وجود
الكون:
من المسلّم به أنّ كلّ معلول لا بدّ
له من علّة سابقة وكافية لإحداثه. فالكون أو
العالم غير أزليّ، ولا هو كوّن نفسه. لذلك فهو
معلول، أي له علّة خارجيّة عنه، كافية
لإحداثه. وهذا بالطبع يستلزم الاعتراف بأنّ
للعلّة وجوداً حقيقيّاً دائماً. فاللاشيء لا
يمكنه أن يوجد شيئاً. والأدلّة على عدم أزليّة
الكون متعدّدة نكتفي بذكر اثنتَين منها:
(أ)إنّ العالم على هيئته الحاضرة
متغيّر باستمرار. وكلّ متغيّر مُحدَث، أي أنّ
لديه بداية.
(ب)إنّ الانقلابات الجيولوجيّة التي
توالت على العالم وأحدثت فيه تغييرات عظيمة
وكثيرة تبيّن أنّه غير أزليّ. أمّا القول بأنّ
الكون واجب الوجود فمخالف لحكم العقل السليم،
لأنّ العالم مركّب من عناصر عديدة. وكلّ مركّب
معلول أي حادث، وشهادة الاكتشافات الطبيعيّة
الجديدة تبيّن أنّ العالم صنعته يد واحدة،
لأن ما فيه من المخلوقات مركّب ومنظّم بقوّة
عقل واحد، ممّا يؤكّد كلّ التأكيد وجود خالق
عظيم هو علّة العلل.
هناك بعض أقوال علماء الجيولوجيا
والطبيعة التي تبرهن أنّ الأرض التي نعيش
عليها محدَثة:
(1)إنّ كلّ أنواع الحيوانات
والنباتات المعروفة الآن حديثة العهد
بالنسبة لمدّة وجود العالم.
(2)إنّ الموادّ الخالية من الحياة لا
يمكن أن تولّد حياةً في نفسها ولا في غيرها.
وإنّما الحياة وحدها تحدث الحياة. وفي تعبير
آخر أنّه لا حيّ إلاّ من حيّ.
(3)لم يتبرهن بعد الفحص الكافي أنّ
نوعاً من المخلوقات الحيّة استحال إلى آخر.
فيلزم من هذا المبدأ أنّ لكلّ حيوان ونبات
بداءة. وكلّ ما له بداءة فهو مخلوق، والمخلوق
لا بدّ له من خالق.