[ الذين يفكرون ثم يكتبون أحترمهم ...
والذين يكتبون ثم يفكرون أعذرهم ...
والذين يكتبون ولا يفكرون أبدًا ...
أرد عليهم ].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الباب ينقل حوارًا أقام الدنيا وأقعدها, وكان سببًا مباشرًا فى التفكير جديًا فى كتابة هذا الكتاب, ولا أريد أن أسبق القارئ أو أستخلص له النتائج, وحسبى أن أؤكد له ما آمنت به من خلال الحوار العنيف, وموجزه ما يلى:
أولاً: أن الحوار هو الحل ...
فالانتصار دائمًا لصاحب الحجة ولصاحب اللسان السليط ...
ثانيًا: إن الأسماء الرنانة الطنانة, والشهادة الدينية المتخصصة العليا ليست بالضرورة مدخلاً على صحيح الفهم وعميق العلم وسليم المنطق وصحيح الاستنتاج ...
ثالثًا: أن من يضحك أخيرًا ... يضحك كثيرًا ...
رابعًا: أن هناك وهم يسيطر على أذهان البعض, يغزله ضعف الحجة وقلة البضاعة من العلم والاطلاع, وينسجه الاحساس الداخلى بالعجز ...
وتكون نتيجته دائمًا الفكر المتآمر...
وصاحب المنطق بالعمالة, والحوار ذاته بأنه مؤامرة عالمية ...
والمؤكد أن هذا كله هو الزبد الذى يذهب جفاء ...
وأما الذى ينفع الناس, وهو المنطق الرصين والحجة المستقيمة والرأى المهذب الهادئ ...
فهو الذى يبقى فى الأذهان, ويعيش على أبد الآبدين ...
وأخيرًا: فحتى يستكمل القارئ الصورة, أود أن يعلم أن الحلقات الست الأولى من حوار الفصل الأول, قد نثشرت تباعًا فى جريدة الأحرار ...
ثم ثارت ثائرة من لم يتحملوا الحوار ...
فأخذوا قرارًا بمنع نشر باقى الحلقات ...
خاصة بعد أن رد بهضهم فأتاه الرد على الرد بما لم يحسب له حسابًا ...
وقد وعدت من اخذوا قرارًا بالمنع بأن أنشر الحلقات كاملة فى كتاب هو بالقطع أبقى وأكثر تأثيرًا ...
وها أنذا أفى بالوعد ...
وهو اعتذار للقارئ عن خطأ, لم يسبق لى الوقوع فيه, ولم استطع تلافيه, وهو خطأ التكرار, الذى كاد يدفعنى إلى حجب هذا الباب عن النشر, لولا أن رجحت لدى مبررات نشره, فقد حدث الحوار حول المتعة قبل نشر هذا الكتاب, وخلال كتابتى للباب الأول, وكان طبيعيًا أن ترد فى إحد ردودى على المتحاورين, بعض الحجج والأدلة الواردة فى الحوار السابق, ولم أستطع استبعادها لأن أمانة النقل تقتضى نشر الحوار كاملاً, وفى ظنى أن الحوار يعطى صورة متكاملة عن خلفية بعض فقهائنا وكتابنا عن الموضوع, وأن متعة متابعته, حيًا ومتواليًا وساخنًا, سوف تتجاوز بالقارئ مشاعر الضيق أو التبرم من معلومة أو حجة تتكرر هنا أو هناك...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخيرًا أخرجنى الأستاذ وحيد غازى [ رئيس تحرير جريدة الأحرار ] من قوقعتى ...
أما القوقعة فهى الإحساس بالتناقض بين الشعور بالقدرة على العطاء, وبين عدم القدرة على النشر المستمر, وكانت النتيجة الطبيعية لذلك أن اكتسبت كتاباتى طابعًا من الحدة يتناقض مع طبيعتى ...
مبعثه الرغبة فى اقتناص فرصة النشر, وانتهازها للرد على سيل من الهجوم والطعن والتجريح ...
ولذا, ما أن صارحنى برغبته فى أن أكتب أسبوعيًا للأحرار, حتى رجوته أن يوقف نشر مقال كنت أرسلته إليه ...
وكان فيه من الحدة ما فيه, ومن التوثيق ما يساند الحجة والحدة ...
بيد أن الحدة فى النهاية ليست أكثر من ضرورة يبيحها محظور صعوبة النشر ...
وما أحوج الجميع إلى الحوار الهادئ, والاحتكام إلى العقل وصالح الجماعة ...
وما أظن هذا يتناقض مع الاحتكام إلى الدين أبدًا ...
غاية ما فى الأمر أن هناك معبرًا بين السبيلين هو الاجتهاد المستنير, وأحسب أننا افتقدنا ذلك منذ زمن طويل ...
وأننا قدسنا اجتهادات السلف, ونسينا أنهم قد اجتهدوا لعصرهم ...
وتناسينا مقولة أبى حنيفة ( هم رجال ونحن رجال )...
وأحسب أن عقم الاجتهاد أحيانًا, واجتهاد العقم أحيانًا أخرى هو السبب الرئيسى فى المأزق الذى وصلنا إليه ...
حسنًا, ليكن حديثى موجهًا إلى الطرف الآخر فى الحوار الساخن والشائك الذى يدور فى مصر, وينتقل صداه إلى كل الأقطار المجاورة, أن تعالوا إلى كلمة سواء, وقارعونا الحجة بالحجة, وبادلونا الرأى بالرأى, ونحن نعدكم برفع الراية البيضاء استسلامًا إذا كانت حجتكم أقوى, ورأيكم أرجح, ومنطقكم أحكم, فليس لنا ساعتها إلا أن نحمد الله على ما هدانا إليه ...
لقد اخترت أن أنقل إلى القارئ نص حوار حقيقى دار بينى وبين جمهرة من المستمعين فى ندوة معرض الكتاب لهذا العام وكان تاريخ الندوة هو 4/2/1989 وكان مزضزعها آخر ما أصدرت من مكتبتى وهو كتا ( الإرهاب ), وقد فوجئت بعد أن عرضت موضوع الكتاب بتلال من الأوراق المحملة بالتساؤلات, وكانت النسبة الغالبة منها معارضة لما أبديت من آراء ...
وتصادف أن كان من بينها سؤال طريف نصه: ( هل تعرضت لتهديدات بالقتل نتيجة لآرائك ) ...؟. والفراغ الذى يسبق علامة الاستفهام يحمل بعض عبارات المديح ...
وامتدت يدى بسرعة إلى وريقة أمامى قرأت منها الإجابة, وكان نصها ( أمير جماعتنا أفتى بحل دمك ... دع وزير الداخلية ينقذك ), وكانت الوريقة خالية من التوقيع لكنها أثارت جوًا من المرح فى القاعة, ولم أجد مشكلة فى الاختيار بين الأوراق, فقد كان أكثر من نصفها بغير مبالغة حول سؤال واحد, مضمونه بعد إعادة الصياغة على النحو التالى:
" انتشرت فى السنوات الأخيرة ظاهرة اغتصاب الفتيات فى مصر...
ألست ترى أن السبب الحقيقى وراء ذلك هو عدم تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر؟ ...
وفى المقابل ألست ترى أن الحل كامن فى تطبيق حد الزنا؟...
إن البعض يعتقد أن الرجم عقوبة قاسية وغير عصرية, فما رأيك؟ ...
أليس الاغتصاب أيضًا جريمة قاسية ووحشية بل وغير إنسانية ؟ ...
إننا نؤكد لك أن تطبيق عقوبة الرجم على المغتصبين فى الميادين العامة سوف يؤدى إلى اختفاء هذه الظاهرة المأساوية من حياتنا ... فما هو تعليقك على هذا الرأى؟ ..."
منطق مغلق كما يرى القارئ, ومحاولة للأفحام كما يبدو من التساؤلات, وحجة متوازنة بغير شك, فقسوة الجريمة وبشاعتها توازنها قسوة العقاب وشدتها, وانتفاء لا يخلو من ذكاء أريب, لأن الجريمة شديدة البشاعة, وهى ساخنة فى ذهن ووجدان المستمع نتيجة للإعلام الكثف حولها, والسائل يعتقد أنه قد وضعنى فى موقف صهعب بل عصيب ...
لذا كانت المفاجأة أن اخترت البدء بهذا السؤال, وكانت المفاجاة الأشد أن بدأت بقولى :" يؤسفنى أن اختلف مع السائلين فيما ساقوه من منطق, وما عرضوه من حجج, وما توصلوا إليه من نتائج, ويسعدنى فى إجابتى أن أؤكد لهم أننى أنطلق فى غجابتى من نفس منطلقهم, وهو منطلق الإسلام, فقهًا وتاريخًا وأحكامًا , ومقاصد وحجتى فى ذلك ما يلى ...
وهنا توجهت إلىّ العيون فى تشوق واندهاش ...
ولعل هذا أيضًا هو شعور القارئ ...
وموعدى معه لكى أعرض عليه ما ذكرت من اقوال وما سقت من حجج فى الأسبوع القادم ...
*******************
ذكرت فى الأسبوع الماضى كيف واجهنى المعترضون بسؤالى عن رأيى فى مواجهة جرائم الاغتصاب يتطبيق عقوبة الرجم على الزناة فى ميدان عام ...
وكيف بدأت حديثى بتأكيد اختلافى معهم والتأكيد على أن رايى لا يخرج عن إطار الإسلام فقهًا وتاريخًا وأحكامًا ومقاصد وقلت ...
بادئ ذى بدء هناك حقيقتان تسبقان العرض لوجهة نظرى:
أولاً: أن انتشار جريمة الاغتصاب فى مصر ظاهرة إعلامية أساسًا, سندى فى ذلك الأرقام التى لا تكذب, فقد ذكر تقرير وزارة الداخلية فى العام الماضى ( 1988 ) أن عدد جرائم الاغتصاب وفقًا لتقارير الأمن ( 25 ) جريمة فى مصر كلها طوال العام, والمعتاد أن نسبة 60% تقريبًا مما تقدمه أجهزة الأمن من جرائم تثبت فيه الإدانة فى مرحلة التقاضى, أى أن عدد جرائم الاغتصاب فى دولة سكانها خمسون مليون نسمة , أى بنسبة ثلاث جرائم لكل عشرة ملايين نسمة, واجزم أن هذه إحدى أقل النسب فى العالم كله إن لم تكن أقلها فعلاً ...
ولو طبقناها على دولة مثل السعودية لكان عدد الجرائم فى العام ثلاثة, وفى دولة مثل هولندا خمسة, وفى دولة مثل إسرائيل جريمة واحدة فى العام ...
لكن ماذا نفعل لشهوة محررى أبواب الحوادث فى الصحف اليومية وسادية البعض ممن يهوون تعذيب الشعب المصرى, تارة بانياء الاغتصاب, وتارة بأنباء الفئران التى ما يزال الكثيرون منكم يذكرون الضجة التى أثيرت حولها ...
ولعلهم يسألون أنفسهم اليوم كيف اختفت فجأة بعد أن كانت مسلسلاً يوميًا ...
وهل يا ترى هاجرت أو انتحرت انتحارًا جماعيًا؟ ...
ثانيًا: أما ثانية الحقائق فهى أنه لو طبق حد الزنا فى مصر على جرائم الآداب فى ربع القرن الأخير, لما عوقبت جريمة واحدة بأية عقوبة ...
وقل نفس الشئ عن جرائم الاغتصاب ...
بل ربما انتهى الأمر خاصة فى جرائم الآداب بجلد رجال الشرطة بتهمة القذف لعدم توافر أركان الجريمة الشرعية وشروط الحد ...
وملفات القضايا موجودة فى المحاكم ...
وشروط تطبيق الحد موجودة فى كتب الفقه ...
وفتوى فضيلة المفتى فى جريمة الاغتصاب الشهيرة ( جريمة المعادى ) لم تكن على أساس حد الزنا, وإنما كانت على أساس حد الحرابة وهو خطأ فقهى فى تقديرى لأن جريمة الحرابة تقع فى الأموال وليس فى الفروج ...
بيد أن هذا مجال نقاش فقهى آخر ...
والشاهد هنا ان فضيلة المفتى لم يجد ضالته بالنسبة لهذه الجريمة فى حد الزنا وهو ما قصدت توضيحه ...
هاتان حقيقتان, ولا أقول رأيان, تسبقان عرضى لوجهة نظرى التى أوجزها فى أربعة قضايا تتكامل لكى تُقدّم مجتمعة إجابة شافية على السؤال المعروض أمامى,
الرخصة الأولى الزواج بأربع, وهى رخصة أباحتها سعة الرزق وسهولة الحياة حتى عهد قريب هو عهد اجدادنا, ويصعب علينا أن نجد صحابيًا جليلاً لم يستمتع بهذه الرخصة, ويحكى لنا المخضرمون أن حياة أجدادنا وممارساتهم لما أحل الله لهم, كانت حياة هنية بل إن شئنا الدقة بلهنية, وأن هذه الرخصة التى أبيحت وأتيحت لهم كانت تسد أمامهم أبواب الفتنة, وأن الكثيرين منهم كانوا ينذرون السبت لزوجة والأحد للثانية والاثنين للثالثة والثلاثاء للرابعة والأربعاء للراحة , والخميس للأخيرة أو المثيرة أو الأثيرة أو الصغيرة, والجمعة للعبادة والاستعداد للأسبوع الجديد ...
ولنا أن نسال أنفسنا سؤالاً محددًا ...
ترى ماذا يستحق الرجل الذى يتاح له هذا كله إذا امتد بصره, رغم هذا كله إلى زوجات الآخرين, وطمع إلى ممارسة الزنا معهن, ومارسه بالفعل ... ألا يستحق الرجم, بديهى يستحق ...
أما الرخصة الثانية التى أتيحت وأبيحت للمسلمين فقد كانت التسرى بالجوارى أى ممارسة الجنس معهن, وهو أمر ربما يأباه الذوق فى عالمنا المعاصر, بيد أننا نخطئ خطأ جسيمًا إذا قيمنا عصر السلف الصالح بمقاييس عصرنا ...
وليس من حقنا إطلاقًا أن نحدد الخطأ والصواب باجتهادنا ...
أو الحلال والحرام بعقولنا...
فالمرجع فى ذلك للنص وحده ...
وأغلب الصحابة, وإن لم يكن جميعهم, مارسوا التسرى...
وقبلهم جميعًا تسرى الرسول ـ ص ـ بمارية القبطية فى يوم حفصة وعلى سريرها ...
وأزهد الزهاد وهو على بن أبى طالب ـ رض ـ توفى ولديه كما يذكر السيوطى فى كتابه تاريخ الخلفاء ثلاث عشرة سرية ...
ووصل الأمر لإلى الآلاف لدى بعض الخلفاء فى العصر العباسى ...
رخصة أباحها الله لعباده كما ترى ...
ومصدر للمتعة الحلال توفره الفتوحات وتوفره أيضًا إمكانيات الشراء من الأسواق أو التجار المتخصصين ...
وتساؤل يطرق أذهاننا فى هدوء ...
لكنه تساؤل منطقى على أية حال ...
عمن تتوافر له رخصة الزواج بأربع زوجات ,
ورخصة التمتع بالجوارى بلا عدد, ثم يمتد بصره إلى نساء الغير ...
ويقوده شيطانه إلى الزنا بهن ...
ماذا يستحق؟ ...
أجزم بأنه يستحق الرجم بأحجار المقطم ...
تبقى رخصة ثالثة نستكمل بها القضية الأولى , وموعدنا معًا فى الأسبوع القادم إن شاء الله ...
*******************
موعدنا اليوم مع الرخصة الثالثة التى أبيحت على عهد الرسول, وهى زواج المتعة, وهى رخصة تثير إشكالاً فقهيًا ما يزال قائمًا بين السنة والشيعة إلى يومنا هذا ...
حيث يرى أهل السنة أن الرسول قد حرمها قبل وفاته ...
ويستندون فى هذا لأحاديث وردت فى كتب السنة أشهرها عن على بن أبى طالب , وعن سبرة بن معبد الجهنى ...
بينما يرى الشيعة الإمامية أن الرسول لم يحرمها وأنها مورست فى عهده ثم عهد أبى بكر وصدر عهد عمر الذى حرمها ...
ويستندون فى هذه الأحاديث فى كتب السنة أشهرها عن جابر بن عبدالله الأنصارى وعمران بن حصين ...
ثم يختلف الفريقان حول تفسير آية { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } الواردة فى سورة النساء ...
حيث يرى السنة أنها واردة فى الزواج الشرعى ...
ويرى الشيعة أنها واردة فى حلّ المتعة إستنادًا إلى قراءة عبدالله ابن عباس وأبىّ بن كعب وعبدالله بن مسعود ...
وقد ناصر حلّ المتعة من ذكرناهم ومعهم كثيرون منهم سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وابن جريج وغيرهم ...
وناصر حرمة المتعة فقهاء المذاهب الأربعة والإمام زيد ( مذهب الزيدية ) وغيرهم كثيرون ...
وتجتمع المذاهب السنية الأربعة والمذهب الزيدى على الحرمة ...
وينفرد مذهب الإمامية الإثنى عشرية بإباحتها حتى الآن ...
والراغب فى الاستزادة عليه الرجوع إلى الفصل الثانى من هذا الكتاب, وما يعنينا من هذا كله ما يلى:
أولاً: أن المتعة قد اُحلت فى عهد الرسول ـ ص ـ برخصة منه دون خلاف على ذلك بين السنة والشيعة, ومنطقى أنها أحلت للصحابة , وبديهى وقطعى, أنها مورست قبل تحريمها بقول الرسول فى رأى السنة ورأى عمر فى قول الشيعة...
ثانيًا: أن الأزهر الشريف يعترف بالمذاهب السنية الأربعة, ومذهب الزيدية, ومذهب الإمامية الإثنى عشرية, والمذهب الأخير يحل المتعة...
ثالثًا: أن فقه السنة لا يعاقب على المتعة باعتبارها زنا, وهو لا يواجهها فى حالة إتيانها بأية عقوبة ( لوجود شبهة نتيجة فتوى ابن عباس حبر الأمة ), كما ورد فى كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق...
ومضمون ما سبق أن زواج المتعة كان رخصة بلا شك فى حياة الرسول, وأن فريقًا من المسلمين يرون حله إلى اليوم إستنادًا إلى بعض الأحاديث, وإلى فتاوى بعض كبار الصحابة وقراءة بعضهم لآية من آيات القرآن ...
وقد يتساءل القارئ عن كنه زواج المتعة؟ ...
فنقول أنه زواج لأجل مقابل أجر, فإذا انتهى الأجل انتهى الزواج دون طلاق ودون ميراث للزوجة إلا إذا اتفق عليه عند تحديد الأجل الذى قد يكون ساعة أو ساعات أو يومًا أو أيامًا كما أنه زواج غير محدد بعدد, ومدته يجوز تجديدها مرات بغير حصر ...
ونعود إلى موضوعنا الأساسى, ونتوقف عند عصر الرسول الذى أبيحت فيه المتعة دون خلاف اللهم عدا ما يراه البعض من أن ذلك كان فى ظروف الغربة أو العزبة أو السفر, وهو ما يرد عليه الشيعة بما ورد فى كتب السنة من إباحتها فى حجة الوداع حيث انتفت هذه الظروف الصعبة...
ونسأل أنفسنا ...
ألا تبدو رحمة الله واسعة, وألا يبدو عقابه منطقيًا, بل إنسانيًا, فمن الذى يتاح له هذا الفيض من الرحمة ثم يزنى :
زوجات أربع,
وجوارٍ بلا عدد يتسرى بهن
, وزواج للمتعة يطفئ غليل الشهوة ونار التطلع إلى الحرام ...
ألا يستحق من يزنى بعد ذلك أن يرجم بأحجار جبال الألب والبرانس والهمالايا, دون رحمة منا لأن الله كان أرحم به حين أتاح له سبيل الحلال واسعًا ورحبًا ...
الحقيقة أن ذلك منطق يصعب الرد عليه ممن ينكرون العقوبة لقسوتها أو عنفها...
بيد أن ذلك يقود إلى سؤال آخر ما دمنا قد طرقنا باب المنطق ...
مضمونه وضع الشباب المسلم فى عالمنا المعاصر, حيث سدت أمامه أبواب المتعة بفتوى فقهاْ السنة, وأبواب التسرى بالجوترى بتحريم الرق وقوانين حقوق الإنسان, وأبواب الزواج بأربع بسبب الأزمة الاقتصادية, الأمر الذى أثقل كفة العقوبة فى الميزان, حين انتقصت كفة الحلال المباح بما سيق من قيود ...
ومن هنا بدا الأمر ثقيل الوطأة على النفوس, عنيف الشدة على الضمائر, وربما تساءل البعض فى خبث, هل معنى حديثك أنك تبيح الزنا نتيجة ما ذكرت من سد أبواب الحلال ...
وإجابتنا , حاشا لله, أن يكون ذلك هو القصد أو يكون هذا هو الهدف ...
بيد أننا نتساءل فى صدق مع النفس ...
هل نحن أكثر إيمانًا وزهددًا وعفة من كبار الصحابة وأوائل التابعين؟ ...
والإجابة مرة أخرى , حاشا لله, أن ندعى ذلك ...
وما أردنا , والله , إلا أن نقترب منهم ونتأسى بهديهم ونتابع سيرتهم ومسيرتهم ...
إن مطلبنا بسيط وهو يقترب من مطلب معارضينا, أو من يظنون ذلك ...
ومضمون هذا المطلب أننا نطالب بالعودة إلى ظروف السلف الصالح وإطار حياتهم, ولا أكثر ولا أقل ...
وليس هذا مستحيلاً ...
بل هم ممكن إذا صدقت النوايا وصلحت النفوس ...
وإذا كانت الشبهات أو الحساسيات أو الفتاوى تحيط بزواج المتعة وتؤكد امتناعه, فإن من حقنا المطالبة بإتاحة باب الزواج بأربع وتشجيعه وإباحة التسرى بالجوارى وعودة أسواقهن ...
وهذا كله ممكن, ولنا اقتراحات عملية ممكنة ...
وموعدنا معها فى الأسبوع القادم إن شاء الله ...
*******************
توقفت فى الأسبوع الماضى عند الدعوة إلى ضرورة أخذ دعاة تطبيق الشريعة أنفسهم وأنفس الناس بالعدل فى الحكم, فماداموا يطالبون بالعقوبة القاسية الرادعة, فلا بد لهم أيضًا ان يوفروا قبل ذلك ما اتسعت رحمة الله له من حلال, وما أوسعه على المسلمين من تيسيرحين أباح لهم من الرخص ما أوقفته دعاوى التحضر وظروف الضائقة الاقتصادية ...
وذكرت أن زواج المتعة رخصة لا نتوقف عندها ولا نطالب بها ...
متجاوزين ما يذكر من أن اختلاف الفقهاء رحمة, وما نعرفه من تجاوز فقه السنة عنها فى العقوبة لوجود شبهة نتيجة لفتوى اين عباس, ملزمين أنفسنا بإجماع فقهاء السنة على أنها كانت رخصة تمتع بها الصحابة فى عهد الرسول, ثم حرمها الرسول قبيل نهاية حياته ...
بيد أن أبوابًا من المتعة الشرعية المباحة لم ينزل بتحريمها أمر, ولم يصلنا فى النهى عنها خبر, ولا يستطيع عالم أو فقيه أن يدعى حرمتها أو عدم جوازها ...
وهى الزواج بأربع والتسرى بالجوارى أى التمتع بهن جنسيًا دون التقيد بعدد ...
وذكرت فى ردى على من وجهوا لى السؤال فى الندوة أننى ساعٍ معهم إلى ما يستهدفون, وهو استعادة عصر السلف الصالح بكل ما فيه, واستعذت بالله أن يتصور أحد أننا يمكن أن نكون أكثر زهدًا وورعًا وتقوى وفضيلة من السابقين المكرمين منك كبار الصحابة وأئمة الزهد, والثابت لدينا أنهم استمتعوا جميعًا بما احل الله لهم, ومارسوا الحلال كما أمرهم الله ورسوله ...
وأنه ليس من حق كائن من كان أن يمنع حلالاً أو يحرم مباحًا ...
بل وقلت ما نصه بالحرف الواحد ( قولوا على لسانى أننى أول المؤيدين لتطبيق حد رجم الزناة وفى الميادين العامة كما يطالبون بشرط واحد هو أن يتاح لنا ما أتيح لسلفنا الطاهر النقى الورع العفيف من رخص وتيسيرات هى حلال حلال ) ...
وذكرت أيضًا أن الأمر بهذه الصورة يبدو متوازنًا ...
فالشاب المسلم يستمتع بزوجاته الأربع, ويشترى من الجوارى ما يسد عليه أبواب الفتنة, فإن أرادها سمراء كان, وإن أرادها صقلبية كان, وإن أرادها حبشية كان, وإن أرادها رومية كأنها بكرة عيطاء ( أى هيفاء طويلة العنق ) كان ...
وبعد هذا يصبح عدلاً إذا زنى أن يرجم فى الميدان, وذكرت لهم أننى ورفاقى سوف نكون أول من يرمى بحجر, فمثل هذا بعد استمتاعه بهذا لن يشفق عليه أخد ولن يدعو إلى رحمته أحد, ولا بد أن يقام عليه الحد ...
ثماستطردت قائلاً: بيد أن الظروف الاقتصادية لا تمكن الشاب من الزواج إلا بواحدة, وأحيانًا لا تمكنه من الزواج بواحدة, والقوانين الوضعية تحرم ما أحل الله وهو التسرى بالجوارى ومصدرهن كما يذكر الفقهاء هو الحرب أو الشراء, بحجة أن حقوق الإنسان تمنع الرق, وهى أمور يجب أن نجتهد جميعًا فى مواجهتها, وبمعنى أدق فهى عوائق يجب أن نشغل أنفسنا بإزالتها ثم نطالب يعد ذلك بتطبيق الحد الشرعى, فتعتدل كفتا الميزان ...
نعم ... لا بد أن نطالب الدولة بدعم الزواج الثانى ( وهنا ارتسمت الإبتسامات على الوجه ), وبدعم أكثر للزواج الثالث ( واتسعت الابتسامات ), وبدعم بلا حدود للزواج الرابع ( وارتفعت الضحكات ) ...
وهنا رفعت صوتى قائلاً: إنن أرفض الضحك والهزل فى موطن الجد والمطالبة بالسعة فيما أحل الله, فأنا جاد فيما أقول ...
فقد طالبونا بالعودة إلى عصور السلف الأول فاستجبنا لهم, وحاولنا معهم ...
ومن حقنا أيضًا أن نستعيد رخصة التسرى بالجوارى وأن رغمت أنوف ...
وأنا أعلم أنه رغم تحريم الرق فى بلاد مشرقية مجاورة, فإن الكثيرين من أبنائها يذهبون إلى الهند وسيلان وتايلاند ويشترون فتيات من هناك, ويستمتعون بهن كما يشاؤون, ويقفزون فوق القوانين بحجة أنهن خادمات, وهو أمر من أمور التقية المشروعة, فما دامت القوانين الوضعية تحد من ممارسة ما هو مشروع وحلال , فلا بأس من القفز فوقها والتحايل عليها ...
بل أكثر من ذلك نحن أسياد قوانيننا ...
وقد دعى الأستاذ فهمى هويدى فى جريدة الأهرام إلى الانعتاق من قوانين الغرب, وهى دعوة رائعة, وأحسب أننا يجب أن نستجيب, وقد ازدهرت أسواق الجوارى فى عصور الأمويين والعباسيين, وانتشر التسرى بهن قبل ذلك فى عصور الراشدين, وما أحرانا بالعودة إلى هذا كله كمدخل لتطبيق حد الزنا على الخطاة المنحرفين, وتعالوا نتكاتف سويًا للمطالبة بمشروعية ذلك, وسوف يكون انتصارًا عظيمًا يوم تنتشر هذه الأسواق فى الهرم والتحرير والعتبة والعباسية و ...
ولنقبل بالأمر كله بجانبيه رخصه وعقابه, تيسيره وحدوده ...
وهنا ساد القاعة صمت عميق قطعته بقولى: لكنى أؤكد لكم ما تندهشون له, وهو أنه حتى لو استعدنا ذلك كله, ومارسنا هذا كله, فلن يرجم أحد فى ميدان عام بتهمة الزنا, ليس لأن أحدًا لن يمارسه, فالخطأ الإنسانى موجود دائمًا وفى كل عصر, بل لأسباب أخرى هى ما قصدته فى البداية بالموضوع الثانى فى الرد ...
*******************
توقفت فى الأسبوع الماضى فى محاورتى مع المطالبين برجم الزناة فى ميدان عام لمحاربة جريمة الاغتصاب عند تأييدى لهم بشرط إباحة وتشجيع الرخص والتيسيرات التى أباحها وأتاحها الإسلام, فحكم الله عدل, وتيسير الله رحمة, ورحمة الله تسيق عدله, وتيسيره يسبق حكمه, ورخصه تسبق عقابه ...
ثم ذكرت لهم انه على الرغم من منطقية هذه المطالبة, فإنها لن تكفى لتحقيق ما يطمحون إليه...
وأننى أشك كثيرًا فى أن احدًا سوف يُرجم فى ميدان عام ...
رغم تأكدى من أن الزنا لم ولن يتوقف لأنه مرتبط بطبيعة ابن آدم الخطاء ...
وقد ذكرت فى البداية أن ردى سوف سوف يشتمل على موضوعات أربعة:
أولها: توازن إباحة الحلال مع التشدد فى العقوبة,
وثانيها: أنها عقوبة أقرب إلى الاستحالة إذا تمسكنا بتراثنا الفقهى العريق, دون اجتهاد معاصر ممن يقدرون على الاجتهاد ولا يقدمون عليه,
فجريمة الزنا محددة المعالم, ثابتة الأركان, مفصلة تفصيلاً لا سابقة له فى جريمة أخرى, وحكمة الله الرائعة فى ذلك, أنها جريمة تزلزل بنيان الأسرة, وتهدم ثبوت النسب, وتشين مرتكبيها وأهليهم, ومن هنا فإنها لا تنطبق على ما يسميه الأوربيون بالجنس الشفوى ويقصدون به الممارسة الخارجية, كما أن البكارة شبهة تزيل تهمة الزنا, لعل هذا ما دفع المفتى السابق إلى استبعاد حد الزنا فى جريمة اغتصاب المعادى, وأيضًا فإن القبلات الساخنة والعناق الحار, ورشف الرضاب, والهمس واللمس, عفيفه وعيفه, أمور لا تدخل فى جريمة الزنا من قريب أو بعيد...
وتحدثنا كتب التاريخ حديثًا تفصيليًا عن وقائع تحقيق فى جريمة زنا حدثت فى عهد الخليفة العظيم عمر بن الخطاب [ راجع تاريخ الطبرى ـ الجزء الثالث ـ ص 168 ـ طبعة مؤسسة الأعلمى ـ بيروت ].
وكان المتهم فيها المغيرة بن شعبة والى عمر على البصرة, وهو منصب رفيع يعادل منصب نائب رئيس الوزراء فى عصرنا الحالى, وقادت المصادفة وأسلوب البناء إلى اكتشاف الواقعة,
حيث كان جاره أبو بكرة جالسًا فى مشربيته, فأزاحت الريح باب كوة مشربيته وباب كوة مشربية المغيرة المقابلة, فقام ليصفقه فشاهد المغيرة بين رجلى امرأة, وشاء حظ المغيرة العاثر أن يكون لدى أبى بكرة ضيوف فأشهدهم على الواقعة وسألهم عن المرأة فتعرفوا عليها وقالوا إنها أم جميل إبنة الأفقم, ويذكر الطبرى ما نصه ( وكانت أم جميل إحدى لنى عامر ـ يقصد أحدى نساء بنى عامرـ بن صعصعة, وكانت غاشية للمغيرة وتغشى الأمراء والأشراف, وكان بعض النساء يفعلن ذلك فى زمانها ), والشاهد انهم منعوا المغيرة من غمامة الصلاة وأرسلوا إلى عمر بالنبأ فأرسل إليهم أبا موسى الأشعرى ومعه رسالة إلى المغيرة نصها: ( أما بعد فإنه بلغنى نبا عظيم فبعثت أبا موسى أميرًا, فسلم ما فى يدك, والعجل ), وارتحل المغيرة ومعه الشهود الأربعة وهم: أبو بكرة و نافع بن كلده, وزياد وشبل بن معبد, وسالهم عمر فوصفوا واقعة الزنا وصفًا دقيقًا, نشفق على اعصاب القارئ من ذكره, وتلجلج زياد فذكر أنه لم يشهد مثلهم المرود فى المكحلة, وإن كان شاهدهما عاريين ...
وكان قرار عمر بجلد الشهود الثلاثة بتهمة القذف, حيث لا تثبت واقعة الزنا بثلاثة شهود فقط..
ولا باتفاق الأربعة على رؤيتهما وهم عريانين, والشاهد هنا ان أسلوب البناء كان احد أسباب الضبط القضائى كما نذكر فى كتاباتنا المعاصرة, حيث لم يعرف ذلك العهد ما نعرفه من النوافذ الخشبية المغلقة والستائر المحكمة والبواب المقفلة بالرتاج والأقفال, والشاهد أيضًا أن عمر قد طبق حرفية أسلوب التثبيت من وقوع الجريمة, سواء بأسئلته الصريحة أو برفضه الإدانة رغم كل الملابسات لعدم توافر الشهادة الكاملة من شهود أربعة, وجريمة الزنا كم يعلم الكثيرون تثبت بأساليب ثلاثة:
1ـ الشهادة ...
2ـ البينة ...
3ـ الاعتراف ...
وأول هذه الأساليب هو الشهادة, حيث يُشترط أربعة شهود رجال, يرون الواقعة بصورة تفصيلية يعرفها الجميع, وهو امر لا يتيسر إلا باحد سبيلين فى حياتنا المعاصرة:
أولهما: أن ينظر الشهود من ثقب الباب... والشاهد فى هذه الحالة متجسس ... ولا شهادة لمتجسس ...
ثانيهما: أن يكون جالسًا معهما فى الفراش ... وهو فى هذه الحالة ديوث ... والديوث لا شهادة له [ راجع كتاب حقيقة الحكم بما أنزل الله ـ زعلف وزيدان وكامل ].
وأكثر من ذلك فلو تصورنا أن أربعة من الشهود قد سمعوا من اصوات العشق ما لا شبهة معه لإنكار حدوث الزنا, وتكاتفوا يدفعهم صحيح الإيمان والخشية على الأخلاق العامة ... فكسروا الباب وشاهدوا الرجل والمرأة عاريين تمامًا على الفراش ... فإن جريمة الزنا لا تثيب ما داما فى غير اتصال لا شبهة فيه ... ولو ثبت أن رجلاُ وامرأة قضيا معًا أسبوعًا فى غرفة فى أحد الفنادق أو شقة يملكها أحدهما .. لما كان فى هذا إثبات لحدوث الزنا وإتيانه ... وأساتذتنا من الفقهاء يعلمون حديث سعد بن عبادة مع الرسول .. كما جاء فى صحيح البخارى ... ثلاثة أحاديث صحيحة السند ...
1 ـ { وقال وراد، عن المغيرة: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فقال النبي ـ ص ـ: ( أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغير مني). [106 - باب: الغيرة. ر: 6373]
[ ش ( غير مصفح ) غير ضارب بعرضه بل بحده. ( والله أغير) والمراد بغيرته تعالى كرهه للفواحش وبغضه لها، لذلك حرمها، وعاقب على فعلها].
2 ـ باب: من رأى مع امرأته رجلاً فقتله. [ صحيح البخارى ].
{ 6454 - حدثنا موسى: حدثنا أبو عوانة: حدثنا عبد الملك، عن ورَّاد كاتب المغيرة، عن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة:
لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغيَر منه، والله أغيَر مني) }. [ راجع :6980]
[ ش (غير مصفح) ضربته بحد السيف لا بصفحه، وهو عرضه.
( أتعجبون) أترون أن غيرته شديدة تثير العجب. والغيرة: ما يحمل على المنع من النظر ونحوه لأجنبي، وغيرة الله تعالى ورسوله ـ ص ـ منعهما عن المعاصي].
3ـ باب: قول النبي ـ ص ـ: ( لا شخص أغير من الله). [ صحيح البخارى ]
{6980 - حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا أبو عوانة: حدثنا عبد الملك، عن ورَّاد كاتب المغيرة، عن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة:
لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله ـ ص ـ فقال: ( تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة). [ راجع : 6454]
[ ش أخرجه مسلم في اللعان، رقم: 1499.
( الفواحش) جمع فاحشة، وهي كل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال.
( ما ظهر منها وما بطن) سرها وعلانيتها. ( العذر) التوبة والإنابة.
( المبشرين والمنذرين) الرسل يبشرون بالثواب لمن تاب وأطاع، وينذرون بالعقاب لمن عصى وأصر على المخالفة. ( المدحة) الثناء الحسن بذكر أوصاف الكمال وتنزيهه عما لا يليق به].
وباب الملاعنة باب من أبواب الفقه نذكر حديث واحد فقط من صحيح البخارى ... لكن لا مجال للخوض فيه:
صحيح البخاري ـ باب: قول النبي ـ ص ـ : ( لو كنت راجما بغير بينة).
{ 5003 - حدثنا يحيى: أخبره عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني ابن شهاب، عن الملاعنة، وعن السنة فيها، عن حديث سهل بن سعد، أخي بني ساعدة: أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله ـ ص ـ فقال: فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا، أيقتله أم كيف يفعل؟ فأنزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين، فقال النبي ـ ص ـ: ( قد قضى الله فيك وفي امرأتك). قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد، فلما فرغا قال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا، قبل أن يأمره رسول الله ـ ص ـ حين فرغا من التلاعن، ففارقها عند النبي ـ ص ـ، فكان ذلك تفريقا بين كل متلاعنين.
قال ابن جريج: قال ابن شهاب: فكانت السنة بعدها أن يفرق بين المتلاعنين. وكانت حاملا، وكان ابنها يدعى لأمه. قال: ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله له.
قال ابن جريج، قال ابن شهاب، عن سهل بن سعد الساعدي في هذا الحديث: أن النبي ـ ص ـ قال: ( إن جاءت به أحمر قصيرا، كأنه وحرة، فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها، وإن جاءت به أسود العين، ذا أليتين ، فلا أراه إلا قد صدق عليها ). فحاءت به على المكروه من ذلك. [ راجع: 413]
[ ش ( المكروه من ذلك) على الوصف الذي يستلزم تصديق زوجها وتحقيق أنها زانية، ولذلك كان مكروها] } ...
الخلاصة هنا أن شهادة الشهود تبدو لنا ولغيرنا أيضًا مستحيلة ...
وليس لدينا فى كتب الفقه أو التاريخ واقعة واحدة تثبت فيها جريمة الزنا بالشهود ...
ومن هنا كان قولنا بأن جميع جرائم الآداب فى ربع القرن الأخير لا يمكن أن تعاقب بحد الزنا ...
بل الأقرب إلى أصول الفقه وروح الشريعة ونصوصها ...
أن يجلد فيها رجال الشرطة بتهمة القذف ...
ولعل هذا كان دافع الشيخ سيد سابق ـ أكرمه الله ـ إلى أن يذكر فى كتابه فقه السنة ـ ص 106 ـ ما نصه:
{ فهذه العقوبة ـ يقصد حد الزنا ـ هى إلى الإرهاب والتخويف أقرب منها إلى التحقيق والتنفيذ }!!.
وإذا كانت شهادة الشهود أقرب إلى الاستحالة ...
فهل البينة والاعتراف أيسر منالاً ... وأسهل تحقيقًا ...
يؤسفنا القول بالنفى ...
وموعدنا مع ذلك فى الأسبوع القادم إن شاء الله ...
*******************
انتهينا فى الأسبوع الماضى إلى إستحالة إثبات الزنا بشهادة الشهود ...
وتوقفنا عند تساؤل عن البينة والاعتراف كأساليب للإثبات ...
وهل ينتهى الأمر بهما إلى ما انتهى إليه بالنسبة لشهادة الشهود أم لا ؟ ...
ولعل القارئ يلاحظ أننا نحاول جاهدين أن نستجيب لأمنية الطالبين بتطبيق حد الرجم على المغتصبين فى الميادين العامة ...
بل ونتجاوز ذلك إلى المزايدة عليهم بالمطالبة بعودة المجتمع إلى واقع مجتمع السلف الأول الصالح ...
وهى مزايدة مستحبة لأنها مزايدة فى الحق ...
ولعل القارئ يحزن كما نحزن حين نصطدم بعوائق بل بموانع يصعب علينا بل يستحيل تجاوزها ...
ولعله أدرك أيضًا فائدة الحوار, ومغبة ترك المقولات للعواطف أو التناول السطحى غير الموثق بالعلم أو الفقه ...
ولعله يحزن كما نحزن, لأن حوارًا كهذا لم يتسع نطاقه إلى مجال المناظرة وقرع الحجة بالحجة, والرد على الرأى بالرأى, خاصة وأننا جميعًا لا نختلف على إسلامنا الذى هو أعز ما نعتز به هو والوطن ...
وأننا جميعًا نحاول الارتفاع بقضاياه عن انتهازية الساسة ومزايدات من لا يعلمون أو يعلمون ويستغلون أن غيرهم لا يعلم ...
ما علينا , بل علينا أن نستعين بالله , ونحمده ونستغفره ...
ونسأله العون فى توضيح البينة كأسلوب من أساليب إثبات جريمة الزنا ...
والبينة هنا هى الحمل ...
ولكى نقترب بالأمر من الأذهان ...
نفترض أن زوجة مصرية مقيمة فى القاهرة, مثلاً, وغاب زوجها فى بغداد بالعراق منذ عامين, ثم ارتفع بطنها نذيرًا بحمل متوقع, أكدته تقارير الأطباء ...
الأمر هنا بالنسبة لى وبالنسبة للقارئ لا يحتمل لبسًا ...
فما دام الزوج غائب منذ عامين فلا شك فى وقوع جريمة الزنا ...
غير أن للفقه الإسلامى رأيًا آخر ...
يستند فى باب من أبوابه إلى رحمة لا شك فيها, و درءًا للحدود بالشبهات ولو ندرت ...
وهو باب نقبله ونحترمه ونقدره حق قدره ...
لكنا لا نفعل ذلك بالنسبة لأبواب أخرى تبدو لنا ساذجة أحيانًا ومضحة أحيانًا اخرى ...
والانتقاد هنا ليس للإسلام ـ حاشا لله ـ وإنما لأسلوب تفكير بعض المسلمين ...
وتسليم من يتبعهم بهذا التفكير الشاذ والاستنتاج غير المعقول وغير المقبول ...
أما باب الرحمة, فهو احتمال أن يحدث الحمل نتيجة لانتقال الحيوان المنوى بغير الاتصال الجنسى ...
كأن الانتقال من ملابس مستعملة من الغير أو من تلامس مع جماد يحمل حيوانًا منويًا ...
وأما الأبواب المضحكة أو الساذجة فمنها ما ينادى به الحنابلة من نظرية الحمل المستكين أو الحمل الكامن ...
وموجز هذه النظرية أن الحمل يمكن أن يكمن فى رحم المراة لمدة عامين كاملين دون أن يظهر ...
وهنا تستطيع المرأة التى ذكناها فى المثال أن تطلق زغرودة مجلجلة مهلللة, تعلن براءتها استنادًا إلى فتوى حنبلية ليس لها أصل علمى أو سند فسيولوجى ...
وشبيه بهذا رأى بعض المالكية من أن الحمل المستكن يستمر فى بطن المرأة ثلاثة أعوام !!! ...
تؤكد بعض مراجع الفقه أن الإمام مالك نفسه قد طالت مدة حمله فى بطن أمه إلى ثلاث سنوات
[ راجع المعارف لابن قتيبة ووفيات الأعيان لابن خلكان ].
ورأى بعض الأحناف من أن مثل هذه المرأة بريئة من الزنا لاحتمال أن يكون زوجها من أهل الخطوة ...
والغريب فى الأمر أن أحكامًا قضائية صدرت فى مصر,
وأخذت برأى الحنابلة واجتهادهم ...
الشاهد هنا أن البينة كما أوردناها فى المثال السابق لا تصلح دليلاً على جريمة الزنا ...
وأن مصيرها مثل مصير الشهادة كأسلوب من أساليب الإثبات ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يتبقى إلا الأسلوب الأخير وهو الاعتراف ...
وهو أمر موكول إلى ضمير المعترف ...
وهو امر صعب التصور فى عالمنا المعاصر ...
خاصة إذا علمنا ما يشترطه الفقهاء لصحته ...
من ضرورة الإقرار بارتكاب الزنا باللفظ الواضح دون كتابة أو إشارة ...
وما يراه الحنابلة من ضرورة اعتراف الزانى بجريمته أربع مرات أمام القاضى ...
وما يراه الأحناف من اشتراط أن يتم الاعتراف فى أربعة مجالس متفرقة ...
وما يراه بعض الفقهاء من ضرورة أن يظهر القاضى الكراهية للإقرار كما فعل رسول الله مع ماعز ...
وهذا ورد فى حديث عن إقرار ماعز بالزنا بصحيح البخاري ...
باب: هل يقول الإمام للمقرِّ: لعلك لمست أو غمزت.
{ 6438 ـ حدثني عبد الله بن محمد الجعفي: حدثنا وهب بن جرير: حدثنا أبي قال: سمعت يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
لما أتى ماعز بن مالك النبي ـ ص ـ قال له: ( لعلك قبَّلت، أو غمزت، أو نظرت). قال: لا يا رسول الله، قال: ( أنكتها ). لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه}.
[ ش ( لما أتى ماعز) أي واعترف بالزنا، وانظر: 4969 وأطرافه.
( غمزت) أي فظننت أن هذا زنا، والغمز هو: الجس برؤوس الأصابع، أو وضع اليد على العضو، أو هو: إشارة العين. ( لا يكني ) أي صرح بهذا اللفظ ولم يكن عنه بما يدل عليه وفي معناه].
وفوق ذلك كله يسقط تطبيق الحد إذا تراجع المعترف عن اعترافه حتى أثناء تنفيذ العقوبة , ليس بالقول فقط, بل بالفعل المؤيد للتراجع مثل محاولته الهروب من التنفيذ ...
وقد ذكر الأستاذ الحمزة دعبس ما يؤيد ذلك فيما يأخذون به فى إيران من اسقاط العقوبة عن المعترف عند محاولته الهرب من التنفيذ, حيث تتاح له إمكانية الهروب ...
هل رأى المتشدقون بالقسوة كيف أتاحت رحمة الله كل هذه السبل للعفو والرحمة ...
وهل رأى القراء كيف وصلت الرحمة بالعقوبة إلى ما يشبه إستحالة التنفيذ ...
وبوسائل الإثبات إلى ما يشبه إستحالة الإثبات ...
ولعل القارئ يلاحظ هنا أننا نتحدث عن الرجم ـ رغم إستحالته ـ وكانه عقوبة لا خلاف حولها ولا جدال فقهيًا بشأنها ...
وهذا ليس صحيحًا ...
فما أكثر الخلاف ...
وما أكثر الجدل ...
وذلك كله هو الموضوع الثالث فى موضوعاتنا الأربعة ...
وهو محور حديثنا فى الأسبوع القادم إن شاء الله ...
*******************
هذا هو موضوعنا الثالث ...
نعرض فيه خلافًا فقهيًا ليس بالهين حول حدا الزنا ...
فقد ذكرنا الرجم فيما سبق وهو أقسى العقوبات ...
والمعلوم أن الرجم عقوبة الزانى المحصن ( أى المتزوج ) والزانية المحصنة ( أى المتزوجة ) ...
وأن الجلد عقوبة الزناة غير المحصنين ...
ويضيف البعض إلى الجلد ... عقوية التغريب ( النفى ) عامًا ... إستنادًا إلى حديث نبوى يراه الأحناف ضعيف السند ...
والمعلوم أيضًا أن عقوبة الرجم لم ترد فى القرىن الكريم إطلاقًا وإنما وردت فى السنة ...
وأن الذى ورد فى عقوبة الزنا فى القرآن هو الجلد مائة جلدة ...
وقد أثار هذا جدلاً فقهيًا ما يزال قائمًا حول قضيتين:
الأولى: تتعلف بتساؤل عن جواز نسخ القرآن بالسنة ... وهو ما يراه بعض الفقهاء ممكنًا ... ويتحرج غيرهم من قبوله حيث يرون أن العكس هو الصحيح لكون القرآن قطعيًا والسنة ظنية ...
الثانية: عن تاريخ تطبيق عقوبة الرجم الواردة فى السنة ... وهل كانت سابقة لنزول الآية ... فتنسخ الآية الرج ... أو أنها لاحقة لتاريخ نزول الآية فتكملها ...
البعض يرى الرأى الأول .. والأغلبية ترى الرأى الثانى ...
بيد أن أحدًا من الفريقين لا يملك دليلاً قطعيًا على التوثيق الزمنى ...
والقائلون بنسخ السنة للقرىن يؤكدون حجتهم فةى وجوب الرجم بوجود آية قرآنية نصت على رجم الزناة ...
ذكرها عمر بن الخطاب ولم يوافقه عليها أحد ونصها :
[ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم].
والشيخ والشيخة الثيب والثيبة...
واستدل بقوله هذا على أنه يشهد أنها لم تنسخ، ولكن لم يلحقها بالمصحف بشهادته وحده.
ويذكرون أن هذه الآية نُسِخَتْ نَصًا وبَقِيَتْ حُكْمًا
بمعنى أنها لم ترد فى مصحف عثمان ... لكن حكمها بقى ملزمًا ...
والمعترضون على ذلك يؤكدون اعتراضهم بالقول بأن نسخ النص وبقاء الحكم غير منطقى ابتداء ...
ثم يؤكدون رأيهم هذا بانه من غير المعقول أن يبقى نص آيات مع نسخ حكمها ... وفى نفس الوقت يختفى نص آيات مع بقاء حكمها ثابتًا ...
لأن العكس مقبول بداهة ...
ويضيفون إلى ذلك ان الآية المذكورة لا يتفق متنها مع المتن القرآنى ...
حيث يبدو لفظ ( البتة ) غريبًا على النص القرآنى المتداول والمعروف ...
وقد اخذ الخوارج بهذا الرأى ... والخوارج فئة يختلف الكثيرون معهم فى آرائهم السياسية لكن احدًا لا يختلف على ورعهم وتدينهم وتطرفهم فى الدين إلى غير حد ...
ومن اطرف حجج الخوارج فى هذا الصدد ...
أ، مراجع الفقه تنص على أن عقوبة الأمة فى الزنا نصف عقوبة الحرة ...
والجلد ممكن التنصيف ... فالمائة جدلة يمكن ان تصبح خمسين ...
أما الرجم فلا تنصيف فيه ...
فليس بين الحياة والموت نصف موت أو نصف حياة ...
ما سبق كان خلافًا فقهيًا قديمًا أضاف إليه المحدثون كثيرًا من فروع الخلاف ...
حين هالهم أن كثيرًا من الجرائم الخلقية لا يطبق عليها حد الزنا شرعًا فى كتب الفقه ... وقد ذكرنا أمثلة لذلك ...
وغير هذه الأمثلة ...
فالقبلات العلنية ليست زنا ..
وتواجد الرجل والمرأى عاريين فى غرف النوم المغلقة لا يكفى وحده لإثبات الزنا رغم اليقين بأن الشيطان ثالثهما ... وومارسة الجنس الكامل مع بقاء البكارة ليست زنا لوجود شبهة البكارة ...
والإيتاء من مكان غير ما أحل الله ليس زنًا .. لأن المرود أخطا المكحلة ...
وضبط الرجل لعشيق زوجته فى فراشها أو مرتكبًا للفاحشة معها لا ينطبق عليه حد الزنا لعدم إكتمال الشهود الأربعة ... وهكذا ...
وأمثال هذه الجرائم قد افزعت أنصار التطبيق ...
ولم يهون الأمر عليهم انفتاح باب التعزيز واسعًا أمام الحاكم ... تخوفًا من أن تُنسب العقوبات لما يسمونه بالقوانين الوضعية ...
فحاولا استنباط قوانين شرعية تختص بجرائم لا أصل لها فى مراجع الفقه ...
مثالها عقوبة جريمة شبهة الزنا ... التى عاقبت عليها المحاكم الشرعية ( الناجزة ) فى السودان بالجلد ( من 25 إلى 85 جلدة ) وغرامات مالية ( 150 جنيهًا ) لعدد من السودانيين ( رجال وسيدات ) ...
ولا يوجد فى أحكام الفقه الإسلامى جريمة مستقلة تسمى ( الشروع فى الزنا ) ...
ودون الزنا لا يوجد سوى الخلوة المحرمة بين المحارم ... وهذه وما يلحق بها من إخلال بالآداب يمكن أن تعاقب تعزيزًا دون إشارة من بعيد أو قريب للزنا ...
أغرب ما فى الأمر أن الصيحات ترتفع بين وقت وآخر ... بأن القوانين الوضعية تبيح الزنا إلى الدرجة التى يحدث معها أن ياكل الطناش الجلاش كما ذكر أحد كبار العلماء فى مقال نشرته جريدة الأهرام ... ويضربون على ذلك مثالين:
أولهما: أن الزنا بإرادة الطرفين البالغين لا عقوبة عليه !!! ...
وفاتهم أن يسألوا أنفسهم... أى زنا ... هل هو الموجب للحد ...
وهل هو ممكن الإثبات شرعًا بين طرفين أخذا أهبتهما له ... واحتاطا لحدوثه ... ومارساه بعيدًا عن عيون المشاهدين بالتأكيد ... ودون تواجد أربعة شهود عدول ... ربما يطلبون إعادة المشهد من جديد للتيقن من الإثبات ...
ثانيهما: هو سماح القانون للزوج بالتنازل عن بلاغه أو حقه فى اتهام الزوجة بالزنا ...
وقد سبق أن ضبط الزوج للزوجة والعشيق فى وضع التلبس بالزنا لا يكفى لإثبات الواقعة شرعًا ...
ليس هدفنا هنا هو المقارنه ... وإنما هدفنا يسير وموجز فى قضية أساسية وهى أن للشريعة وسائل ومقاصد ... وأن من قننوا جريمة الزنا فى قوانيننا المعاصرة ... كان مقصدهم هو ذات مقصد الشريعة ... وهو الحفاظ على العرض ... وأنهم حاولوا التوصل إلى ذلك بأسلوب يأخذ واقع العصر فى حسابه ويخضع للعقوبة ما لا تصل إليه اجتهادات الفقهاء فى عصر غير العصر ... لعصر غير العصر ...
وموعدنا مع مناقشة ذلك فى الأسبوع القدم إن شاء الله ...
*******************
وأخيرًا نصل إلى ما ليس منه بد ...
وهو طرح السؤال الذى لا مفر منه ... ولا مهرب من طرحه ومناقشته ..
وكان بودنا أن لايحدث ذلك لولا أنهم ظلوا يتنادون فى كل مكان بأنهم أصحاب حق مطلق ... وأننا اصحاب باطل مطلق ... وأنهم انصار شرع الله وأننا أعداؤه ... وانهم يملكون الحل السحرى لكل مشاكل المجتمع ... وأننا سبب المشاكل بمت نطبقه من قوانين وضعية وضعها البشر ... فساءت الأحوال لقصور علمهم وضيق أفهامهم ...
وفى تقديرنا أن الإسلام مقحم فى النقاش بلا مقتضى ... فهو اعز من يُختلف عليه ...
غاية ما فى الأمر انهم يدارون قصورهم فى الاجتهاد برمينا بالحجارة ...
وعجزهم عن الاستنباط ... باتهامنا بالعجز ...
وتقاعسهم عن فهم القاعدة الفقهية التى مضمونها أنه حيث تكون المصلحة ... فثم شرع الله ... باتهامنا بإنكار الرع والعداء للشؤيعة ...
وقد قلبنا الأمر على وجهه ... فلم نجد منهم صدًا, ولم نلق منهم غلا عداءًا ...
وكم فزعوا ونحن نطالبهم بالرجوع إلى عصور السلف بما لها وما عليها ...
وكان المفترض ألا يفزعوا ...
وكم غضبوا ونحن نعرض عليهم من الأمثلة ما يشيب لها الولدان ... ولا ينالها العقاب لقصور اجتهاد بنى الإنسان ...
ولعلهم يجيبونا على سؤالنا الحائر ... الذى يوجز ما سبق أن طرحناه وناقشناه واجهدنا أنفسنا فى بحثه وتوثيقه ...
أيهما أقدر على تحقيق صالح المجتمع ... ومقاصد الشرع؟ ...
القوانين التى قدموها باجتهادهم القاصر, والتى نقلوها عن اجتهاد علماء القرن الرابع الهجرى لمقتضيات وأحوال القرن الرابع الهجرى .. والتى تعاقب بالزنا على ما ذكرناه من امثلة وهو كثير وثقيل ومزلزل ...
أم القوانين التى ينعتونها بانها وضعية غقررً من شانها وتسفيهًا من قدرها والتى تصل بعقوبة هتك العرض إلى الإعدام ...
والتى تثبت الزنا بوجود الرجل فى المكان المخصص للحريم أو المكاتيب أو أى وسيلة من وسائل الإثبات ؟ ...
أيهما أحفظ لحق المجتمع ... وأيهما أكثر اتساقًا مع مقاصد الشرع ؟ ...
اجتهاداتهم المسماة بالقوانين الإسلامية ... التى لا تعاقب المغتصب بحد الزنا ولا المصبوطات فى جرائم الآداب ... وتعاقب بدلاً منهم رجال الشرطة بالجلد ...
أم القوانين التى يسمونها وضعية والتى أعدم بواسطتها غلاة المغتصبين ... وسُجن نتيجة لتطبيقها مئات البغايا والقوادين؟ ...
أيهما أحفظ لحق المجتمع ومقاصد الشرع ...
قانون لا يثبت الزنا على عشيق فى فراش الزوجية يضبطه الزوج متلبسًا بالجرم المشهود له ..
ومنه وحده لأنه ليس مفترضًا أن يذهب لمنزله فى موكب من الشهود ...
أم قانون يمسك بتلابيب العشيق ويعاقبه ... حقًا إنه يُعاقب بالسجن ...
لكن أليس السجن أهون من البراءة ومن جلد الزوج أو لجوئه إلى الملاعنة؟ ...
من يتاجرون بالإسلام ...
وكان من المنتظر منهم أن يسعدوا بالقوانين السائدة .. ويباركونها لأنها تحقق مقاصد الشرع ...
وأن يخجلوا من أنفسهم وهم يطالبون بالعقاب المستحيل ...
وما استحال إلا لسبب بسيط ...وهو أنه استحال عليهم أن يجتهدوا وأن يتسقوا مع مقاصد الشريعة ...
وأن يدركوا جوانب السماحة فيها قبل العقاب ...
وأن يفهموا أن المباحات قبل العقوبات ... والرخص قبل العزائم ... والتيسيرات الحلال قبل الردع والقتل ...
لعلهم بعد أن ما ذكرنا يهدئون من غلوائهم ويقللون من صاحهم ويتحفظون فى اتهاماتهم ...
ولعل القارئ يتعجب معنا بعد م ذكرناه ... ومبعث تعجبه أمران:
أولهما : ما تكشف له من ضعف حجتهم ـ بل إن شئنا الدقة ـ من هول حجتهم بعد أن غطوها زمنًا طويلاً بالبكاء على الشرع المحجوب ... والعرض المسلوب ... ودم البكارة المسكوب ... والله وحده يعلم والعالمون أنها جعجعة بغير طحن ...
ثانيهما: تعجبه من ان مثل هذه الحوارات لم تتح لها الفرصة للعرض على الرأى العام ... لأنها لو عُرضت منذ زمن لاستكانوا وهداوا وفضلوا الصمت على الصياح ...
واتهموا أنفسهم بالتقصير ولم يتفرغوا لتكفير كل مخالف ...
والله يعلم أن أمثالنا هم المدافعون عن دينه ... وليس الذين يلتحفون بردائه ويرفعون شعاراته ويقصرون فى الاجتهاد ..
إلى هنا انتهى ردى على السائلين فى ندوة معرض الكتاب ...
ولعل السائل قد استراح إلى أن ردى لم يخرج عن إطار الدين تاريخًا وجوهرًا وشريعة ومقاصد ...
ولعله أدرك دعاوى البعض ينطبق عليها قول الإمام على بن ابى طالب { قولة حق يراد بها باطل }.
والله أعلم أين الحق وهو خير ناصرًا إم كان الحق معنا ...
وخير غافر إن كنا قد اجتهدنا فأخطانا الاجتهاد ...