د - المسألة الثالثة: الإنجيل والكتب المقدسة
1) الزعم بتحريفها
قال المسلم: هذا القول الذي تقوله إنما هو في إنجيلكم المحرف وكتبكم المحرفة. وأما الإنجيل الأول، فهو عندنا. قبلناه من نبينا. لأن يوحنا وأصحابه كانوا قد فقدوا الإنجيل بعد طلوع المسيح الى السماء، ووضعوا ما أحبوا. خبَّرنا بهذا نبينا محمد .
2) إثباتات صحتها
أ - شهادة الرسل أنصار الله
قال الراهب: فإن يكن الأمر كما ذكرت، فَادْعوا بالإنجيل والكتب الصحيحة التي عارضتم بها كتبنا، حتى عرفتم واستبان لكم تحريفها، ونأخذ بالصحيحة ونبطل المحرَّفة. فهل عندكم الكتب الصحيحة، وقد كلَّف الله نبيكم بالهيمنة عليها؟! ثم كيف تزعم أن نبيك أخبرك بهذا، وهو شهد للحواريين أنهم أنصار الله، وأن الله أوحى إليهم؟ .
ب - إلزاماتها الروحية والأخلاقية، وقبول الناس لها
ثم قال الراهب: ثم أخبرني: كيف قبل الملوك وجميع الناس هذا الكتاب المحرَّف من يوحنا وأصحابه، وأنت تزعم أنهم فيه شركاء؟ هل لأنهم طمعوا في أموالهم، أو خافوا من كثرة أجنادهم، أو فزعوا من حدّ أسيافهم، أو رغبوا في طاعة فرائضهم وسننهم؟ فإن ادَّعيت شيئاً من هذا، فقد عرف الناس حالهم، وما أُمروا به من الزهد والتواضع وتوزيع الأموال. فلا بدّ أن يكون لهؤلاء قدرة شريفة أظهروها للملوك والعامة، حتى قبلوا كتابهم ودينهم .
إن الملوك والناس لم يقبلوا هذا الإنجيل من يوحنا وأصحابه لرغبة في أموالهم، ولا حذراً من أجنادهم، ولا خوفاً من أسيافهم ولا طاعة لوصاياهم. بل لأنهم رأوا الآيات والعجائب، من إقامة الموتى وإخراج الشياطين وشفاء الأمراض المختلفة، من يوحنا وأصحابه .
ج - سمو تعليمها على الإنجيل المزعوم
ثم قرِّب هذا الإنجيل الذي تزعم أنه محرَّف، إلى قولك في الإنجيل الأول. وتنظر أيهما أقرب الى العدل، وأيهما أصح وصايا وأعمالاً. وصاياك وأعمالك، أم وصاياهم وأعمالهم من الصوم والصلاة والصدقة، والزهد في جميع اللذات، وتوزيع الأموال على أهل الحاجة والمسكنة؟ فتعرف النور الواضح، ويظهر لك فضله على ما تدَّعيه أنت وغيرك .
د - توافقها الداخلي الكامل: الوعد بالمسيح وتحقيقه
قال الراهب: وأخيراً، ألا تزعم، أن الله ذكر في جميع كتب الأنبياء ورسله أنه يُخرج من نسل آدم ومن نسل إبراهيم، ومن آل إسرائيل ومن صُلب داود رجلاً، يجعله الله فكاكاً وخلاصاً لعباده، ووسيطاً بينه وبين عبيده؟ فلم نزل نترجَّى ذلك حقباً بعد حقب حتى تمت الأيام التي فيها ظهر. فلما ظهر وأظهر الآيات، وتمَّت كتب الأنبياء، كفرتم أنتم به، وتزعمون أن محمداً أعزّ وأكرم على الله منه .