الفصل الأول

مقابلة قرآنية بين المسيح ومحمد

يفرض عنوان كتيب ديدات أن محمداً هو الأعظم بين "خلق الله" وأنه "رحمة للعالمين". ويعكس المترجم للكتيب، رمضان الصفناوي، أفكار ديدات التي تتلخّص في أن محمداً "خير الأنام". ولكن يبدو أن للقرآن رأياً أخر:

ورد في البقرة 2: 253: "تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ". وهنا يعترف القرآن بأسمى المقام (أي بأكبر عظمة) للمسيح، فهو الوحيد الذي ذكره باسمه في نصّ هذا التفضيل. ويتضح ذلك من مجموعة الامتيازات العظيمة الفريدة التي تميّز بها المسيح من دون الأنبياء في جميع أطوار حياته، منذ الحبل البتولي به حتى رفعه إلى السماء. حياته سلسلة من المعجزات والبيّنات.

نصوص قرآنية عن المسيح وعن محمد

ورد عن محمد في الكهف 18: 110 "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ..." ولكن ورد عن المسيح في النساء 4: 171 "إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ". وفي سورة المؤمنون 23: 50 "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً". وفي الأنبياء 21: 91 "فَنَفَخْنَا فِيهَا (أي: مريم) مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ". (فالمسيح دون سواه من البشر آية في الحبل به وفي ميلاده). راجع أيضاً سورة مريم التي لم يمسسها بشر (19: 20 و21 و33) "قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ... والسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً". ويذكر القرآن أن المسيح تكلم وهو في المهد (جملة 30). وأنه كان يخلق الطير بإذن الله (آل عمران 3: 49).

أما عن محمد فيقول القرآن إن الله قال له: "مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ" (الشورى 42: 52).

ولم يذكر القرآن عن محمد أن الحَبَل به كان بتولياً، ولا أنه تكلم في المهد، ولا أنه خلق بإذن الله شيئاً، ولا أنه أبرأ ولا أنه أحيا، بل ورد في الإسراء 17: 59 وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ" وفي طه 20: 133 "وَقَالُوا لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى" وفي الأنعام 6: 37 "وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ". وفي جملة 58 : "قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ" (أي يُطلب من محمد أن يعتذر عن عدم حصوله على موهبة المعجزات).

ولكن عن المسيح ورد في البقرة 2: 253 "وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ". وأيضاً في المائدة 5: 110 ومريم 19: 31 "وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ". وفي النساء 4: 158 "بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ".

ومع أن القرآن يوجّه إلى محمدٍ مدحاً أنه "لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم 68: 4) غير أن مواضعقرآنية آخرى تدل على خطاياه: فنقرأفي محمد 47: 19 "وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ"، وفي الفتح 48: 2 "لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ"، وفي الشرح 94: 2 و3 "وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ". وفي الإسراء 17: 74 "وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً". وفي الضحى 93: 6 و7 "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى؟".

وأكد القرآن وجاهة السيد المسيح في حين أنكرها لمحمد في الدنيا والآخِرة. ورد في التوبة 9: 80 عن الاستغفار "في الدنيا اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ".

وفي الآخرة: نقرأ في الزمر 39: 19 "أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ؟". ولم يضمن محمدٌ لنفسه الخلاص، أي حُسن الختام، فجاء في الإسراء 17: 79 "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً" وفي الأعراف 7: 188 "قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً, إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ".

ولكن اعترف القرآن للسيد المسيح وأقرّ له بالوجاهة في الدنيا والآخِرة "إِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ا سْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ" (آل عمران 3: 45). (ملحوظة: لم تبشر ملائكةٌ بمولد محمد، ولا وصفَتْهُ بأنه كلمةٌ من الله).

ولا مجال لمحاسبة السيد المسيح الذي جاء عنه في حديث ينقله صحيح البخاري (ج 3 ص 107): "لن تقوم الساعة حتى ينزل فيكم (أي بينكم) ابن مريم مُقسطاً". وورد في الزخرف 43: 61 عن المسيح "وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ" (بمعنى أن عودته إشارةٌ إلى حلول يوم الدين، بينما يقول في لقمان 31: 34 "إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ"). أما محمد فيؤمرَ أن يجيب أنه يجهل الساعة: "يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ" (الأحزاب 33: 63 والأعراف 7: 187 وطه 20: 52).

الصفحة الرئيسية