12. كلام أهل الجنّة وأمنياتهم:
رأينا إطناباً في وصف جمال الجنّة وأنهارها وشرابها وطعامها ونسائها وولدانها، وهذه الأوصاف والمسّرات تجعلنا نعتقد أن القرآن يزخرُ بصلواتِ الحمد والتسبيح والتمجيد التي سيرفعها أهل الجنة لله بسبب ما هم فيه من نعيم، ولأن الله يستحق ذلك من المتّقين، ولكننا نصاب بخيبةٍ كبيرةٍ عندما نكتشِفُ أنَّ الجملة الوحيدة التي تحتوي على دعاءٍ سيرفع لله في الجنّة هي ما جاء في سورة النساء 10:10 "دعواهُم فيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وتحيَّتهُم فيها سلامٌ وآخِر دعواهمُ أنَّ الحمدُ للهِ رَبَّ العالمين" وجملةُ حمدٍ لله، ولكنها لا تخاطب الله مباشرةً في سورة الزُّمر 74:39 "وقالوا الحمدُ للهِ الذي صَدَقَنا وعَدهُ وأوْرثَنا الأرضَ نتبوَّأ مِنَ الجنّةِ حيثُ نشاءُ فَنَعْمَ أجرُ العامِلين". لذلك يحق لنا أن نتساءَل:
ما هو سِرُّ هذا الصمت؟
فهل هو هذا ما يستحقه الله من المؤمنين الأتقياء؟
أم أنَّ صلواتهم في الجنة أقدس وأجّل من إعلانِها في القرآن؟
أم أنَّ السبب الحقيقي هو حقيقة جنّة المسلمين كما وصفها القرآن، فهي جنّة الملذات والمسَرات والشهوات والطعام والشراب والجنس مع الحوريات الفاتنات، وبالتالي لن يجد الأتقياء وهم في هذا النعيم أيَّ وقت فائضٍ لديهم ليرفعوا ترنيمة شكر أو تسبيحه أو صلاة أو حتى دعاء لرب العالمين. ونُصدَم عندما نقرأ تفاسير المسلمين للدُّعاء اليتيم الذي سيقوله الأتقياء في الجنّة، وذلك عندما نجدهم يقولون في تفاسيرهم أنَّ "دعواهم فيها سبحانكَّ اللهُمَّ" يرتفع من حناجرهم عندما يريدون طعاماً أو عندما يمر طيراً فيشتهونَهُ. ومع أنَّ النبي محمد قال في أحاديثه "إنَّ أهل الجنّة يلهمون التسبيح والتحميد كما تُلهمونَ النَفَسَ (رواه مسلم وأحمد) إلاّ أنَّهُ لم يخبرنا بمضمون التكبير والتسبيح والحمد.
ولكن أهل الجنّة سيتبادلون الكلام فيما بين أنفسهم، وكذلك سيتحدّثون مع أهل النّار؟!.وقد سجل لنا القرآن حوار أهل الجنّة مع أهل النّار في سورة الأعراف 50:7 حيث يقول: "ونادى أصحابُ النّارِ أصحابَ الجنّة أن أفيضوا علينا من الماءِ أو مِمَا رزقكُمُ اللهُ قالوا إن اللهَ حَرَّمَها على الكافرين". وفي سورة المدّثر39:74-42 "إلاّ أصحاب اليمين. في جَنّاتٍ يتساءَلون. عن المجرمين. ما سَلًكَكُم في سَقَر" ولا نفهم كيف سيتم مثل هذا الحوار بين أهل الجنّة والنّار؟ كذلك سجل لنا القرآن الحوار بين أهل الجنة أنفسهم،وكيف تساءلوا عن ماضيهم في الأرض، ومحاولة الشياطين والجن ضلالهم، وكيف أطاعوا الله وأعطاهم الجنة التي بها ينعمون، فيقول في سورة الصّافات 50:37-60 "فأقبلَ بعضهم على بعضٍ يتساءلون.قال قائلٌ منهم إنىّ كانَ لي قرينٌ. يقول أئِنَّكَ لِمَنَ المصَدِّقين. أئِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً ائنَّا لَمَدينون. قال هل أنتم مُطَّلِعونَ. فاطّلَعَ فرآهُ في سواءِ الجحيم. قال تاللهِ إن كِدْتَ لَتُرْدينِ. ولولا نعمة ربي لكنتُ مِنَ المُحْضَرينَ. أفما نحنُ بميِّتينَ إلا مَوتَتنا الأولى وما نحنُ بمُعَذّبينَ. إنَّ هذا لَهُمَ الفوزُ العظيمُ" وفي الطور 25:52-28 "وأقبَلَ بعضُهُم على بعضٍ يتساءَلونَ. قالوا إنّا كُنّا قَبْلُ في أهلنا مشفقينً. فَمَنَّ اللهُ علينا ووقانا عذابَ السَّموم. إنّا كُنّا مِنْ قَبلُ ندعوهُ إنَّهُ هو البَرُّ الرَّحيمُ". وذكر القرآن أيضاً كلام أهل الجنة في طلب الطعام "متّكئين فيها يَدْعونَ فيها بفاكهةٍ كثيرةٍ وشراب" (ص 51:38 أنظر أيضاً الدخان 55:44 ويس 57:36). كذلك لن يسمع أي نوع من الكلام الباطل في الجنة، فليس هناك من يتحدث بكلامٍ لا ضرورة له، ولا يسمع أهل الجنة كلام كذبٍ أو كلام إثمٍ بل تحية السلام من بعضهم البعض ومن رب العالمين. فنقرأ في الواقعة25:56-26 "لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلاً سلاماً سَلاماً" وفي النبأ 35:78 "لا يسمعون فيها لغواً ولا كَذّاباً" (أنظر أيضاً الغاشية 11:88 ومريم 62:19) وفي إبراهيم 23:14 "تحيّتُهُم فيها سلامٌ". ولكن القرآن أخبرنا أنَّ أهل الجنّة سيسمعون كلام أهل النار كما رأينا في سورة الأعراف 50:7، وبالتالي فأهل الجنّة سيسمعونَ لغواً، إلا إذا كان كلام أهل النّار حسناً؟!
إضافةً إلى الكلام المنطوق، يخبرنا القرآن أنَّ أهل الجنّة ستكون لهم أمنياتهم الخاصَّة بهم، ولا نعرف بالضبط إن كانوا سيعرفون هذه الأمنيات إلى الله أم لا، ولكننا نعلم من آيات القرآن أنَّهم سينالون ما يشتهون، كما نقرأ في سورة النمل 31:16 "لهم فيها ما يشاؤون" وفصّلت 31:41 "ولكم فيها ما تشتهي أنفُسكُم ولكم فيها ما تدَّعون (أنظر أيضاً الفرقان 16:25 وسورة ق 35:50). وما قاله المفسرون عن شهوات أهل الجنة يدور بالكامل حول الطعام والشراب والنساء والجنس، ولا نقرأ عن أمنيةٍ لأحدهم في قضاء وقت في حضرة الله للتسبيح والتمّجيد.