(أ) معجزاته:
راج أدب الخرافات والأعاجيب في الأوساط الصوفية والشعبية رواجاً باهراً وصارت تُردد وتُنقل من جيل إلى آخر. نبدأ بالمعجزات لأنها تشكّل نصف الأخبار الموضوعة عن المسيح على أقل تقدير.
قال وهب: كان أول آية رآها الناس من عيسى أن أمه كانت نازلة في دار دهقان من أرض مصر، أنزلها بها يوسف النجار حين ذهب بها إلى مصر. وكانت دار ذلك الدهقان تأوي إليها المساكين. وحدث أن سُرق الدهقان، فحزنت مريم لمصيبته. فلما رأى عيسى حزن أمه لمصيبة صاحب ضيافتها، قال لها: يا أماه، أتحبين أن أدله على ماله؟ قالت: نعم يا بُنيَّ. قال لها: قولي له يجمع المساكين. فلما اجتمعوا عمد إلى رجلين منهم، أحدهما أعمى والآخر مقعد. فحمل المقعد على عاتق الأعمى وقال له: قم به. فقال الأعمى: أنا أضعف عن ذلك. فقال له عيسى: كيف قويت على ذلك البارحة؟ فلما سمعوه يقول ذلك ضربوا الأعمى حتى قام. فلما استقل قائماً هوى المقعد إلى كوة الخزانة. فقال عيسى للدهقان: هكذا احتالا على مالك البارحة، لأن الأعمى استعان بقوته والمقعد بعينيه. فقال الأعمى: صدق والله. فردّا على الدهقان ماله كله، فأخذه الدهقان ووضعه في خزانته وقال: يا مريم خذي نصفه، فقالت: إني لم أُخلق لذلك. قال الدهقان: فأعطيه لابنك، قالت: هو أعظم مني شأناً.
ثم لم يلبث الدهقان أن أعرس لابن له فصنع له عيداً، فجمع عليه أهل مصر كلهم فكان يطعمهم شهرين. فلما انقضى ذلك زاره قوم من أهل الشام ولم يعلم الدهقان بهم حتى نزلوا به وليس عنده يومئذ شراب، وكانت كل جراره خاوية. فلما رأى عيسى مرَّر يده على أفواهها وهو يمشي فكلما أمر يده على جرة امتلأت شراباً حتى أتى عيسى على آخرها وهو يومئذٍ ابن اثنتي عشرة سنة,
قال وهب: بينما عيسى يلعب مع الصبيان إذ وثب غلام على صبي فوكزه برجله فقتله، فألقاه بين يدي عيسى وهو ملطخ بالدم، فاطلع الناس عليه فاتهموه به فأخذوه وانطلقوا به إلى قاضي مصر فقالوا له: هذا قتل هذا. فسأله القاضي، فقال عيسى: لا أدري من قتله وما أنا بصاحبه. فأرادوا أن يبطشوا بعيسى عليه السلام فقال لهم: ائتوني بالغلام. فقالوا له: ما تريد به؟ قال: أريد أن أسأله من قتله. قالوا: وكيف يكلمك وهو ميت؟ فأخذوه وأتوا به إلى مقتل الغلام. فأقبل عيسى على الدعاء فأحياه الله تعالى فقال له عيسى: من قتلك؟ قال: قتلني فلان (على الذي قتله).فقال بنو إسرائيل: مَن هذا؟ قال: هذا عيسى ابن مريم. قالوا: فمن هذا الذي معه؟ قال: قاضي بني إسرائيل. ثم مات الغلام من ساعته.
فرجع عيسى إلى أمه وتبعه خلق كثير من الناس فقالت له أمه: يا بنيَّ، ألم أنهك عن هذا؟ فقال: إن الله حافظنا وهو أرحم الراحمين,
ويقولون: إن عيسى لما أسلمته أمه إلى الكتّاب ليعلمه المعلم، قال له المعلم: اكتب بسم الله فقال له عيسى عليه السلام: ما بسم الله؟ قال المعلم: لا أدري. فقال له: باء بهاء الله، سين سناؤه، ميم ملكه، والله إله الآلهة والرحمان رحمان الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة. أبجد: الألف ألاء الله، الباء بهاء الله، جيم جمال الله، دال الله دائم. هوز: الهاء الهاوية، الواو ويل لأهل النار، الزاي واد في جهنم. وحطي: الحاء الله الحكيم، الطاء الله الطالب لكل حق حتى يؤديه، والياء آي أهل النار وهو الوجع. كلمن: كافن الله الكافي، لام الله العليم، ميم الله الملك، نون البحر. سعفص: سين الله السميع، والعين الله العالم، والفاء الله الفرد، وصاد الله الصمد. قرشت: قاف الجبل المحيط بالدنيا الذي أخضرت منه السموات، والراء رأي الناس لها، والشين شيء لله، والتاء تمت أبداً.
وروي في الخبر أن عيسى عليه الصلاة والسلام مرَّ بقرية فيها جبل، وفي الجبل بكاء وانتحاب كثير. فقال لأهل القرية: ما هذا البكاء وهذا الانتحاب في هذا الجبل؟ قالوا: يا عيسى منذ سكنا هذه القرية نسمع هذه البكاء. وهذا الانتحاب بهذا الجبل. فقال عيسى عليه السلام: يا رب ائذن لهذا الجبل أن يكلمني. فأنطق الله الجبل فقال: يا عيسى أنا الجبل الذي كانت تُنحت مني الأصنام التي يعبدونها دون الله فأخاف أن يلقيني الله تعالى في نار جهنم. فإني سمعت الله يقول: واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة. فأوحى الله إلى عيسى عليه الصلاة والسلام أن قُل للجبل اسكن فإني قد أعذته من جهنم,
روي عن عيسى عليه السلام أنه دخل على نار توقدت على رجل في البرية فأخذ عيسى ماء ليطفئها عنه فانقلبت النار غلاماً وانقلب الرجلناراً. فبكى عيسى عليه السلام وقال: يا رب ردهما إلى حالهما الأول حتى أرى ما ذنبهما. فانكشفت تلك النار عنهما فإذا هما رجل وغلام. فقال الرجل: يا عيسى أنا قد كنت في دار الدنيا مبتلى بحب هذا الغلام، فحملتني الشهوة إلى أن فعلت به ليلة الجمعة ثم فعلت به يوماً آخر، فدخلعلينا رجل فقال لنا: يا ويلكم! اتقوا الله. فقلت له: أنا لا أخاف ولا أتقي. فلما مت ومات الغلام صيَّرنا الله عز وجل إلى ما ترى. يصير ناراً فيحرقني مرة، ومرة أصير ناراً فأحرقه. فهذا عذابنا إلى يوم القيامة,
قال كعب الأحبار: إن عيسى عليه السلام مر ذات يوم بوادي القيامة وهي عشية يوم الجمعة عند العصر، فإذا بجمجمة بيضاء نخرة قد مات صاحبها منذ أربع وتسعين سنة، فوقف عليها متعجباً منها وقال: يا رب ائذن لهذه الجمجمة أن تكلمني بلسان حتى تخبرني ماذا لقيت من العذاب وكم أتى عليها منذ ماتت وماذا عاينت وبأي هيئة ماتت وماذا كانت تعبد. قال: فأتاه نداء من السماء فقال: يا روحَ الله وكلمتَه، سَلْها فإنها ستخبرك. فصلى عيسى ركعتين، ثم دنا منها فوضع يده عليها، فقال عيسى: أيتها الجمجمة النخرة. قالت: لبيك وسعديك، سلني عما بدا لك. قال: كم أتى عليك مذ مت؟ قالت: ما نفس بعد الحياة ولا روح تحصي السنين. فأتاه نداء أنها قد ماتت منذ أربع وتسعين سنة فسلها. قال: فبماذا مت؟ قالت: كنت جالسة ذات يوم إذ أتاني مثل السهم من السماء فدخل جوفي مثل الحريق، وكان مثلي مثل رجل دخل الحمام فأصابه حره فهو يلتمس الروح مخافة على نفسه بأن تهلك. قال فأتاني ملك الموت ومعه أعوان وجوههم مثل وجوه الكلاب بادية أنيابهم زرق أعينهم كلهبان النار، بأيديهم المقامع يضربون وجهي ودبري فانتزعوا روحي فكشطوها عني. ثم وضعها ملك الموت على جمرة من جمار جهنم ثم لفها في قطع مسح من مسوح جهنم فرفعوا روحي إلى السماء فمنعتهم السماء أن يدخل وأغلقت الأبواب دونها. فأتاني نداء أن ردوا هذه النفس الخاطئة إلى مثواها ومأواها,
عن كعب الأحبار قال: مرَّ عيسى بجمجمة بيضاء فقال: يا رب هذه الجمجمة أحيِها. فأوحى الله تعالى أن أشِح بوجهك. ففعل. ثم حّوَل وجهه فإذا شيخ متكئ على كارة من بقل فقال: يا عبد الله سل على حتى ألحق بالسوق. قال: وما شأنك؟ قال: قلعت هذا البقل من هذه المبقلة وغسلته في هذا النهر وغلبتني عيني. قال وخيل إليه ما كان فيه. قال فسأله عيسى عليه السلام عن القوم الذي هو منهم، فإذا بين المسيح وأولئك خمسمائة عام, رُوي أن عيسى عليه السلام مر بجمجمة فضربها برجله فقال: تكلمي بإذن الله. فقالت: يا روح أنا ملك زمان وكذا وكذا. بينما أنا جالس في مُلكي عليَّ تاجي وحولي جنودي وحشمي على سرير ملكي إذ بدا لي ملك الموت، فزال مني كل عضو على حياله ثم خرجت نفسي إليه، فيا ليت ما كان من تلك الجموع كان فرقة، ويا ليت ما كان من ذلك الأنس كان وحشة, فكذلك من لا يعمل بعلمه يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد,
وهناك روايات تحمل مسحة النص الإنجيلي: رُوي عن عيسى أنه قال: ماذا يُغني عن الأعمى حمل السراج ويستضيء به غيره؟ وماذا يغني عن البيت المظلم أن يكون السراج على ظهره؟ وماذا يغني عنكم أن تتكلموا بالحكمة وما تعملون بها,
وهذه الروايات الصوفية تنقل لنا مواعظ المسيح باعتباره واعظاً صوفياً ينفّر الناس من الدنيا ويدعوهم إلى الزُّهد. قال المسيح: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمّروها. قالوا: يا نبي الله، إنا نريد أن نبني بيتاً نجتمع فيه لنعبد ونتدارس، فاختر لنا موضعاً نبني فيه. فقال: تعالوا. فمشوا معه فوقف على قنطرة وهي مدرجة للناس لا يدَعونا فيها. كذلك الدنيا مدرجة للموتى وأنتم تبنون عليها ولا يدَعونكم فيها. قيل لعيسى علِّمنا عِلماً شيئاً واحداً يحبنا الله عليه. قال: أبغضوا الدنيا يحبكم الله, قال الحواريون: يا روح الله نحن نصلي ونصوم ونذكر الله تعالى كما أمرتَنا ولانقدر أن نمشي على الماء كما تمشي أنت. قال: أَخبروني كيف حبكم للدنيا. قالوا: إنا لنحبها. فقال: إن حبها يفسد الدين لكنها عندي بمنزلة الحجر والمدر, وقال: ما لكم تأتون ثياب الرهبان وقلوبكم قلوب الذئاب الضواري. البسوا ثياب الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية,
وأحياناً تُذكر آيات إنجيلية بصورة حرفية: رأيت في الإنجيل قال عيسى ابن مريم عليه السلام: لقد قيل لكم من قبل إن السنّ بالسن والأنف بالأنف، وأنا أقول لكم: لا تقاوموا الشر بالشر، بل من ضرب خدك الأيمن فحّوِل إليه الخد الأيسر. ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك. ومن سخّرك لتسير معه ميلاً فسِر معه ميلين,