الأدلة على هذا التقسيم.
ذهب
بعض المعاصرين ــ مثل د. وهبة الزحيلي في
كتابه (آثار الحرب في الفقه الإسلامي) ــ إلى
أن تقسيم العالم إلى دارين لا أساس له من
الكتاب والسنة وإنما هو اجتهاد من الفقهاء
بعد عصر النبوة وعصر الصحابة.
ويجب
أن يكون معلومــاً أن هذا التقسيـم مجمع عليه
بين علماء الأمة من السلف والخلف. وأن الإجماع
لابد أن يستند إلى دليل من الكتاب
أوالسنة كما قال ابن تيمية، انظر (مجموع
الفتاوى) 7/ 39، ونحن نذكر هنا بعض الأدلة على
هذا التقسيم:
1
ــ فمن القران قوله :(وقال الذين كفـروا
لرسلهـم لنخرجنكـم من أرضـنا أو لتعودن في
ملتنا) إبراهيم 13،
وقوله
(قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك
ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو
لتعودن في ملتنا) الأعراف 88.
فالإضافة
في كلمتي (أرضنا) و (قريتنا) ــ وهى إضافة الأرض
والقرية إلى ضمير المتكلمين (نا) ــ هى إضافة
تملك، فأرضنا وقريتنا تعني أرض الكافرين
وقرية الكافرين التي يملكها الكفـار
ويتحكمـون فيها بالأمر والنهي والسلطان
ولهذا هدّدوا رسلهم، وهذه هى صفة
دار الكفر.
وقوله
(يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات
مهاجرات فامتحنوهن، الله أعلم بإيمانهن، فإن
علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار)
الممتحنة 10،
وقوله
(والذين آمنـوا ولم يهاجـروا مالكم من
ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) الأنفال 72،
فهذه
النصوص الخاصة بالهجرة تدل دلالة واضحة على
الدارين دار الإسلام ودار الكفر إذ الهجرة
إذا أطلقت في نصوص الشرع تعني الانتقال من دار
الكفر إلى دار الإسلام.
ومن
النصــوص في هــذا أيضــا قولــه (سأوريكــم
دار الفاسقـين) الأعراف 145.
ومن السنــة:
الأحــاديث
الــواردة في وجوب الهجرة وهى تدل على تقسيم
العالم إلى دارين، ومنها الأحاديث المذكورة
في المسألة الأولى ومنها أيضا قوله(كلُ
مسلمٍ على مسلم ٍ محرم،
أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من
مُشرك ٍ بعدما أسلم عملاً أو يفارق المشركين
إلى المسلمين) رواه النسائي بإسناد حسن عن بهز
بن حكيم عن أبيه عن جده.
وبالإضافة
إلى أحاديث وجوب الهجرة، فمن النصوص الدالة
على هذا التقسيم: عن ابن عمر (أن رسـول الله
نهــى أن يُسافــر بالقــرآن إلى أرض العـدو)
متفق عليه.
ومنها
حديث ابن عباس الطــويل في الرجم وفيه أن عبد
الرحمن بن عوف قال لعمر بن الخطاب بمنى (فأمهل
حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة)
الحديث رواه البخاري (6830).
ومنها
ما رواه النســائي بإســناد صحيــح عن ابن
عباس قال (إن رسـول الله وأبا بكر وعمر كانوا
من المهاجرين لأنهم هجروا المشركين وكان من
الأنصار مهاجرون، لأن المدينة كانت دار شرك،
فجاؤا إلى رسول الله ليلة العقبة).أهـ.
قال
ابن منظور (والدارة: لغة في الدار) (لسان العرب)
4/ 298، ط دار صادر.
وبلدة
الكفر هى دار الكفر كما قال ابن حجر في شرحه (وفيه
فضل الهجرة من دار الكفر) (فتح الباري) 1/ 535.
فهــذه
النصــوص تدل على أن تقسيــم العــالم إلى
دارين دار الإســلام ودار الكفــر ثابت
بالكتاب والسنة ومنقول عن الصحابة. وأن
الهجرة واجبة من الثانية إلى الأولى.
بل
قد وردت المصطلحات الخاصة بهذه الديار في
الكتاب والسنة ــ في النصوص السابقة ــ
بألفاظ مختلفة مثل: دار الفاسقين ــ أرض العدو
ــ دار الهجرة والسنة ــ دار شرك ــ دارة
الكفر ــ بلدة الكفر. وهذا كله في الرد على من
زعم إن تقسيم العالم إلى دارين أمر أحدثه
الفقهاء باجتهادهم.