د - مناظرة حول الصليب
1) استغراب الأمير من عبادة خشبة لا تنفع ولا تضر
قال الأمير: دع عنك الآن هذا كله، وأخبرني: ما بالكم تعبدون الصليب وتؤمنون به، وهو خشبة لا تنفع ولا تضر؟ .
قال الراهب: أيها الأمير، هل رأيك أنت وهؤلاء، مشترك فيما قلت إنا نعبد الصليب ونسجد له؟ .
قال الأمير: نعم .
قال الراهب: يا سيدي هؤلاء لا يُلامون لأنهم يَدْعون إلى ما دُعُوا إليه، لا علم لهم إن أصابوا ولا إن أخطأوا. وأما أنت، فقد وهبك الله الحسب والنسب، والشرف والمُلْك، والسلطنة وحُسْن الأدب. وقد سبق فيك قول محمد، إذ قال: قدِّموا قريشاً ولا تتقدَّموها، وتعلَّموا من قريش ولا تُعلِّموها. فإن رأْيَ القريشي رأْيُ عشرة رجال. فمن كانت هذه حالته، فكيف يقبل أن يقول إن النصارى يعبدون الصليب؟
2) حب النصارى للصليب لما له من معنى وقدرة
ثم قال الراهب: لا، نعبده. ولو كنا نعبده ما كنا نفعل به ما نفعل من إظهاره على رأس كل جبل وفي كل مكان. لا ينبغي لأحد أن يلوم النصارى على حبهم للصليب، لأنه قد ظهر لهم منه أمور لا تعد ولا تحصى. وذلك أنه عَلَمُ الفداء، ورايةُ النصر والخلاص من الضلالة. وفي ذلك يقول رسول المسيحية بولس: حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلب العالم لي، وأنا للعالم .
ه - مناظرة ختامية حول القيامة والبعث
قال البصري: ويحك، يا راهب، ما أعظم كفرك! إنكم لا تؤمنون بالقيامة ولا البعث ؟
قال الراهب: نحن من أمر القيامة والبعث على الحق واليقين، لأننا قد رأينا القيامة والبعث عياناً. وأما أنتم واليهود، فمن القيامة والبعث على الرجاء .
قال البصري: وكيف ذلك؟ .
قال الراهب: قال موسى لبني إسرائيل: إن القيامة ستقوم وإن الله سيبعث مَنْ في القبور. فمات موسى ولم يقم .
وجاءكم محمد وقال: يا معشر المسلمين، إن القيامة ستقوم وإن الله سيبعث مَن في القبور. فمات محمد ولم يقم .
وجاءنا المسيح وقال: يا معشر الناس، إن القيامة بي تقوم، وإن الله يبعث مَن في القبور. فمات وقُبر، وقام وانبعث حياً، وطلع إلى السماء ويأتي ثانية. فنحن من المسيح على التحقيق، وأنتم من صاحبكم على الرجاء .
و - حبس الراهب ثم إطلاق سبيله
فغضب الأمير وأمر بحبس الراهب. فقال الراهب للأمير: ما كان هذا الرجاء منك ولا العهد والميثاق .
فقال الأمير: ما عليك بأس! فمضوا به إلى الحبس.
فلما جُنَّ الليل، دعا الأمير الراهب وقال له: أتحب أن تسكن بلدنا فأُنعم عليك وأُقطِعك وأقوم بشأنك، أم تحب أن أخلي سبيلك؟ .
أجاب الراهب: أطلق سبيلي .
فأجازه وأحسن إليه وصرفه بسلام.