الفكر الإسلامى ومهاجمته للعقيد ةالمسيحية
ثالثا: الميلاد الفريد:
ذكر القرآن عن ولادة السيدا لمسيح فى سورة مريم 22-34 (فحملته فانتبذب "أعتزلت وتنحت" به مكانا قصيا "بعيدا" فاجآءها المخاص إلى جذع النخلة قالت يا يليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فناداها من تحتها آلا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا "ماء سارى" وهزى إليك بجزع النحلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلى وأشربى وقرى عينا فإماترين من البشر أحد فقولى إنى نذرت للرحمان صوما فلن أكلم اليوم إنسيا فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شئيا فريا "عجيبا ومختلفا" يا أخت هارون ما كان أبوك أمرأ سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا قال إنى عبد الله أتانى الكتاب وجعلنى نبيا وجعلنى مباركا أينما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذى فيه يمترون "يشكون").
1- أن السيدا لمسيح ولد به بطريقة لم تحدث مع أى شخص آخر:
ويخبرنا القرآن مرارا أن المسيح لم يولد بطريقة طبيعية كسائر البشر ، ولم يكن أبوه بشراز فولد من مريم العذراء ، بدون تدخل أى رجل ، لأن الله نفخ من روحه فيها فالمسيح هو الإنسان الوحيد الذى ولد من روح الله. (النساء4: 171). (إنما المسيح عيسى أبن مريم رسول الله ولكمته ألقاها إلى مريم وروح منه فأمنوا بالله ورسوله) وفى سورة الأنبياء 91 (والتى أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وأبنها آية للعالمين).
ليس المسيح إذن إنسانا عاديا بل روح إلهى وبنفس الوقت جسد عادى ، إذ ولد من روح الله ومن مريم العذراء. لم يولد محمد من روح الله إنما ولد من أب حق وأم حقة ، فهو جسد عادى فقط لا روح إلهى.
2- ولد من عذراء:
من السهل أن تكون أم الإنسان زوجة أو أرملة ولكن من الذى كانت له أم عذراء غير المسيح؟ وكيف حبلت هذه العذراء بهذا الوليد ، وكيف ولدته؟ وبماذا أجاب الإسلام عن هذا الموضوع؟.
جاء فى القرآن قوله:
(إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه أسمه المسيح عيسى أبن مريموجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس فى المهد وكهلا من الصالحين). (آل عمران 45-46).
قال الإمامان الجلالان أسمه المسيح عيسى أبن مريم خاطبها بنسبته إليها تنبيها على أنها تلده بلا أب إذ عادة الرجال نسبتهم إلى آبائهم.. فنفخ جبريل فى درعها فحملت. جاء فى سورة مريم: (وأ ذكر فى الكتاب مريم إذا أنتبذت من أهلها مكانا شرقيا فأتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ، قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ، قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا ، قال كذلك قال ربك هو على هين) (مريم 16-21).
قال الجلالان إن الحمل والتصوير والولادة فى ساعة ، أما ابن عباس فيقول أنه فى ثلاث ساعات. وقال الإمام القرطبى أن جبريل عليه السلام حين قال هذه المقالة نفخ فى جيب درعها وكمها قال أبن جريح أبن عباس أن جبريل عليه السلام أمسك ردن قميصها بأصبعه فنفخ فحملت من ساعتها بعيسى ، وذكر أيضا من قصصها أنها خرجت فارة مع رجل من بنى إسرائيل يقال له يوسف النجار كان يخدم معها فى المسجد ، وقبل ليوسف أنها حملت من زنى وأن الملك يقتلها فهرب بها وهم فى الطريق بقتلها ، فأتاه جبريل عليه السلام وقال له أنه من روح القدس.
وحكى الطبرى عن أبن زيد أن عيسى عليه السلام قال لها لا تحزنى فقالت له كيف لا أحزن وأنت معى لا ذات زوج ولا مملوكه أى شئ عذرى عند الناس يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نيسا منسيا فقال لها عيسى أنا أكفيك الكلام.
ويذكر الإمام القرطبى أيضا فى كتابه الجامع لأحكام القرآن: قال بعضهم وقع نفخ جبريل فى رحمها فعلقت بذلك وقال بعضهم لا يجوز أن يكون الخلق من نفخ جبريل لأنه يصير الولد بعضه من الملائكة وبعضه من الإنس ، ولكن سبب ذلك أن الله تعالى لما خلق آدم وأخذ الميثاق من ذريته فجعل بعض الماء فى أصلاب الآباء وبعض فى أرحا الأمهات ، فإذا اجتمع الماء أن صارا ولدا ، وأن الله تعالى جعل المائين فى مريم بعضه فى رحمها وبعضه فى صلبها ، فنفخ فيه جبريل لتهيج شهوتها ، لأن المرأة ما لم تهيج شهوتها لا تحبل ، فلما هاجت شهوتها بنفخ جبريل وقع الماء الذى كان فى صلبها فى رحمها ، فاختلط الماء أن فعلقت بذلك.
3- حبل به بمصدر غير بشرى:
سجل كتاب التفسير المنير ص 4 حديثا أدلى به يوسف النجار لمريم العذراء جاء فيه: قال وهب أن مريم لما حملت بعيسى كان معها أبن عم لها يقال له يوسف النجار وكانا منطلقين إلى المسجد الذى عند جبل صهيون وكان يوسف ومريم يخدمان ذلك المسجد ولا يعلم فى أهل زمانهما أحد أشد عبادة منهما وأول من علم حمل مريم هو يوسف فتحير فى أمرها فكلما أراد أن يتهمها ذكر عبادتها وأنها لم تغيب عنه ساعة قط وإذا أراد أن يبرئها رأى الذى ظهر بها من الحمل فأول ما تكلم به أن قال قد وقع فى نفسى من أمرك شئ وقد حرصت على كتمانه فغلبنى ذلك فرأيت أن الكلام فيه أشفى لصدرى فقالت قل قولا جميلا قال أخبرينى يا مريم هل ينبت زرع بغير بذر وهل تنبت شجرة من غير غيث وهل يكون ولد من غير ذكر قالت نعم ألم تعلم أن الله أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر وهذا البذر إنما حصل من الزرع الذى أنبته من غير بذر ألم تعلم أن الله تعالى أنبت الشجرة من غير غيث والقادرة جعل الغيث حياة الشجر بعدما خلق كل واحد منهما على حدة أو تقول أن الله تعالى لا يقدر على أن ينبت الشجرة حتى استعان بالماء ولولا ذلك لم يقدر على انباتها فقال يوسف لا أقول هذا ولكنى أقول أن الله قادر على ما يشاء فيقول له كن فيكون فقالت له مريم آلم تعلم أن الله تعالى خلق آدم وأمرأته من غير ذكر ولا أنثى فعند ذلك زالت التهمة عن قلبه وكان ينوب عنها فى خدمة المسجد لاستيلاء الضعف عليها بسبب الحمل وضيق القلب فلما دنت ولادتها أوحى الله إليها أن أخرجى من أرض قومك فخرجت أقصى الدار.
4- ذكره القرآن باسم أمه:
آدم وحواء والمسيح ، هؤلاء الثلاثة خروج على قاعدة خضع لها ملايين الملايين من البشر الذين استلوا طريقهم نحو الحياة من بوابة الميلاد الذى صنعته الأمومة وغرسته الأبوة.
فآدم ليس له أب وأم.
وحواء لها مصدر ذكرى وليس لها مصدر أنثوى.
أما المسيح فليس له بين الناس أب ، له أن يقول يا أماه ن وليس له أن يقول يا أبى.
لآدم وحواء عذر فى هذا ، فلم يكن قبلهما بشر ولا بشرى ، منه يأتينا آدم وتفد إلينا حواء.
أما المسيح فلماذا ولدته عذراء؟
ولماذا لم تكن أمه سيدة ثيبا.
هل أختفى الرجال عن مسرح زمانها ، بحيث لم نجد لها صاحبا؟ كلا ، لأن الصاحب كان مصاحبا. وكما أغفل التاريخ ذكر أبيه الحقيقى (الله) إلا ان القرآن ذكر أسم أمه أكثر من أم أى شخص آخر. فمريم هى الإسم الأنثوى الوحيد فى القرآن.
5- سجدت له الآجنة وهو فى البطن:
ذكر الطبرى أن مريم لما حملت بعيسى حملت أيضا أختها بيحيى فجاءت أختها زائرة فقالت يا مريم أشعرت أنى حملت ، فقالت لها مريم أشعرت أنت أيضا أنى حملت ، فقالت لها وأنى لأجد ما فى بطنى يسجد لما فى بطنك ، وذلك أنه روى أنها أحست جنينها يخر برأسه إلى ناحية بطن مريم. ويحيى هذا (يوحنا المعمدان) جاء عنه فى الحديث عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: "كل أبن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى أبن زكريا فإنه كان سيدا وحصورا ونبيا".
6- تكلم وهو فى المهد بعد الولادة مباشرة:
يذكر القرآن أن السيد المسيح تحدث وهو فى المهد بعد الولادة مباشرة ثلاث مرات ـ المرة الأولى: تحدث إلى أمه بعد ولادته مباشرة (فناداها من تحتها لا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا وهزى بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلى وإشربى وقرى عينا فإما ترين من البشر أحد فثولى إنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) وهنا نجد السيد المسيح يذكرعنه القرآن إنه نطق فى المهد لكى يعز بها ويعرفها ما يجب أن تفعله (لا تحزنى ـ هذى بجزع النخلة ـ أشربى من ينبوع ماء يفجره الله لك ماءا سريا ـ كلما من رطب النخلة ـ قرى عينا ـ إذ سألك أحد قولى أنى نذرت صوما للرحمن فلن أكلم اليوم أحدا). المرة الثانية: دافع عن أمه مريم 27-29 (فأنت به قومها تحمله قولوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك أمرأ سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا).
قال المفسرين أن قوم مريم لما بالغوا فى توبيخها سكنت إشارت إلى وليدها كأنها تقول لهم هو الذى يجيبكم.
قال السدى لما أشارت إليه غضبوا غضبا شديدا وقالوا أن بسخريتها بنا أشد من زناها.
وفى رواية أخرى أن عيسى كان يرضع فلما سمع ذلك ترك الرضاعة وأقبل عليهم بوجهة وأتكأ على يساره وأشار بسبابته وكلمهم.
وهناك رواية أخرى نقلها الرازى أن زكريا أتاها عند مناظرة اليهود أياها فقال لعيسى أنطق بحجتك أن كنت أمرت بها فقال عيسى (أنى عبدالله أتانى الحكمة وجعلنى نبيا).
المرة الثالثة: كلامه مع قوم أمه: مريم 30-34 (قال أنى عبدالله أتانى الكتاب وجعلنى نبيا وجعلنى مباركا أينما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتى ولم يجعلنى شقيا والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أموت ويوم أبعث حيا. ذلك عيسى أبن مريم قول الحق الذى فيه يجترون). وهنا يتحدث السيد المسيح مع قوم أمه ويصف نفسه ورسالته التى أتى من أجلها ويعطى لنفسه ألقابا وصفاتا:
أ- نبى الله. ب- مباركا أينما كنت.
ج- بارا بوالدتى. د- جبارا شقيا.
هـ- السلام على يوم ولدت (الوحيد). و- فيه يجترون.
أ- المسيح عبد الله:
أ- قال المسيح عن نفسه فى القرآن: (قال أنى عبد الله). مريم 30.
ب- وقال القرآن عنه: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدالله ولا الملائكة المقربون) النساء 172.
ج- وقال عنه الله مرة آخرى: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه ، وجعلناه مثلا بنى إسرائيل) (الزخرف 59).
جاء فى كتبا أسباب النزول تأليف الشيخ النيسابورى ص 106 ، 107:
قوله تعالى (المائدة 77) (لا تغلوا فى دينكم) الآية نزلت فى طوائف من النصارى حين قالوا عيسى أبن الله ، فأنزل الله تعالى ـ لا تغلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحقز
قوله تعالى (لن يستنكف المسيح) الآية. قال الكلبنى: إن وفد نجران قالوا: يا محمد تعيب صاحبنا؟ قال: ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى ، قال: وأى شئ أقول فيه؟ قالوا: تقول إنه عبد الله ورسوله ، فقال لهم: إنه ليس بعار لعيسى أن يكون عبدا لله ، قالوا: بلى ، فنزلت: لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله.
أما كتابنا المقدس فقد ذكر هذا المسمى بصورة ليفتخر بها ولا يخجل منها: قال الرسول بولس: "فليكن فيكم هذا الفكر الذى فى المسيح يسوع أيضا. الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله لكنى أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا فى شبه الناس. وإذا وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله أيضا وأعطاه أسما فوق كل أسم لكى تجثو بأسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب المجد الله الآب" (فيلبى2: 5-11).