من الذي يستحق الجنّة:
يقدم لنا القرآن ثلاثة أجوبة مختلفة على هذا السؤال المصيري:
1. لا أحد يستحق الجنة:إنّما هي فضل من الله على العالمين. ففي ثلاثةٍ وثمانين (83) آية قرآنيّة نقرأ كيف أنّ الله بفضلِهِ يرحم النّاس ويرزقهم ويدخلهم الجنّة، ومن الأمثلة على ذلك نقرأ ما جاء في النّساء 175:4 "فأَمّا الَّذين آمنوا باللهِ واعتصموا به فسيُدْخلُهُم في رحمة منه وفضلٍ ويَهْدِيهُم إِليه صُراطاً مُستقيماً" وهكذا لا يُدْخِل الله المؤمنين إلى الجنة مكافأةً لهم بل بسبب رحمته وفضلِهِ عليهم. كذلك نقرأ في سورة النور 14:24 قوله "ولولا فضلُ اللهِ عليَكمُ ورحمَتُهُ في الدُّنيا والآخرةِ لَمَسَّكم في ما أَفَضْتُم فيهِ عذابٌ عظيمٌ" فالنّجاة من العذاب تأتي من فضل الله ورحمته، وذلك لأنَّ "الله ذو الفضل العظيم" (الحديد 21:57). ويقول القرآن عن موقف النّاس من فضل الله في أكثر من موقع: "وإِنَّ ربُّك لذو فضلٍ على النّاس ولكن أَكثرهم لا يشكُرون" (النمل 73:27). وثبت في الصحيحين أنّ النبي محمد قال: "لن يُدْخِلْ أحداً منكم عملُهُ الجنَّة" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحْمَةٍ منه وفضل" (رواه البخاري ومسلم).
2. يدخل الجنّة فقط الأشخاص الّذين خلقهم الله ليكونوا أهلاً لها: أي أنَّ دخول الجنّة محكوم بقضاء الله وقدره، كما يؤكّد على ذلك آيات القرآن وأحاديث نبي الإسلام. فالله هو الّذي يهدي من يشاء إلى الإيمان ويدخلهم الجنّة. بل إِنَّ الله، بحسب العقيدة الإسلاميّة، يكتب للإنسان الجنّة أو النّار حتى قبل أن يخلقه. وتوجد في القرآن آيات عديدة جداً تتعلّق بهذا الموضوع، وقد أشرنا إليها في موضوع "القضاء والقدر في الإسلام".
3. يدخلُ الجنّة كلُّ مَنْ آمن وعملِ صالحاً: يؤكّد القرآن على أنَّ المؤمنين الّذين يأتون بالأعمال الحسنةِ والصّالحة سيدخلون الجنّة. ففي عدد ضخمٍ من آيات القرآن "أكثر من مئة آية" يربط القرآن دخول الجنّة بالقيام بالأعمال الصَّالحة مثل الصّوم والصّلاة والزّكاة والحج ومساعدة الفقراء والأيتام وطاعة الوالدين وإيتاء ذي القربى والجهاد في سبيل الله والدّعوة إلى الإسلام، وغيرها من الأعمال الصَّالحة. ومن الأمثلة على هذه الآيات نقرأ:
النّساء 124:4 "ومن يعمل مِنَ الصّالحاتِ من ذكرٍ أو أنثى وهو مُؤْمِنٌ فأولئكَ يدخلونَ الجنّة ولا يظلمونَ نقيراً".
طه 76:20 "جَنَّاتُ عَدْنٍ تجري من تحتها الأَنهارُ خالدينَ فيها وذلك جزاء من تزكَّى".
الفتح17:48 "ومن يُطِعِ اللهَ ورسولَهُ يُدْخِلْهُ جنَّاتٍ تجري من تحتها الأَنهارُ…".
النّازعات 40:79-41 "وأَمّا من خاف مقامَ ربِّهِ ونهى النّفسَ عن الهوى فإنَّ الجنَّة هي المأوى".
الإنفطار 13:82 "إِنَّ الأَبرار لَفي نعيمٍ".
تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ جميع علماء تفسير القرآن من المسلمين يشيرون فقط إلى الأعمال الصّالحة كالأساس الوحيد لدخول الجنّة، دون الإشارة إلى فضل الله وقضاءه وقدره، ولا غرابة في ما يعملونه أبداً وذلك للأسباب التالية:
إن القول بدخول الجنة هو فضلٌ من الله يجعل المسلمون يقتربون كثيراً من عقيدة الفداء المسيحية. ففي الإنجيل المقدس يعلمنا الله أن دخول السَّماء والحصول على الحياة الأبدية هو عطية مجانية أساسها نعمة الله الذي كفَّر عن خطايا العالم بواسطة دم المسيح الذي مات على الصليب. أي أن المسيح دفع ثمن خطايا العالم وأعطاهم الحق أن يدخلوا السَّماء باستحقاقاته هو وليس باستحقاقاتهم.
يتحاشى المسلمون أيضاً القول بأن دخول السَّماء يعتمد على قضاء الله وقدره، مع أن القدر هو الركن السادس في إيمان المسلمين، لأن ذلك يناقض تعاليم القرآن الكثيرة عن دخول السَّماء بناءً على الأعمال الصالحة وزيادة عدد الحسناتِ على عدد السَّيئات. ولذلك يكتفي علماء المسلمين في التنَّبير على الحسنات والأعمال الصالحة لدخول الجنّةِ. وهذا ما عمله الغزالي وسيد قطب والطبري والشيخ محمود جوده وسعيد حوى وغيرهم العشرات، بل المئات من الكُتّاب المسلمين.