9 -أحاديث الإمارة (الخلافة)
الخلافة (الإمارة) من الموضوعات الهامة لكل من أراد أن يعرف حال المنطقة العربية طوال 14 سنة هي تاريخ الإسلام، فبناءً على فهم المسلمين للخلافة كان تاريخهم. ولنبدأ من يوم وفاة محمد.
يروي الشيخان (البخاري والمسلم) أن عمر خطب الناس عند عودته من الحجّ، فقال: قد بلغني أن فلاناً منكم يقول: لو مات عمر بايعتُ فلاناً. فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وتمَّت. ألا وإنها قد كانت كذلك. ألا إن الله وقى شرها، وليس فيكم اليوم من تُقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر ، وإنه كان من خيرنا حين تُوفي الرسول، وإن علياً والزبير بن العوام ومَنْ معهما تخلَّفوا في بيت فاطمة، وتخلّفت الأنصار عنّا بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، أبي بكر فقلت له: يا أبا بكر أبي بكر ، انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار. فانطلقنا نؤمّهم حين لقينا رجلين صالحين، فذكرا لنا الذي صنع القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلت: نريد إخواننا من الأنصار فقالا: عليكم ألّا تقربوهم، واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين. فقلت: والله لنأتينَّهم. فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظهرانيهم رجل مُزمَّل، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة ، فقلت: ما له؟ قالوا: وَجِع. فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، وقال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منّا، وقد دفَّت دافة منكم (أي المهاجرون) تريدون أن تختزلونا (أي الأنصار) من أصلنا وتحضنونا من الأمر (أي الخلافة). فلما سكت أردت أن أتكلم وقد كنت زوَّرت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر، وقد كنت أداري منه بعض الحد، وهو كان أحلم مني وأوقر. فقال أبو بكر : على رِسْلِكَ فكرهت أن أغضبه، وكان أعلم مني، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بداهته مثلها وأفضل منها، حتى سكت، فقال: أما بعد فما ذكرتم فيكم من خير فأنتم أهله، ولم تعرفوا هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايِعوا أيَّهما شئتُم. فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح أبو عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، وكان والله أُقَدَّم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحبُّ إليَّ من أن أتأمَّر على قوم فيهم أبو بكر. أبو بكر فقال قائل من الأنصار: أنا جزيلها المحكَّكُ، وعُذَيقها المرجب (أي أنه الجمل الذي يحتك لجربه) والغصن المتشعّب، (أي الذي يخالف الناس ولا يوافق على ما قيل)، مِنّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده، فبايعتُه وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار. أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمراً هو أوفق من مبايعة أبي بكر أبو بكر ، خشينا إن فارقنا القوم، ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما أن نبايعهم على مالا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فيه فساد هذا الحديث من أطول وأوضح الأحاديث عن الخلافة، وقد رويناه كاملاً لعدة أسباب منها:
1 - الراوي: الشيخان، البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهما أصح كتب الحديث عند المسلمين.
2 - المروي عنه: عمر بن الخطاب ، ثاني الخلفاء، وهو الذي قال فيه محمد : بينما أنا نائم أُتيت بقدح لبن، فشربت حتى أنِّي لأرى الرّيَّ يخرج في أظفاري. ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب بن الخطاب. قالوا: فما أوَّلته يا رسول الله؟ فقال: العلم.
3 - وقت الرواية: يوم موت النبي وهو مُسجى في البيت لم يُدفن بعد.
4 - موضوعها: الخلافة وهي من المسائل الهامة للدولة الوليدة.
5 - الحاضرون: أبو بكر وعمر وغيرهما من كبار المهاجرين، وسعد بن عبادة وغيره من كبار الأنصار.
6 - الغائبون: علي بن أبي طالب ، وهو من محمد بمنزلة هارون من موسى والزبير بن العوام ، وهو حواريّ النبي
7 - النتيجة: مبايعة أبي بكر الصديق. أبي بكر الصديق
قريش و السقيفة :
من الغريب وجود عدّة أحاديث صحيحة مع وجود الحديث السابق، أو مع حدوث حادث السقيفة، فقد طلب الأنصار أمر الخلافة لأنفسهم رغم وجود حديث يقول: لا يزال هذا الأمر (الخلافة) في قريش ما بقي منهم اثنان ألم يكن أبو بكر وعمر وسعد بن عبادة وجميع من في السقيفة يعلمون بهذا الحديث، وهم من كبار أصحاب محمد ؟ أم أن هذا الحديث مُختلَقٌ رغم وجوده في صحيح البخاري؟
ثم كيف يتفق موقف أبي بكر في محاولته أخذ البيعة لعمر أو لأبي عبيدة مع وجود حديث في صحيح مسلم عن عائشة قالت: قال لي رسول الله في مرضه: ادعي لي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنَّى مُتمنٍّ ويقول قائل: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر
فهل كان أبو بكر يجهل هذا الحديث وهو من هو؟ أم أنه كان يعلمه ويخالفه؟
ثم إذا كان هذا الحديث صحيحاً، لأنه ورد في صحيح مسلم، وحديث السقيفة صحيح لأنه ورد في البخاري ومسلم، فما هو موقف الحديث الصحيح الذي يرويه ابن سعد في طبقاته في باب ذكر ما قال العباس لعلي ج 2 ، حيث يقول عن فاطمة بنت محمد إنها قالت: لما توفي رسول الله قال العباس : يا علي ، قم حتى أُبايعك ومن حضر، فإن هذا الأمر، إذا كان، لم يرد مثله. والأمر في أيدينا. فقال عليّ : وأحدُ؟ (يعني يطمع فيه غيرنا). فقال العباس : أظن والله سيكون! فلما بويع لأبي بكر رجعوا إلى المسجد فسمع علي التكبير، فسأل: ما هذا؟ فقال العباس : هذا ما دعوتُك إليه فأبيتَ عليَّ! فقال عليّ : أيكون هذا؟ فقال العباس : ما رُدّ مثلهذا قط! فقال عمر : قد خرج أبو بكر من عند النبي، حين توفّي وتخلّف عنده عليّ وعبّاس والزُّبير ، فذلك حين قال عبّاس هذه المقالة,
فهذا الحديث يؤكد أن عليّاً حاول أن يكون الخليفة. فهل يجهل علي حديث خلافة أبي بكر وهو باب مدينة العلم؟ ثم كيف سلّم عليٌّ بالخلافة لأبي بكر ، رغم عدم مبايعة علي لأبي بكر ؟ وهناك عشرات الأحاديث الصحيحة التي تؤكد أن الخلافة من حق علي دون غيره، كما نذكر مثلاً لا حصراً:
1 - عن جابر، قال النبي وهو أخذ بضبع علي (ما بين الإبط إلى نصف العضد): هذا إمام البرَرة، قاتل الفجَرة، منصورٌ من نصَرَه، مخذولٌ من خَذَله,
2 - روى الحاكم عن محمد قوله: أُوحي إليَّ في علي ثلاث: أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين,
3 - قول النبي لعلي : مرحباً بسيد المسلمين، وإمام المتقين,
حديث غدير خم:
عن زيد بن أرقم، قال: لما دفع النبي من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقام فينا خطيباً فقال: كأني دُعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفونني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم قال: إن الله مولاي، وأنا وليُّ كل مؤمن ثم إنه أخذ بيد علي، فقال: من كنت وليُّه فهذا وليه. اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه
فكيف يترك علي الخلافة وهناك كل هذه الأحاديث التي تكاد تصل من صحتها (حسب رأي علماء الحديث) حد التواتر، وقد يقول قائل: إن علياً ترك الخلافة تواضعاً. فنجيبه بقول علي نفسه في نهج البلاغة مُعرِّضاً بأبي بكر وعمر : أما والله لقد تقمَّصها (لبسها كالقميص) فلان (يقصد أبا بكر) وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرَّحا. ينحدر عني السيل، ولا يرقى إليَّ الطَّير، فسدَّلتُ (أرخيت) دونها (أي الخلافة) ثوباً، وطويتُ عنها كشحاً (مِلتُ عنها) وطفقتُ أرتئي بين أن أحول بيد جذَّاء (مقطوعة)، وأصبر على طخية (ظلمة) عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه! فرأيت أن الصبر على هاتي أحجى (ألزم). فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى (جرحاً). أرى تراثي نهباً، حتى مضى الأوَّل لسبيله (أبو بكر )، فأدلى بها إلى فلان (عمر) بعده، فيا عجباً!! بينما هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر (يعني عثمان) بن عفان بعد وفاته - لشدَّ ما تشطّرا ضرعيها (أي اقتسمها أبو بكر وعمر) (نهج البلاغة - الخطبة الشقشقية). فهذا علي لا يرغب عن الخلافة بل يرغب فيها.
فهل كان عليٌّ يجهل كل هذه الأحاديث في حقه، ومنها حديث غدير خم الذي كان هو حاضرهُ، فيحتج بها عليهم؟ أم أن كل هذه الأحاديث موضوعة؟.. وإن كانت موضوعةً، فما هو موقف الكتب التي تروي هذه الأحاديث، وهي كل كتب الحديث عند المسلمين تقريباً؟
معاوية والسفاح:
القارئ لأحاديث الخلافة ولأحاديث فضائل الصحابة يتعجب أشد العجب حين يجد أن النبي أوصى بالخلافة بعده لكلٍ من عمر وأبي بكر وعثمان بن عفان وعلي, ليس هذا فقط، بل هناك حديث عن عبد الملك بن عمير قال: قال معاوية: ما زلتُ أطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله: يا معاوية، إذا ملكتَ فأحسِن, رواه الطبراني وابن أبي شيبه وهناك حديث آخر عن أبي سعيد الخدري أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله قال: يخرج رجل من أهل بيتي، عند انقطاعٍ من الزمان وظهورٍ من الفتن، يُقال له السفاح، فيكون إعطاؤه المال حثياً
وهكذا لو شاء القارئ لوجد أحاديث في خلافة أي شخصٍ ممن حكموا طوال فترة الحكم الإسلامي للمنطقة العربية. والأعجب أنه سيجد أن معظم هذه الأحاديث، إن لم يكن كلها، مطعون في صحتها، إما من حيث السند أو المتن أو كليهما، رغم ورودها في كتب الأحاديث الصحيحة.
وللتعليق نقول:
بُدئ في جمع الأحاديث عام 25 هـ تقريباً، أي بعد موت محمد بنحو 24 سنة، فكان كل خليفة يأمر بأن توضع له الأحاديث في أحقيته بالخلافة، أو كان يضعها المنافقون ليتكسَّبوا بها أقواتهم. فهؤلاء لم يكن يعنيهم مَنْ هو الخليفة بقدر ما كان يعنيهم مَنْ الذي سيدفع أكثر، حتى وصل الأمر بشخصٍ كأبي هريرة الذي كان يُلقَّب بشيخ المضيرة (وهي نوع من الحلوى) أنه كان يأكل مع معاوية، فإذا حضرت الصلاة صلى خلف علي. فإذا سُئل في ذلك قال: مضيرة معاوية أدسم وأطيب، والصلاة خلف علي أفضل
ولم يتوقف الأمر عند هذا، بل ظهر من العلماء مَن ينكر مفهوم الخلافة جملة وتفصيلاً، ومنهم الشيخ علي عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم والعشماوي في الخلافة الإسلامية وفرج فودة في الحقيقة الغائبة. وهؤلاء مفكرون مسلمون لهم شأن! لكن الأمر لم يستمر، فقد كان هناك الإسلام الآخَر أو الإسلام السياسي الذي قام بتكفير هؤلاء، فصدرت كتب تكفّر مَنْ ينكر الخلافة مثل كتاب الخلافة لعبد الرازق السنهوري وكتاب كلمة حق للدكتور عمر عبد الرحمن وكتاب الشهادة للشيخ صلاح أبو إسماعيل وكتاب الحكومة الإسلامية لأبي الأعلى المودودي، وكتاب آخر بنفس العنوان لآية الله الخميني,
لهم جميعاً ولأتباعهم نقول: أعطونا ما اتفقتم عليه لنناقشه معكم. أرونا مصدراً واحداً في الحديث تتَّفقون على صحته، لنناقشه معكم.