(د) وفاة عيسى:

إن ما ورد عن وفاة عيسى من أخبار في المصادر ليست أقل غرابة مما قلنا إلى الآن عن حياته الأرضية ومجيئه الثاني إلى الدنيا: عن أبي هريرة: قال رسول الله: الأنبياء علات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، أوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً إنه نازل على أمتي وخليفتي عليهم، فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الشعر كأن رأسه تقطّر ولم يصبه بلل، ينزل بين مخصَّرتين ثم يلبث في الأرض أربعين سنة ويتزوج ويولد له، ويتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه في المدينة بجنب عمر. اقرأوا إن شئتم: ومن أهل الكتاب إلا ليؤمنن به، قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً (سورة النساء 159) أي قبل موت عيسى, وتخبرنا رواية أخرى عن مدفن عيسى بالتحديد: عن عائشة قالت: قلتُ: يا رسول الله إني أرى أني أعيش بعدك فتأذن لي أن أُدفن بجنبك؟ فقال: وأين لي بذلك الموضع ما فيه إلا قبري وقبر أبي بكر وعمر وعيسى ابن مريم, وفي رواية: إذا أهبط الله عيسى ابن مريم يعيش في هذه الأمة ما يعيش ثم يموت في مدينتي هذه ويُدفن إلى جانب قبر عمر، فطوبى لأبي بكر وعمر يحشران بين نبيين!,

ونختم بوصية الله لعيسى باتباع وإرضاء محمد كما ورد ذكر ذلك في المصادر الشيعية: أوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي، فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر والوجه الأقمر المشرق النور القاهر القلب الشديد البأس.. فإنه رحمة للعالمين، سيد ولد آدم يوم يلقاني، أكرم السابقين عليّ وأقرب المرسلين من العربي الأمي، الديان بديني الصابر في ذاتي المجاهد المشركين ببدنه عن ديني أن تخبر به بني إسرائيل وتأمرهم أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يطيعوه وينصروه.. قال عيسى: إلهي، فمن هو حتى أرضيه فلك الرضى؟ قال: هو محمد رسول الله إلى الناس كافة، أقربهم مني منزلة وأحبهم عندي شفاعة. طوبى له من نبي وطوبى لأمته أن لقوني على سبيله. يحمده أهل الأرض ويستغفر له أهل السماء أمين فيموت طيب مطيب، خير الباقين عندي.. كثير الازدواج قليل الأولاد يسكن مكة موضع أساس إبراهيم,

بعد أن قرأنا تلك الأخبار، الصحيحة منها والموضوعة لدى المحدثين عن عيسى ابن مريم كما يتصوره محمد والوضاعون من الصوفيين، يمكننا القول إن هذه الروايات وإن كانت في الأغلب مجرد خرافات تحمل في طياتها ما يوحي للقارئ بمصدرها الحقيقي، وتدل في معظم الأحيان على أن أصحابها قد اعترفوا بأن عيسى شخصية تفوق سائر البشر، وإن لم يؤمنوا به كمخلصهم الشخصي. غير أن صورة المسيح تبقى في تلك الآثار مشوَّهة وغريبة عن الرسالة الإنجيلية كما هو الحال في القرآن نفسه. فالمسيح كما وصفه محمد والوضاعون هو مسيح الإسلام (أو المسيح المسلم)!

الصفحة الرئيسية