7 -أحاديث زواج المتعة
زواج المتعة من المواضيع التي أرَّقَتْ كثيرين من علماء المسلمين إلى اليوم، وهو من أكثر المواضيع التي اختلف عليها الفقهاء. فما هو زواج المتعة؟ ولماذا كل هذا الاختلاف حوله؟
طبيعة زواج المتعة:
زواج المتعة هو الزواج لأَجَلٍ (زواج مؤقّت) مقابل أجرٍ (مهر) يُتَّفق عليه بالتراضي، ولو كان قبضةً من تمرٍ أو من دقيق، وينتهي بانتهاء المدة المحدَّدة بغير حاجة إلى إجراءات طلاق. وله حدٌّ أدنى لدى السنّة ثلاثة أيام وليس له حدٌّ أقصى، أما عند الشيعة فقد يكون الأَجَل ساعة وقد يكون عدة سنوات، ويثبت بزواج المتعة نسب الأبناء وميراثهم. أما الزوجة فلا ترث وليس لها نفقة إلا إذا اشترطت ذلك عند الزواج.
وزواج المتعة غير محدد بعدد كالزواج العادي، فقد رُوي عن ابن جريج فقيه مكة أنه تزوج سبعين امرأة بالمتعة تأكيداً لحلِّها. ويجوز إسلامياً تجديد مدة الزواج بعد انتهاء المدة المتفق عليها مرّة ومرّات دون الحاجة إلى محلِّل ( إسلامنا في التوفيق بين السنة والشيعة لمصطفى الرافعي، و روح التشيُّع لعبد الله نعمة وهما مرجعان شيعيان، يؤمن صاحباهما بحلّ المتعة، على عكس أهل السنّة).
بناءً على ما سبق يستطيع أي مسلم من وجهة نظر المُحلِّين للمتعة أن يتزوج أية امرأة مسلمة أو كتابية بعقد زواج محدد (خمس ساعات مثلاً) مقابل مبلغ محدّد يتفقان عليه (عشرة دنانير مثلاً). فإذا انتهت الساعات الخمس انتهى الأمر بلا حاجة للطلاق. (ماذا يفرق هذا عن الزنى …)
أحاديث المتعة:
نظراً لغرابة الموضوع وخطورته وحساسيته، ننقل نصوص أحاديث المتعة كما جاءت في كتب الحديث. وسنكتفي بالتعليق وتوضيح بعض الأمور في نهاية هذا الفصل، مكتفين بذكر روايةٍ واحدة للحديث دون ذكر المكرَّر.
صحيح البخاري:
جاء في صحيح البخاري أربعة أحاديث:
1 - عن أبي طالب أبي طالب قال نَهَى رسول الله عن المتعة عام خيبر وعن لحوم الحمُر الإنسية
2 - عن ابن عباس أنه سُئِل عن متعة النساء فرخّص فيها، فقال له أحد مواليه: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قِلّة أو نحوه فقال ابن عباس : نعم
3 - عن جابر قال: كنا في جيش فأتانا الرسول فقال إنه قد أُذِن لكم أن تستمتعوا، فاستمتِعوا
4 - عن سلمة بن الأكوع عن أبيه عن النبي قال: أيُّما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال. فإن أحبّا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركاً.
صحيح مسلم:
ورد في صحيح مسلم,تسعة وعشرون حديثاً أغلبها مكرر، ولذا سنذكر رواية واحدة لكل حديث دون ذكر المكرر. وجميعها من الباب المذكور:
1 - عن قيس قال: سمعت عبد الله يقول: كنا نغزو مع الرسول ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك. ثم رخَّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أَجَلٍ. ثم قرأ عبد الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَايُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ,(سورة المائدة 5: 87)
2 عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي الرسول، فقال: إن الرسول قد أذن لكم أن تستمتعوا، يعني متعة النساء
3 - قال عطاء : قدم جابر فجئناه في منزله، فسأله قوم عن أشياء. ثم ذكروا المتعة. فقال نعم. استمتعنا على عهد الرسول وأبي بكر أبو بكر وعمر
4 - عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: رخص الرسول عام (أوطاس) في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها
5 - عن سبرة الجُهَنيّ قال: أذن لنا الرسول بالمتعة، فانطلقت أنا ورجلٌ إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء (ناقة فتية). فعرضنا عليها نفسينا. فقالت: ما تعطي؟ فقلت ردائي، وقال صاحبي: ردائي. وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشبَّ منه. فإذا نظَرَت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظَرَت إليَّ أعجبْتُها. ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني. فمكثتُ معها ثلاثاً. ثم إن الرسول قال: مَنْ كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع بهن فلْيُخَلِّ سبيلها,
6 - عن علي بن أبي طالب أنه سمع ابن عباس يُلَيِّن في النساء فقال: مهلاً يا ابن عباس ، فإن رسول الله نهى عنها يوم (خيبر) وعن لحوم الحمر الإنسية
7 - عن ابن الزبير قال: إن أناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم (يعرّض بابن عباس لإصابته بالعمى في آخر حياته) يفتون بالمتعة. فناداه ابن عباس وقال له: إنك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تُفعل على عهد إمام المتّقين رسول الله. فقال ابن الزبير : فجرب بنفسك! فوالله لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك ",,
سنن أبي داود:
1 - عن الزهري قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز ، فتذاكرنا متعة النساء. فقال له رجل يُقال له ربيع بن سبرة: أشهد على أبي أنه حدث أن الرسول نهى عنها في حجة الوداع (لاحظ أنه سبق ذكر ثلاث مناسبات للتحريم، هي غزوة خيبر، وفتح مكة، ويوم أوطاس. وحجة الوداع هي المناسبة الرابعة)
2 - عن الربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي حرَّم متعة النساء
سنن ابن ماجة:
ورد في سنن ابن ماجة ثلاثة أحاديث في باب نكاح المتعة، أحدها عن علي بن أبي طالب عن تحريم المتعة عام خيبر، والثاني عن سبرة عن تحريمها في حجة الوداع، والثالث وهو ما سنذكره لأنه لم يرد في المراجع السابقة. عن عمر بن الخطاب قال لما وَلي الخلافة، أذن النبي لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها. واللهِ لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة. إلا أن يأتيني بأربعةٍ يشهدون أن رسول الله أحلَّها بعد أن حرَّمها
سنن النَّسائي:
ورد في سنن النَّسائي أربعة أحاديث في زواج المتعة، ثلاثة منها تكرار لحديث علي عن تحريمها يوم خيبر، والرابع هو حديث سبرة دون تحديد زمن النهي. غير أن هناك إحدى الروايات تقول عن علي إنه قال: نهى الرسول عن المتعة يوم خيبر. قال المثني يوم حنين، وقال: هكذا حدّثنا عبد الوهاب من كتابه
الملاحظ أن المثني ذكر يوم حنين كمناسبة للتحريم، وهي المناسبة الخامسة.
سنن الترمذي:
ورد في الترمذي حديثان عن المتعة، أحدهما هو حديث علي بتحريمها زمن خيبر، والآخر عن ابن عباس قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام. كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه وتُصلح له شيئه، حتى إذا نزلت إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ (سورة المؤمنون 23: 6) قال ابن عباس : فكل فَرْجٍ سوى هذين فهو حرام
والملاحظ على هذا الحديث اختلافه عمّا هو مشهور من رأي ابن عباس في المتعة.
سنن الدارمي:
جاء في سنن الدارمي ثلاثة أحاديث، كلها سبق ذكرها، وهي تنهى عن المتعة. غير أن كلاً منها يحدد أن النبي نهى عنها في زمنٍ مختلف. فيقول أحدها إن النهي كان عام الفتح، والثاني في حجة الوداع، والثالث في عام خيبر
مُسنَد ابن حنبل:
ورد في مسند ابن حنبل عدة أحاديث عن المتعة معظمها مكرر، وسنكتفي بذكر حديثٍ واحد فقط لأهميته، وهو عن جابر بن عبد الله قال: كنا نتمتع على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم حتى نهانا عمر عنه أخيراً يعني متعة النساء
وللتعليق نقول: لعل القارئ لاحظ غرابة موضوع زواج المتعة وغرابة أحاديثه، ولعله لم يصل أيضاً إلى أي نتيجة بخصوصه، ولم يعلم هل الذي حرمه هو النبي أم عمر بن الخطاب؟ وإن كان النبي حرمه، فهل كان هذا في حجة الوداع أم في عام الفتح، أم في أوطاس، أم في عام خيبر، أم في حُنين؟ أم أنه حرّمه في كل هذه المناسبات جميعاً؟
وإن كان النبي حرّمه في كل هذه المناسبات، فهل هذا يعني أنه كان يبيحه ثم ينهى عنه حسب الحاجة وحسب الظروف؟ أم أنه كان ينهى عنه دون إباحة بين مرات النهي المتعددة؟ ولماذا؟ هل كان ينهى أصحابه عنه لكنهم لا ينتهون، فيضطرّ لنهيهم مرّة أخرى، أم ماذا؟ ولعل القارئ يتعجب إذا عرف أن أصحاب النبي أنفسهم اختلفوا اختلافاً شديداً حول المتعة، فكان من المعارضين له عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير وأبو حنيفة ومالك والشافعي وزيد وابن حنبل وغيرهم. وأما المؤيدون له، فهُم عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وأُبيّ بن كعب وابن جريج أبو جريج وقتادة وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيّب ، وجميع أئمة الشيعة.
والأعجب من هذا هو موقف أهل السُّنة والشيعة حول زواج المتعة، فالسنة يرون أنه زنا وبغاء ودعارة ومحرَّم إلى يوم القيامة، بينما يرى الشيعة أنه زواج لا شُبهة فيه، وأن النبي لم يحرّمه، بل حرَّمه عمر بن الخطاب.
وهنا سؤال مُلحّ: هل المتعة زواج أم زنا؟ وهل قال النبي هذه الأحاديث مع تضاربها، أم لا؟ فإن كان قالها، فما تفسير هذا التضارب؟
وإن لم يكن هو قائلها، فما هي قوة كل كتب الحديث التي روت هذه الأحاديث؟