أما حكم "هارت" على نفوذ يسوع في "صياغة" الدين المسيحي فهو مبني على ناحية جانبية سطحية. فالمسيح لم يأت ليعلّم فقط (مع أن "لا أحد تكلم مثلما تكلم هذا الرجل" أي يسوع، حسب شهادة الذين أرسلهم رؤساء الشعب للقبض عليه، يوحنا 7: 46). "أتى ليطلب ويخلِّص ما قد هلك" (لوقا 19: 10). وفي هذا كان أيضاً نفوذه فريداً وعظمته فريدة. وكانت والدته العذراء مريم فريدةً في كونها بتولاً يشهد لها الإنجيل والقرآن معاً. ولم يكن دور يسوع الأساسي "تأسيس دين" بل تكميل الشريعة وإتمامها، وإنقاذ البشر من آثامهم. فلا يجوز لمسيحي حقيقي أن يستهين بدور يسوع ونفوذه: فهو آدم الجديد الذي أصلح خطأ آدم القديم (وهكذا يكون آدم في لائحة النفوذ بسبب سلبية ذلك النفوذ، أما الأول في النفوذ والعظمة فهو السيد المسيح الفادي).
كما لا يجوز لمسيحي صميم أن يُنكر ما ورد في الكتاب المقدس أن يسوع "هُوَ هُوَ أَمْساً واليَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ" (عبرانيين 13: 8) وأن يسوع هو "الأَوَّلُ والآخِرُ، والبداية والنهاية" (رؤيا 22: 13) وأنه "الكلمة" (يوحنا 1: 1). وفي القرآن نقرأ أن "المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ" (النساء 4: 171). يسوع هو الذي "صالح العالم" وأزال الحاجز بين بني إسرائيل وسائر شعوب الأرض (رومية 6: 6 وأفسس 2: 14-16 وكولوسي 1: 19-20 و2: 10-15). أما دور يسوع في إتمام شريعة موسى فهو فريد من نوعه (متى 5: 17-48).
إن جهل "هارت" بهذه الأمور الأساسية لا يجعله يستأهل أن يكون مرجعاً، لا في اللاهوت المسيحي ولا في الحكم على "تأثير" يسوع. وكفى السيد المسيح أن ميلاده السامي أصبح دون غيره - مركز التاريخ الذي قسمه ذلك المولد إلى قسمين: ما قبل الميلاد وما بعد الميلاد. وإذا قال قائل إن هجرة محمد ذات شأن، فإنها بلا شك حادثة اتّخذها المسلمون نقطة انطلاق لتاريخهم، مفضّلين إياها على تاريخ مولد محمد بن عبد الله.
ويقرّ "هارت" بوقوعه في العديد من المطبّات، وإن لائحته ليست مطلقة (ص 31) بل إنها قابلة للاعتراض والرفض. وفي نفس الوقت يعترف بضعفها ومحدوديتها: فيبيّن مثلاً أن شخصيات غير معروفة (مثل الشخصية المجهولة التي اخترعت العَجلات للعربات ثم تطوّرت إلى سيارات فطيارات وغيرها) قد يكون لها - أو أكيد أن لها - أعظم الأثر على تاريخ الإنسانية وحياتها اليومية أكثر من أيٍ من الشخصيات التي وضعها في لائحته (ص 27). وما قاله "هارت" عن الشخصيات المجهولة يمكن أن يمتد إلى التأثيرات الباطنية الروحية داخل النفوس. فهل من تأثير إنسانٍ أكثر من نفوذ "كلمة الله وروح منه" أي المسيح ابن مريم؟ وهل من الضروري أن يظهر ذلك التأثير للملأ؟ أيجوز أن يحكم الناس على "كلمة الله وروح منه؟"