عدد الجنّات في القرآن:
يعلن لنا القرآن عن وجود عدد وافرٍ من الجنّاتِ التي أعدها الله للأتقياء، وليس فقط جنة واحدة، حيث استخدم كلمة "جناتٍ" في تسعٍ وستين (69) آية. ونجد في القرآن إشارة إلى عدد هذه الجنّات، حيث يقول في سورة الرحمان 46:55 "ولمن خافَ مقامَ ربِّهِ جنَّتان" ويضيف في الآية62 "وَمِن دونهما جنَّتان" مما يعني أن عدد الجنّات هو أربعة، كما هو واضح من ظاهر النَّص، ولكننا نُفاجأ فيما يقوله الرواة والمفسرون حول هذه الجنَّات الأَربعة، ومما قالوه نذكر ما يلي :
مناسبة التّنزيل: اختلفوا في مناسبة تنزيل "ولمن خاف مقام ربه جنّتان"، قال ابن شوذب وعطاء الخراساني: نزلت هذه الآية في أبي بكرٍ الصِّديق. ومعنى هذا القول أن هذه الجنات الأربعة هي فقط لأبي بكر الصديق، ولا يشاركه أحد فيهما. وفي رواية ثانية: قال ابن أبي حاتم عن عطية بن قيس في هذه الآية: "نزلت في الذي قال أحرقوني بالنّار لعلي أضل الله. قال تاب يوماً وليلة بعد أن تكلم بهذا فقبل الله منه وأدخله الجنة". وعليه: إن كانت هذه هي المناسبة الصحيحة لنزول الآية، فإنها تعني أنَّ هذا الشخص هو الَّذي له الجنات الأربعة، ولا تُسْتَحَقُّ لغيرِهِ.
قال ابن كثير في تفسير آية الرحمن 46:55"ولمن خاف مقام ربه جنّتان": الصحيح أنّ هذه الآية عامّة كما قاله ابن عباس وغيره. أي أن الجنات الأربعة هي لكل الأتقياء وبدون استثناء.
وقال القرطبي في تفسيره: "أي لمن خاف جنّتانِ على حِدَة، فلكلِّ خائف جَنّتان. وقيل:
جنّتانِ لجميع الخائفين. والأول أظهر". أي أن القرطبي فسّر ما جاء في القرآن بالقول أن لكل شخص يخاف الله يوجد أربع جنان. وبذلك فأن مجموع عدد الجنات هو بالملايين أو المليارات العديدة جداً حتى يحصل كل خائف لله على أربعة جنات خاصة به.
قال الفراء: "إنما هي جنة واحدة، فثنّى لرءوس الآي". وقال أبو جعفر النّحاس: قال الفراء قد تكون جنة فَتُثَنّى في الشعر، وهذا القول من أعظم الغلط على كتاب الله عز وجل، يقول الله عز وجل: "جنّتان" ويصفها بقوله: "فيهما" فيدع الظاهر ويقول: يجوز أن تكون جنة ويحتج بالشِّعر!. وتدل هذه الأقوال التي أوردها القرطبي في تفسيره لسورة الرحمن 46:55 على أنه قد وُجد بين أوائل المسلمين من تجرّأ ووصف أسلوب القرآن بالشِّعر وقال بوجود جنَّةٍ واحدة، ولكن الأغلبية بين الرواة والمفسرين رفضوا هذا الكلام الذي اعتبروه طعناً في القرآن، وقالوا بوجود ملايين (مليارات) الجنات، بحيث تقسّم أربعة أربعة لكل مُؤمن.
تجدر الإشارة هُنا إلى الحديث للنبي محمد ذكره ابن كثير مّرَّتين في سياق تفسيره لما ورد في سورة الرحمن 46:55 "ولمن خاف مقام رَبِّه جنّتان"، حيث كتب قائلاً: "وقال ابن جرير حدَّثنا زكريا بن يحيى بن أبان المقري حدَّثنا ابن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر عن محمد بن حرملة عن عطاء بن يسار أخبرني أبو الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوماً هذه الآية "ولمن خاف مقام ربه جنتان" فقلت وإن زنى وإن سرق؟ فقال ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلتُ وأن زنى وإن سرق؟ فقال ولمن خاف مقام ربه جنّتان فقلت وإن زنى وأن سرق يا رسول الله؟ فقال "وإن رغم أنفِ أبي الدرداء". وهكذا نجد أن النبي محمد يستخف بحياة القداسة والفضيلة والتدقيق والأخلاق العالية. بل أنه يشجع حياة الرذيلة والفساد والانحطاط في مثل هذا القول الجزاف عن دخول الزُّناة واللصوص في الجنّة. بعكس ذلك نقرأ الكلمات المجيدة في الإنجيل المقدس: "وأما الخائفون وغيرُ المؤمنين والرَّجسون والقاتلونَ والزناةُ والسَّحرةُ وعبدةُ الأوثانِ وجميع الكذبَةِ فنصيبُهُم في البحيرة المتقدةٍ بنارٍ وكبريتٍ، الذي هو الموتُ الثاني" (رؤيا 8:21).