وصف الجنّة في الإسلام:
أّطنبَ القرآن في آياته، ونبي الإسلام في أحاديثه، في وصف جمال الجنّة ونعيمها بشكل حِسِّي خالص ومشوّقٍ جداً، لدرجةٍ تساعد الإنسان على أّن يتخيّل نفسه في الجنّة يستمتع بأنهارها وثمارها ويتلذّذُ بنسائها وغلمانها. ولم يكتف المحدِّثين وعلماء التّفسير والرّواة بالتَّفاصيل الكثيرة جداً في القرآن والحديث، بل زادوا في تفاسيرهم شروحات كثيرة في وصف الجنّةِ مما يرغِّبُ الإنسان بقوَّةٍ في الاجتهاد والسِّعي المتواصل ليكون من سكانها ويتلذّذ بخيراتها. وهكذا تَرْخَصُ الحياة الدنيا في عيون الكثيرين أمام الصورة الجذّابة والمغرية لدار النّعيم، لدرجة أنَّ عدداً متزايداً من الشباب المسلمين لديهم الاستعداد للموت والشهادة، لأن أجرهم عند الله عظيماً: حيث وفرة الخمر والَّلبن والعسل وماء الكوثر والحوريات والغلمان وغيرها من الخيرات الجزيلة التي لا حصر لها.
والغريب في الأمر كله، أن الدِّقة في ذكر هذه الأوصاف، والتفاصيل الكثيرة عن جمال وروعة الجنة وموجوداتها في القرآن والسُّنة تتناقض بشكلٍ صارخٍ ومباشر مع حديث قُدُسِيٍّ معروفٍ رواه أبو هريرة عن النبي محمد قال فيه: "قال الله: أعددتُ لعابدي الصّالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، فاقْرَأوا أن شئتُم: (فلا تعلَمُ نفسٌ مّا أخْفِيَ لَهُم من قُرَّةِ أعْيُنٍ". ويفيد هذا الحديث أن ما أعده الله لعباده الصّالحين لا يمكن وصفه، حيث لم تَرَهُ عيونهم، ولم تسمع عنه آذانهم ولا خطر على قلوبهم. ومع ذلك فأن الصفات الحسيّة الكثيرة التي ذكرها القرآن، جعلت المسلمين يسمعون بما أعده الله لهم، وجعلت عقولهم وقلوبهم تفكر وتشتهي هذه الخيرات والملذّات، بحيث يستحيل عدم تصور هذا النعيم عند السّماع به أو القراءة عنه. ويجب الإشارة هنا إلى حقيقة معروفه وهي أن هذا الحديث النبوي مأخوذٌ أصلاً من الإنجيل المقدس، فقد ورد في رسالة كورنثوس الأولى 9:2 قول الوحي المقدس: "ما لم تَرَ عينٌ، ولم تَسْمَعْ أذنٌ، ولم يخطر على بال إنسانٍ: ما أعَدَّهُ اللهُ للَّذين يحبّونَهُ". وعند مقارنة ما قاله الله في الإنجيل المقدس عن أمجاد السَّماء الروحية لا يقارَن أبداً بملذات جنة القرآن الجسدية: جنة الطعام والشراب والجنس بلا انقطاع.
أشرنا إلى حقيقة إسهاب القرآن والنبي محمد في وصف الجنة، ونذكر من هذه الصفات ما يلي: