الجهاد وأهل الكتاب:
بدأ موقف المسلمين من أهل الكتاب، يهودٍ ومسيحيين، على يد محمد نفسه. فبعد أن نادى بالمودّة والرحمة، وأعلن أن المسيحيين هم أقرب الناس موَدّة للمسلمين، قرر في آخر أيامه أن يُخرِج المسيحيين واليهود من جزيرة العرب8.
فكان بعد موته أن استوعب أتباعه الدرس جيداً، فهذا عمر بن الخطاب يكتب ما عُرِف? "بالوثيقة العُمَرية? ويحدِّد فيها معاملات المسيحيين. ونقدم هذه الوثيقة دون أي تعليق، فنصُّها يتحدث عن نفسه:
عن عبد الرحمن بن غنم : كتبتُ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام، وشرَط عليهم فيه
ألّا يُحدِثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلّاية ولا صومعة راهب،
ولا يجدِّدوا ما خُرِّب،
ولا يمنعوا كنائسهم من أن ينزلها أحدٌ من المسلمين ثلاث ليالٍ يطعمونهم،
ولا يؤووا جاسوساً،
ولا يكتموا غشاً للمسلمين،
ولا يعلّموا أولادهم القرآن،
ولا يُظهِروا شِركاً،
ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوا،
وأن يوقّروا المسلمين،
وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس،
ولا يتشبّهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم،
ولا يتكنّوا بكناهم،
ولا يركبوا سرجاً،
ولا يتقلّدوا سيفاً،
ولا يبيعوا الخمور،
وأن يجُزُّوا مقادم رؤوسهم،
وأن يلزموا زيَّهم حيثما كانوا،
وأن يشدّوا الزنانير على أوساطهم،
ولا يُظهِروا صليباً ولا شيئاً من كتبهم في شيءٍ من طرق المسلمين،
ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم،
ولا يضربوا بالناقوس إلا ضرباً خفيفاً،
ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين،
ولا يخرجوا شعانين،
ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم،
ولا يَظهِروا النيران معهم،
ولا يشتروا من الرقيق ما جَرَتْ عليه سهام المسلمين.
فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه فلا ذمّة لهم،
وقد حلّ للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق,
فإن كان هذا ما حدث في عهد عُمَر الخليفة العادل(!!!!؟؟؟؟؟) فماذا كان يحدث في عهد الخلفاء الظالمين؟! ولكي لا تكون الصورة قاتمة أمامنا، نقول إن الشروط العُمَرية هذه لم يقبلها كل المسلمين، بل رفضها قومٌ منهم، وهناك آخرون (وهم غالبية المسلمين في وقتنا الحاضر) لا يعلمون عنها شيئاً. وتقابل هذه النبرة المتشدّدة نبرةٌ أخرى حانية، فتجد بعضهم يردد حديث محمدعليكم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً (وهو يقصد : إذا فتح الله هاجر المصرية أم إسماعيل، ومارية القبطية أم ولده إبراهيمالقرآن بالمعروف بعضهم يردد آيات (التي يقول آخرون بنسخها) والتي تأمر ). وتجد والصفح، ولا إكراه في الدين.
وبينما يحاول المسلمون تأويل هذه الآية بأنها تدل على روح التسامح وحرية الاختيار في الإسلام، لكن كل من يدرس سياق النص الذي وردت فيه الآية ويقارنها بنص القرآن لا إكراه في الدين لا يجد أنها تدل على أي تسامح. بل على العكس، فهي تعبير واضح عن خيبة أمل نبي الإسلام في أهل الكتاب من يهود ونصارى بعد أن خابت محاولاته وجهوده لكسبهم إلى صفوفه,
وللتعليق نقول:
مرَّت الدعوة الإسلامية بعدة تغيرات جوهرية، فقد كانت في بدء عهدها سلميّة بالحكمة والموعظة الحسنة. ولكن بعد الهجرة إلى المدينة تحوَّلت إلى دعوة عسكرية مسلحة بالْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ (سورة الحديد 57: 25) وكان لا بد لهذه الدعوة التي بدأت سبيلها لتأسيس حكومة دينية، يكون محمد على رأسها، في حماية عسكرية داخل المدينة وخارجها. فكانت شريعة الجهاد طوال الفترة المدنية، وكان التحريض على القتال، وحل مشاكل الإمارة السياسية، وتوزيع الغنائم وتمويل الجيوش (راجع سورتي الأنفال والتوبة).
وبعد وفاة محمد انقسم أصحابه على خلافته، ثم ارتدّ عرب الجزيرة عن الإسلام، مما يدل على أنهم رأوا في رسالة محمد إمارة أكثر منها نبوّة. فأرسل أبو بكر الجيوش إلى كل جهات الجزيرة لردهم إلى الإسلام وسلطانه. ثم بعد فترة كانت الفتوحات أو الغزوات الإسلامية لمصر والعراق والشام، وتأسست أركان الإمبراطورية الإسلامية من أسبانيا إلى إيران.
والأمر الطبيعي أن تجد تضارباً فيمثل هذا الفكر الذي امتدّ فترة زمنية تجاوزت الألف عام قبل انحساره. وأنت اليوم ترى هذاالفكر يحاول الظهور على السطح مرة أخرى من خلال جماعات الإسلام السياسي المنتشرة في معظم الدول الإسلامية، وأن تجد دعاة السلام ودعاة الحرب يحتجون جميعاً بالقرآن والسُنَّة.
قد كان للسيف دور كبير في تاريخ الإسلام، فلولاه ما فُتِحَتْ مكة ولا خيبر. ولولا حروب الردّة ما رجع العرب إلى الإسلام، ولكان اقتدى بالنبي كثيرٌ من المتنبّئين الكذبة واقتطعوا لهم دويلات دينية في أنحاء شبه الجزيرة العربية، ولضاعت على العرب الوحدة الدينية والقومية التي صنعها لهم محمد.