يستشهد "هارت" في أول صفحة من مقدمة كتابه (ص 26) ببعض أقوال فولتير الذي كان قد وافق أن إسحق نيوتن "أعظم رجل" في كتابه رسائل عن "الإنكليز" فيقول: "نحن مدينون بالاحترام والولاء للذي يسيطر على عقولنا بقوة الحقيقة، لا للذين يستعبدون عقولنا بالعنف". أتى السيد المسيح فقيراً لطيفاً، لم يحمل سيفاً، وأمر رسوله بطرس في بستان الزيتون بأن يُغمد سيفه، "لأن كلّ الذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ" (متى 26: 52). وأعلن في (متى 11: 29) "تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ القَلْبِ". ومعظم تلاميذه ورسله ماتوا شهداء، أي ضحايا العنف، لا في حروب ولا في فتوحات ولا غزوات، بل في اضطهادات شنّتها عليهم الوثنية المستهترة واليهودية الساخطة (أعمال الرسل من الفصل الخامس وما بعده).
صحيح أن العنف يؤثر على الناس أكثر من اللطف: الدين الذي ينتشر بالفتوحات العسكرية (وبالتحركات التجارية والزيجات) يمتدّ بسرعة أكثر من الذي ينتشر بالكلمة الهادئة وبالزهد في الدنيا وبعدم العنف. فالمسيحي الذي يعلن إسلامه يمكنه أن يفعل ذلك على صفحات الصحف وأن يظهر على الشاشة، ولكن المسلم (بحسب شريعة الردَّة في الإسلام) لا يقدر أن يغيّر دينه، ويُعتبر مرتداً يُهدر دمه بناءً على الحديث: "من بدّل دينه (الإسلامي) فاقتلوه". ولعله صدى لما ورد في المائدة 5: 54: "يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ".
طبعاً نفوذ القوة وقوة القوة وردع العنف أكثر تأثيراً على عامة الناس من دين مثل المسيحية لا يقتل الذين يرتدّون عنه. ولكن لا شك أن "الإكراه في الدين" له نفوذ على نفوس الضعفاء الجبناء. وكم من مسيحي أعلن إسلامه أمام الملأ. ولكن هل يقدر مسلم أن يُعلن أنه اعتنق المسيحية وأن يبقى متمتّعاً بكل حقوقه، في البلاد العربية والإسلامية؟! وهل يضمن سلامته من القتل؟ وهل من شِيم دين سماوي أن يقتل الذين يحيدون عنه؟
نعم العنف والخوف يؤثران أكثر من اللين واللطف (ولا يعني اللطف ميوعة). ولكن تأثير العنف سلبي بينما تأثير الحرية إيجابي. وإن الله يفضّل أن يعبده الناس طوعاً لا كرهاً، اقتناعاً لا خنوعاً.