9. طعام وشراب أهل الجنّة:
تمتلئ جنة المسلمين بالطَّعام والشَّراب، فهي لَيْسَت الصحراء العربيّة القاحلة، بل جنة الله الزّاخرة بألوان الشّراب والطّعامِ "مما يشتهون" (الطور 22:52 والمرسلات 42:77)، فلا مجاعة أو شُحٌّ، بل هناك شبعٌ ووفرة بلا حدود، وذلك لأن "أكلها دائمٌ" الرعد(35:13) و"لَهمُ رزقُهُم فيها بُكرة وَعشِيّاً" (مريم 62:19) حيث أنهم "كلما رُزِقوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزِقنا من قَبْلُ" (البقرة 26:2) فرِزق الجنة متتابع التدفق على المؤمنين، فكما قال الله لآدم عندما وضعه في الجنةِ "إنَّ لك ألا تجوع فيها ولا تَعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تَضْحى" (طه 118:20-119) هكذا سيكون حال جميع أهلا لجنة الموعودة. "جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف، وفيه قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً من مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت، فقال "إني رأيتُ الجنة ـ أو أريتالجنة ـ فتناولت منها عُنقوداً، ولو أخذتُه لأكلتم منه ما بَقِيتِ الدنيا". وعن عتبة بن عبد السلمي أنَّ إعرابياً سأل النبي عن الجنةِ، فقال: فيها عنبٌ؟ قال(نعم) قال: فما عِظمَ العنقود؟ قال "مسيرة شهرٍ للغراب الأ بقع ولا يفترُ" (رواه أحمد). وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" يأكُلُ أهل الجنةِ فيها ويشربون، ولا يتغوَّطونَ ولا يَتمخَطونَ ولا يبولون ولكن طعامُهُم ذاك جشاءٌ كَرَشحِ المسكِ. يلهمونَ التسبيحَ والحمد. كما يُلهمون النَّفس" (رواه مسلم) وما يأكله أهل الجنة يكون باختيارهم، فمهما طلبوا وجدوا، وأحضره لهم الخدم كما أرادوا "يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشرابٍ" (ص 51:38). وتكرر ذكر فاكهة الجنة الكثيرة. ليطمئن بال المؤمنين من الشَّبع في الجنة. "لكم فيها فاكهةٌ كثيرة منها تأكلون" (الزخرف 73:43 . أنظر أيضاً الواقعة 32:56 والدخان 55:44 ويس 57:36 والمرسلات42:77 والواقعة20:56 والرحمن 52:55). وذكر القرآن بعض أنواع هذه الفواكه "فيها فاكهة ونخلٌ ورمان" ( الرحمن 68:55) و"أعناباً" (النبأ32:78). وسيأكل أهل الجنة أيضاً أنواعاً من اللحوم "وأمددناهُم بفاكهةٍ ولحمٍ مما يشتهون" (الطور22:52)، وذكر لحم الطير بشكل خاص "ولحم طيرٍ مما تشتهون" (الواقعة 21:56). قال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّكَ لتنظر إلى الطيرِ فتشتهيهِ فيخرُ بين يديك مشوياً". وَرُوِيَ عن النبي أحاديث أخرى عن طيور الجنّة وجمالها ونعومتها ولذة طعمها، وكيف تعود إلى الحياة بعد أكْلِها.
إلى جانب الطعام الكثير، سَيَتوفر لأهل الجنة أنواع الشراب اللّذيذ، من خمر ولبن وعسلٍ وماء، وهو ليس مثل شراب الأرض، بل "شراباً طهوراً" (الإنسان 21:76)، أي سيعملُ على تطهير المؤمنين من أنواع الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرَّديئة. وأكثر أنواع الشّراب التي ذكرها القرآن هي الخمر، فالمؤمنون سيشربون من "كأسٍ مِنْ معين" (الواقعة 18:56)، أي خمرٍ جارية من نبعٍ لا ينقطع. و"يُسقون من رحيقٍ مختوم" (المطففين 25:83) والرحيق، كما يقول مفسرو القرآن، هو من أسماء الخمر. كذلك "ويُسقونَ فيها كأساً كان مزاجه زنجبيلاً" (الإنسان 17:76) ويقول الجلالان في تفسير هذه الآية: "ماؤها كالزَّنجبيل الذي تستلذ به العرب"، وتوسع القرطبي في تفسيره قائلاً: "كانت العرب تستلذ من الشراب ما يمزجُ بالزَّنجبيل لطيب رائحته، لأنّهُ يحذو اللسان، ويهضم المأكول، فَرَغِبوا في نعيم الآخرة، بما اعتقدوه نهاية النِّعمة والطيب". نجد هنا أن كُلاً من الجلالين والقرطبي يعترفون بأن الصور الحسية عن شراب الجنة اللذيذ كانت وسيلة لإغراء الناس باعتناق الإسلام. ويخبرنا القرآن حول خمر الجنَّةِ بأن "مِزاجُهُ من تسنيم. عيناً يشر بها المُقرَّبون" (المطففين 27:83-28)، أي أن شراب المقربين من أهل الجنة سيكون من عين تسنيم، وهو أشرف شراب أهل الجنّة كما يقول ابن كثير. لذلك يقول القرآن مشجعاً "كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون" (الطور 19:52).