الجنة في الإسلام
أكّد النّبي محمد في أحاديثه الكثيرة أنّ أركان الإيمان السّتة في الإسلام هي:
"أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخِرِ وتؤمن بالقدر خيره وشرِّه". أي أنَّ الإيمان باليوم الآخِرِ هو الركن الخامس من أركان الإيمان الإسلامي. واليوم الآخِر هو اليوم الذي تنتهي فيه حياة الدنيا وتبدأ الحياة في الدار الآخِرة، في الجنة أو في النار. فهو بالتالي يوم البعث والجزاء، يوم تبيَضُّ فيه وجوهُ وتسوَدُّ وجوه. ويتوقع كل مسلم مجيء هذا اليوم، فهو يوم تقرير المصير: فهل سيدخل الجنة ليتمتع بنعيمها، أم سيدخل جهنم ويتعذب بنارها؟!. لذلك فإنَّ صلوات الكثيرين من المسلمين تتركَّزُ حول هذا الموضوع، فهم يطلبون من الله دائماً أن ينجّيهم من نار جهنّم، لأنّ الخوف من جهنّم ونارها يعتبر مصدراً رئيسيّاً من مصادر توجيه السّلوك والتّربية والحياة اليوميّة لدى المسلمين. فمثلاً نجد عند المسلمين أنّ حجاب المرأة هو أحد وسائل النّجاة من النّار، حيث يصرخ دعاة الإسلام وشيوخهم في وجوه النساء مهدّدين لهنّ بقولهم: "النّار أو الحجاب". أي أنّ التّرهيب من النّار والتّرغيب في الجنّة يشكّل عموداً فقريّاً أساسيّاً، إن لم يكن الأساس الوحيد، في الدّعوة الإسلاميّة، مع أنّه لا يوجد لدى المسلم أيّة ضمانة بدخول الجنّة، فكلّ شيء بعلم الله، وعلى المسلم أن يجتهد ويطيع الله ويطبّق شريعته آملاً بالجنّة مع عدم التأكّد نهائيّاً من دخولها. وقد أشار حُجّة الإسلام الغزالي إلى هذه الحقيقة في معرض تعليقه على ما ورد في سورة مريم 71:19-72 "وإِن مِنْكُم إٍلا وارِدَها، كانَ على ربُّكَ حَتْماً مَقضيَّاً. ثُمَّ نُنَجِّي الّذينَ اتَّقوا ونَذَر الظَّالِمينَ فيها جِثِيَّا" حين كتب قائلاً: "فأنت من الورود على يقين ومن النجاة في شك. فاستشعر في قلبِكَ هولَ ذلك المورد فَعَساكَ تستعدّ للنجاةِ منهُ". أي أن كل مسلم سيدخل جهنّم بالتأكيد، ثم سينجي الله الأتقياء ويخرجهم منها ليضعهم في الجنة، والمشكلة هي أنّهُ لا يوجد أي مسلم في العالم يستطيع أن يؤكد أنَّهُ من الأَتقياء النّاجين من هول الجحيم. ومع ذلك يعتقد المسلمون أنَّ من يقاتل ويستشهد في سبيل الله سيدخل الجنّة بالتأكيد، وذلك بحسب ما جاء في سورة آل عمران 169:3-170 "ولا تحسبنَّ الذين قُتلوا في سبيلِ اللهِ أمواتاً بَلْ أحياءٌ عند ربهم يرزقون. فرحينَ بما آتاهُمُ اللهُ من فضلِهِ ويستبشرونَ بالّذينَ لم يلحقوا بهم من خلفِهِم ألا حذف عليهم ولا هم يحزنون". فإن كان الشهيد سيدخل الجنة حقاً، فلماذا قال في سورة مريم 71:19 إن الجميع سيدخلون النّار وبدون استثناء؟ فإمّا أن القرآن يناقض نفسه، أو أن الشهداء لا يدخلون الجنّة بل سَيَرِدون إلى جهنم مثل بقية المسلمين!.
وتمتلئ معظم سور القرآن بالحديث عن اليوم الآخِرِ والجنّة وملذّاتها والنار وأهوالها. ومع أن ترتيب اليوم الآخر هو الخامس في أركان الإيمان، إلا أنَّ القرآن يضع الإيمان باليوم الآخر في المرتبة الثانية بعد الإيمان بالله، حيث نقرأ في سورة البقرة 62:2 "منْ آمَن باللهِ واليوم الآخرِ وعملَ صالحاً فلهم أَجرهم عندَ رَبِّهِم ولا خَوفٌ عليهِمْ ولا هُمْ يحزَنون". وهذا الترتيب منطقيٌّ جداً بحسب العقيدة الإسلامية، وذلك لأن غاية الإيمان بالله في الإسلام هي دخول الجنّةِ والتمتع بملذّتها ومشتهياتها الكثيرة. جاء في فاتحة القرآن "الحمد لله رب العالمينَ. الرّحمان الرحيم. مالِكِ يَوْمِ الدّين "(الفاتحة 2:1-4) أي أن القرآن انتقل بنا مباشرة إلى الدين بعد أن ذكر الله، دون الحديث عن بقية أركان الإيمان في الإسلام، مما يؤكد على أن اليقين باليوم الآخر يأتي ثانية عند المسلم بعد إيمانه بالله. وبذلك تكون الجنّة الهدف النهائي والوحيد للإيمان في الدين الإسلامي، فيعيش المسلم حياته خائفاً من الله ومجاهداً من أجل تطبيق شريعته على رجاء دخول جنة النّعيم.