا رجعنا إلى إجراءات الدينونة الواردة في (رؤيا 20: 11 - 12)، نرى أن الأشرار يُدانون على قياس مسئوليتهم حسب ما هو مكتوب في الأسفار عن أعمالهم. ولذلك فإن الذين لا إدراك لهم لا يقفون أمام عرش الدينونة، بل كما ورثوا الخطيئة من آدم دون إرادتهم، يتمتعون بالخلاص والحياة الأبدية مجاناً بفضل كفارة المسيح دون أي إجراء من جانبهم.
ولكن يجب أن لا يفوتنا أنه مع عدم هلاكهم، فإن إدراكهم في الأبدية سوف لا يكون مثل إدراك المؤمنين الذين سمت حياتهم الروحية، بالإِفادة من محبة اللّه الغنية التي تجلت في كفارة المسيح، والبركات السامية التي ترتبت عليها. كما أنه سوف لا تكون لهم أكاليل أمام كرسي المسيح نظير المؤمنين الذين خدموا الرب بإخلاص في العالم الحاضر، لأن الأكاليل ستعطى عن الخدمة والجهاد بعد الإِيمان (2 تيموثاوس 4: 7 و 8 ، 1 بطرس 5: 4 ، يعقوب 1: 12 ورؤ 2: 10)، ومن ثم تكون مكانة الأطفال في الأبدية مثل مكانة البسطاء في الإِيمان.
-3- برارة موقف اللّه إزاء المؤمنين الحقيقيين
1 - إذا كان المؤمنون الحقيقيون لا يُعاقَبون عن خطاياهم إلى الأبد، لذلك لهم أن يخطئوا ويهملوا في الأعمال الصالحة كما يريدون، وهذا ما يساعد على انتشار الشر في العالم، وفي الوقت نفسه يتعارض مع قداسة اللّه كل التعارض.
الرد: إن المؤمنين الحقيقيين كما ذكرنا في الباب السابع، ولدوا مرة ثانية من اللّه، وحصلوا منه على طبيعة روحية تكره الخطيئة وتمقتها، لذلك فإن فكرة جواز سلوكهم في حياة الشر، هي فكرة بعيدة الإحتمال. فقد قال الرسول عن نفسه وعن هؤلاء المؤمنين نحن الذين متنا عن الخطيئة، كيف نعيش بعد فيها!! (رومية 6: 2)، لأن النعمة التي خلصتهم تعلمهم أن ينكروا الفجور والشهوات العالمية وأن يعيشوا بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر (تيطس 2: 11 و 12).
فضلاً عن ذلك، فإن الطبيعة الروحية التي حصل عليها هؤلاء المؤمنون من اللّه من شأنها أن تقودهم للقيام بالأعمال الصالحة بكثرة ووفرة. وإذا قصروا مرة في شيء من هذه الأعمال، لا يشعرون براحة أو سلام في نفوسهم. ولذلك يحاولون القيام بالأعمال المذكورة بكل ما لديهم من قوة لكي يريحوا ضمائرهم، وقبل كل شيء لكي يمجدوا اللّه الذي أحبهم وأكرمهم. وقد أشار الرسول إلى أن المؤمنين الحقيقيين طُبعوا على القيام بالأعمال الصالحة، فقال عن نفسه وعنهم معاً مخلوقين (مرة ثانية) في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق اللّه فأعدها لكي نسلك فيها (أفسس 2: 10).
2 - ما موقف اللّه إزاء مؤمن حقيقي يسقط في الخطيئة، ولا ينهض للتو منها؟
الرد: (ا) إن اللّه يستخدم كل الوسائل لهداية هذا المؤمن وإعادته إليه، وذلك عن طريق الوعظ والإِرشاد أو عن طريق تجارب الحياة المتنوعة، لأن هذا المؤمن هو من أولاده الذين ولدهم مرة ثانية لرجاء حي (1 بطرس 1: 3)، وتعهد المسيح برعايتهم والعناية بهم إلى نهاية الحياة (يوحنا 10: 14 و 15) - وداود النبي الذي اختبر هداية اللّه له بعد الإنحراف، قال مرة عنه يردّ نفسي. يهديني إلى سبل البر، من أجل أسمه (مزمور 23: 3).
(ب) أما إذا استمر مؤمن حقيقي في عمل الخطيئة، فإن اللّه يؤدبه حتى يثوب إلى رشده ويقلع عن خطيئته. وهذا التأديب قد يكون مرضاً أو ضيقاً أو خسارة أو... أو... فقد قال الرسول لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا (وسرنا في خوف اللّه) لما حكم علينا. ولكن إذ قد حُكم علينا نُؤدَّب من الرب لكي لا نُدان مع العالم (1 كورنثوس 11: 31 و 32). وقال أيضاً لأن الذي يحبه الرب يؤدبه، ويجلد كل إبن يقبله.. فأي إبن لا يؤدبه أبوه!! (عبرانيين 12: 6 و 7). ومن ثم قال الرسول للمؤمنين وإن كنتم تدعون أباً الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد، فسيروا زمان غربتكم بخوف (1 بطرس 1: 17)، وطبعاً ليس خوف الإرتعاب من اللّه بل خوف الوقار أمامه.
3 - كيف لا يدان في الأبدية كل المؤمنين الحقيقيين الذين يسقطون في الخطيئة مثل غير المؤمنين والمؤمنين بالإسم؟ ولو فرضنا جدلاً أنهم سوف ينتقلون إلى السماء، فكيف يمكن أن يتوافقوا مع اللّه في قداسته هناك!!
الرد: إن المسيح بتقديم نفسه كفارة على الصليب، حمل قصاص خطايا من يؤمنون به إيماناً حقيقياً. وبما أن عدالة اللّه لا تطالب بحقها مرتين، لذلك لا يدان المؤمنون الحقيقيون فيما بعد عن خطاياهم إكتفاء بالتأديب الأرضي الذي يحل بهم، كما ذكرنا فيما سلف. أما من جهة الشطر الثاني من الإعتراض فنقول: بما أن هؤلاء المؤمنين حصلوا بالولادة الثانية من اللّه على طبيعة روحية يخلعون فعلاً الطبيعة العتيقة التي تجنح بهم الآن إلى الخطيئة، لذلك لا يبقى هناك ما يمنعهم من التوافق مع اللّه في قداسته في العالم الآخر.
4 - إذا كان المؤمنون الذين يسقطون في الخطيئة سيتمتعون باللّه في العالم الآخر، يكون اللّه قد وضعهم جنباً إلى جنب مع المؤمنين الذين يحفظون أنفسهم بعيداً عن الخطيئة، ويقومون بخدمته وحفظ وصاياه في العالم الحاضر، وهذا لا يتفق مع العقل؟
الرد: لا مجال لهذا الإعتراض فإن اللّه سيكافئ المؤمنين الحقيقيين، الذين حفظوا أنفسهم بعيداً عن الخطيئة، وقاموا بخدمته وحفظ وصاياه بمكافأة خاصة، فقد قال الوحي إن بقي عمل أحد قد بناه عليه (أي على الإِيمان بالمسيح)، فسيأخذ أجرة (1 كورنثوس 3: 14) وهذه الأجرة أو المكافأة ليست طبعاً هي الحياة الأبدية، بل أنها مجد خاص بجانب هذه الحياة - لأن الحياة الأبدية هبة من اللّه على أساس كفارة المسيح (رومية 6: 23)، وليست أجرة عن أعمال صالحة. أما غيرهم من المؤمنين الحقيقيين وإن كانوا سيتمتعون باللّه إلى الأبد بفضل كفارة المسيح، لكنهم سيخسرون الأجرة السابق ذكرها. فقد قال الوحي إن احترق عمل أحد فسيخسر (أي يخسر الأجرة)، وأما هو فسيخْلُص (من الدينونة الأبدية)، ولكن (خلاص هذا المؤمن، يكون) كما بنار (1 كورنثوس 3: 15)، أي كخلاص شخص شبت النار في بيته فأحرقت كل ما لديه، أما هو فنجا بنفسه فحسب، كما كانت الحال مع لوط قديماً (تكوين 19: 20).
5 - أليس الإعتقاد بأن المؤمنين الحقيقيين الذين يخطئون لا يتعرضون للدينونة الأبدية، يدفعهم للتباهي بأنفسهم، وهذا ما لا يليق بهم أو بغيرهم على الإِطلاق.
الرد: فضلاً عن أن هؤلاء المؤمنين يتعرضون لتأديب اللّه في الزمن الحاضر كما ذكرنا فيما سلف، الأمر الذي يدعوهم للسلوك بكل تواضع أمامه. فإن عدم تعرضهم للدينونة لا يدعوهم للتباهي بأنفسهم، لأن خلاصهم منها يتوقف أولاً وأخيراً على كفارة المسيح. ولذلك فإنهم إذا افتخروا، لا يفتخرون بأنفسهم بل بالرب دون سواه (2 كورنثوس 10: 17).
أما الذين يتباهون بأنفسهم فهم الذين يفتخرون بالأعمال التي تدعى الصالحة، ويعتقدون أنهم أهل بها للحصول على الحياة الأبدية، دون الذين لم يقوموا في نظرهم بمثل هذه الأعمال، كما كانت الحال مع الفريسي الوارد ذكره في (لوقا 18: 9 - 14)، غير عالمين أن هذه الأعمال فضلاً عن أنها لا تكفر عن خطيئة واحدة من خطاياهم، فهي ملطخة بنقائص متعددة تجعلهم خطاة أمام اللّه كما ذكرنا في الباب الثاني. وحتى إذا كانت أعمالهم خالية من هذه النقائص فإنها ليست فضلاً منهم يستحقون عنه جزاء، بل هي واجب إذا قصروا في أدائه، أضافوا إلى خطاياهم خطايا أخر.
6 - إذا كان المسيح قد خلص المؤمنين الحقيقيين من قصاص الخطيئة، وكان الموت الجسدي جزءاً من قصاصها، فلماذا يموتون هذا الموت مثل غيرهم من الناس؟
الرد: إن الموت لا يتطرق إلا إلى الأشخاص الخالين من الخطيئة والمعصومين منها، والحال أن أجساد المؤمنين الحقيقيين، مثل أجساد غيرهم من الناس، تكمن فيها الطبيعة الخاطئة (والفرق الوحيد بين الفريقين أن المؤمنين الحقيقيين يَسْمون بنعمة اللّه فوق هذه الطبيعة، أما غيرهم من الناس فيخضعون لها)، ولذلك كان من البديهي أن يتطرق الموت إلى أجسادهم أيضاً. ومع كل، فبسبب حصول المؤمنين المذكورين على الغفران والقبول الأبدي أمام اللّه في المسيح، لم يعد الموت الجسدي موتاً لهم بل أصبح انتقالاً إلى السماء. كما أنه عن طريق هذا الإنتقال، ينتهي أمر الطبيعة العتيقة فيهم. ولذلك صاح أحدهم قائلاً لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح - ذاك أفضل جداً، لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح (فيلبي 1: 21 - 23). وأيضاً لأننا نعلم أنه إن نقض بيت خيمتنا الأرضي (أي أجسادنا الأرضية المؤقتة)، فلنا في السموات بناء من اللّه (أي جسد سماوي) بيت غير مصنوع بيد، أبدي. فنثق ونسرّ بالأولى أن نتغرب عن الجسد (أي ننتقل من هذا العالم)، ونستوطن عند الرب (2 كورنثوس 5: 1 - 8). ولذلك يطلق الوحي على الموت بالنسبة للمؤمنين الحقيقيين رقاداً أو نوماً (يوحنا 11: 12)، لأنهم يقومون بعده بنشاط روحي إلى حياة سعيدة، بأجساد سماوية مثل جسد المسيح نفسه. فمكتوب عنه أنه سيغيِّر شكل جسد تواضعنا لكي يكون على صورة جسد مجده (فيلبي 3: 21)، ولذلك فإنهم دون غيرهم من الناس، لا يخشون الموت ولا ما بعد الموت.
فما أعظم محبة اللّه التي تجلت في الفداء الذي قام به لأجلنا في المسيح، وما ثمن البركات التي آلت إلينا بسبب هذا الفداء!! إننا مهما شكرنا اللّه لا نستطيع أن نفيه ذرة مما يجب علينا إزاء أفضاله ولذلك لا يسعنا إلا أن نخرّ أمامه ساجدين معطين إياه الكرامة والمجد والعظمة والسلطان إلى أبد الآباد - آمين.
مسابقة القسم الثاني كيف تنتفع بكفارة المسيح؟
أيها القارئ الكريم،
إن كنت قد درست القسم الثاني من هذا الكتاب، فستجاوب على الأسئلة التالية
1 - ما هي الأدلة على صدق شهادة المسيح لموته الكفاري؟
2 - ما سبب انتشار الظلام وقت صلب المسيح؟
3 - لماذا لم تُكسر ساقا المسيح؟
4 - ما هي الآلام التي احتملها المسيح ليزيح عنا عذاب ولعنة الخطية؟
5 - ما هي الوقائع التي تشهد بكفاية كفارة المسيح؟
6 - لماذا كانت الولادة الروحية من الله ضرورية؟
7 - كيف يمكن للإنسان أن يولد هذه الولادة؟
8 - ماذا حدث من تغيير في علاقتنا بعد كفارة المسيح الكافية عنا؟
9 - ما هو الإيمان الحقيقي؟
10 - ما هي الشروط الواجب توافرها في شخص يريد أن يكون مؤمنا بالمسيح؟
11 - كيف يتأكد الشخص أنه قد نال الإيمان الحقيقي؟
12 - ما الذي يجعل المؤمن الحقيقي متأكدا من امتلاكه للخلاص؟
13 - هل نقدر أن نتجنب الخطية بعد أن تعرفنا على ماهيتها؟
14 - هل صفح لنا الله من أجل حياة المسيح الرائعة،أم من أجل كفارته عنا بموته؟ اشرح إجابتك؟
15 - إذا كان المسيح قد توافق مع الله من جهة الفداء فلماذا طلب منه في جثسيماني أن يجنبه الصلْب في أول الأمر؟
16 - هل هناك داع للإيمان الشخصي بالمسيح؟
17 - لو كان الله يريد أن يكفر عن خطايانا في المسيح فلماذا لم يقم بهذا العمل بينه وبين المسيح دون أن يكون لأحد من البشر يد في صلبه؟
18 - كيف استطاع المسيح أن يفي في ثلاث ساعات الظلمة وحدها مطالب عدالة الله التي لا حد لها؟
19 - ما معنى التبرير ؟
20 - إن المسيح بقوله: قد أكمل أعلن إتمامه لعمل الفداء، فلماذا لم ينزل عن الصليب بعد ما قال هذا مباشرة؟
21 - هل تشمل كفارة المسيح الخطايا التي لم تُرتكب بعد؟ كيف؟
22 - لماذا خلق الله آدم حر الإرادة وهو يعلم أنه سيسيء استخدام الحرية؟
23 - ما الذي يجعل المؤمنين الحقيقيين يبغضون الخطية، مع أنهم لن يعاقبوا عنها؟
24 - ما موقف الله إزاء مؤمن حقيقي يسقط في الخطيئة، ولا ينهض للتو منها؟
25 - لماذا يموت المؤمنون الحقيقيون موتا جسديا مثل بقية الناس؟