6. صفات أهل الجنّة:
يتغيّر أهل الجنّة إلى حالِ لا مثيل له في الحياة الدنيا، فالإنسان مهما كان جمال طلعته في الأرض، إلا أنه يبقى ناقصاً وعرضةً للجوع والعطش والتعب والإرهاق والمرض. وتتقدّم به الأيام ويذوي جماله وتبطل شهوته وتتغضن بشرته ويتساقط شعره ويضعف بَصَرَهُ وتنتهي حياته بالموت.وفي الجزيرة العربيّة، حيث قسوة الحياة تحت شمس الصّحراء الملتهبة، لا بدّ وأنّ هذه المظاهر الإنسانيّة كانت حادّة في حدوثها، لذلك كان لا بدّ من عكس الصّورة في الجنّة الموعودة للمؤمنين، ولذلك استنزلت الآيات النّاطقة بصفات الكمال لأهل الجنّة، فهم أوّلاً "فيها خالدون" (البقرة 25:2 و217؛ آل عمران 107:3؛ الأعراف 42:7؛ هود 23:11؛ الأنبياء102:21 ؛ آل عمران 15:3 و136 و198؛ النّساء 57:4 وغيرها العشرات من الآيات) أي "لا يذوقون الموتَ إلا الموتَةَ الأُولى ووقاهُم عذابَ الجحيم" (الدّخان 56:44). وهم "أصْحابُ اليمينِ" (الواقعة 8:56و27و38و90و91 والمدثر39:74) وفسر ابن كثير معنى "أصحاب اليمين" بذكر حديث للنبي محمد رواه معاذ بن جبل أن رسول الله تلا هذه الآية "وأصحابُ اليمين ما أصحاب اليمين… وأصحاب الشّمال ما أصحاب الشّمال" قبض بيده قبضتين فقال (هذه للجنّة ولا أبالي وهذه للنّار ولا أبالي). لذلك قال عنهم" أصحابُ الجنةِ هُمُ الفائِزون"(الحشر 20:59). وهم "المقربون" (الواقعة11:56) و"مكرَّمون" (المعارج 35:70)، وهذا التكريم من الله الذي أدخلهم الجنة بسلام "ادخلوها بسلام آمنين" (الحِجر 46:15) فالجنة دار سلام وأمان حيث لا حرب أو اضطراب، وهكذا "لا يَمَسُّهُم فيها نَصَبٌ وما هم منها بِمُخرَجين" (الحجر48:15) كما جاء في الحديث (يقال يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبداً، وأن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تقيموا فلا تظعنوا أبداً). والذي ينال هذا النعيم ينسى أحقاد الماضي "ونَزَعنا ما في صدورِهِم من غِلٍ" (الأعراف 43:7 والحجر47:15) ويصبح له الحق أن يقول عنه القرآن "إن الأبرار لفي نعيم" (الأنفطار13:82 والمطفِّفين 22:83). ووصف أهل الجنة بالأبرار يعتبر تشريفاً عظيماً لهم، مع أننا نفشل في إيجاد وسيلة وكيفية التبرير في قرآن المسلمين.
إلى جانب الصفات الوجودية والمعنوية لأهل الجنة، فإننا نقرأ في القرآن عن صفاتهم الجسدية، فيقول عنهم في سورة القيامة 22:75 "وجوهُ يومئذٍ ناضرةٌ" أي حسنةٌ بهية مشرقة مسرورة، وهذا المقام كقولِهِ "تعرف في وجوههم نضرة النعيم" (المطففين 24:83) و "لَقّاهُم نضرةً وسروراً" (الإنسان 11:76) لأنَّهُ "لا يَرْهَقُ وجوهَهُم قَتَرٌ ولا ذلَّةٌ" (يونس 26:10) فلا قَتام أو سواد على وجوههم، بل "وجوهٌ يومئذٍ مُسْفِرَةٌ. ضاحكةٌ مستبشرة" (عيسى 38:8-39) أي أن فرحهم بملذات الجنّةِ ونعيمها يظهر جليّاً على وجوههم، مثل قوله في سورة الانشقاق9:84 " وينقَلِبُ إلى أهلِهِ مسروراً" أي فرحاً بما ناله في جنّة النعيم. ووصف النبي محمد، جمال أهل الجنة في أحاديث كثيرة، ومما قاله في حديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول زُمرةٍ يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر. والَّذين يلونَهُم على أشَدِّ كوكبٍ دُرِّيٍّ، في السَّماءِ، إضاءَةً. لا يبولون ولا يتغوَّطونَ ولا يمتخطونَ ولا يَتْفلِونَ. أمشاطُهُم الذّهَبُ. ورشْحُهُم المسك. ومجامِرُهُم الألُوّة. وأزواجُهُم الحورُ العين. أخلاقهم على خُلُقِ رَجُلٍ واحدٍ. على صورة أبيهم آدم سِتّون ذراعاً، في السّماء"(رواه مسلم) وهكذا فإن وجوه أهل الجنّة تشع بالضوء، وطول الواحد منهم ستون ذراعاً. وقال النبي محمد أيضاً: "يدخلُ الجنّةُ أقوامٌ أفئدتُهُم مثل أفئدة الطّير" أي أن قلوبهم رقيقة مرهفة الحسْ، لا غليظة كقلوب سكان الصحراء القاحلة، حيث لا ترحمهم الطبيعة، ولا هم يرحمون الأعداء من أصحاب ديانات أخرى أو مواقف لا تتفق مع نظرتهم للحياة.