الفصل الثالث
اشتراك منظور بن غطفان العَبْسي
في الحوار
أ - المقدمة
1) اعتداد كل متحاور بموقفه
ثم قال الراهب: فإذا أردتُ أوضح لك ما نحن عليه، فادْعُ رجلاً يناظرني وأناظره بين يديك .
فدعا الأميرُ المنظورَ بنَ غفطانَ العبسي. فأخبره بما كان من الراهب. وأوفى إلى الراهب وقال: أنت، أيها النصراني، المتقوِّل على الله الكذب، اجمع الآن عقلك، وانظر كيف تكون. واعلم أنك قد لقيتَ ناراً لا يُطاق ضِرامُها .
قال الراهب: أراك عكازَ أخا عبلة الذي ترك أخته في الغُربة ونجا بنفسه من الورطة، ولا أرى فيك من طرائف عنتر شيئاً. وأظنك ممن إذا حلت به الصيحة قال: أبادر بالصياح فيفرون. ثق بالله واطمئن، فإنك في أمن وخير. فاعلم أنك إن سُمِّيتَ ناراً لا يُطاق ضِرامها فإني بحرٌ لا يُطاق زفيره، فمتى لقي بحري حرَّ نارك أخمده وأهلكه .
قال المسلم: لا قوة إلا بالله. هات قولك في الله .
2) أساس الحوار: الكتب المقدسة والمسيح
قال الراهب: كل بناء لا يكون له أساس لا يتم .
قال المسلم: وما أساس بنائك؟ .
قال الراهب: كُتب الأنبياء والرسل .
قال اليهودي: نحن لا نقبل من الكتب الحديثة شيئاً .
قال المسلم: ما نقبل شيئاً من العتيقة ولا من الحديثة، لأننا لا نعرفها .
قال الراهب لهما: إن شئتما كفيتماني أنفسكما، لأنكما لي خصمان بالحق .
قال المسلم: وكيف ذلك؟ .
قال الراهب: أمَا تشهد يا منظور أن المسيح كلمة الله وروحه، وأنه وُلد من مريم العذراء البتول، من بنات إسرائيل، من غير مجامعة ولا زرع بشر، وأنه أظهر الآيات والعجائب، وطلع إلى السماء، ويأتي ثانية فيدين الدجّال وكل من معه، ولا مسيح حق غيره؟ .
قال المسلم: صدقْتَ، يا راهب، هو كما قلت في المسيح .
ثم قال الراهب لليهودي: بحق أَهْيَا أَشِرْ أَهْيَا، وبحق العشر الكلمات التي نُزّلت على يد موسى وهرون وجميع الأنبياء، هل تعلم أن الله أوعد إسماعيل النبوّة، أو قال إنه يُخرج من نسله نبياً أو رسولاً، أو هل لمحمدٍ ذِكْرٌ في شيء من الكتب؟ .
قال اليهودي: لا والله، ما له ذكر في شيء من الكتب، ولا لأحد من نسله، ولا وَهَبَ اللهُ له غيرَ المُلك والسلطان .
قال الامير: كذبت، يا عاصٍ . ثم قال له: خذوا فيما كنا فيه .
قال المسلم: مِن أين قبلت يا راهب أن الله ثلاثة أقانيم؟ .