الباب الأول: جمع القرآن في العهد النبوي
الباب الثاني: جمع القرآن في عهد أبي بكر
الباب الثالث: جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان
الباب الرابع: جمع القرآن والأحرف السبعة
الــمـقــدمـــة
وقد اشتملت المقدمة على الموضوعات الآتية:
الحمد لله الذي أنزل الكتاب ولم يجعل له عوجًا، وجعله سراجًا منيرًا للسالكين سبيله، ويسر لنقله إلينا من اختاره ووفقه من أئمة الهدى، فوصل إلينا غضًّا كما أنزل، لم تصل إليه يد التبديل والتحريف، ولم تطمح إلى النيل منه أطماع الجاحدين والمعاندين، فكان ذلك مصداقًا لقوله -جلَّ ذِكره- في كتابه الحكيم: } إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{.(1)
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه الله في الأمة الأمية، فعلمها ونصحها، فقامت بحفظ كتاب ربِّها، ونقلته إلينا كما أنزل، على أدق أوجه التحري والإتقان.
أما بعد، فلا يخفى ما للقرآن العظيم من مكانة عند المسلمين، فهو كتاب ربهم وشرعه ودستوره الذي ارتضاه للناس إلى يوم الدين، وهو معجزة نبيهم التي تحدى بِها العرب والعجم.
وقد لقي القرآن من المسلمين على مر العصور أبلغ العناية، وحظي بأقصى درجات الحرص والحيطة، فكان أهل كل عصر يجتهدون في المحافظة عليه بشتى الوسائل التي تتاح لهم، فلم يخل عصر من العصور، ولم يخل مصر من الأمصار، من حامل للقرآن، يقوم به آناء الليل وأطراف النهار، كما لم يخل من مصحف شريف، سطرت فيه آيات القرآن، وحفظت من التحريف.
ففي زمن النبي r ، اجتهد صلوات الله وسلامه عليه في حفظ القرآن الكريم، حتى كان يعجل بحفظ القرآن حال نزوله عليه، إلى أن طمأنه الله بأن تحفيظه مضمون عليه ، فقال: } إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ{ .(2) كما حفظ القرآن خلائق لا يحصون من أصحابه r.
وفي ذلك العصر دوِّن القرآن الكريم بين يدي النبي r، فكان ذلك التدوين درعًا لكتاب الله وحافظًا له من الضياع والتحريف.
ثم انتقل النبي r إلى الرفيق الأعلى، وخرج حفاظ القرآن إلى المواطن يجاهدون في سبيل الله، فاستحر فيهم القتل، ففزع أصحاب رسول الله r، فأشار الفاروق عمر على أبي بكر - رضي الله عنهما، بأن يجمع القرآن خوفًا عليه من الضياع، فكان ما أراد، وحفظ الله كتابه فصدَّق ما وعد به من التكفل بحفظه.
وفي زمن عثمان رضي الله عنه، كادت فتنةٌ عظيمةٌ تقع بين المسلمين في الأمصار بسبب الاختلاف في حروف القرآءات، فقام الإمام ومن معه من الأصحاب، فنسخوا المصاحف، وأرسلوها إلى الأمصار، وأرسلوا معها معلمين، يقرئون الناس بِها، فصارت هذه المصاحف مراجع لأهل تلك البلدان، واستقامت قراءاتِهم على قراءة من أرسل إليهم من القراء.
واستمرت محافظة المسلمين على القرآن، واجتهادهم في ضبط وكتابة الكتاب المبين، بِما حفظه -بإذن الله- من التبديل والتحريف، فلم يعدم أهل كل عصر أن يجدوا ما يبذلونه في سبيل حفظ كتاب الله، حتى صار المسلمون على مرِّ الزمان مشاركين جمعيًا في المحافظة على القرآن الكريم.
حتى في عصرنا الحاضر، مع ما منَّ الله به علينا من النعم العظيمة، وأظهر على أيدي بني آدم من الابتكارات النافعة المفيدة، وجه الله بصيرة بعض المعاصرين إلى ضرورة الاستفادة من الوسائل الحديثة في حفظ القرآن الكريم، فكان مشروع العصر، متمثلاً في الجمع الصوتي للقرآن الكريم، فكان غيثًا، في عصر أجدبت فيه الألسن، فما عادت تنطق بالفصيح، وكان ذلك العمل حفظًا لكتاب الله، بحفظ تلاوات الأئمة من القراء المجودين.
وقد كان يدور بفكري وأنا طفل صغير خاطرة كانت توقفني كثيرًا، فقد كنت أفكر في نفسي وأقول: هل يعقل أن القرآن نقل إلينا عبر أربعة عشر قرنًا من الزمان، ولم يتبدل من ألفاظه شيء؟؟ وهل هذا النطق الذي ينطقه القراء هو نفس النطق الذي نطق به النبي r وأصحابه؟؟
ثم أنعم الله علي بحفظ كتابه، وكان هذا فضلاً منه تعالى وكرمًا، أن تحمل كلام العزيز الحكيم نفس هذا المقصر المفرِّط، ثم بالغ الله عز وجل في إنعامه وإكرامه، فمنَّ علي بالتخصص في المرحلة الجامعية الأولى في دراسة القرآن الكريم، وفيما يتعلق به من التفسير وعلوم القرآن، والقراءات، وما يتعلق بِها من رسم المصاحف وضبطها، فكان هذا اختيارًا منه تعالى لي، بعد أن كنت متوجهًا إلى المدينة النبوية لدراسة الحديث الشريف وعلومه، ولكن ساقني سبحانه سوقًا إلى هذا التخصص، فأحمده -جلت قدرته- على ما أنعم علي به من حسن الاختيار.
وفي تلك الفترة من دراستي اختلفت إلى دروس القراءات، فرأيت ما لا ينقضي منه العجب من عناية ناقلي القرآن بنقله، كتابة ونطقًا، تجويدًا وتحريرًا، حتى في أدق الهيئات، من إشارة بشفة، أو همسٍ بجزءٍ من حركة.
فرأيت عن كثبٍ جواب ما كان يدور بِخاطري من الوساوس، وأن القوم قد اعتنوا بالكتاب، وقاموا بِما أمروا به من حفظه ونقله إلى الأجيال من المسلمين بعدهم.
ورأيت في دراسة القراءات ورسم المصاحف عمق الرابطة بين نقل القرآن، وبين الرسم العثماني، فمن درس هذين العِلْمين رأى عيانًا أن القراءات المتواترة هي ترجمة دقيقة منطوقة لذلك الرسم، مما يوضح الجهد العظيم، والقدر الرفيع للمصاحف العثمانية، التي أجمع عليها أصحاب النبي r.
وقد خفي على كثير من المسلمين في العصور المتأخرة، كثيرٌ من أوجه عناية المسلمين الأوائل بنقل القرآن، حتى صار البعض يشكك في تواتر بعض أوجه القراءة، من الهيئات وينكر وجوب أخذ القرآن مجودًا كما نزل، فدعاني هذا وغيره من الأسباب التي سأوضحها بعد إلى اتخاذ جمع القرآن موضوعًا لأطروحة استكمال متطلبات درجة التخصص ـ الماجستير، فأرجو الله أن أكون موفقًا في عملي هذا، وأن أكون قد جلوت الغبار عن صفحات ناصعة من عناية السلف بنقل القرآن.
(2) الآيات من 17-19 من سورة القيامة.
أسباب اختيار البحث |
كان وراء اختياري موضوع (جمع القرآن) في بحث الماجستير أسباب كثيرة، منها:
أن القرآن هو الأصل الأول عند المسلمين في تلقي أحكام الشرع، وقد توجهت عناية علماء المسلمين على مر التاريخ إلى الاهتمام بنقله على أدق الأوجه، ودفع الشبهات عنه.
خفاء الكثير من أوجه عناية النَّبِيّ r، والصحابة فمن بعدهم بنقل القرآن، وبذلهم غاية الجهد في نقله نقلاً صحيحًا دقيقًا متقنًا.
ما أثاره أعداء الإسلام من الشبهات حول جمع القرآن في مراحله المختلفة، بدءًا من عصر النبوة، إلى وقتنا هذا.
تشكيك بعض المتأخرين في نقل هيئات القراءة (1) ووجوب التزام أحكام التجويد.
الدعوات التي ظهرت قرنًا بعد قرن تدعو إلى كتابة القرآن الكريم على الرسم الإملائي، وتطعن في الرسم العثماني المجمع عليه.
وهذا البحث يبرز عناية المسلمين بحفظ القرآن من عهد النبوة إلى الآن، ويؤكد أن نقل القرآن حظي بأقصى درجات العناية من المسلمين، ويرد على شبهات الطاعنين من أعداء الإسلام على نقل القرآن...
خطة البحث
مــقدمـــة
تمهيـــد
الباب الأول: جمع القرآن في عهد النبي r
الباب الثاني: جمع القرآن في عهد أبي بكر t
الباب الثالث: جمع القرآن في عهد عثمان t
الباب الرابع: جمع القرآن والأحرف السبعة
الباب الخامس: الجمع الصوتي للقرآن الكريم
الخاتِمة
|
منهج العمل في البحث |
1- جمعت الآيات والأحاديث والآثار التي تتعلق بالمبحث أو المسألة.
2- توخيت في النظر في الأحاديث والآثار الصحة في المواضع التي يحتاج فيها إلى الصحة للاستدلال.
3- عزوت الآيات إلى مواضعها من القرآن الكريم.
4- قمت بتخريج الأحاديث من مصادرها التي رواها فيها أصحابُها بأسانيدهم ما أمكن ذلك.(1)
5- عرضت الآراء في حالة الاختلاف عرضًا واضحًا دون ميل إلى رأي دون الآخر، ثم قمت ببيان الرأي الراجح مع التدليل عليه.
6- ترجمت للأعلام الذين أنقل أقوالهم، وتركت الترجمة لمن اتسعت شهرتُهم من الصحابة والعلماء.
7- قمت بشرح وضبط الكلمات الغريبة التي ترد في أثناء الكلام.
8- قدمت قائمة المحتويات على البحث؛ لتكون أسهل تناولاً، ثم ذيلت البحث بفهارس علمية، وهي كالآتي:
1- فهرس الآيات القرآنية مرتبة حسب ترتيب السور في المصحف الشريف.
2- فهرس الأحاديث والآثار مرتبة ترتيبًا هجائيًّا.
3- فهرس الأعلام المترجمين مرتبين ترتيبًا هجائيًّا.
4- قائمة المراجع، مرتبة ترتيبًا هجائيًّا.(2)
والله أسأل أن أكون قد وفقت فيما طرقته من مسائل ومباحث، فما كان فيه من صواب فمن الله، وبِمنِّهِ وفضله، وما كان فيه من خطأٍ فمني ومن الشيطان، فهو عمل بشري، يعتريه النقص الذي يعتري البشر.
قال العماد الأصفهاني: إني رأيت أنه لا يكتبُ أحدٌ كتابًا في يومه، إلا قال في غده: لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زِيد هذا لكان يستحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العِبَر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص على جملة البشر.
أسأل الله أن يهدينا إلى سـواء السبيل. إنه على كل شيءٍ قدير، وبالإجابة جدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) حيث قد وجدت بعض الآثار، ولم أجد من أسندها، وذكرتُها استئناسًا لا استدلالاً.
(2) لم أذكر بيانات المراجع في أول موضع لَها في البحث، وتركت ذلك للقائمة التي في نِهاية البحث، لأن مأخذ ذلك أسهل على من يريد الوصول إلى بيانات المرجع.
تأليف
محمد شرعي أبو زيد