3) المبادئ الختامية
ثم قال الراهب: كما أن الملائكة مع العباد بلا حد ولا افتراق ولا امتزاج ولا حصر جوهر، ولا ينالهم ما ينال العباد، كذلك كلمة الله الخالقة الأزلية مع المسيح في البطن والميلاد والشدة والرخاء، وعلى الصليب، وعند طعن الحربة والحديد، ومعه في القبر، وهي بعثَتْه وأصعدَتْه الى السماء العليا، من غير حصر جوهره، لا ينالها شدة ولا رخاء، تبارك وتعالى عما وصف الواصفون! .
ب - مسألة خاصة بالإيمان والإسلام: ما هو الوضوء الحقيقي؟
1) أصل الوضوء ومعناه
قال الباهلي: ما بالكم لا تتوضأون في كل صلاة ولا تغتسلون من الجنابة؟ .
قال الراهب: وما هو تفسير الجنابة؟ .
قال المسلم: الاحتلام ومضاجعة الأهل .
قال الراهب: هل أمرك الله بهذين الأمرين؟
قال الباهلي: لا، ولكن هكذا أمرنا نبينا .
قال الراهب: ليست هي إذاً جنابة. وتحقيق ذلك أن الله قال عن المؤمنين والمؤمنات: الزواج مقدس، والمضجع غير نجس، ولا يلزم رجلاً احتلم ذنبٌ ولا عيبٌ. وإنما الجنابة ارتكاب المحارم .
2) السبب الذي من أجله أمر محمد بوضوء الإسلام
ثم سأل الراهب: أيُّما عندك أشرف: الإيمان أم الإسلام؟ .
قال المسلم: الإيمان هو الإسلام والإسلام هو الإيمان .
قال الراهب: فإذاً كتابك يرد عليك لأن في موضع قال لكم: اتقوا الله حق تُقاته، ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون. فقلتم.يا نبيَّ الله، من يطيق هذا؟. فقال لكم: فاتقوا الله ما استطعتم، فترى أن الإيمان أشد من الإسلام وأشرف منه. وكما لم تقووا على الإيمان فأمركم بالإسلام، أمركم بالماء لأنكم لم تقووا على وضوء الإيمان .
3) وصف الوضوء الحقيقي، أي وضوء الايمان
قال المسلم: وما هو وضوء الإيمان سوى الماء؟ .
قال الراهب: استمع الى قول الحق ووصف وضوء الإيمان: الاستنجاء من الزنى، لا تنكح ولا تنتكح، والتوضؤ من السرقة، والتمضمض من الكذب، وغسل الوجه هو غض الطرف عن المحارم وصمّ الأذنين عن سماع كلام الهراء، ومسح الرأس هو جمع العقل بين يدي الله، وغسل القدمين هو كفهما عن المشي في المعاصي، والغسل من الجنابة هو التوبة الصادقة من ارتكاب المحارم. فهذه صفة وضوء الإيمان وغسله .
4) فضل وضوء الإيمان على وضوء الإسلام
قال المسلم: ما أحسن ما وصفت يا راهب، وهو الحق. غير أن الله جعل الماء طهوراً. والماء ينظف البشر، ويفتح أبواب الصلاة، ويدني من الله .
قال الراهب: فما تقول في جماعة من المسلمين خرجوا في سفر فوقعوا في مفازة ثلاثة أيام، ولم يجدوا الماء فانتقض وضوؤهم، ومنهم من أصابته جنابة، فماذا يصنعون في وقت كل صلاة؟ .
قال المسلم: من قضى منهم حاجة، يتمسح بحجر ثلاث مرات أو يَتَيَمَّم بالتراب. ومن أصابته جنابة يفعل مثل ذلك .
قال الراهب: فإذا أفرج الله عنهم ووجدوا الماء وتوضأوا واغتسلوا، هل عليهم أن يُعيدوا كل صلاة صلوها في المفازة أم لا؟ .
قال المسلم: لا، ولكن قد قبل الله صلاتهم وأجاز لهم ذلك كما يحب الله .
قال الراهب: فما أرى للماء فضلاً، أنه يفتح أبواب الصلاة ويدني من الله. هوذا قد قام التراب مقامه وفتح أبواب الصلاة. فلا تفتخر بوضوئك بالماء، فإن الماء لا يُدني الفاجر من الله، ولا يبعد الترابُ المؤمنَ من الله .