شروط تطبيق الحد:
وضع الإسلام شروطاً لتطبيق حد الزنا تكاد تجعله مستحيلاً إلا إذا اعترف الزاني، فقد اشترطوا رؤية أربعة رجال عدول للزانيَين، ولا تُقبَل شهادة المرأة، وضرورة التأكد من شخصية الزانيين، ورؤية الفعل تفصيلاً وفي وضح النهار, رُوي عن عمر : ارتحل المغيرة وأبو بكرة ونافع بن كلدة وزياد وشبل بن معبد فجمع عمر بينهم (الشهود) وبين المغيرة (الزاني)، فقال المغيرة: سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني: مستقبِلهم أم مستدبِرهم؟ وكيف رأوا المرأة وعرفوها؟ فإن كانوا مستقبِليَّ فكيف لم أستتر؟ أو مستدبِريَّ فبأي شيءٍ استحلّوا النظر إليَّ في منزلي وعلى امرأتي؟ والله ما أتيتُ إلا امرأتي، وكانت شبهها (يعني شبه الزانية). فبدأ عمر بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة. فسأله عمر : كيف رأيتَهما؟ قال: مستدبرهما، قال: فكيف استثبت رأسها؟ قال: تحاملت. ثم دعا بشبل. فشهد بمثل ذلك، وكذلك نافع. ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم، بل قال إنه لم يره كالميل في المكحلة والرشاء (الحبل) في البئر. فأمر عمر بالثلاثة أن يُجلدوا حد القذف,
وتقدم الرواية السابقة نموذجاً رائعاً لمذكرة الاتهام. فالشهود متوافرة، وقد رأوا الواقعة نظراً لظروف البناء وقتها والحد كان على وشك أن يُقام لولا تلجلج زياد في جزئية أورثت شبهة، فما كان من عمر إلا أن طبَّق قول محمد ادرأوا الحدود ما استطعتم عن المسلمين، فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فأخلوا سبيله، فخيرٌ للإمام أن يخطئ في العفو من أن يخطئ في العقوبة,
فكما ترى أن جريمة الزنا في التشريع الإسلامي بأركانها وشروطها جريمة يصعب إثباتها. فإن حدثت بصورة يمكن إثباتها تكون أقرب إلى الفعل العلني الفاضح الذي يفعله شخصٌ لا يتحرّج عن الظهور أمام الناس بما يخدش الحياء. فالزنا إن حدث في الخفاء، أو بغير أن يشهده أربعة موثوق بهم، فإن الزاني يفلت من الحد!
وكان محمد يحاول أن يجد مخرجاً للزاني. ورد في البخاري عن أنس قال: جاء رجل إلى النبي وأنا عنده، فقال: يا رسول الله، أصبتُ حداً فأقِمْه عليَّ. فلم يسأله النبي عنه. وحضرت الصلاة فصلى مع النبي. فلما قضى النبي الصلاة قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله إني قد أصبت حداً فأقم فيَّ كتاب الله. قال النبي: أليس قد صليتَ معنا؟ قال: نعم، قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدك,
وفي حديث ماعز عن ابن عباس قال: لما أتى ماعزُ بن مالك النبيَّ، قال له النبيُّ: لعلك قَبَّلْتَ أو غمزت أو نظرت؟ قال: لا يا رسول الله، قال: أَنِكْتَهَا لا يكني ، قال: نعم، فعند ذلك أمر برجمه (ألم يكن من الأدب أن يقول من أدعى النبوة وكرم الأخلاق لماعز: (هل ضاجعتها) بدل قوله السابق؟)
ولم يقرر محمد رجماً على العبيد والإماء، بل قال: إذا زنت الأمَة، فتبيَّن زناها، فليجلدها ولا يثرب، ثم إن زنت فليجلدها ولا يُثَرِّب عليها، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبلٍ من شعر, فلو كان محمد يقصد قداسة أتباعه لما فرَّق بين أمَة وحُرّة أو أسياد وعبيد.