الفكر الإسلامى ومهاجمته للعقيد ةالمسيحية
الفصل الثانى: لاهوت السيد المسيح:
ذكرت كلمة اللاهوت فى المعجم الوجيز على أنها (مقصود بها الخالق أما عبارة علم اللاهوت فى تعنى العلم الذى يبحث فى الخالق وصفاته وعلاقاته بمخلوقاته) ويلاحظ فى كلمة لاهوت أنها تستمد حروفها من كلمة الله وكما أن كلمة ناسوت مأخوذه من كلمة إنسان وملكوت من كلمة ملك كذلك لاهوت فمن الله وعى تعبر عن طبيعة الله وقد ذكرت كلمة اللاهوت بالكتاب المقدس:
1- أع 17: 28 ، 29: (إننا به نحيا ونتحرك ونوجد كما قال بعض شعرائكم أيضا لأننا أيضا ذريتن فإذ نحن ذرية الله لا ينبغى أن نظن أن اللاهوت شبيه بذهب أو فضة أو حجر نقش صناعة إختراع إنسان).
2- رؤ1 :20: (لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركه بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنهم بلا عذر).
3- كو2: 9: (لأن فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا). وكلمة اللاهوت تحمل فى معناها طبيعة الله التى لم يراها أحد ولا يستطيع أحد النظر إليه أو التفكر فيه. وعندا نقول لاهوت السيد المسيح إنما نتحدث عن طبيعة السيد المسيح الإلهية التى اتحدث بالطبيعة الإنسانية بغير أختلاط ولا أمتزاج ولا تغيير ولم ينفصل قط لاهوته عن ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين.
لاهوت المسيح فى الإسلام:
لعل الخلاف الأكبر فى الحوار بين المسيحية والإسلام هو القائم على اعتقاد المسيحيين بالوهية المسيح ، الأمر الذى يحسبه القرآن كفرا. وقد اعترض عليه بعدة آيات أبرزها أربع وردت فى سورة المائدة ، وآية خامسة فى سورة النساء:
1- لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح أبن مريم قل فمن يملك من الله شئا أن اراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا. (المائدة 17).
يقول الرازى فى شرح هذه الآية ، أن فيها سؤال وهو أن أحدا من النصارى ، لا يقول أن الله هو املسيح أبن مريم. فكيف حكى الله عنهم ذلك ، مع أنهم لا يقولون؟ وجوابه: أن كثيرين من الحلولية يقولن أن الله تعالى ، قد يحل بيدن إنسان معين أو فى روحه. وإذا كان كذلك فلا يبعد أن يقال: أن قوما من النصارى ، ذهبوا إلى هذا القول. بل هذا أقرب ما يذهب إليه النصارى وذلك لأنهم يقولون: أن أقنوم الكلمة أتحد بعيسى.
فأقنوم الكلمة ، أما أن يكون ذاتا أو صفة فإن كان ذاتا فذات الله تعالى قد حلت فى عيسى ، وأتحدت بعيسى فيكون عيسى الإله ، على هذا القول وأن قلنا الأقنوم عبارة عن الصفة ، فأنتقال الصفة من ذات إلى ذات أخرى غير معقول.
ثم بتقدير انتقال أقنوم العلم عن ذات الله تعالى إلى عيسى يلزم خلو ذات الله من العالم ومن لم يكن عالما لم يكن آلها وحينئذ يكون الإله عيسى على قولهم فثبت أن النصارى وإن كانوا لا يصرحون بهذا القول إلا أن حاصل مذهبهم ليس إلا ذلك.
ثم أن الله سبحانه ، أحتج على فساد هذا المذهب بقوله: "من يملك من الله شيئا أن يهلك المسيح عيسى أبن مريم وأمه" فهذه الكلمة بحسب رأى المفسرين تعنى أن عيسى مشاكل لمن فى الأرض ، فى الصورة والخلقة والجسمية والتركيب ، وتغيير الصفات والأحوال (مشابه لنا فى كل شئ).
2- لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح أبن مريم وقال المسيح يا بنى إسرائيل أعبدوا الله ربى وربكم أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواة النار وما الظالمين من أنصار. (المائدة 72).
قال الإمام الرازى فى شرح هذه الآية: أن الله لما استقصى الكلام مع اليهود ، شرع ههنا فى الكلام مع النصارى فحكى عن فريق منهم أنهم قالوا: أن الله تعالى حل فى ذات عيسى وأتحد بذات عيسى.
3- لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا واحدا وأن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب آليم. (المائدة 73).
ينطلق الإسلام من هذه الآية فيتهم المسيحيين بأنهم يعبدون ثلاثة آلهة: الله ومريم وعيسى. ويستعرض الرازى عقيدة النصارى على الوجه التالى: حكوا عن النصارى أنهم يقولون جوهر واحد ، ثلاثة أقانيم ، آب وأبن وروح القدس. وهذه الثلاثة إله واحد ، كما أن أسم الشمس يتناول القرص والشعاع والحرارة وعنوا بالآب الذات ، وبالأبن الكلمة ، وبالروح الحياة. واثبتوا الذات والكلمة والحياة. وقالوا: أن الكلمة التى هى كلام الله اختلطت بجسد عيسى ، اختلاط الماء بالخمر ، واختلاط الماء باللبن. وزعموا أن الآب إله ، والأبن إله والروح إله. ويختم الرازى شرحه بهذا التعليق: وأعلم أن هذا معلوم البطلان ببديهية العقل. فإن الثلاثة لا تكون واحدا ، والواحد لا يكون ثلاثة.
4- وإذ قال الله يا عيسى أبن مريم أأنت قلت للناس أتخذونى وأمى إلهين من دون الله قال سبحانك ما تكون لى أن أقول ما ليس لى بحق أن كنت قلته فقد علمته تعلم ما بنفسى ولا أعلم ما بنفسك أنت علام الغيوب. (المائدة 116). يجد الرازى فى هذا القول مسائل:
المسألة الأولى: أنه معطوف على قول الله: يا عيسى أبن مريم أذكر نعمتى عليك فهو يذكره هنا بوجاهته يوم القيامة. (المائدة 110).
المسألة الثانية: أن الله وهو علام الغيوب كان عالما بأن عيسى لم يقل ذلك فليس لائقا بعلام الغيوب أن يسأله فلماذا يخاطبه؟ إن قلتم أن الغرض من توبيخ النصارى وتقريعهم ، فنقول أن أحدا من النصارى لم يهذب إلى القول بآلهية عيسى ومريم من دون الله فكيف يجوز أن ينسب هذا القول لهم ، مع أن أحدا لم يقل به؟.
والجواب عن السؤال الأول أنه أستفهام على سبيل الإنكار. والجواب على السؤال الثانى: أن الآلهة ، هو الخالق والنصارى يعتقدون أن خالق المعجزات التى ظهرت على يد عيسى ومريم ، هو عيسى ، والله ما خلقها البته. وإذا كان كذلك فالنصارى قد قالوا أن خالق تلك المعجزات هو عيسى ومريم ، والله تعالى ليس خالقها. فصح أنهم أثبتوا فى حق بعض الأشياء كون عيسى ومريم إلهين له. مع أن الله تعالى ليس إلها. فصح بهذا التاويل هذه الحكاية والرواية.
وعلى أى حال ، فقد فقد أختلف مفسرو القرآن فى تحديد الوقت الذى فيه طرح الله هذا السؤال على عيسى. فالسدى مثلا يقول أن الله لما رفع عيسى أبن مريم إليه ساله: أنت قلت الناس أتخذونى وأمى آلهين؟ أما قتادة فيقول: أن السؤال لم يطرح بعد ، وإنما سيطرح فى القيامة ويوافقه فى راية أبن جريح وميسرة.
5- يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى أبن مريم رسول الله وكلمته القاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة أنتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد. (سورة النساء 170).
قال أبو جعفر الطبرى فى تفسير هذه الآية: يا أهل الأنجيل من النصارى لا تجاوزوا الحق فى دينكم فتفرطوا فيه ، ولا تقولوا فى عيسى غير الحق... انتهوا أيها القائلون: لله ثالث ثلاثة ، عما تقولون من الزور والشرك بالله. فإن الأنتهاء عن ذلك خير لكم من قيله ، لما لكن عند الله من العقاب العاجل لكم على قيلكم ذلك ، أن اقمتم عليه. ولم نيبوا إلى الحق الذى أمرتكم بالأنابه إليه ، والأجل فى معادكم.
فالمشكلة المعقدة فى الإسلام هو الأعتقاد بأن التثليث يعنى ثلاثة آلهة ، الله والمسيح ومريم والمسيحية مدى أجيالها نادت سواء كان قبل الإسلام أم بعده ، أن كلمة تثليث ليست واردة أنها أوهام أهل البدع الذين نبذتهم الكنيسة وشجبت البدع التى اخترعوها فالتصقوا بعرب الجاهلية ومنه أخذ الإسلام الفكر المشوة عن المسيحية وسوف نقوم بدراسة موضوع التثليث بأكثر إيضاح فيما بعد أن شاء الرب وعشنا.