المرحلة
الثانية :
هي
مرحلة الأذن في القتال لدفع آذى المعتدين .
]أذن
للذين يُقاتَلُون بأنهم ظلموا وإن الله على
نصرهم لقدير[
الحج 39.
وهـي
أول آية نزلت في القتال كمـا قال ابن عباس. أذن
لهم في القتال ولم يفرضه عليهم.
والمرحلة
الثالثة:
هي
مرحلة قتال المشركين كافة .
في
هذه المرحلة اصبح القتال فريضة إلهية كتبة
على المسلمين .
فكما
(
كتب عليكم الصيام) بقرة 183.
كذا أيضا .
(كتب عليكم القتال) بقرة 216. وهذه
المرحلة ناسخة لما قبلها من المراحل ، وهي
التي استقر عندها حكم الجهاد ، ومات عليها نبي
الإسلام.
لم
تكن مرحلة الجهاد الدعوي في مكة ناتجة عن
مسالمة ورحمة الإسلام. بل كانت ناتجة عن ضعف
حالة المسلمين في بداية الدعوة في مكة .
يقول
شيخ الإسلام ابن تيمية :( فكان النبي في أول
الأمر مأموراً أن يجاهد الكفار بلسانه لا
بيده …
وكان مأموراً بالكف عن قتالهم لعجزه ، وعجز
المسلمين عن ذلك ثم لما هاجر إلى المدينة وصار
له بها أعوان أُذن له في الجهاد ، ثم لما قووا
كتب عليهم القتال ، ولم يكتب عليهم قتال من
سالمهم لأنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع
الكفار ، فلما فتح الله مكـة وانقطع قتال قريش
ملوك العرب ووفدت إليه وفود العرب بالإسـلام
أمره الله تعالى بقتال الكفار كلهم إلا من كان
له عهد مؤقت وأمره بنبذ العهود المطلقة)
الجواب الصحيح لم بد دين المسيح لابن تيمية
1/74.
وقال
ابن القيم : ( فلما استقر رسـول الله
بالمدينة وأيده الله بنصره وبعباده
المؤمنين وألف بين قلوبهم …
رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة ، وشمروا
لهم عن سـاق العداوة والمحاربة وصاحوا بهم من
كل جانب ، والله يأمرهم بالصبر والعفو والصفح
حتى قويت الشوكة واشتد الجناح فأذن لهم حينئذ
في القتال .... زاد المعاد 2/58.
وقال
ابن كثير : (
كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة
مأمورين بالصلاة والزكاة وإن لم تكن ذات
النُصب ، وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء
منهم ، وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن
المشركين والصبر إلى حين ، وكانوا يتحرقون
ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم
ولم يكن الحال إذ ذاك مناسباً لأسباب كثيرة ؛
منها قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم ،
ومنها كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام
وأشرف بقاع الأرض فلم يكن الأمر بالقتال فيه
ابتداء كما يقال ، فلهذا لم يؤمر بالجهـاد إلا
بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار …
) تفسير اقران العظيم لابن كثير 1/526 .
وقال
أيضاً : ((
وإنما شرع تعالى الجهاد في الوقت الأليق به
لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر
عدداً ، فلو أُمر المسلمون وهم أقل من العشر
بنصره وصارت لهم دار إسلام ومعقلاً يلجؤون
إليه شرع الله جهاد الأعداء ) المصدر السابق
3/226 .
وبهذا
قال الإمام الشافعي في كتاب أحكام القرآن
الذي جمعه البيهقي من أقواله فقد جاء فيه : ((
قال الشافعي : ولما مضت لرسول الله
فترة من هجرته أنعم الله فيها على جماعات
باتباعه حدثت لهم بها مع عون الله عز وجل قوة
بالعدد لم يكن قبلها ففرض الله عز وجل عليهم
الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضاً فقال تبارك: ]
كتب عليكم القتال…[
احكام القران 2/18.
ان
محاولة المسلمين تقسيم الجهاد إلى اصغر وهو
الجهاد القتالي ، واكبر وهو جهاد النفس .
وبالتالي إظهار
الدعوة اللسانية أهم أنواع الجهاد . هو افتراء
وهراء واستخفاف
بعقول الآخرين .
الجهاد
القتالي(القتال) هو أهم أنواع الجهاد في
الإسلام ، ويدل على ذلك نصوص كثيرة منها :
]
لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير
أُولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله
بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين
بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً
وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على
القاعدين أجراً عظيماً [
(النساء :95) .
فهؤلاء
القاعدون الذين فُضِل عليهم المجاهـدون قد
يكونون قائمين بأمر جهاد الدعوة وجهـاد النفس
؛ لأن الله وعدهم الحسنى ومع ذلك فضل عليهم
المجاهدون بالنفس والمال فدل ذلك على أفضلية
الجهاد القتالي على ما عداه من أنواع الجهاد .
ومن
النصوص يضا : قول النبي : (رأس الأمر الإسلام
وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد... ) اخرجه
الترمذي 2616 وابن ماجة 3973 واخرجه الحاكم 2/7.
ومنها
قول النبي
: ( من
رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع
فبلسانه
فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) اخرجه
مسلم 49 . وابو داود 1140 . والترمذي 2172 وابن ماجة
4340 والنسائي 4013 و1275. واحمد3/54 .
وقد
بين الحديث السابق درجات التغيير ، وأعلاها
التغيير باليد الذي يشمل القتال ، ولا شك أن
قوله : (فإن لم يستطع ) يدل على أن كل مرتبة
تحتاج إلى جهد ومشقة
أكبر من التي تليها ، وإنما يكون الأجر على
قدر المشقة ، فمن لم يكن قادراً عليه فإنه
ينتقل إلى ما هو أدنى منه حتى ينتهي إلى أضعف
الإيمان وهو التغيير بالقلب فدل ذلك على أن
أقوى الإيمان التغيير باليد وأوسطه التغيير
باللسان وأضعفه التغيير بالقلب .
كانت
مرحلة الاقتصار على الجهاد الدعوي في العصر
المكي ناتجة عن حالة ضعف المسلمين. ولهذا كان
يصفح ويعفو . ( وهل بيد الضعيف الا الصفح
والعفو ) ؟!.
لقد
كان النبي مأموراً طيلة العصر المكي بالعفو
والصفح وكف اليد عن المشركين ،كما قال في
القران : ]
فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره [
(البقرة : 106) ،
وقال:
]
قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام
الله.. [
الجاثية 14.
وعن
ابن عباس : (أن عبد الرحمن بن عـوف وأصحـاباً
له أتوا النبي بمكة فقالوا : يا رسول الله إنا
كنا في عز ونحن مشـركون ، فلما آمنا صرنا أذلة
فقال : إني أمرت بالعـفو فلا تقاتلوا …
) اخرجه النسائي 3/6 والحاكم 2/307.
يقول
الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية : ((
كان المسلمون في ابتداء الإسلام وهم بمكة
مأمورين بالصلاة والزكاة وإن لم تكن ذات
النصب وكانـوا مأمورين بمواسـاة الفقراء
منهم، وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن
المشركين إلى حين.. ) تفسير القران العظي لابن
كثير 4/150 .
قال
الإمام ابن جرير الطبري في تفسير قوله :
]
فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره[
(البقرة:109) : (( فنسخ الله جل ثناؤه العفو عنهم
والصفح بفرض قتالهم حتى تكون كلمتهم وكلمة
المؤمنين واحدة أو يؤدوا الجزية عن يد صغاراً
)) . ثم نقل الطبري القول بالنسخ عن ابن عباس
وقتادة والربيع بن أنس تفسير الطبري 2/503-504
وكذا
نقل الحافظ ابن كثير في تفسير قوله : ]فاعفوا
واصفحوا حتى يأتي الله بأمره [.
( البقرة : 109) ، نقل القول بالنسخ عن ابن عباس
ثم قال :(( وكذا قال أبو العالية والربيع بن أنس
وقتادة والسدي :إنها منسوخة بآية السيف،ويرشد
إلى ذلك أيضاً قوله تعالى: ]حتى
يأتي الله بأمره [
...)) تفسير القران العظيم 1/154 .
وقال
ابن عطية في تفسيره لآية السيف : (( وهذه الآية
نسخت كل موادعة في القرآن أو ما جرى مجرى ذلك
،وهي على ما ذكر مائة آية وأربع عشرة آية ))
تفسير ابن عطية 6/412 .
وقال
القرطبي في تفسير قوله تعالى : ]
فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره [
(البقرة :109 ) . هذه الآية منسوخة بقوله : ]قاتلوا
الذين لا يؤمنون [
،إلى قوله ]صاغرون
[
،عن ابن عباس وقيل : الناسخ لها: ]فاقتلوا
المشركين[
الجامع لاحكام القران 2/71 .
وقال
في تفسير قوله : ]
يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ
عليهم[
(التوبة :73 ) : وهذه الآية نسخت كل شيء من العفو
والصفح . الجامع لاحكام القران 8/20.
وقال
ابن حزم :( ونُسخ المنع من القتال بإيجابه)
ألاحكام في أصول الأحكام4/82.
وقال
شيخ الإسلام ابن تيمية : (( …
فأمره لهم بالقتال ناسخ لأمره لهم بكف أيديهم
عنهم ) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/66 .
وقال
السيوطي : قوله تعالى :
]
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [
: هذه آية السيف الناسخة لآيات العفو والصفح
والإعراض والمسالمة ،واستدل بعمومها الجمهور
على قتال الترك والحبشة )) الاكليل في استنباط
التنزيل 138
وقال
أيضاً :( كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار
والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخ بآية
السيف) التحبير في علم التفسير ص 432.
وقد
نقل الإجماع على القول بالنسخ غير واحد من أهل
العلم :
فقد
قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى :
]
قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام
الله [
. (الجاثية: 14) : (( وهذه الآية منسوخة بأمر الله
بقتال المشركين ،وإنما قلنا هي منسوخة لإجماع
أهل التأويل على أن ذلك كذلك )) تفسير الطبري25/144.
وقال
الجصاص في قوله :
]
فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم
السلم
فما جعلنا لكم عليهم سبيلاً [
( النساء:90) : ولا
نعلم أحداً من الفقهاء يحظر قتال من اعتزل
قتالنا من المشركين،وإنما الخلاف في جواز ترك
قتالهم لا في حظره فقد حصل الاتفاق من الجميع
على نسخ حظر القتال لمن كان وصفه ما ذكرنا)
احكام القران 2/222,
وقال
الشوكاني :( أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر
وحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل
فهو معلوم من الضرورة الدينية ... وما ورد في
موادعتهم أو في تركهم إذا تركوا المقاتلة
فذلك منسوخ باتفاق المسلمين بما ورد من إيجاب
المقاتلة لهم على كل حال مع ظهور القدرة عليهم
والتمكن من حربهم وقصدهم إلى ديارهم )
السيل الجرار 4/518-519.
ونقل
الإجماع أيضاً صديق حسن خان بنفس ألفاظ
الشوكاني دون أن ينسب القول إليه) الروضة
الندية 2/333.
فقد
أقر الزركشي في برهانه بأن آية السيف ناسخة
لآيات الصفح والعفو، وزاد على ذلك أن جعل آية
السيف منسوخة بآية سيف أهل الكتاب . احكام
القران لابن العربي 1/110. والبرهان للزركشي
2/3.
قال
النيسابوري في كتابه : ( الناسخ والمنسوخ) في
قوله :{ فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ
الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ
وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ
مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا
الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا
سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَِحيمٌ
} توبة 5.
هي
الآية الناسخة ،
نسخت من القران مائة آية وأربعا وعشرين آية .
راجع المصدر السابق 284.
قال
الحافظ بن كثير في
تفسيره لآية التوبة 5: قال الضحاك بن مزاحم :
إنها نسخت كل عهد بين النبي ، بين أحد
المشركين وكل عقد ومدة.
وقال
ابن عباس في هذه الآية: لم يبق لاحد المشركين
عهد ولا ذمة منذ ان نزلت (براءة) = اي سورة
التوبة ؟
وقال
الكلبي صاحب تفسير ( التسهيل في علوم التنزيل)
ونقدم
هنا ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم
والأعراض والصبر على
آذاهم بالأمر بقتالهم ليغني ذلك عن تكراره في
مواضعه، فانه وقع منه في القران مائة وأربع
عشرة آية من أربع
وخمسين سورة، نسخ ذلك كله بقوله: (فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم ).
وقال
ابن حزم في كتابه الناسخ والمنسوخ: في القران
مائة وأربع عشرة آية في ثمان وأربعين سورة .
نسخت الكل بقوله: اقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم .
وقال
الامام ابو القاسم بن سلامة : (اقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم) الآية الثالثة وهي
ناسخة ،ولكن نسخت من القران مائة وأربع عشرين
آية ثم صار آخرها ناسخ لأولها، وهي قوله ( فان
تابوا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا
سبيلهم). راجع الناسخ والمنسوخ للنحاس
والنيسابوري في شرحهم لآية التوبة 5.
قال
أبو جعفر الرازي وهذه
الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها
الضحاك بن مزاحم أنها نسخت كل عهد بين النبي
وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة .
وقال
العوفي عن ابن عباس في هذه الآية: لم يبق لأحد
من المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة
وانسلاخ الأشهر الحرم ومدة من كان له عهد من
المشركين قبل أن تنزل براءة أربعة أشهر من يوم
أذن ببراءة إلى عشر من أول شهر ربيع الآخر
وقال
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية قال:
أمره الله تعالى أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم
يدخلوا في الإسلام . راجع تفسير القرطبي وابن
كثير في شرحهم لاية سورة التوبة 5.
وقد
لخص الإمام ابن القيم تلك المراحل في قوله : ((
وكان محرماً ثم مأذوناً به ثم مأموراً به لمن
بدأهم بالقتال ثم مأموراً به لجميع المشركين
...)) زاد المعاد 2/58.
قال
النيسابوري في كتابه (الناسخ والمنسوخ) في
شرحه لاية السف ، التوبة 5: هي الآية الناسخة
، نسخت من القران مائة آية وأربعا وعشرين
آية . راجع المصدر السابق 284.