الفصل الرابع

محمد "من أقوال غير المسلمين"

 

لا حاجة لنا إلى ذكر أقوال غير المسيحيين عن يسوع (عيسى) ابتداءً بالقرآن نفسه. ولو أراد أحدٌ أن يجمعها في مجلدٍ لعجز عن ذلك لكثرتها...

ولكن تجدر مناقشة ما أورده ديدات من أقوال غير المسلمين في محمد (الترجمة العربية ص 27 وتابع):

يفرض "جورج برنارد شو" (وهو كاتب ساخر، وقد يكون رصيناً في هذا الإعلان) أن "حكم محمد للعالم الحديث بشكلٍ مطلق يجعله ينجح في حل مشاكله حلاً يحقق له السعادة والسلام". ولكن العالم اليوم يرفض أي حكمٍ مطلق، وينادي بالحرية. ومن جهة أخرى لا يقدر مسيحي حقيقي أن يقول كلام "ج. شو"، لأن المسيحي الحق يرى أن سعادة العالم وخلاصه في المسيح وحده دون غيره، "فليس بأحدٍ غيره الخلاص" (أعمال 4: 12). أما حل مشاكل العالم عن طريق الشريعة الإسلامية فهو أمرٌ يجدر بالمؤرّخين ورجال علم الاجتماع بحثه.

يكتب "البروفسور جولس ماسرمان": "ربما كان أعظم القادة في جميع العصور هو محمد الذي جمع مميزات كل هؤلاء" (أي، حسب ترتيبه لهم، باستير وسالك (أي المكتشفون والمخترعون) غاندي وكنفوشيوس والإسكندر وقيصر وهتلر (أي القادة العسكريون والسياسيون) وعيسى وبوذا (أي مؤسسو الديانات) .

أولا: ليس البروفسور المذكور متأكداً من كلامه. إنه يقول "ربما كان محمد..." وثانياً: كيف يجمع محمد خصال المخترعين أو المكتشفين؟ فهل اكتشف الإسلام، أو هل اخترعه؟ وكيف يجمع خصال عيسى، والقرآن يؤكد أن عيسى انفرد بها دون سواه بصفته "كلمة الله وروح منه"؟

ومن ديوان "شاندشاروما" في كتاب "أنبياء الشرق" يقتبس ديدات ما يلي: "لقد كان محمد روح الرحمة وكان تأثيره قوياً ودائماً بين كل من أحاط به". ولكننا نعلم أنَّ محمداً لم يحمِ الذين أرسل أناساً لقتلهم مثل عصماء بنت مروان وأبي عفك وغيرهما.

ويكتب "لامارتان" في كتاب "تاريخ تركيا" جزء 11 ص 276: "لقد كان محمد فيلسوفاً وخطيباً ورسولاً ومشرِّعاً ومحارباً وفاتحاً لآفاق الفكر". ولكن المسيحية ترفض أن يكون المحارب فيلسوفاً، وأن يكون صاحب العنف محرِّراً للبشرية وفاتحاً لآفاقها!

ويستمر "لامارتان" في "تاريخ تركيا": "إذا التفتنا إلى كل المستويات التي يمكن أن تُقاس بها العظمة الإنسانية فإننا نتساءل بحق: هل يوجد من هو أعظم من (محمد)؟"

إذا قصد "لامارتان" في "العظمة الإنسانية" النفوذ والرجولة والفحولة والقوة العسكرية والسياسة والقَبَلية، فقد لا يوجد أعظم من محمد. وإذا قصد العفة وضبط الغرائز والعفو عند المقدرة والصفح عن المعتدين، فمحمد يقصر في تصرفاته وتعاليمه التي تجعل "أسوة حسنة" و"خير الأنام" رجلاً أرسل أناساً لقتل أعدائه ومقاوميه، وأخذ بالسيف وطاوع رغبات الجسد... وبما أن "أهل البيت أدرى بما فيه" فليسألن المرء تركياً أصيلاً، هو مصطفى كمال أتاتورك، وهو أبو تركيا المعاصرة الذي قال في محمد والإسلام: "هذه الديانة (أو: هذا اللاهوت) اللامعقولة التي أنشأها بدوي غير خلوق، هي جثة منتنة تسمّم علينا حياتنا". وبالطبع يحقّ لكل مسلم أن يرفض تعليق أتاتورك، وأن يصفه بالكفر. كما يحق للمسيحيين أن يرفضوا رفضاً باتاً أقوال الذين يزعمون المسيحية ويُعجبون بفضائل محمد وبسموّ تعاليمه وعقائده.

أما "آني بيسانت" التي يزداد إعجابها بمحمد كلما قرأت سيرته فهي حرة في ذلك، وموقفها مخالفٌ للمسيحية الصميمة التي لا تحسب محمداً نبياً، ولكنها في الوقت نفسه لا تحتقره ولا تستهتر بأتباعه. وفعلاً يدهش المرء عندما يقرأ أقوال امرأة معجبة ب "سلوك نبي العرب العظيم" الذي كثرت نساؤه وكان الحاكم الكامل لحياتهن وكان يفضل إحداهن على الأخرى، وجعل في القرآن أمر الطلاق في يد الرجال الذين هم "قوامون على النساء" وذكر "استمتاع الرجال" بالنساء (النساء 4: 24) وملكت يمينه سراري أي جواري (وهن زوجات من الدرجة الثانية) وكان يحرّم على نفسه مارية ثم يعود فيعاشرها (راجع أسباب نزول سورة التحريم).

أما استنتاج "دائرة المعارف البريطانية" أن "محمداً هو أعظم الأنبياء والشخصيات الدينية نجاحاً" فهو رأي مؤلفين ليسوا من علماء المسيحية ولا الإسلام، إذ يضع القرآن المسيح عيسى ابن مريم في مكانة أعلى من مكانة محمد بكثير. أما إذا قصدت الموسوعة البريطانية النجاح الدنيوي عند محمد فقد تكون صائبة. ولكن النجاح الديني الروحاني لا يُقاس بالنجاح الدنيوي، فقد قال السيد المسيح له المجد إن الباب الضيق أعسر من الطريق الواسع. ولعل الإسلام طريق واسع قبل العنف والجنس وقدسهما في حين ضاقت بهما المسيحية وأعطتهما حجمهما العادي كأمور مؤقَّتة، يجدر بالمؤمن الصميم أن يسمو عليها.

أما زعم "جورج برنارد شو": يجب أن نُطلق على محمد (لقب) مُنقِذ "الإنسانية" فهو مخالفٌ للمسيحية التي لا تعرف مخلصاً ومنقذاً إلا السيد المسيح الفادي ابن مريم... وتجدر دراسة التاريخ وعلم الاجتماع ليرى المرء إذا كان محمدٌ محرراً للإنسانية. وكيف يكون ذلك وهو الذي قال: "من بدل دينه فاقتلوه"؟ نعم، كيف يُنقذ أحدٌ الإنسانية عندما يسلبها حرية الضمير وحرية اختيار الدين الذي تراه مناسباً، خصوصاً وأن "لا إكراه في الدين"؟