يعرض "هارت" رأيه الشخصي (الذي يخالف مبادئ الديانة المسيحية) وهو أن لبولس اليد الطولى في المسيحية أكثر من السيد المسيح. يكتب في مؤلفه المذكور (ص 39): "أدّى محمد دوراً أكثر أهمية في نشر الإسلام من الدور الذي أداه يسوع في نشر المسيحية. فبالرغم من أن يسوع هو المسؤول عن التعاليم الروحانية والأخلاقية الأساسية للمسيحية، بخلاف ما حدث في الديانة اليهودية، فإن القديس بولس هو الذي أنشأ علم اللاهوت المسيحي ومبادئ التبشير، وألف الجزء الأكبر من العهد الجديد. أما محمد فهو المسؤول عن الاثنين: عن اللاهوت الإسلامي وعن مبادئه الأخلاقية، بالإضافة إلى أنه قام بالدور الرئيسي في إظهار الدين الجديد، وهو الذي أنشأ الأحكام العملية الدينية في الإسلام".
هنا أيضاً يحرّف الصفناوي (في ص 21) ما ورد في كتاب "هارت" المشار إليه، ص 39 حيث ورد: "بالإضافة إلى ذلك، إن محمداً هو كاتب الكتاب المقدس الإسلامي، أي القرآن، الذي هو مجموعة من أفكار محمد وتحليلاته التي اعتقد أن الله أوحاها إليه مباشرة". وهذه ترجمة الصفناوي: "وفوق كل هذا فهو (أي محمد) الذي "جاء" بالكتاب المقدس الإلهي للمسلمين (مع أن "هارت" كتب: "إن محمداً هو الكاتب أو المؤلف للكتاب المقدس الإسلامي" لا الكتاب الإلهي) وهو مجموعة ما تيقَّن (مع أن "هارت" كتب: "مجموعة ما اعتقد محمد" - بالإنكليزية believed) أنه موحى إليه من الله".
ويتابع "هارت" في نفس الصفحة 39: "معظم هذه الأقوال سُجِّلت بأمانةٍ أكبر أو أقل في مدة حياة محمد، وتمَّ جمعها عن طريق سلطةٍ تأمر وتنهى (ويشير هنا إلى أوامر الخلفاء ولا سيما أبي بكر وعثمان بن عفان) بعد وفاة محمد بوقت قصير..." ولكن الصفناوي يحرِّف الجُمل السابقة على النحو الآتي: "ومعظم ما تفوَّه به محمد تمَّ تسجيله بأمانةٍ خلال حياته (مع أن "هارت" يضع تفاوتاً في تلك الأمانة ) وجُمع بعضه إلى بعضٍ في وقتٍ قصير بعد وفاته بدقَّة متناهية" (مع أن هارت يستخدم عبارة authorative Way أي بطريقة صاحب سلطةٍ يفرض نفسه على غيره).
إن "هارت" يجهل تاريخ المصاحف (راجع ابن أشته في "المصاحف" والسيوطي في "الاتقان في علوم القرآن" والشيخين مسلم والبخاري وطبقات ابن سعد الكبرى وسُنن أبي داود): فقد "ذهب منه قرآن كثير" واستحرَّ القتل في قُرّاء القرآن يوم اليمامة وضاعت نصوص قرآنية كثيرة، وكانت سورة الأحزاب تُقرأ بعدد جُمل مثل سورة البقرة إلى أن حذف منها عثمان بن عفان (كما شهدت عائشة). ولم يجد زيد بن ثابت آخر سورة التوبة إلا مع أبي خزيمة الأنصاري، واقتتل الغلمان والعلماء والجنود في شأن نصوصٍ قرآنية... يستنتج القارئ أن الدور الأكبر كان لعثمان بن عفان - في مصحفه الإمام ولزيد بن ثابت وسائر أعضاء اللجنة (وبعدها للحجّاج بن يوسف الثقفي) في ضبط المصاحف وإتلاف معظمها والإقرار بنصّ واحد وبشكله، أي وضع الحركات وعلامات الترقيم. وفي هذا فعل أبو بكر وعثمان وزيد ما لم يفعله رسول الله أي محمد وقالوا عن عملهم: "هو والله خير" ("الإتقان في علوم القرآن" مجلد 1 ص 57 ثم "البرهان" مجلد 1 ص 234 ثم "تهذيب التهذيب" مجلد 3 ص 140).
وإذا قال قائل إن عيسى لم يكتب، فمحمدٌ أيضاً لم يكتب (حسب العقيدة الإسلامية).