إن قراءة بسيطة نزيهة لمقدمة كتاب "هارت" حول أعظم الشخصيات تأثيراً في التاريخ تدل بشكل لا يقبل الشك أن محمداً ليس في نظره الأعظم (ص 28) بل أن يسوع هو أعظم منه (ويبدو أن القرآن ذاته يدعو إلى هذه النتيجة أيضاً). فقد أوضح "هارت" في أول صفحة من مقدمة كتابه أنه لا يقدم لائحة من هو أعظم، بل من هو أكثر نفوذاً، فيقول: "يجب أن أؤكد بقوة أن هذه اللائحة هي قائمة الشخصيات الأكثر نفوذاً في التاريخ، وليست لائحة أكثرهم عظمة... مثلاً يجد المرء مكاناً في لائحتي لرجل كبير النفوذ عديم الاستقامة والإحساس نظير "ستالين"، ولكنك لا تجد مكاناً للراهبة القديسة "الأم كابريني". إن هذا الكتاب يدور فقط حول السؤال: من كانت المائة شخصية التي كان لها أكبر أثر على التاريخ وعلى سير العالم؟... إن هذه اللائحة من الشخصيات الفذّة - سواء كانت نبيلة أو طالحة يلحقها اللوم، أكانت شهيرة أم غير معروفة، برّاقة أم متواضعة، تبقى لا محالة مشوّقة".
لذا يبين "هارت" أن "الأول" أو "الثاني" في لائحته ليس الأول من ناحية العظمة ولا من ناحية سمو الأخلاق، بل من ناحية تأثيره على أكبر عدد ممكن من الناس في أزمنة وأمكنة عديدة.
يعود المرء إلى محمد، ويجد أن "هارت" يصفه بنفس الكلمة التي وصف بها ستالين الشرير البغيض. عن محمد يكتب "هارت" في ص 34 (أوردها ديدات، ونقل الصفناوي النص إلى العربية في كتيبه ص 15): "أما في المدينة فقد آمن بمحمد كثيرون، واكتسب نفوذاً جعله حاكماً مطلقاً". الكلمة بالإنكليزية هي Dictator وهي نفس الكلمة التي يستخدمها "هارت" في أول كلامه عن "ستالين" (ص 324): "ستالين (واسمه الحقيقي يوسيف فيساريونوفيتش دزوكشفيلي) كان لسنين عديدة "دكتاتور" الاتحاد السوفياتي".
أما استناد ديدات إلى "هارت" ليؤكد أن هذا الكاتب أعلن أن محمداً هو الأعظم، فهو مخالف للنزاهة الأدبية والأخلاقية والعلمية، لأن "هارت" يقول خلاف ذلك تماماً. يقرأ المرء في مقدمة كتاب "هارت" ص 28: "لقد وضعتُ محمداً أعلى من يسوع (أي: قبله في اللائحة) كان ذلك على الأغلب، لاعتقادي بأن محمداً كان يتمتع بتأثير شخصي في صياغة الإسلام أكثر من يسوع في صياغة الدين المسيحي. وهذا طبعاً لا يعني أني أفكر أن محمداً كان رجلاً أعظم من يسوع".
بل إن الفقرة السابقة من الصفحة نفسها من كتاب "هارت" تؤكد تفوّق المسيحية على الإسلام كحركة وفكرة وعقيدة، فتقول: "أحياناً وضعنا في مكانة أعلى (أي من ناحية النفوذ) شخصية تكاد تكون وحدها مسؤولة عن حركة مميزة أو حادثة ذات شأن، وجعلناها أعلى من شخصيةٍ كان لها دور أقل نفوذاً وسيطرة في حركة أكثر أهمية. إن مَثَلاً قوياً لهذا النوع من الظروف هو ترتيبي لمحمد قبل (أي أعلى من) يسوع..."
ويدل كلام "هارت" على أن المسيحية أكثر أهمية من الإسلام، ولكن رأيه الشخصي أن نفوذ محمد الشخصي كان في الإسلام أكثر من نفوذ يسوع الشخصي في المسيحية. وسيتم الخوض في هذا الموضوع لاحقاً.
ويتابع "هارت" في ص 27 إيضاحاته للتمييز "بين الأكثر نفوذاً" والأعظم أخلاقياً أو علمياً بقوله: "لا الصيت ولا الموهبة (أي العبقرية) ولا سموّ الأخلاق ترادف النفوذ (تعليقنا: الأول في النفوذ ليس بالضرورة الأول في الأخلاق أو في الموهبة). هكذا لم يوضع في هذه اللائحة أي من بنيامين فرانكلين ومارتن لوثر كينغ وبيب روث وحتى ليوناردو دافينشي (مع أني أورد بعض هذه الأسماء في "لائحة الشرف" الملحقة). ومن جهة أخرى، لا يكون النفوذ دائماً إيجابياً أو بنيّة سليمة. إن عبقرياً شريراً مثل "هتلر" وارد في هذه اللائحة" (أي بسبب نفوذه وتأثيره وإن كان سلبياً إجرامياً). لذا يردد "هارت" هنا إيضاحه أن الأول في النفوذ ليس دائماً الأول في الأخلاق ولا في الموهبة ولا في الشهرة...