2) اللاهوت
قال المسلم: إنكم، يا معشر النصارى، لا تعظمون المسيح إلا لأنه أحيا الموتى، وقد أحيا الموتى من قبله أليشع وحزقيال وغيرهما من الأنبياء. وليس كل من أحيا الموتى بإذن الله ينبغي أن يُتَّخَذ إلهاً ورباً يُعبد .
أ - الإثبات الأول: المسيح هو الحياة
قال الراهب: لسنا نتخذ المسيح إلهاً لأنه أحيا الموتى فقط. لكنه أحيا الموتى وقال: أنا القيامة والحياة وأنا الطريق والحق والحياة وابن الله، ونور العالم، أنا الراعي الصالح، أنا أُميت وأنا أُحيي وأنا ديّان الدين .
ب - الإثبات الثاني: المسيح متفوّق على الأنبياء
1) في إجراء المعجزات
قال الراهب: وأظهر المسيح الآيات بأمر منه نافذ، لا يحتاج فيه إلى طلب ولا إلى تضرع، كما فعل الأنبياء. فمن صنع كما صنع المسيح، استأهل أن يُقبل منه ما قاله على نفسه وعلى غيره .
وأما ما ذكرتَه من الأنبياء، فلستُ أنكر ذلك. ولكن شتان بين ما صنع الأنبياء وما صنع المسيح من الآيات. لأن النبي كان، إذا أراد أن يفعل أمراً، صام وصلى وتضرع وطلب وزاد في صلاته، وتشفَّع بعد ذلك. والمسيح لم يكن بهذه المنزلة، ولكن كان يمشي في الأسواق وبين الناس ويُظهر الآيات بأمرٍ منه نافذ .
ولم يكن الأنبياء يعملون الآيات في كل وقت، أما المسيح فكان يُظهر الآيات إذا أحب وأراد: ميت يحييه، وأعمى يفتح عينيه، أو مريض يشفيه، وألوفاً من الناس جياعاً أشبع من الخبز اليسير. كل ذلك بقدرةٍ فيه حاضرة .
2) في علم الغيب
ولم يكن الأنبياء يطّلعون على الغيب ولا على ما في القلوب. وأما المسيح، فكان يخبر الناس بضمير قلوبهم، ويعلم الخفيات ويخبرهم بما كان ويكون .
3) في الوعي بلاهوته ورسالته
ولو قال الأنبياء للناس: إننا أبناء الله، لحقَّ للناس أن يقبلوا قولهم لِمَا كانوا يُظهرون من المعجزات. ولكنهم لم يكونوا يكذبون، ولا يدَّعون ما ليس لهم. ولكنهم قالوا: إنّا عبيد الله. وقال المسيح: أنا ابن الله. صدق المسيح، وصدق الأنبياء .
4) الصلب
أ - موقف العبسي: شُبِّه لهم
قال الأمير: ما أجرأك، يا راهب على الله! أنت تقول إن المسيح ابن الله، وتقول بعد ذلك إنه صُلب. أتُرى أن الله كان يسلّم ابنه للصلب؟ معاذ الله من ذلك! لكن شُبِّه لهم .
ب - رد الراهب: التشبيه مستحيل من قبل الله، وشهادة الرسل واضحة لا تُكذَّب
قال الراهب: أحسب أن الأمر يُشكل على اليهود الفَسَقة، فهل أُشكل على الحواريين، أنصار الله؟ فإن كان الله شَبّه ذلك للرسل، فإنما جاءت الضلالة من الله، وحاشا الله! لأن الرسل قالوا إنهم عاينوه مصلوباً، وذاق الموت ودُفن. وقام بعد ثلاثة أيام، وأتاهم مراراً بعد قيامته وكلمهم، ومكث على الأرض بعد قيامته أربعين يوماً، وطلع الى السماء أمامهم، وعاينوه صاعداً .
فكيف يكون شُبّه لهم؟ هل يُتَّهم الرسل بالكذب، ونبيُّك يشهد أنهم أنصار الله، ولم ينطقوا إلا بما لقنهم روح القدس؟ هل كان الله يلقنهم الشبه الباطل ليُضل عبادَه؟ معاذ الله من هذا القول! لا تقصر بالمسيح، ولا تكذب رسله .
قال المسلم: ما أُقصّر به، وإني أفضله أكثر منك وأنا أولى وأحق به منك أضعافاً .
قال الراهب: إذا سمَّيت الملك السيد عبداً، أو ألقيت الرجل الشريف من أبيه، فقد بالغت في التقصير. لأنك تُسمي المسيح، الذي تشهد عليه أنه كلمة الله وروحه، عبداً ذليلاً مثل سائر الناس. وتقول إنه ليس ابن الله، والكتب تشهد له بذلك وتوضحه لنا .