الفكر الإسلامى ومهاجمته للعقيد ةالمسيحية

 

 

من أسباب رفض القرآن لمسألة ألوهية المسيح:

        رغم أن القرآن كتابا دينيا يدعو إلى الإيمان بالله والتوحيد به إلا أن تعاليمه ومفاهيمه مادية أكثر مما هى روحانية على سبيل المثال:

     يهتم القرآن وبالتالى الإسلام إلى طهارة الجسد أكثر من طهارة الروح لدرجة أن ناقض الوضوء لا تقبل منه الصلاة أبدا: (يا أيها الذين أموا إذ قمتم إلى الصلاة فأغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأمسحوا رؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين). (المائدة 6). (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به). (أنفال 11). (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) (مائدة 6).

     ملاحظة: التيممم هو إعفار اليدين والرجلين والرؤوس والأوجه بالتراب ، وذلك عوضا عن الماء الغير موجود. فهل هذه الطريقة تعفير أجسادكم بالتراب تليق (السواك هو فرق أو سرك الأسنان بالعود). عليكم بالسواك فهو مطهر للفم ومرضاة الرب) أخرجه البخارى عن عائشة والطبرانى والبهيقى فى شعب الإيمان.

مفتاح الصلاة الطهور:

        أخرجه الترمزى عن على بن أبى طالب ومن ذكر الله عند وضوئه يطهر الله جسده كله ، ومن لم يذكر الله لم يطهر منه إلا ما أصابه الماء. رواه أبو هريرة.

        يا أبا هريرة قلم أظافرك فإن الشيطان يقعد على ما طال منها. أخرجه الخطيب فى الجامع.

        وفى حديث أخر: إذا توضأ العبد المسلم فتمغمض خرجت الخطايا من فيه. وإذا استند خرجت الخطايا من آنفه وإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج الخطايا من تحت أجفاء عينيه ، وإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظافره وإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من تحت أدنيه ، وإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظافر رجليه. (حديث أخرجه أبو داود وابن ماجه بإسناد الصحيح راجع علوم الدين للغزالى 1/135-142.

        حتى مجازاة الله لعباده الصالحين يحصرها القرآن فى الماديات: والذين أمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة. (النساء 57).

        إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار... إنها من ماء غير أسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات. (محمد 12-15).

        كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون متكئين على سرر مصفوفة وزجناهم بحورعين. (الطور 17-21). ويطوف عليهم غلمان لهم كانوا لؤلؤ مكنون. (الطور 24). فيها من الفاكهة زوجان. (الدخان 52). فيها قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان... وكأنهم الياقوت والمرجان.. فيها فاكهة ونخل ورمان.. وحور مقصورات فى خيام... لم يطمثهمن إنس قبلهم ولا جان. (الرحمن 52-77). راجع أيضا الفجر 2 ، الفاشية 8-16 ، بروج 11 ، النبأ 31-36 ، الدهر 5-22 ، الحاقة 21-25 ، الواقعة 27-40 ، الزخرف 69-73 ، الحج 14-24 ، يس 55.

        والقرآن يعلن بصراحة أنه لا علم له بالروحانيات "فيسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أتيتم من العلم إلا قليلا" (إسراء 85). ونحن نبحث فى روح كلمة الله الملقاه إلى مريم فى إيطار الوحى المعلن وهذه المسألة "الروح" لا علم أصلا للقرآن فيها. هذا الجهل القرآن للروح لا يأخذ مأخذا على القرآن ، ولا يقلل من قيمته ولا يطعن فى مسألة شموله وكمالة المنادى بها لليوم حتى وأن أعترف القرآن بها "وما آوتيتم من العلم إلا قليل".

        خصوصا إذا أخذنا بعين الأعتبار أن القرآن الكريم قد أنزل ـ بمعنى كتبت فى بيئة بدائية ـ هل كانت مكة روما أم آثينا؟ ولقوما متخلفين أى أميين لأن الأمية تخلف لا علم ولا دراية لهم لا باللاهوتيات ولا بالمنطق ولا فى أدنى المعارف سوى رعى البهائم والسير فى القوافل والغزو والنكاح. وهذا أيضا أمر طبيعى بالنسبة لتلك البيئة و الفترة.

        لقد أنزل القرآن ليخاطب تلك الفئة الأمية وليناسب ظروف حياتهم وعاداتهم وعرفهم وبيئتهم لتنذر أم القرى وما حولها. (الشورى 7 والأنعام 92).

        ومن هنا ولهذه الأسباب حرم الإسلام البحث فى الحقائق والصفات الإلهية والفلسفات حتى لو كانت ضمن إطار الوحى المعلن لأن مثل هذه الأمور لا تناسب عقلية البدوى ولا تتناسب مع إدراكه للأمور لدرجة أنهم قالوا: "من تمنطق قد تزندق".

        يقول الإمام الغزالى فى أحياء علوم الدين مجلد 1/30-31: الخوض فى علم لا يستفيد منه فائدة علم فهو مزموم فى حقه كتعلم دقيق العلوم قبل جليلها وخفياها قبل جليه وكالبحث عن الأسرار الإلهية إذا يطلع الفلاسفة والمتكلمون إليها ولم يستقلوا بها ولم يستقل بها بالوقوف على طرق بعضها إلا الأنبياء والألياء فيجب كف الناس عن البحث عنها وردهم إلى ما نطق به الشرع.

        ثم يتابع الإمام الغزالى قوله فيقول: "فيكفيك من منفعة العقل أن يهديك إلى صدق النبى". المرجع نفسه 1/31. بمعنى آخر وواضح هو: أن المطلوب منك أخى المسلم هو الإبتعاد عن جميع العلوم والمعارف ويكفيك ما جاء به القرآن من علوم ومعارف!!!.

        عن ابن مسعود أنه قال: "قد أنزل فى القرآن كل علم ولنا فيه كل شئ. (راجع حجة الله على العالمين 1/355).

        ثم يتابع الغزالى قوله فيقول: التوحيد وقد جعل الأن عبارة عن صناعة الكلام ومعرفة طرق المجادلة والإحاطة بطرق متناقضات الخصوم والقدرة على التشدق فيها بتكثير الأسئلة وإثارة الشبهات وتأليف الأزمات حتى لقب طوائف منهم أنفسهم بأهل العدل والتوحيد.. مع أن جميع ما هو خاصة هذه الصناعة لم يكن يعرف منها شئ فى العصر الأول بل كان يشتد منهم النكير على من كان يفتح بابا من الجدل فأما ما يشتمل عليه القرآن من الأدلة الظاهرة التى تسبق الأذهان إلى قبولها فى أول السماع فلقد كان ذلك معلوما للكل وكان العلم بالقرآن هو العلم كله وكان التوحيد عندهم عبارة عن أمر آخر لا يفهمه أكثر المتكلمين وإن يفهموه لم يتصفوا به ، وهو أن يرى الأمور كلها خيرها وشرها من الله عز وجل.

        فى حديث لأبوبكر الصديق أنه قال: الحمد لله أنه لم يجعل للخلق سبيل إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته. وقد قال بعض علماء المسلمين: ما عرف الله بالحقيقة إلا الله عز وجل. (راجع أحياء علوم الدين 1/101). لقد ذكرونى علماء المسلمين بقولهم هذا بالآية الإنجيلية الكريمة (الإبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبير) (يو1: 18).

        حتى السؤال فى أمور الدين مزموم ولا يستجيب: إنما شأن العوام الإشتغال بالعبادات فقط والإيمان بما ورد به القرآن والتسليم لما جاء به الرسول من غير بحث ، وسؤالهم عن غير ما يتعلق بالعباجدات سوء أدب منهم يستحقون به المقت من الله عز وجل.

        "وكل من سأل عن علم غامض ولم يبلغ فهمه تلك الدرجة فهو مزموم" وقد نهى محمد "عن القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال" حديث متفق عليه. "وقال جابر ما نزلت آية المتلاعنين إلا لكثرة السؤال". حديث أسنادة جيد.

        فسؤال العوام عن غوامض الدين من أعظم الآفات وهو من المثيرات للفتن فيجب قمعهم ومنعهم من ذلك (راجع أحياء علوم الدين 3/163).

        من هنا وانطلاقا من هذه التعاليم والمفاهيم القرآنية المادية والبعيدة كل البعد عن الروحانيات فلقد رأى القرآن أن كل بنوة أو ولادة تنتسب إلى الله لا يمكن أن تكون إلا جسدية بشرية تناسلية سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم يكن له صاحبه. (الأنعام 101 ، راجع نساء 171 ، مريم 35 ، المؤمنون 91 ، الزخرف 81 ، البقرة 116 ، يونس 68 ، الإسراء 11 ، كهف 4).

        لا يفهم القرآن البنوة أو الولادة أيا كانت إلا بزوجه وزواج فكل بنوة عنده هو مخلوقة بشرية جسدية تناسلية ، فهو يحيل البنوة المعنوية أو ما يسمى بالتبنى الإلهى وهو يجهل أيضا مفهوم الولادة المجردة لأن الولادة بحد ذاتها هى إنحدار حى من حى إنحدار ينتج عنه بفعله الذاتى مشابهة تامة فى الطبيعة. وهذا الإنحدار قد يكون جسيدا كما فى الإنسان وقد يكحون عقليا كالذى يسنده الإنجيل إلى المسيح.

        هذا هو باختصار شديد سبب من مجموعة أسباب رفض القرآن لمسألة ألوهية المسيح وبنوته لله.

أما السبب الثانى لرفض محمد وبالتالى القرآن لمسألة ألوهية المسيح فهو:

        عدم تعرف النبى العربى على المسيحية الرسمية الصحيحة وهذا ما يؤكده الواقع القرآنى الذى ذكر لنا العديد من أقوال ومعتقدات المبتدعين النصارى ، وأجوبة القرآن لهم: "نقول النصارى وليس المسيحيين".

        كان المبتدعين النصارى القائمين فى بيئة محمد والقرآن يؤمنون بتآليه مريم ويعتبرونها شريكا مساويا مع الآب والإبن من هنا يسأل الله المسيح فى القرآن "وإذ قال لله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس إتخذونى وأمى إلهين من دون الله" (المائدة 17 ، راجع مائدة 17 ، 73-75).

        ولهذا يجيب القرآن هذه الفئة المبتدعة قائلا: "ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقه كانا يأكلان الطعام". (المائدة 78).

        ولهذا أيضا ساوى القرآن ما بين هذا التأليه النصرانى للمسيح وأمه بين تأليه العرب لألهتهم (وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وحرقوا له بين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صابحه وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم) (أنعام 100-101).

        لقد تفاعلت تعاليم ومفاهيم القرآن المادية مع معتقدات المبتدعين النصارى فنتج عن هذا التفاعل هذا الرفض القرآنى لمسألة ألوهية المسيح وبنوته لله إن ألوهية المسيح وبنوته لله والتى رفضها القرآن بشدة هى بنوة بشرية جسدية تناسلية سببها تعاليم ومفاهيم القرآن المادية وموقفه من المبتدعة النصارى. (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون) (نساء 172).

        إن مسألة ألوهية المسيح وبنوته لله الذى يؤمن بها المسيحيون هى ليست التى رفضها القرآن فبنوه المسيح لله فى الإنجيل ليست بنوة بشرية جسدية تناسلية بل هى بنوة روحية محضة من ولادة عقلية محضة.

        يقول الأستاذ الحداد: للمسيح فى الإنجيل إسمان: إسم ضعبى تفهمه الجماهير: إبن الله وإبن الإنسان وإسم علمى فلسفى لاهوتى أوحى به الله فى مطلع إنجيل يوحنا بين طبيعة هذه البنوة: إنه كلمة الله (فى البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله). (يو1: 1-4).

        وهذا الأسم يشرح معنى بنوة المسيح من الله وفى الله: بما أنه كلمة الله فبنوته فكرية عقلية لا علاقة لأى جسد فيها ، بل هى قبل كل جسد وبما أن الله روح محض ، وفكره وكلمته روح محض ، فالولادة روحية من جوهر الله وفيه ، لا يشاركه فيها أحد. وهكذا يسمى الإنجيل التفاعل الجوهرى الإلهى (ولادة) والتسلسل العقلى الإلهى (بنوة) بلغة بشرية يفهمها جميع الناس: فكلمة الله هو إبن الله وإبن الله هو كلمة الله ولا علاقة لمريم أو لمخلوق بهذا التفاعل والتسلسل الإلهى.

        وليس فى هذا (إتخاذ) يضم جزء من خارج الله إلى الله أو تأليه برفع مخلوق إلى منزلة الخالق وطبيعته أو تناسل جسدى باستيلاد الله عيسى من مريم فالله لا جسد له ، بل جل ما فى ذات الله من سر الحياة السرمدية والوجود الفياض إنه فى الجوهر الإلهى الفريد تفاعل روحى وتسلسل عقلى فى الله ، ومنه ومعه: فكلمة الله هو فكر الله النلاتج عن عقل الله فى جوهره الروحى تتوج الإبن عن أبيه ولذلك يجود بكل حق أن نسمى الله أبا وفكره الجوهرى أبنا. إذن فالألوهية التى ينفيها القرآن عن المسيح ليست بالألوهية التى ينسبها الإنجيل له.

        والبنوة التى يسندها الإنجيل إلى المسيح ليست كالتى ينفيها القرآن عنه. إن بنوة عيسى فى القرآن تناسلية جسدية كأن الله إتخذ مريم صاحبه وأستولدها عيسى: ذلك عيسى أبن مريم قول الحق الذى فيه يمترون: ما كان الله أن يتخذ من ولد. (مريم 59).

        والقرآن على حق حين يسمى مثل هذه الولادة السمجة ، المنسوبة إلى الله إفكا: ما المسيح أبن مريم إلا رسول خلت من قبله الرسل. وأمه صديقة كان يأكلان الطعام! أنظر كيف نبين لهم الآيات ثم أنظر أنى يوفكون. (مائدة 78).

        إن ألوهية عيسى التى ينكرها القرآن تستند إلى هذه البنوة الجسدية والولادة التناسلية ومن ثم فلا غرابة أن يثور ويصيح القرآن: لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح أبن مريم. 0المائدة 19 ، 75).

        كأن الإنسان ابن مريم صار الله!! أو كان الله استحال عليسى ابن مريم!! لذلك ينزه القرآن المسيح عن إدعاء تأليه كهذا: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكمة والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله. (آل عمران 79).

        فحسب المسيح فخرا أن يكون عبد الله: "لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون" (نساء 172).

        وقصارى القول ليست لاهوتية المسيح كتأليه المشركين لألهتهم وليست بنوة المسيح العقلية الروحية فى الله كبنوة وولادة الألهة المتألهين من الله هذه غارقة فى اللحم والدم والجسد والصاحبة فى دنيا المحسوسات وتلك ضمن الجوهر الألهى الفرد الروح المحض ، والعقل المحض وفى عالم الأزل قبل الزمان والمكان وقبل المحسوسات والمعقولات والأجساد والأرواح: فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله" (يو1: 1).

        وهكذا فليست البنوة الروحية التى ينسبها الإنجيل إلى المسيح مثل البنوة الجسدية التى ينفيها القرآن عنه. وليست الإلهية التى يثبتها الإنجيل للمسيح ، روح الله وكلمة الله ، مثل التأليه التى يستنكره القرآن فيه ، ولا هى الإتخاذ الذى يضم إلى الله جزءا ليس منه.

هذا هوالسبب الثانى لرض القرآن لمسألة ألوهية المسيح وبنوته لله.

أما السبب الثالث لرفض القرآن ألوهية المسيح فهو:

        أن جميع الآيات القرىنية التى ذكرت المسيح قد وقعت جميعها فى المتشابه من القرآن ؛ هو الذى أنزل عليكم الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات. (آل عمران 7).

        وقد إختلف المسلمين فى تعيين المحكم والمتشابه فى القرآن فقيل المحكم هو ما عرف المراد من والمتشابه هو إستاثر الله بعلمه كقيام الساعة والأحرف المقطعة فى أوائل سور القرآن. وقيل أيضا المحكم ما وضح معناه والمتشابه نقيضه ، وقيل أيضا المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا والمتشابه ما أحتمل أوجهها أى أكثر من معنى وقيل أيضا المحكم ما كان معقول المعنى والمتشابه بخلافه.

        أخيرا أتفق علماء المسلمين على أن المتشابه من القرآن هو مما لا يعلمه إلا الله وأن الخوض فيه مزموم. هذه هى أهم أسباب رفض القرآن وبالتالى الإسلام والمسلمين لمسألة ألوهية وبنوة المسيح لله.

        إن المسيحية الرسمية أى الصحيحة والتى لم يتعرف عليها محمد وبالتالى قرآنه والمسلمين تنكر وترفض بشدة هذا النوع من البنوة الجسدية البشرية التناسلية التى فهمها القرآن عن المسيح.

        إن كلمة إبن الله التى يرددها الإنجيل المقدس وبالتالى الكنيسة المقدسة لا تعنى أن لله ولدا على شاكله البشر وبحسب مفهوم البشر وتعاليم ومفاهيم القرآن المحصورة فى الماديات فولادة الإبن من الآب مفاده أنه صدر عنه كما يصدر النور عن الشمس ويأتى إلى الأرض لينيرها ويمنحها الدفء والحرارة ويبقى فى الوقت نفسه فى الشمس. أو كالقصيدة أو بيت الشعر الذى يمخض به مخيلة الشاعر فيلده ويصبح أبنه وليد فكره ونتاج مخيلته فيخطه الشاعر على الورق وفى الكتب وتداوله أيادى القراء وبالوقت نفسه يبقى راسخا فى مخيلة الشاعر لا يفارقه.

        هكذا كان صدور إبن الله كلمة الله مسيح الله عن الله أبيه باطنيا ونعنى بالصدور الباطنى: أن الصادر يبقى بداخل مصدره كالفكره التى تبقى فى عقل المفكر وإن كتبتب على الورق ووزعت بخلاف الصدور الخارجى الذى ينفصل فيه المعلول عن علته شان الولد الذى ينفصل عن أبيه عله كيانه.

        يقول الغزالى فى أحياء علوم الدين 1/109-110: إنه سبحانه وتعالى متكلم وهو وصف قائم بذاته ليس بصوت ولا بحرف بل لا يشبه كلامه كلام غيره كما لا يشبه وجوده وجود غيره. إن الكلام القائم بذاته قديم وكذا جميع صفاته قديم أى أزلى.

        إن الكلام القائم بنفسه قديم وكذا جميع صفاته إذ يستحيل أن يكون محلا للحوداث داخلا تحت التغيير بل يجب للصفات من نعوت القدم مما يجب للذات فلا تعتريه التغيرات ولا تحله الحادثات بل لم يزل فى قدمه موصوفا بمحامد كان معقول المعنى والمتشابه بخلافه.

        سؤال: بما أن تعاليم ومفاهيم القرآن محصورة فى الماديات ولا علم له بالروحانيات وبما أن الإسلام قد حرم البحث فى الحقائق والصفات الإلهية وبما أن جميع الآيات القرآنية التى ذكرت المسيح قد وقعت جميها فى المتشابه فى القرآن.

        وبما أن محمد وبالتالى قرآنه والمسلمين لم يتعرفوا على المسيحية الرسمية وبالتالى على كيفية إيمانهم. إذ فلماذا لا تقبولا فى الواقع الإنجيلى الشريف إن كنتم حقا مؤمنون بالله وبكتبه وبرسله كما تزعمون؟ ألم يقل المثل العربى (أهل البيت أدرى بالذى فيه)؟.

        ألم يحل القرآن محمد إلى أهل الكتاب فى حالة شكه بأمور الدين (إن كنت فى شك مما أنزلنا إليك فسال الذين يقرأون الكتاب من قبلك). (يونس 94).

        ألم يحل القرآن جميع المسلمين إلى أهل الكتاب فى حالة عدم معرفتهم فى أمور الدين (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). (نحل 43 ، وأنبياء 7).

        إذا كان الله وبحسب الواقع القرآنى قد طلب من النبى فى حالة شكه أو عدم معرفته بأن يتوجه إلى أهل الكتاب "التواره والإنجيل" فلماذا لا تسألوا أنتم أيضا أهل الذكر أهل العلم والإيمان الحقيقى أليس هذا أفضل من الإتهامات والإفتراءات التى تزعمون؟ أم أن السؤال حقا كفر؟.

        كما علموكم تجار الدين الذين ضلوا فأضلوا كثيرين ألا تآمنوا أن الأعمال بالنيات ولكل أمرأ ما نوى؟

        أعتقد أن الأوان قد آن لكى تروا الأشياء كما هى فى الحقيقة وليس كما تحبوا أن تروها لهذا ها أنا أدعوكم لتتعرفوا على مسيح الإنجيل وكما أعلنه القرآن بعيدا عن المحرمات والممنوعات الشرعية وعن المتشابهات والأعذار المصطنعة والقصرية وذلك من خلال جولة سريعة السور والآيات التى ذكرت المسيح فى القرآن.

عودة الى الفهرس