الفكر الإسلامى ومهاجمته للعقيد ةالمسيحية

 

المسيح نبى الله يبدأ خدمته فور ولادته:

      إذ نطق المسيح ف مهده ، فهذه معجزة. أما كلماته التى فاه بها ، فقد دلت على شئ آخر.. إن المسيح بدأ خدمته فور ولادته. فلا فاصل زمنى بين بدائته ككائن ، وبدائته كنبى. "فأتت أمه تحمله إلى قومها... قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ، ياأخت هارون ، ما كان أبوك امرئ سوء ، وما كانت أمك بغيا). فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا. قال إنى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيا. إن المسيح لم يصغ وقتا من عمره فى غير خدمته ، فهو يكلم الناس فى المهد وكهلا ، أى من طفولته حتى كهولته.

     إن موسى بدأ خدمته فى سن الثمانينز

     ومحمدا بدأ خدمته فى سن الأربعين.

     أما المسيح فقد آتاه الله الكتاب وجعله نبيا وهو فى "اللفه" وهذا ما لم يتوفر لغيره لا من قبله ولا من بعده.

     فموسى الشيخ النبى ، ومحمد الرجل النبى ، أما المسيح فهو الوليد النبى. وهذه سمة أنفراد بها عن طابور الأنبياء فنطق المسيح المعجزة ، يدل على خدمة المسيح المعجزة.

وجعلنى مباركا أينما كنت:

        يقول القرىن عن لسان المسيح: "وجعلنى مباركا أينما كنت" (مريم 31). قال الطبرى عن يونس بن عبد الأعلى ، عن سفيان إن يفسر "جعلنى مباركا" هو جعلنى معلما للخير. وقال الإمام الرازى قوله "وجعلنى مباركا أينما كنت". إن فى تفسير المبارك وجوها (أحدها) أن البركة فى اللغة هى الثبات ، وأصله من بروك البعير فمعناه جعلنى ثابتا على دين الله مستقرا عليه. (وثانيهما) أنه إنما كان مباركا لأنه كان يعلم الناس دينهم وديدعوهم إلى طريق الحق ، فإن ضلوا فمن قبل أنفسهم لا من قبله. وروى الحسن عن النبى قال: أسلمت أم عيسى عليها السلام عيسى الكتاب ، فقالت للمعلم: أدفعه إليك على ألا تضربه فقال له المعلم: أكتب فقال أى شئ أكتب؟ فقال: أكتب أبجد. فرفع عيسى عليه السلام رأسه فقال: هل تدرى ما أبجد؟ فعلاه بالدره ليضربه فقال: يا مؤدب لا تضربنى إن كنت لا تدرى فاسألنى فأنا أعلمك: الألف من آلاء الله ، والباء من بهاء الله ، والجيم من جمال الله ، والدال من آداء الحق إلى الله. (وثالثها) البركة الزيادة والعلوم ، فكأنه قال: جعلنى فى جميع الأحوال غالبا مفلحا منجحا لأنى ما دمت أبقى فى الدنيا أكون على الغير مستعليا بالحجة ، فإذا جاء الوقت المعلوم يكرمنى الله تعالى بالرفع إلى السماء. (ورابعها) مبارك على الناس بحيث يحصل بسبب دعائى إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص. عن قتاده أنه رأته أمرأة وهو يحيى الموتى ويبرئ الأكمة الأبرص ، فقالت طوبى لبطن حملك وثدى أرضعت به. فقال عيسى عليه السلام مجيبا: طوبى لمن تلا كتاب الله وأتبع ما فيه ولم يكن جبارا. جاء فى كتاب عرائس المجالس للإمام الثعلبى ص 398 ، 399: أعلم أن الحواريين كانوا أصفياء عيسى بن مريم وأولياءه وأرضياءه وأنصاره ووزراءه وكانوا ردلا وأسماؤهم شمعون الصفار المسمى بطرس وأندراوس أخوه ويعقوب بن زبدى ويحيى أخوه وفيلبس وبرتولوماوس وتوما ومتى العشار ، ويعقوب بن حلفا وليا الذى يدعى تداوس وشمعون القنانى ويهوذا الأسخريوطى عليهم السلام.

        واختلف العلماء فيهم لم سموا بذلك؟ فقال أبن عباس: كانوا صيادين يصطادون السمك فمر بهم عيسى فقال لهم ما تصنعون؟ فقالاو نصطاد السمك. فقال لهم ألا تمشون معى حتى نصطاد الناس ، قالوا وكيف ذلك؟ قال ندعوا إلى الله. قالوا ومن أنت؟ قال: أنا عيسى بن مريم عبد الله ورسوله. قالوا: فهل يكون أحد من الأنبياء فوقك؟ قال نعم النبى العربى فأتبعه ألئك وآمنوا به وانطلقوا معه. وقال السدى: كانوا ملاحين وقال أبن أرطاة: كانوا قصارين سموا بذلك لأنهم كانوا يخورون الثيات: أى يبيضونها.

        أخبرنا أبن فتحويه باسناده عن مصعب قال: الحواريون إثنا عشر رجلا اتبعوا عيسى فكانوا إذا جاعوا قالوا: يار روح الله جعنا فيضرب بيده إلى الأرض سهلا كان أو جبلا فيخرج لكل إنسان رغيفان فيأكلهما وإذا عطشوا قالوا: ياروحا لله عطشنا فيضرب الأرض سهلا كان أو جبلا فيخرج الماء فيشربون. فقالوا يا روح الله من أفضل منا إذا شئنا أطعمتنا وإذا شئنا أسقيتنا وآمنا بك واتبعناك؟ قال أفضل منكم من يعمل بينده ويأكل من كسبه. قال فصاروا يعملون الثياب بالكراء. قال ابن عون: صنع ملك من الملوك طاما فدعا الناس إليك ، ومال عيسى على قصعة فكانت القصعة لا تنقص. فقال له الملك من أنت؟. قال عيسى بن مريم قال الملك إنى أترك ملكى وأتبعك فانطلق بمن اتبعه منهم وهوم الحواريون ، وقيل هو الصباغ وأصحابه وقد مضت القصة.

        قال الضحاك: سموا حواريين لصفاء قلوبهم وقال عبد الله بن المبارك سموا حواريين لأنهم كانوا نورانيين عليهم أثر العبادة ونورها وبياضها وبهاؤها. وأصل الحور عند العرب شدة البياض ، ومنه الأحور والحور. قال الحسن: الحواريون الأنصار وقال قتادة هم الذين تصلح لهم الخلافة.

        جاء فى كتاب أسباب النزول تأليف الشيخ النيسابورى ص 127 ، 128 ما نصه: قوله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليومنن بها) إلى قوله تعالى ـ ولكن أكثرهم يجهلون ـ أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال: حدثنا محمد بن يعقوب الأموى قال: حدثنا أحمد بن عبدالجبار قال: حدثنا يونس بين بكير عن أبى معشر ، عن محمد بن كعب قال: كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش فاقلوا: يا محمد تخبرنا أن موسى عليه السلام كانت مع عصا ضرب بها الحجر فانفجرت منه أثنتا عشر عينا ، وأن عيسى عليه السلام كان يحيى الموتى ، وأن ثمود كانت لهم ناقة فأتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك ، فقال رسول الله صلى عليه وسلم: أى شئ تحبون أن آتيكم به ، فقالوا: تجعلم لنا الصفا ذهبا: فإن فعلت تصدقونى؟ قالوا: نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين فقام رسول الله صلى عليه وسلم يدعو ، فجاءه جبريل عليه السلام وقال: إن شئت أصبح الصفا ذهب ولكنى لم أرسل آية فلم يصدق بها إلا أنزلت العذاب وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم ، فقال رسول الله صلى عليه وسلم: اتركهم حتى يتوب تائبهم فنزل الله تعالى (وأقسموا بالله جهدا أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) إلى قوله (ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله).

(د‌)   وبرا بوالدتى:

        قيل عن يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا): "وبرا بوالديه" أما المسيح فقال "وبرا بوالدتى" ذلك لأن يحيى كان له والدان ،والد ووالدة. أما المسيح فلم يكن له والد ،ولم يكن له أكثر من والدة ، فهى والدة بلا والد وهو مولود بوالدة من غير أن يلده والد أو أب.

عاش المسيح برا بوالدته منذ طفولته حتى صليبه:

أ‌-   طفل الأنى عشر عاما:

        جاء فى إنجيل القديس لوقا قوله: "وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم فى عيد الفصح ولما كانت له أثنتا عشرة سنة صعدوا إلى أورشليم كعادة العيد. وبعد ما أكملوا الأيام بقى عند رجوعهما الصبى يسوع فى أورشليم ويوسف وأمه لم يعلما. وإذا ظناه بين الرفقة ذهبا مسيرة يوم وكانا يطلبانه بين الأقرباء والمعارف. ولما لم يجداه رجعا إلى أورشليم يطلبانه ، وبعد ثلاثة أيام وجداه فى الهيكل جالسا فى وسط العلمين يسمعهم ويسألهم. وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته فيما أبصراه أندهشا وقالت له أمه يا بنى لماذا فعلت بنا هكذا هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين فقال لهما لماذا كنتما تطلباننى ألم تعلما أنه ينبغى أن أكون فى ما لأبى فلم يفهما الكلام الذى قاله لهما ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعا لهما وكانت أمه تحفظ جميع هذه الأمور فى قلبها" (لو2: 41-51). ففكى به ما قاله الإنجيل: كان خاضعا لهما.

ب‌-  شاب العقد الرابع:

        وبعد هذا التاريخ تحولت العذراء إلى تلميذه مع تلاميذه ، تتلمذت عليه ، بعدما تربى هو عليها وبها ، وصارت تسمع له ، كما سمعت صوته أذنا البشرية كلها.

        جاء فى أنجيل القديس متى: "وفيما هو يكلم الجموع إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجا طالبين أن يكلموه. فقال هل واحد هوذا أمك وأخوتكم واقفون خارجا طالبين أن يكلموك فأجاب وقال للقائل له من هى أمى ومن هم إخوتى ثم مد يده نحو تلاميذ وقال ها أمى وإخوتى لأن من يصنع مشيئة أبى الذى فى السموات هو أخى وأختى وأمى." (مت12: 46-50)ز

ج‍‌-  رجل فوق صليبه:

        إن المريض ومن يكون فى ضيقة يكون موضع اهتمام من حوله ، ولا يطلب منه أن يهتم بأحد أما املسيح فوق صليبه فقد اهتم بأمه ، أكثر من ولع ولوعة أمه عليه ،ولم يسلم روحه ليد أبيه ، قبلما يسلم أمه ليد تليمذه.

        جاء فى إنجيل القديس يوحنا: "وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية. فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذى كان يحبه واقفا قال لأمه يا أمرأة هوذا أبنك ثم قال للتمليذ هوذا أمك ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته". (يو19: 24-27).

ه‍‌-  ولم يجعلنى جبارا شقيا:

        يتسم الإسلام بثلاثة أمور نشر بها وانتشر: السرايا ، الغزوات ، الفتوحات. الأولى والثانية حدثتا فى عهد محمد ، أما الثالثة فقد تمت فى عهود الخلفاء الراشدين. لقد بلغت السرايا 47 سرية ، أما الغزوات فعددها 28 غزوة. فعندما استقر فى المدينة ، كان يرسل سرايا لتتعرض للقوافل التى تسير من قريش ومكه إلى الشام أو التى تعود من الشام إلى الحجاز.

        ذكر الأستاذ/ عبدالرحمن عنبر فى كتابه عيسى ومحمد ص 27 أن القافلة الواحدة كانت تحوى من 2000 إلى 3000 جمل محملة ذهابا وعودة ، وكانت تضم من 200 إلى 300 حارس.

        وذكر مؤلف كتاب مكة أم القرى الأستاذ/ عبدالغنى عبدالرحمن محمد فى كتابه ص 46 أن الغزوات أسماؤها كالتالى: غزوة بدر الكبرى ، غزوة أحد ، غزوة الأحزات (الخندق) ، ومحاربة بنو قنيقاع وبنو النضير وبنو قريظة ، وحملة خيبر ، غزوة مؤته ، فتح مكة ، غزوة حنين وأخيرا غزوة تبوك.

        فماذا يكون حاصل جمع وضرب هذا العدد فى 47 سرية مع تثمين كل هذه الغنائم؟. والأستاذ/ سعيد حوى فى كتابه "الرسول" فى ص 14 وصف الرسول محمد بصفات كثيرة قال فيها: كان الرسول ليس بالذاهب طولا وفوق الربعة إذا جاء مع القوم غمرهم أبيض ضخم الهامة (أى الرأس) أغر أبلج أهدب الأشفار (أى طويل شعر العين أسوده) كأن العرق فى وجهه كاللؤلؤ لم أر قبله ولا بعده مثله.

        ومن وصف هند بن أبى هالة له: كان رسول الله فخما مفخما يتلألأ وجهه تلؤلؤ القمر ليلة البدر..عظيم الهامة رجل الشعر.. أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ فى غير قرن بينهما عرق بدره الغضب (الحاجب الأزج المقوس الطويل الوافر الشعر) أقنى العرنين (العرنين الأنف أو ما صلب منه والقنأ طول الأنف ودقة أرنبته وأحدداب وسطه) له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم (الأشم الطويل قصبة الأنف) كث اللحية أدعج (الدعج شدة سواد العين) سهل الخدين ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان (أى لأسنانه رونق وغير متراكبة) دقيق المسرية (أى خفيف أشعر ما فوق السرة) كأن عنقة جيد دمية فى صفاء ، معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين.. أنور المتجرد طويل الزندين رحب الراحة. شئن الكفين والقدمين سابل الأطراف (أى طويل الأصابع) خمصان الأخمصين.. ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء..

        أما الإمام الثعليبى فى كتابه عرائس المجالس ص 395 فقد وصف عيسى بهذه الصفات: قال كعب الأحبار: كان عيسى بن مريم رجلا أحمر مائلا إلى البياض ما هو سبط الرأس ولم يدهن رأسه قط وكان عيسى يمشى حافيا ولم يتخذ بيتا ولا حلية ولا متاعا ولا ثيابا ولا رزقا إلا قوت يومه وكان حيثما غابت الشمس صف قدميه وصلى حتى يصبح وكان يبرئ الأكمة والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله وكان يخبر قومه بما يأكلون فى بيوتهم وما يدخرون لغد وكان يمشى على وجه الماء فى البحر وكان أشعث الرأس صغير الوجه زاهدا فى الدنيا راغبا فى الآخرة حريصا على عبادة الله وكان سياحا فى الأرض حتى طلبته اليهود وأرادوا قتله فرفعه الله إلى السماء والله أعلم.

        وكلمة جبار شقيا ماذا تعنى: الجبار هو من كانت يده على كل أحد. والشقى من كانت يد كل أحد عليه. فالمسيح لم تكن يده على أحد ولم تتسلط يد أحد عليه.

و‌-     والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا:  

        فيحيى  بن زكريا قيلت عنه الآية: (مريم19: 14) (سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) أما السيد المسيح فهو قائلها وليس قابلها. فليحيى بن زكريا قيلت عنه وللمسيح بين مريم قيلت منه. وهذا النص منفرد به المسيح فى القرآن فهو قد ولد ومات ثم بعث حيا قبل أن يرفع نحو السماء إلى الله أبيه وسيد الكل. وحتى لو تضمن النص بعث المسيح يوم القيامة فهذا يدل على السلام الذى يحيط بالمسيح من كل ناحية من يوم ولد حتى بعدما يموت وإلى أن يقوم فالمسيح قد انفرد بهذه المقولة القرآنية ولم تطلق على آخر غيره ولم يطلقها أحد غيره. أن يحيى بن زكريا الذى قيلت عنه تختلف فى معناها عن تلك قالها المسيح عن نفسه. (وسلام عليه ، وسلام على) (يوم ولد ، يوم ولدت) (يوم يبعث حيا ، يوم أبعث حيا) فمن يملك أن ينطق بهذا إن لم يكن هو السلام والسلام أحد اسماء الله الحسنى الـ 99 ويذكر القرآن عن محمد (أن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (الأحزات 56) وهنا نرى أن القرآن يفرض على جميع المسلمين فى كل العصور أن يصلوا عليه ويسلموا تسليما.

        أما المسيح فيشهد حسب القرآن: السلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا). فإبن مريم هو رئيس السلام الذى عاش من بداية حياته إلى نهايتها فى سلام مع الله وفى رضاه.

        وقد تمت ودلاته من مريم العذراء حسب إرادة الله وقدرته بدون خطية. فعم السلام لأجل تجسد كلمة الله حتى انفتحت السماوات وأنشدت الملائكة مرنمة: "المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لوقا2: 41).

        مات المسيح موتا حقيقيا إنما لم يمت بسبب خطاياه بل بسبب خطايانا نحن الخطاة فأختبر المسيح حتى فى موته السلام مع الله جميع الناس يموتون بسبب خطاياهم الشنيعة "لأن أجرة الخطية هى موت) (رومية6: 32). أما الله فسر بالمسيح لأنه صالح القدوس مع البشر بموته النيابى عنهم فتستقر مسرة الله على أبن مريم.

        يروى أبن هشام فى كتابه عن سيرة النبى أن محمدا مات بعد حمى شديدة وقال إن سم اليهود كسر قلبه لقد دست إمراة يهودية السم فى طعامه فمات الضيف عند محمد ولكنه لاحظ السم وبصق الطعام قبل بلعه. إنما دخل قليل من السم فى جوفه وأدى إلى وفاته فمات محمد موتا غصبا عنه على صدر زوجته عائشة فى المدينة المنورة.

        لم يمت المسيح حسب القرآن نتيجة لمرض أو حيلة من أعدائه إنما الله تدخل فى هذا الأمر حسب سورة آل عمران 3: 55 وقال القدير للمسيح شخصيا: إنى متفيك ورافعك إلى (مع العلم أن هذه الحادثة غير معلنة فى الإنجيل) فنستنتج من هذه الآية أن المسيح لم يمت موتا عاديا بل توفى حسب خطة الله ولطفه فى السلام.

        لا ينكر القرآن موت المسيح التاريخى خاصة إن قرآنا نبوة المسيح عن نفسه فى سورة مريم19: 33 حيث يقول: "السلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا". المسيح ولد ومات وقام من قبره حسب القرآن كما أخبرنا الإنجيل مسبقا. وكل من يؤمن بهذه الحقيقة التاريخية يحيا مع الحى المقام من بين الأموات.

        ويلاحظ أن السيد المسيح سوف لا يموت بعد رجوعه على الأرض لأنه لم يقل "سوف أموت" فى المستقبل البعيد بل قال "أموت" فى المستقبل القريب الحاضر. فالقرآن يعترف بولادة المسيح وموته وقيامته متتابعا كما يشهد جميع المسيحيين متأكدين من تاريخية موت أبن مريم.

        مات المسيح بإرادته فى سلام تام. ونقرأ فى الإنجيل أن المسيح عرف كيفية موته مسبقا وعين اليوم والساعة لوفاته. فمات طوعا لا غصبا حسب إرادة الله. يموت الجميع لأجل خطاياهم ، إلا المسيح الذى لم يخطئ قط. فيوجد لموته فى سلام الله معنى خاص ، لأنه رفع فى محبته كحمل الله خطية العالم.

        دفن محمد فى المدينة المنورة وقبره معروف حتى الأن. ويزوره ملايين من الحجاج سنويا مؤمنين أن عظام محمد لا تزال فى قبره وأن نفسه دخلت البرزخ وهو ينتظر يوم الدين العظيم.

        أما المسيح فرفعه الله إليه: "إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلى" (آل عمران3: 55) "بل رفعه الله إليه" (النساء4: 158). فالله أخرج أبن مريم من قبره ، وأصعده إلى نفسه ، وهو من المقربين وجيها فى الدنيا والآخرة". "إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه أسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين" (آل عمران3: 39).

        لقد وجد قبر المسيح فارغا لأنه قام حقا كما أعلن مسبقا وأما عظام محمد فلا تزال فى قبره المسيح حى وأما محمد فميت لم يقم بعد من الأموات ولم يصعد إلى جنة عدن حتى الأن. ما أعظم الفرق بين الموت والحياة.

        إن قيامة المسيح من بين الأموات هى أعظم برهان على براءته وقداسته ولو ارتكب المسيح خطية واحدة فى حياته لوجد الموت فيه حقا وقبضه مثل محمد. لكنه لم يرتكب خطية ولا شبه خطية ، ولأجل ذلك غلب الموت ، وترك قبره ظافرا ، فالمسيح حى ، لذلك يشهد جميع المسلمين عند ذكر أسم المسيح "السلام عليه" شاهدين بأنه يحيا فى السلام.

        لقد أختبر محمد اضطهادات مرة ، وقام بالجهاد والحروب مرارا وأمر بقتل أعدائه والمشركين والمرتدين. "اقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل لا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فأقتلوهم كذلك جزاء الكافرين" (البقرة2: 191). "فلا تتخذوا منهم أوليا حتى يهاجروا فى سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم" (النساء4: 89). "فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم. وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" (الأنفال8: 17). "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" (الأنفال8: 39). "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم وأقعدوما لهم كل مرصد" (التوبة9: 5).

        فلم يأت محمد بسلام بدون جهاد بل أمر بغزوات وأشترك بسفك الدماء لأجل السلام ، فكان أمير المؤمنيين والقائد السياسى المحنك فى الجزيرة العربية.

        لقد اضطهد اليهود المسيح بالعنف أيضا إنما لم يدافع عن نفسه بالسيف ومنع اتباعه من سفك الدماء قائلا: "من يأخذ بالسيف فبالسيف يؤخذ" (متى26: 52) فكل مسيحى يقاتل لأجل نصر المسيحية بالسلاح سافكا دم الأعداء يدخل جهنم لأنه يعصى ويخالف أمر سيده رئيس السلام أما المسلم الذى مات فى الجهاد فيرجو انتقاله إلى الجنة مبررا. فيظهر جليا أن المسيح وحده أسس سلاما حقيقيا دون قتال وحرب. بينما فرض محمد الجهاد والقتال مرارا على المسلمين أما المسيح ففضل أن يسفك دمه الثمين عوضا عن دم أعدائه ، لكى لا يقتلهم. وصلى لأجل قاتليه: "أغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون" (لوقا23: 34).

و‌-   فيه يمترون:

        جاء فى سورة مريم قول القرآن: "ذلك عيسى أبن مريم قول الحق الذى فيه يمترون" وكلمة يمترون أى يختلفون. يؤمن المسيحيون بالرب يسوع أنه الإله المتجسد ، الذى قبل أن يتحد بطبيعتنا الإنسانية حتى يموت نائبا عن الجنس البشرى فيتم الفداء بكفارته اللا محدودة وبهذا يرفع عقوبة الموت عن كل من يقبله كفادى للبشرية. فالسيد المسيح ليس إنسانا عاديا ، بل هو الله نفسه ، وقد صار له كيان جسدى ولكن دون أن يحده مكان ما ، فقد كان على الأرض فى نفس الوقت الذى كان فيه فى السماء. "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء أبن الإنسان الذى هو فى السماء"(يو3: 13). لقد صار منظورا فى الزمان ولكن دون أن يحده زمان. "وها أنا معكم كل الأيام وإلى أنقضاء الدهر آمين" (مت28: 20)ز "لم يزل إلها أتى وصار أبن بشر" (تذاكية يوم الخميس).

        وإن كان السيد المسيح قد اتخذ صورة الإنسان ، وصار فى شبها لناس فى ملء الزمان فلا يجب أن ننسى إطلاقا أنه الأزلى الأبدى السرمدى الضابط الكل. وهنا يجب أن ننتبه إلى حقيقتين هامتين:

1-   أنه لاصحة إطلاقا لما يردده بعض المؤلفين الغير مسيحيين على اختلاف فى شخص المسيح. فالواقع أنه ليس هناك أدنى اختلاف بين الطوائف المسيحية فى الإيمان بلاهوت السيد المسيح فالكل يؤمنون بأنه الإله الظاهر فى الجسدز حقيقة إنه كان هناك اختلاف لا ينكر بين الطوائف المسيحية فى طريقة التعبير عن الأتحاد القائم بين لاهوت السيد المسيح وبين ناسوته.. ولكن هذا الاختلاف لا يمس من بعيد أو قريب وحدة إيمانهم بلاهوت السيد المسيح وبناسوته وإيمانهم المتفق بالمسيح إنه الإله المتأنس. وقد حسم هذا الأختلاف بعدى خمسة عشر قرنا فى هذه السنوات القريبة. فالخلاف محصور فقط فى طريقة التعبير عن اتحاد اللاهوت والناسوت وهذا لا يمس اطلاقا إيمانهم بأزلية المسيح أو أبديته أو...الخ.

2-   إنه لاصحة إطلاقا لما يردده بعض المؤلفين الغير المسيحيين من أن عقيدتنا فى لاهوت السيد المسيح قد تطورت وأن إيماننا بلاهوت السيد المسيح ليس هو الإيمان الذى كان موجودا فى عصر المسيحية الأول.. وأن عقيدة الثالوث هى من نتاج مجمع نيقية فى القرن الرابع. فالحقيقة الدامغة إن إيماننا هو بعينة الإيمان الرسولى الذى دافع عنه الأباء الرسل.. هناك آيات كثيرة جدا فى العهد الجديد تؤكد أن إيمانا بلاهوت السيد المسيح عقيدة كتابية بكل يقين ، إلى جانهب أن كتابات آباء الكنيسة فى القرون المسيحية الأولى السابقة لمجمع نيقية تؤكد إيمان المسيحيين الأوائل.

 

عودة الى الفهرس