الفصل الثاني
مقالة من وجهة نظر مسيحية
ربما يوافق المسلمون إخوتهم المسيحيين على بعض النقاط التالية، رافضين غيرها. ومع أن ضيق المقام لا يسمح بذكر المراجع والمصادر للمواقف المسيحية أو الإسلامية، فإنها معروفة لدى أهل العلم والكفاية، ويكفي أن يرجع القارئ إلى الكتاب المقدس ولا سيما الإنجيل والكتابات المسيحية الأولى من جهة، وإلى القرآن وأعظم العلماء والأئمة وأمهات المراجع الإسلامية في سيرة محمد والأحاديث من جهة أخرى.
ومع أن المسيحية ترفض أية مقابلة بين السيد المسيح ومحمد، إلا أن ضرورة الرد على الأسئلة والاعتراضات ودحض الأضاليل يحتمان هذه المهمة.
شخصية محمد
من ناحية الصحة: بعض أعراض مرضية غير واضحة (ينسبها الإسلام إلى الوحي، في حين يرى آخرون أنها ظواهر من أمراض نفسية) مثل الغطيط والرغي والزَّبد، وما إلى ذلك.
من ناحية الذكاء النظري: لا جديد ولا سموّ في تعاليم محمد (بالمقابلة مع سموّ شخصية المسيح والإنجيل) خصوصاً في قضايا الزواج والانتقام، فالموقف المحمدي، مع أنه أتى بعد المسيحي، هو في الواقع متخلِّف عنه، أي أنه عودةٌ إلى ما قبل المسيحية، ولا سيما في العين بالعين والسن بالسن" والاعتداء على الناس بما اعتدوا به علينا، ثم في قضايا تعدد الزوجات وغيرها...
من ناحية الذكاء العملي: بصفته قائد جماعة ودولة وجيش يتمتع بعبقرية تجعل منه زعيماً ورائداً قبلياً وسياسياً وعسكرياً, (يقرّ "هارت" أيضاً بهذه العبقرية وهذا النجاح والنفوذ من حيث سيطرة محمد في وقت قصير على شبه الجزيرة العربية بأسرها، راجع ص 34). ولكن "الحرب خدعة" و"الوغى كرّ وفرّ"، لذا يرى المرء محمداً يلجأ إلى الحيلة والمكر، وينتصر حيناً ويُهزم حيناً، ويغزو ويسبي. وليست هذه الشِّيم من خصال النبي ولا الرسول الحقيقي.
من ناحية الأخلاق: غزو وسبي، ثم تعدُّد في النساء، وفي كل هذه الأمور لا مجال لمقابلته مع السيد المسيح، الذي يشهد له الإسلام مثل المسيحية بالعفة التامة والوداعة واللطف واللين واللاعنف.
غزوات محمد
بلغت غزوات محمد التي غزا فيها بنفسه تسعاً وعشرين غزوة، وهي غزوات ودان وبواط العشيرة سفوان (وتسمى غزوة بدر الأولى) وغزوة بدر الكبرى وغزوة بني سليم وغزوة بني قينقاع وغزوة السويق وغزوة قرقرة الكدر وغزوة غطفان وهي غزوة ذي أمر، وغزوة بحران بالحجاز وغزوة أحد وغزوة حمراء الأسد وغزوة بني النضير وغزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب وبني ثعلبة، وغزوة بدر الأخيرة وهي غزوة بدر الموعد وغزوة دومة الجندل وغزوة بني المصطلق (ويقال لها المريسع، وبعد العودة منها تأخرت عائشة وباتت ليلة رجعت بعدها مع صفوان بن المعطل) وغزوة الخندق وغزوة بني قريظة وغزوة بني لحيان وغزوة الحديبية وغزوة ذي قُرُد وغزوة خيبر وغزوة وادي القرى وغزوة عمرة القضاء وغزوة فتح مكة وغزوة حنين والطائف وغزوة تبوك. وأما سراياه (أي الغزوات التي لم يقُدها بنفسه، بل أرسل إليها بعض أصحابه) فعددها تسع وأربعون. وقيل إنها تزيد على سبعين...
وتروي المصادر الإسلامية (في سِير محمد) أن دحية الكلبي أتى محمداً بعد إحدى الغزوات وطلب منه أن يعطيه جارية، فسمح له. فأخذ دحية صفية بنت حُيي، وكانت جميلة جداً. فذهب أحد المسلمين إلى محمد مُعرباً عن استيائه واستغرابه من أن دحية الكلبي أخذ لنفسه صفية سيدة بني قريظة والنضير وقال لمحمد: "إنها لا تصلح إلا لك وفعلاً استدعاهما محمد وطلب من دحية أن يأخذ جارية غيرها، ثم أعتق محمد صفية وتزوجها.
وإذا قال قائل إن المسيحية أيضاً انتشرت في بعض البلاد وفي بعض الأزمنة عن طريق العنف، فالجواب أن ذلك الانتشار مخالف لأوامر المسيح الواضحة وتصرفاته الوديعة في الإنجيل. وإذا كان بعض القوم في بعض البلاد وبعض الأوقات قد فرضوا الدين المسيحي بالسيف، فإن المسيحية قد تخلّت منذ زمن بعيد عن العنف. أما الإسلام فإنه يُحافظ إلى أيامنا على مبدأ العنف ووسائل العنف في حكمه، بهدر دم المرتد (أي المسلم الذي يبدل دينه). وفي حين يرى المرء محمداً يقود العنف ويوافق عليه، يشهد الإنجيل للمسيح مقاومته للعنف وكونه للعنف ضحية بريئة.
غدر محمد بأعدائه وأوامره باغتيالهم
أرسل محمد عمير بن عدي (وكان أعمى) وأمره بقتل عصماء بنت مراون لأنها ذمَّت محمداً، فدخل بيتها ووضع سيفه على ثديها ثم أنفذه من ظهرها. ثم رجع وأتى المسجد وصلى الصبح مع محمد وأخبره بما حصل، فقال محمد: "لا ينتطح فيها عنزان" (أي أنه لن يطالب أحد بدم عصماء، ولن ينشب حول موتها أي خلاف). وأثنى محمد على عمير وقال: "من أحب أن ينظر إلى رجلٍ كان في نصرة الله ورسوله، فلينظر إلى عمير بن عدي" . كما أرسل محمدٌ سالمَ بن عمير إلى أبي عفك اليهودي ليغتاله. وكان أبو عفك ابن مائة وعشرين سنة، وكان يقول الشعر في هجاء محمد. أقبل سالم عليه ووضع سيفه على كبد أبي عفك فقتله. وأرسل محمدٌ خمسة رجال لقتل كعب بن الأشرف الذي كان يهجو محمداً ويحرض قريشاً عليه. وكان أبو نائلة أحد الرجال الخمسة، وأخا كعب بالرضاعة. ومشى محمدٌ معهم إلى بقيع الفرقد ثم وجّههم وقال: "انطلقوا على اسم الله. اللهم أعِنهم". ورجع محمد إلى بيته. ووصل الرجال الخمسة إلى حصن كعب، فنادى أبو نائلة كعباً، فوثب كعب في ملحفته خارجاً آمناً إذ عرف صوت أخيه بالرضاعة، فغدر به الرجال وقتلوه وأخذوا رأسه. ثم رجعوا حتى بلغوا بقيع الفرقد فكبّروا. وسمع محمد تكبيرهم فكبر، وعرف أنهم قتلوا كعباً. وعندما انتهوا إلى محمد وهو قائم يصلي قال لهم: "أفلحت الوجوه" أي "لقد توفقتم وكرمت وجوهكم". قالوا: "وجهك يا رسول الله". ورموا برأس كعب بين يدي محمد.
ولما قُتل حمزة، عم محمد، في غزوة أُحد، غضب محمد وحلف أن يقتل من قريش سبعين نفراً عوضاً عن عمه. وعندما غزا محمد بني قريظة وحاصرهم قبلوا بالتسليم شرط أن يستحييهم بشفاعة قبيلة أوس. وفوّض محمد الحكم إلى سعد بن معاذ، وقرر سعد قتل الرجال وتقسيم الأموال وسبي الذراري والنساء. استحسن محمد ذلك الحكم وأمر ببني قريظة فأدخلهم المسلمون المدينة وحُفر لهم أخدود في السوق، وجلس محمد وأصحابه، وخرج بنو قريظة فضُربت أعناقهم. وكانوا بين 600 إلى 700 نفر.
إذا كان في التوراة شيء مشابه لذلك العنف في قتل الوثنيين وسبي نسائهم وأطفالهم فقد كانت تلك المرحلة بدائية ناقصة، بسبب قساوة قلوب بني إسرائيل. وقد اختفى هذا العنف كله في الإنجيل بعد أن أتى المسيح فادياً وديعاً متواضعاً لطيفاً لا عنيفاً، خادماً لا حاكماً، لا يحمل سيفاً بل غصن زيتون، لا يمتطي الجياد بل يركب حماراً (وهو حيوان أليف متواضع).
وأرسل محمدٌ عبدَ الله بن عتيك ومعه أربعة رجال لقتل أبي رافع لمناصبته محمداً العداء. أتوا بيته وفي مقدمتهم عبد الله بن عتيك الذي قال: "جئتُ أبا رافع بهدية". ففتحت له امرأة أبي رافع. ولما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشار إليها بالسيف فسكتت، ودخلوا عليه وقتلوه بأسيافهم.
وأرسل محمد عبد الله بن جحش ومعه ثمانية من المهاجرين وسلبوا عير قريش وكانت تحمل زبيباً وإدماً في آخر يوم من رجب. وكان القتال فيه حراماً. ولكن القرآن يبرر قتاله في رجب، وذلك في البقرة 2: 217.
ويُعلن الإسلام
أن خُمس الغنيمة لمحمد، بحسب ما ورد في كتب تفسير القرآن وفي السيرة
الحلبية وغيرها.
النساء في دنيا محمد وفي الجنة القرآنية في الآخِرة
لا يخفى على أحد تعدد الزوجات عند محمد، وذلك بعد المسيح بسبعة قرون. منها ما يشير إليه القرآن نفسه، ومنها ما ذكرته كتب السيرة والأحاديث. يورد القرآن في الأحزاب (خصوصاً في جملة 33 وما بعدها) أخذ محمد زوجة زيد بن حارثة الذي كان محمد قد تبنّاه. كما أن عدداً من زيجات محمد يفتقر إلى الاتزان: فأول زيجاته كانت من خديجة التي كانت تكبره بنحو خمس عشرة سنة، وتزوج بعدها الصبية عائشة وهي بنت تسع سنوات!
وقد أخرج ابن سعد عن منير بن عبد الله الدؤلي أن أم شُريك الدوسية عرضت نفسها على محمد وكانت جميلة فقبلها. فقالت عائشة: "ما في امرأةٍ حين تهب نفسها لرجل خير". قالت أم شريك: "فأنا تلك". فدعاها محمد "مؤمنة" وقد نزل فيها قرآن يقول: "وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ" (الأحزاب 33: 50). عندما قال محمد هذا الكلام ونسبه إلى العزة الإلهية علّقت عائشة: "إن الله يسرع لك في هواك".
وحدَّث هشام عن أبيه، قال: "كانت خَوْلة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي"، فقالت عائشة: "أما تستحي المرأة أن تهب نفسها لرجل؟", وحدَّث مرحوم، قال: "سمعت ثابتاً البُنَّاني" قال: "كنت عند أَنَس وعنده ابنة له"، قال أَنَس: "جاءت امرأة إلى رسول الله تعرض عليه نفسها"، قالت: "يا رسول الله، ألك بي حاجة؟" فقالت بنت أَنَس: "ما أقل حياءها! واسوأتاه! واسوأتاه!" قال أَنَس: "هي خير منك، رغبت في النبي فعرضت عليه نفسها" (البخاري نكاح 29).
وورد في الأحزاب 33: 51 "تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ (أي ترجي يا محمد من أزواجك وسراريك) وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ..." قال الحسن: "معنى هذه العبارة هو أن الله فوّض له أن يترك نكاح من شاء من نسائه وينكح من شاء منهن".
آوى محمد إليه من نسائه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، وكان يقسم بينهن سواء. وأرجى من نسائه خمساً: أم حبيبة (بنت معاوية بن أبي سفيان الذي قال عن محمد حال علمه بأن محمداً نكح ابنته: "ذلك الفحل الذي لا يُقدع أنفه!") وميمونة وسودة وجويرية وصفية. فكان يقسم لهن ما يشاء.
وقال علماء الإسلام - ومنهم البخاري ومسلم - إن محمداً كان يدور على نسائه (أي يجامعهن) في الساعة الواحدة من النهار أو الليل وهن تسع أو إحدى عشرة. وقالت المصادر الإسلامية إنه أُوتي قوة أربعين رجلاً أو أربعين أو مائة رجل من رجال الجنة. وذكر ابن العربي أنه كان لمحمدٍ من القوة في الوطء (اي الجِماع) الزيادة الظاهرة على الخَلْق . وكل هذه أدلة على قوة جسدية لا على نبوّة. إلا إذا جعل بعضهم من هذه القوة الجنسيّة الفياضة برهاناً للنبوّة!
أما السيد المسيح فمترفِّع عن الجسديات، ولا غبار عليه ولا علاقة جسدية له بامرأة. وقال: "إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِه"ِ (متى 5: 28).
وإذا قال قائل إن داود أو سليمان الحكيم وغيرهما اقترفوا الزنى وتعدد الزوجات، فإن ذلك كان مخالفاً للإرادة الإلهية لا مطابقاً لها. وهذا خلاف ما يقوله القرآن في حالة محمد. ولقد تاب داود وسليمان عن آثامهما، كما حلَّت بهما المصائب عقاباً لخطئهما. أما السيد المسيح فلا مجال للتشكيك في براءته الكاملة الشاملة. وهو في ذلك أيضاً مع والدته الطهور "آية للعالمين".
وفي حين يصف السيد المسيح السعادة الأبدية في الآخِرة بألفاظ الروحانية والعفة والاستغناء عن رغبات الجسد وحاجاته "ملكوتاً أبدياً" فيه "خمرة جديدة" أي رمزية غير الدنيوية، وفيه يكون البشر كالملائكة لا يتزوَّجون، يعرض القرآن الجنة نعيماً يجمع بين "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" (القيامة 75: 22 و23) وبين ملذات الجسد من ينابيع خمر وماء ولبن وعسل، ومن متع جنسية تتم عن طريق "حور عين". "لَمْ يَطْمِثْهُنَّ (أي لم يجامعهن) إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ" (الرحمن 55: 74) يقال إن الله أنشأهن إنشاء وجعلهن أبكاراً (بمعنى أن غشاء البكارة يعود أوتوماتيكياً إليهن بعد كل جِماع، ويتم بعد ذلك فضُّه باستمرار، ولكن "بدون ألم" وتكون تلك "أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ" (البقرة 2: 25) أي خالية من الحيض (وهو العادة الشهرية) وسوء خُلُق النساء من كيدٍ وغرور ومزاجيةٍ متقلِّبة وما إلى ذلك. ويتابع القرآن وصفه لهن: "كَواعِبَ أَتْرَاباً" (النبأ 78: 33) أي مكتملات الأثداء، وكلهن من عمر واحد (لئلا يحسد بعض "المختارين" البعض الآخر الذي حصل على حور أصغر سناً) (راجع الأوصاف المذكورة في سورتي الواقعة والرحمن).
أما السيد المسيح فهو "كلمة الله وروحٌ منه" ولم يكن بحاجةٍ إلى أن يجلس على فَخذي امرأة (كما فعل محمدٌ مع خديجة) ليتأكد المحيطون به إن كان الوحي الذي يأتيه من عند الله أم من عند الشيطان. ولا احتاج المسيح إلى أن يوصي بإحدى النساء بحجة أن "الوحي ما أتاه إلا في ثوب امرأةٍ بعينها" (كما قال محمدٌ عن نزول الوحي عليه في ثوب عائشة! البخاري - كتاب الهبة ج 3 ص 205). وما كان يسوع ليقع في تدهور مطبّات الشهوة (كما أشفق محمد على الأرملة سودة بنت زمعة فتزوجها، وبعد أن هرمت همَّ بطلاقها فوهبت ليلتها لعائشة). أما افتخار عائشة بأن محمداً كان يملك إربه (اي عضوه التناسلي) بمعنى أنه كان يضبط ميوله الجنسية حتى أنه كان يقدر أن يقبِّل بعض نسائه وأن يباشرهنّ والواحدة منهن حائض (من خلال إزار) (البخاري - غسل 12، وحيض 1، 3، 5, مسلم - صيام 65، 66)، فإن هذا الافتخار لا يوازي عفة السيد المسيح الكاملة، لأن الضبط الكامل يجعل المرء يتخلى نهائياً عن الجِماع أو الملامسة في أوقات الحيض أو الصوم. أما العفة الكاملة التي نادى بها السيد المسيح (متى 19: 16-21) متسامياً فوق الجسد والجنس، وتبعه فيها جمهورٌ غفير من رجال متبتّلين وعذارى بريئات عبر الأجيال (أمثال بولس وغيره - راجع 1 كورنثوس 7) فهي دليل إضافي لسمو المسيح والمسيحية، ولارتفاعها فوق مستوى الجسد والمال والبنين. والعظيم من سيطر على ميوله، والكبير من كان متسامياً على جسده.