حقيقة لاهوت يسوع المسيــح
بقلم جوش مكدويل و بارت لارسون
مقدمة
في بداية دراستي للمسيحية كنت اهدف إلى تأليف كتاب يهزأ بها ويسخر منها. وكنت أعتقد أنني سأتعامل إما مع أيديولوجية (عقيدة) لاهوتية أو مـع فرضية فلسفية صيغت فـي تعابير واصطلاحات لاهوتية. لـم تكن المسيحية بالنسبة لي إلاّ ديانة مؤسسة على تعاليم مؤسسها، وكنت أعتقد أنها تحوي مبادئ دينية بسيطة يحيا بها المرء، أو مقياساً يحاول الوصول إليه.
غير أني اكتشفـت، بـعـد بـحث موسع، أن المسيحيـة ليست ديناً يحاول فيـه الناس رجالاً ونساءً أن يصلوا إلى اللـه من خلال أعمالهم الصالحة، وأنها ليست طاعـة لنمط من أنمـاط الطقوس الدينية. بل هي بالأحرى علاقة مع اللـه الحي مـن خلال ابنه يسـوع المسيح. وما أدهشني أنني وجدت شخصاً، لا ديناً. هذا الشخص قال أقوالاً، وفعل أفعالاً وأطلق تصريحات مذهلة عن نفسه، مع مطالب عميقة بعيدة المدى على حياتي. كان يسوع مختلفاً عن كل ما توقعته. كان القادة الدينيون الآخرون يقدّمون تعاليمهم ويضعونهـا فـي الواجهة. أما يسوع فقدّم نفسه. كان القادة الآخرون يسألون، "ما مدى استجابتكم لتعاليمي؟" أما يسوع فكان يسأل "ما هي علاقتكم بي؟"
أدّى بي صراعي الشخصي إلى مواجهة مع شخص - يسـوع المسيح. لكن هل كان فعلاً كما قال عن نفسه؟
لقد بينّت في مؤلفاتي الأخرى (كتاب وقرار، نجار وأعظم، عـامـل القيامة، الخ ..) بعض البراهين الكتابية والتاريخية التي أقنعتني أن يسوع المسيح هو ابن اللـه. لقد أحسست منذ كتابتي لهذه المؤلفات أن هناك حاجة لكتاب يركِّز على ما يقوله يسوع في الكتاب المقدس الذي يؤكد أنه اللـه الذي صار إنساناً، اللـه المتجسد. دعوني أعرض لكم مع زميلي بارت النتائج التي توصلنا إليها في دراستنا.
يسوع المسيح هو الله.
1. اللـه
2. الثالوث الأقدس
3. يسوع المسيح
لو طلب أحدهم إلى مجموعة من الخبراء الدينيين الذين ينتمون إلى عقائد أو ديانات مختلفة أن يشتركوا في ندوة عن طبيعة اللـه وكيفية إعلانه عن ذاته، لحصل على آراء مختلفة تصل في عددها إلى نفس عدد هؤلاء الأشخاص، وستتناقض الإجابات عـن بعض الأسئلة مع إجابات الآخرين. وإذا افترضنا بأن الحقيقة غير نسبية، فـلا يمكن أن تكون جميع هذه الإجابات صحيحة. فمثلاً، إذا قال أحدهم بأن اللـه إله شخصي وقال آخر بأنـه غير شخصي، فمن الواضح إذاً إن أحدهما مخطئ. فمن يستطيع أن يقول القول الفصل في طبيعة اللـه؟ لا بد أن يكون هذا الشخص الوحيد هو اللـه نفسه.
وماذا يحدث لو أن أحد هؤلاء الأعضاء المشـتركين فـي الندوة وقف وقال، "حتى أُزيل كل هذا الارتباك وسوء الفهم حول اللـه، فإني أعلن لكم بأني أنا اللـه! أنا هو الطريق والحق والحياة!"
إن مثل هذا الزعم يدخل بنا إلى دائرة الأمور التي يمكن التحقق منها. فإما أن يكون هذا الشخص مصاباً بالذّهان أو الاضطراب العقلي ويعاني من جنون العظمة وأوهامها، وإما أن يكون مخادعاً يحاول أن يجعل الناس يصدقون أكبر كذبة فـي التاريخ، وإما أن يكون اللـه بالفعل.
هذا هو تماماً ما قاله يسوع عن نفسه، فليس في مقدورنا أن نقول إن يسوع كان "مجرد" إنسان صالح أو "مجرد" معلم صالح. فالمعلمون الأخلاقيون الصالحون لا يمتهنون الكذب، سواء كانوا متعمدين أو غير متعمدين ذلك خاصة إذا كان الموضوع يتعلق بكونهم اللـه العلي. وهم لا يضعون أنفسهم كموضوع للإيمان والعبـادة أو يجعلون ألوفاً لا تحصى من الناس تموت من أجل إيمانها باسمهم. دعونا نضع هذه الأفكار نصب أعيننا ونحن ندرس بعض الطــرق التي يمكننا بواسطتها أن نقرر ما هو حق بالنسبة لـلـه.
يؤمن مؤلفا هذا الكتاب بأن اللـه أعلن عن نفسه بطرق متنوعة، لكن يمكـن اختبار كل طريقة منها اختباراً موضوعياً بواسطة أسمى إعلانين له وهما الكتاب المقـدس وشخص يسوع.
فيما يتعلـق بالكتاب المقدس، فإنه يختلف عن غيره من الكتابات المقدسة الأخـرى بأنه يقول بشكل قاطع لا يحتمـل اللبّس بأنه وحده كلمة اللـه. إنّ معظم الأشخاص المهتمين بموضوع ألوهية المسيح يقبلون الكتاب المقدس كوحي من اللـه. ولهذا فإننا سنفترض، لأغراض كتابنا هذا بأن الكتاب المقدس موثوق به تاريخياً، وأنه كلمة اللـه لنا، وأنه الدليـل الوحيـد الصادق لتقرير ما إذا كان المسيح بالفعل هو اللـه المتجسد أم لا.
لنكن صريحين حول سبب إحساسنا بأهمية هذه النقطة بالذات. إن الغالبية العظمى للجماعات التي تنكر لاهوت المسيح، على الرغم من امتداحها للكتاب المقدس امتداحاً شفوياً غير قلبي، تضع عادة كتبها المقدسة، في نفـس مركز الكتاب المقدس أو فوقه. وهم بهذا ينكرون غالباً نفس ما يدعون الإيمان به، ألا وهو المصدر التاريخي الرئيسي لكل تعاليم يسوع، العهد الجديد. (فلماذا تدعي أنك مسيحي أو متعاطف مع المسيحية إلاّ إذا كنت مستعداً لتصديق ما علّمه يسوع حقا؟)
يقول بعضهم بأنه تـم تلطيف أو تخفيف الكتاب المقدس عبر القرون مما خلق حاجة لظهور إعلانات جديدة ضرورية. غير أن هذا موقف لا يمكن الدفاع عنه أيضاً. فهناك ما يزيد عن 600ر24 مخطوطة جزئية أو كاملة من مخطوطات العهـد الجديد. (وثاني أفضل مخطوطة تاريخية موثقة هـي الإلياذة والأوديسا الـتي كـتـبهـا هوميروس. وليس هناك منها إلاّ 643 مخطوطة فقط). وحتى لو تـم تدمـير كل مخطوطات العهد الجديد فإنه بإمكاننا إعادة تشكيل أو صياغة كل العهد الجديد، باستثناء حوالي إحدى عشر آية، وذلك من كتابات آباء الكنيسة الأولى قبل 325م. حتـى إن المؤرخــين غير المسيحيين مضطرون للاعتراف بأن الكتاب المقدس، حسب كل المقاييس العلميــة والتاريخية المطبقة على أية وثيقة تاريخية، دقيق بنسبة تزيد عن تسع وتسعين في المائة. يستطيع أي شخص أن يختلف مع رسالته، ولكن ليس مع صحته تاريخياً.
يصرّح الكتاب المقدس بأنه صاحب السلطان الأخير في تقرير الأمور العقائديـة الصحيحـة. يقول الوحي الإلهي في 2 تيموثاوس 16:3،17 "كل الكتاب هو موحى به من اللـه ونافع للتعليم والتوبيــخ للتقـويـم والتأديب الذي في البر لكي يكـون إنسان اللـه كاملاً متأهباً لكل عمل صالح." ويعتقد المسيحيون بأنه يجب رفض أي كتاب أو تعليم من شأنه تغيير مضمون الكتاب المقدس. وتؤكد كلمة اللـه هـذه النقطة. إذ كتب يهوذا 3 قائلاً ... "أكتب إليكم واعـظاً أن تجتـهـدوا لأجــل الإيمان المُسَلَّم مـرة للقديسين." ولا يسمح الكتاب المقدس بوجود أية تعاليـم أخرى مـن شأنها أن تغير من الكتاب المقدس أو تضيف إليه. يقول بولس رسول المسيح "ولكن إن بشرناكم نـحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم به، فليكن أناثيما (ملعوناً)." غلاطية 8:1 (قــارن مع رؤيا 19:22، تثنية 2:4) "وان كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف اللـه نصيبه من سفر الحيوة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب."
فإذا أرادت مصادر أخرى أن تدّعي لنفسها الوحي الإلهي كما يفعل الكتاب المقدس، فإن عليها أن تقبل أن تقاس في ضوء الكتاب المقدس. فاللـه لا يمكن أن يناقض نفسه. وهكذا، لا يجب أن يتناقض أي شــيء مما كتبه أو قاله الأشخاص الذين جاءوا بعد المسيح مع ما قاله الكتاب المقدس الذي نعرف أنه صحيح. وإذا حدث مثل هذا التناقض، فإنه يصبح واضحاً لنا انهم لا يتكلمون بوحي مــن اللـه سواء كان ذلك كتابـــةً أو شفاهةً.
وفي دراستنا لألوهية المسيح، فإن القضية ليست ما إذا كانت ألوهية المسيح أمراً يسهل الإيمان به أو حتى فهمه، ولكن القضية هي ما إذا كانت كلمة اللـه تُعلّم هذا الأمر أم لا. فإذا بدت لنا الفكرة لأول وهلة غير منسجمة مع المنطق أو الفهم البشري فإن ذلك لا يلغي بشكل آلي إمكانية صحتها. فعالمنا مليء بأشياء يصعب علينا كبشر فهمها الآن (كالجاذبية وطبيعة الضوء والنجوم الزائفة) لكنها تظل صحيحة وحقيقية. يعلّم الكتاب المقدس أن العقل البشري لا يستطيــع أن يستوعب اللـه (أيوب 7:11؛ 2:42-6؛ مزمور 3:145؛ إشعياء 13:40؛ 8:55،9)؛ "لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب لأنه كما علت السموات عن الأرض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم.") يقول في (رومية 33:11-36) "يا لعمق غنى اللـه وحكمته وعلمه ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيراً أو من سبق فأعطاه فيكافأ لأن منه وبه وله كل الأشياء له المجد إلى الأبد آمين." ولهذا يجب أن يسمح للـه بان يقول الكلمة الفصل عن نفسـه، سواء استطعنا أن نفهم ما يقوله فهماً كاملاً أم لا.
يقول الكتاب المقدس فيما يتعلق بإعلان اللـه عن نفسه فـي شخص يسوع،
"اللـه بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخـيرة في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء، الذي به أيضاً عمل العالمين، الذي وهو بهاء مـجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عبرانيين 1:1-3).
يسوع المسيح هو كلمة اللـه الحي. وهو في شخصه يعلن الآب لنا ويجعله أكثر شفافية. فعندما طلب منـه أحد أتباعه قائلاً "أرنا الآب وكفانا" (يوحنا 8:14)، أجاب يسوع "أنا معكم زماناً هذه مدته ولـم تعرفني...؟ الذي رآني فقد رأى الآب" (يوحنا 9:14).كمـا دعي بـولس يسوع "صورة اللـه غير المنظورة" (كولـوسي 15:1). وهكذا فإن النظر والاستماع إلى يسوع بمثابة النظر والاستماع إلى اللـه.
إذا كان المسيح هو اللـه في هيئة انسان، فإنه دون غيره من رجال التاريخ، يستحق إصغاءنا وإجلالنا بل عبادتنا. فهذا يعني أن اللـه الذي خلـق المجرّات والسديم والنجوم الزائفــة، ونثر مئات الشموس في الفضاء، أصبح إنساناً، وعاش ومشى علـى أرضنا، ومات على أيدي خليقته. وهذا يعني أيضاً أن موته أكثر بكثير مـن مجرد موت إنسان صالح. لأنه سيكون أسمى ذبيحة على مر العصور تُظهر محبــة لا يمكن سبر غورها أو استقصاء أبعادها. وان تعاملنا مع يسوع على انه مجرد إنسان (أو حتى إله) تحت هذه الظروف سيكون تجديفاً. وإذا لم يستطع المرء أن يكيّف حياته حسب تعاليمه، فإن هذا يعني أن معنى الحياة سيفوته.
ومن ناحية أخرى، إذا لـم يكن يسوع هو اللـه، وكان مجرد كائن أدنى من اللـه فإن المرء يمكن أن يحس بالعرفان له من أجل حياته وموته وتعاليمه. لكن توجيه العبادة له سيكون خطأً جسيماً لأنه سيـكون فـي هذه الحالة صنماً يحتل مكان اللـه. والكتاب المقدس واضح حول موضوع عبادة الأصنام والأوثان. فاللـه يقول بأنه لا يعطي مجده لآخر (إشعياء 8:42؛ 11:48)، "أنا الرب هذا اسمي ومجدي لا أعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات،" وبأنه ليست هناك أية آلهة غيره (إشعياء 5:45،21،22؛ إرميا 6:10؛1كورنثوس 4:8-6)، وبأن علينا أن نعبد اللـه وحده (تثنية 13:6،14؛ متى 10:4). إذاً، فإما أن يكون يسوع هو اللـه أو لا يكون. وإن الإيمان به على نحو خاطئ سيكون إما شكلاً من أشكال التجديف أو عبادة الأوثان.
ويمكن أن يصبح النقاش أكثر تعقيداً اعتماداً على ما تعلّمه الشخص. ويمكن أن تقدم الحجج على ألوهية المسيح أو ضدها. فمثلاً إذا عُلّم شخص بأن اللـه هو شخص أو أقنوم واحد وان يسوع المسيح كائن مخلوق، فإنه سيجد في قراءته الأولى للكتـاب المقدس أعداداً تدعم ذلك الموقف. ومن ناحية أخرى، إذا عُلّم شخص بأن اللـه كائـن سـامٍ يضم الآب والابن والروح القدس، وبأن الابن تخلى عن مركز المساواة ضمن الذات الإلهية ليصبح إنساناً في شخص يسوع المسيــح، فـإنـه سيجد فقرات كتابية تدعم هذا الموقف.
فالقضية إذاً ليست أي موقف منهما يمكن الدفاع عنه بوضوح، بل هي بالأحرى أي موقف منهما يمتلك أفضل الأدلة، وأي موقف منهما هو ما يعلِّمنا إياه الكتاب المقدس.
في اعتبارنا لكلا الموقفين، فإننا نؤمن بأننا قادرون على إعطاء ردود أكثر من كافية على جميع الأعداد المستخدمة للتدليل على أن يسوع هو اللـه. وسنظهر أنّ الكتاب المقدس يعزو للمسيح كل اسم رئيسي وصفه ولقب مما يعزى للـه، وسنثبت من الكتاب المقدس أنّ يسوع قَبِل العبادة ووُجِهت إليه الصلوات، وسنقدم ردوداً علـى كل الحجج المضادة الرئيسة. وسنوثق من تاريخ الكنيسة (قبل مجلس نيقية في عام 325م والذي أصبح الإيمان بألوهية المسيح منذ انعقاده الموقف الرسمي للكنيسة) بأن الإيمان بألوهية المسيح كان دائماً وأبداً هو الموقف التقليدي المستقيم.
ومن الواضح انه لا يمكن أن يكون كلا الموقفين صحيحاً. وكان من الممكن أن يكون الأمر اكثر سهولة لو كانت القضية مجرد قضية إخلاص ولكنها ليست كذلك. فهي قضية أي الموقفين هو الصحيح (رومية 2:10) "لأنني أشهد لهم أنّ لهم غيرة للـه ولكن ليس حسب المعرفة."
إنّ وجود تعريفات صحيحة لطبيعة اللـه وطبيعة الثالوث وشخص يسوع المسيـح وطبيعـته شـرط مسبـق لازم لفهم كثير من الفقرات الكتابية المتعلقة بألوهية المسيح.
1. اللـه: يقول الكتاب المقدس بأن اللـه كائن ذو وجود شخصي وهو عاقل ومحب وعادل وأمين وأبدي وخلاق، وأنه في تفاعل حيوي مع خليقته. ويمكن تلخيص صفات اللـه إلى مجموعتين: (صفات عامة وصفات أدبية أخلاقية). يقول روبـرت باسا نتينو "بأن اللـه (حسب صفاته العامة) فريد وأبدي وغير متغير وكلي القدرة وكلي العلم والوجود وثالوثي الأبعاد وروح وذو وجود شخصي." ويضيـف بـأن "صفات اللـه الأدبية الأخلاقية تتضمن قداسته وبره ومحبته وحقه." وتعلّم المسيحية بأنه يحفظ الكون ويحكمه بشكل كامل السيادة وأنه،كما سنبين، تجسد في يسوع الناصري.
2. الثالوث: من بين كل ما هو واقع وموجود، فإن اللـه وحده ثلاثي الشخصية أو ثالوثي. وحين نقول إن اللـه ثالوث فإننا بذلك نعطي وصفاً لنظرة الكتاب المقدس الى اللـه، تلك النظرة المشتقة من مشاهد متلاحقة من الفقرات الكتابية التي تصف طبيعة اللـه الشخصية. ونعني بكلمة ثالوثي، التي نشتق منها مصطلح الثالوث الأقدس، بأن اللـه يعلن ذاته باستمـرار على انـه موجود أبدياً في ثلاثة أقانيم (أشخاص): (الآب والابن والروح القدس). وتشكل الأقانيم الثـلاثة الذات الإلهية أو اللـه، غير أنه لا يوجد (إلاّ إله واحد).
ونحن بذلك لا نعني ما يلي:
(1) هناك إله واحد وثلاثة آلهة.
(2) هناك اله واحد وأقنوم واحد بثلاثة أسماء أو حالات يتجلى فيها.
(3) هناك اله واحد وأقنوم واحد صار ثلاثة أقانيم منفصلة متتابعة.
(4) هناك ثلاثة آلهة يشكلون عائلة واحدة.
(5) هناك اله واحد مصاب بانفصام الشخصية.
ويمكن تلخيص عقيدة الثالوث الأقدس الكتابية كما يلي: يتألف اللـه الحقيقي الواحد كما هو واضح في (إشعياء 10:43؛ تثنية 4:6)، من الآب والابن والروح القدس. ويدعى كل عضو في الذات الالهية "اللـه." فالآب يحمل اسم "اللـه" (غلاطية 1:1؛ تيطس 4:1؛ الخ).كما يُدعى الابن أو الكلمة بشكل متكرر "اللـه" في (يوحنا 1:1،14؛ أعمال28:20؛ يوحنا28:20؛ تيطس13:2؛ عبرانيين8:1؛ الخ). كما يُعرّف الروح القدس على انه "اللـه" فـي مواضع مختلفة من الكتاب المقدس (أعمال 3:5-4؛ 1يوحنا 2:4-3؛ عبرانيين15:10،16). ونرى مفهوم الوحدة ضمن الثالوث في أعداد مثل متى 19:28 حيث يشكل الآب والابن والروح القدس "اسماً واحداً" (بصيغة المفرد في اللغة اليونانية).
ولأغراض هذا الكتاب، فإننا لا نحاول الدفاع عن عقيدة الثالوث الأقدس. فعندما يؤمن المرء بلاهوت المسيح، لا يعود الإيمان بوجود اللـه كالآب والابن والروح القدس في العادة يُشكّل مشكلة. أما بالنسبة للشخص الذي يريد أن يبحث في مـا يقوله الكتاب المقدس عن الثالوث، فإن هناك أعداداً كثيرة يمكن دراستها، وسنذكر عدداً قليـلاً منها (متى 16:3،17؛ مرقس 9:1-11؛ لوقا 35:1؛ 21:3،22؛ يوحنا 34:3-36؛ 26:14؛ 13:16-15؛ أعمال 32:2،33،38،39؛ رومية 16:15،30؛ 1كورنثوس 4:12-6؛ 2كورنثوس 4:3-6؛ 14:13؛ أفسس 3:1-14؛ 18:2-22؛ 14:3-17؛ 4:4-6؛ 2 تسالونيكي 13:2،14؛ 1تيموثاوس 15:3،16؛ عبرانيين 14:9؛ 7:10؛،10-15؛ 1بطرس 2:1).
3. يسوع المسيح: "يسوع المسيح" اسم ولقب في نفس الوقت. واسم يسوع مشتق من الصيغة اليونانية للاسم يشوع الذي يعني "اللـه المخلّص" أو "الرب يخلّص." ولقب المسيح مشتق من الكلمة اليونانية للمسيّا (أو المشيخ، العبرية - دانيال 26:9) وتعني "الممسوح." ويتضمن استخدام لقب المسيح وظيفتين هما الملك والكاهن. ويشير هذا اللقب إلى يسوع كالكاهن الموعود والملك في نبوءات العهد القديم.
كما نؤمن أن ليسوع طبيعتين: بشرية وإلهية، وهكذا فإننا نؤمن أنّ يسوع كامل الألوهية (في طبيعته) وكامل الإنسانية - فهو اللـه الذي ظهر في هيئة بشرية.
يصف الكتاب المقدس طبيعة يسوع المزدوجة كإله وإنسان على النحو التالي:
" فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً، الذي إذْ كان في صورة اللـه، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً للـه، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبــه الناس. وإذْ وُجِد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتـى الموت مـوت الصليب. لذلك رفّعه اللـه أيضاً وأعطاه اسمـاً فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد اللـه الآب" (فيلبي 5:2-11).
سنحاول بعد هذه التعريفات للـه والثالوث ويسوع، أن نجيب عن سؤال آخر قبل أن نبدأ في دراسة البراهين الكتابية على ألوهية المسيح.
كيف يمكن لكائنات بشرية محدودة مثلنا أن تفهم اللـه غير المحدود؟ إن من الصعب على أيّ منا أن يستوعب معاني أو أفكاراً مجردة مثل الحـق أو الخير (الصلاح) أو الجمال بدون وجود أمثلة منظورة لها. فنحن نعرف الجمال عندما نراه فـي شيء جميل، والصلاح عندما نراه مركّزاً في شخص صالح، وهكذا. لكن بالنسبة للـه، كيف يمكن لأي شخص أن يفهم طبيعته؟
يمكننا ذلك إلى حد ما إذا قام اللـه بطريقة ما بتحديد نفسه في شكل إنسان يمكن للكائنات البشرية أن تفهمــه. وعلى الرغم من أن هذا الإنسان لن يعبِّر عن أبدية اللـه ووجوده الكلي لعدم توفر الوقت أو المجال لذلك فإنه سيستطيع أن يعبر تعبيراً منظوراً عن طبيعة اللـه. تلك هي رسالة العهد الجديد، قال بولس عن المسيح "فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً" (كولوسي 9:2). أصبح يسوع إنساناً حتى يتمكن البشر من أن يفهموا اللـه اللامتناهي بعض الشيء.
وهناك سبب آخر جعل اللـه يختار أن يصبح انساناً، وهو جَسْر الهوة بين اللـه والجنس البشري. ولو كان يسوع المسيح إنساناً فقط أو مجرد كائن مخلوق، لبقيت تلك الهوة الواسعة السحيقة بين اللـه والإنسان، بين اللامحدود والمحدود، بين الخالق والمخلوق، بين القدوس والفاجر. وما كان لنا أن نعرف اللـه لو لــم ينـزل إلينا. وما كان في مقدور أي كائن مخلوق أن يجسر الهوة الهائلة بين اللـه والبشر، أكثر مما هـو في مقدور قطعة فخار أن تطمح إلى فهم الفخاري الذي صنعها والوصول إلى مستواه. وقد نزل اللـه إلينا مدفوعاً بمحبته. أراد أن يفتح طريقاً لكي يعطي مجالاً لجميع الناس أن يعرفوه.
الفصل الثاني:
يسوع المسيح يمتلك أسماء اللـه وألقابه.
الألف والياء . . الأول والآخــر
إن أقوى حجة لألوهية المسيح هي تلك التي أثارت سخط معاصريه أنفسهم. فقد اتخذ لنفسه كل الأسماء والألقـاب التي ينسبها العهد القديم للـه، وسمح للآخرين أيضاً أن يدعوه بنفس الأسماء والألقاب. وعندما أطلق يسوع على نفسه الأسماء الخاصة بالذات الإلهية، غضب رؤساء اليهود إلى درجة حاولوا معها قتله بتهمة التجديف. ولـم يكن لدى السلطات اليهودية أي شك في ما رمـى إليه المسيح. فقد فهموا أن هذا المعلم الجليلي يدّعي أنه اللـه العلي.
ويمكن للمرء أن يعترض هنا قائلاً بأن اتخاذ يسوع لهذه الألقاب الإلهية لم تجعله واحداً مع اللـه أو اللـه نفسه. فقد يمتلك عدة أشخاص نفس الاسم أو اللقب. وقد يكون "فوزي" مثلاً رجلاً وزوجاً وصديقاً ومساعداً لمدير المبيعات في نفس الوقت. غير أن بعض الأسماء والألقاب مقصورة على شخص واحد فقط. فمـثـلاً لا يمكن أن يكون هنالك في نفس الوقت إلاّ رئيس واحد للولايات المتحدة الأمريكية. وهناك كثير من الأسماء والألقاب التي يطلقها الكتاب المقدس على يسوع من النوع الذي لا يحق إلاّ لشخص واحد أن يمتلكه - وهو اللـه.
اتخذ يسوع لنفسه اسماً من أسماء اللـه يوقّره اليهود اكثر مـن غيره، اسماً يعتبر مقدساً إلى درجة لا يجرؤ معها اليهودي على النطق به، ألا وهو يهوه.
وقد كشف اللـه لشعبه معنى هذا الاسم في الأصحاح الثالث من الخروج. فعندما سأل موسى اللـه بـأي اسم يدعوه أجاب الرب "أهيه الذي أهيه." وقال، "هكذا تقول لبني إسرائيل: أهيه الذي أرسلني اليكم" (خروج 13:3،14).
وتعبير أهيه ليس نفس كلمة يهوه. غير انه مشتق من صيغة فعل "يكون" الذي يشتق منه أيضاً اسم يهوه في (خروج 15:3) وهكذا فإن لقب أهيه الذي أهيه، الذي كشـفه اللـه لموسى تعبير أشمل عن كينونته الأبدية، اختُصِر في العدد 15 إلى الاسم الإلهي يهوه. وقد قامت الترجمة السبعينية، وهي الترجمة اليونانية للعهد القـديـم العـبري، بتـرجمة أول استخدام لتعبير أهيه في خروج 14:3 إلىego eimi.كانت اللغة اليونانية هي لغة الحديث في زمن يسوع، وهي اللغة التي كتب بها العهد الجديد.
وهكذا فقد كانت الصيغة التوكيدية لأهيهego eimi في اللغة اليونانية في زمن يسوع معادلة لكلمة يهوه العبرية. واعتماداً على السياق، فإنها يمكن أن تكون طريقــة توكيدية لقول "أنا هو" (كما في يوحنا 9:9)، أو يمكن أن تكون اسم اللـه نفسه، أهيه الأبدي.
استخدم يسوع تعبير ego eimi عـدة مرات عن نفسه بطريقة لا تليق إلاّ باللـه. وأوضح مثال لذلك هو عندما قال اليهود ليسوع: "ليس لك خمسون سنة بعد. أفرأيت إبراهيم؟ قال لـهم يسوع: الحق الحق أقول لكم، قبل أن يكون إبراهيم "أنا كائن" ego eimi. فرفعوا حجارة ليرجموه" (يوحنا 57:8-59). لقد سعى اليهود إلى قتله لأنهم افترضوا ادعاءه الألوهية. فالعهد القديم كان واضحاً في هذا الأمر. إذ كان عقاب التجديف هو الرجم حتى الموت (لاويين 16:24).
اتخذ يسوع لنفسه هذا اللقب فـي مواضع أخرى. فقد صرح يسوع في موضع سابق من نفس الأصحاح، "إن لـم تؤمنوا أني أنا هو (ego eimi) تموتون في خطاياكم" (يوحنا 24:8). ولا تظهر كلمة هو في النص اليوناني، حيث جاءت كالتالي: "إن لـم تؤمنوا أني أنا تموتون في خطاياكم" قال لليهود، "متى رفعتم ابن الانسان، فحينئذ تفهمون أني أنا هو ego eimi." ومرة أخرى فإن النص اليوناني الأصلي لا يحتوي على كلمة هو.
لقد أكد يســوع باستمرار ألوهيته. فعندما جاء حراس الهيكل مع الجنود الرومانيين ليقبضوا عليه في الليلة السابقة لصلبه سألهم يسـوع "من تطلبون؟ أجابوه يسوع الناصري، فقال لهم يسوع أنا هو (ego eimi) فلما قال لهـم إنـي أنا هو رجعـوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض (يوحنا 4:18-6). إذ لـم يتمكنوا من الصمود أمام قوة تصريحه عن نفسه وقوة شخصه.
لـم يجد كتّاب العهد الجديد الذين اقتنعوا بأن يسوع المسيح هو اللـه أية مشكلة في أن ينسبوا ليسوع كل فقرات العهد القديم التي تشير إلى يهوه.
استشهد مرقس في بداية إنجيله بإشارة إشعياء إلى اللـه: "صوت صارخ في البريـة أعدوا طريق الرب (يهوه). قوّموا في القفر سبيلاً لإلهنا" (إشعياء 3:40). ولقد فسر مرقس هذه الفقرة على أنها نبوءة تحققت في يوحنا المعمدان الذي يعد الطريق ليسوع (مرقس 2:1-4؛ قارن مع يوحنا 23:1).
كما استشهد بولس بيوئيل 32:2، "ويكون أنّ كل من يدعو باسم الرب ينجو." طبّق بولس هذا القول على يسوع عندما قال، "لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص" (رومية 13:10).
وقد استشهد بطرس بنفس العدد في (أعمال 21:2) "ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص." ثم سأله الناس ماذا ينبغي أن يفعلوا حتى يخلُصوا، فأجابهم "توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح" (أعمال 38:2). فبعد أن ذكر بطرس لتوّه بأن الدعوة باسم الرب (أي الاعتماد عليه) شرط لازم مسبق للخلاص، قال لهم بأن عليهم أن يعتمدوا بـاسـم يسوع المسيح. ولو لـم يكن بطرس يعتبر أنّ يسوع المسيح هو اللـه، لتوقعنا منه أن يأمرهم أن يتعمدوا باسم يهوه، وهو الأمر الذي يتمشى مع الإيمان اليهودي والممارسات اليهودية.
وما يفوق حقيقة إعطاء التلاميذ هذه الصفة ليسوع أهمية هو أنّ أعداءه أدركوا أنه كان يقول إنه اللـه. وشاهد الادعاء هو دائمـاً دلـيل قوي في أية محكمة. فمثلاً قال يسوع:
"أنا والآب واحد. فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه، أجابهم يسوع، أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي. بسبب أي منها ترجمونني؟ أجابه اليهود قائلين، لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف، فإنـك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً (اللـه)" (يوحنا 30:10-33).
لـم يساور قادة اليهود أي شك في أن يسوع جعل نفسه اللـه، ولـم يجعل نفسه أقل من ذلك. وهكذا فإن الاتهام الرئيســي الذي ركز عليه أعداؤه لـم يكن حول أمرٍ فعله، بل بالأحرى حول هويته التي ادعاها لنفسه، أي ألوهيته.
الكلمـة اليونانية المستخدمة مئات المرات في العهد الجديد للدلالة على اللـه هي كلمة "ثيوس" (وهي تقابل ألوهيم العبرية فــي العهد القديم). ويدعى يسوع بهـذا الاسم تمييزاً له عن الآلهة الزائفة في عدة مواضع.
إنّ النظرة الكتابية اليهودية - المسيحية للـه الواحد تناقض النظرة الهندوسية والبوذية. فالهندوسية تنظر إلى ذات الإنسان الحقيقية على أنها واحدة مع الحقيقة المطلقة. فمثلاً ليست هنالك مشكلة أمام معظم رجال الدين الهندوسيين في أن يقولوا "أنا اللـه،" وفي تعليم الآلاف من تابعيهم أن يقولوا نفس الشيء. ومن الواضح أنّ الإنسان الذي يعتقد أنه داخلياً اللـه بالفعل، لا يحتاج إلى أن يطلب اللـه بالمعنـى المسيحي لهذه الكلمة، ولا إلى قبول مخلّص شخصي. وهذا لا ينطبق على العهـد الجديد في إطاره اليهودي التوحيدي الذي يرسم خطوطاً واضحة فاصلة بين اللـه وخليقته. فمن الناحية الحضارية الثقافية، ما كان يمكن أن يدعي يسوع باســم اللـه ما لـم يكن معتبراً "اللـه الوحيد" (تثنية 4:6)، لأنه لا توجد آلهة أخرى حسب الاعتقاد اليهودي.
كتب سي. أس. لويس:
" تقول إحدى محاولات إنكار لاهوت المسيح بأن يسوع لـم يقل في حقيقة الأمر كل هذه الأشياء عن نفسه، لكن أتباعه بالغوا في القصة، وهكذا تطورت الأسطورة بأنه أطلق هذه التصريحات. يصعب علينا تصديق هذا التفسير لأن كل اتباعه كانوا يهوداً، أي انهم انتموا للأمة التي تؤمن إيماناً مطلقاً، أكثر من أية أمة أخرى، بأنه ليس هنالك إلاّ إله واحد وبأنه لا يمكن أن يوجـد إله آخر. ومن الغريب جداً أن تظهر مثل هذه البدعة الشنيعة حول قائد ديني بين الشعب الوحيد الأقل احتمالاً من بين كل الشعوب لارتكاب مثل هذه الغلطة. بل على العكس من ذلك، فإننا نأخذ الانطباع ونحن نقرأ الإنجيل بأن أحداً مـن اتباعــه المباشرين أو حتى كُتّاب العهــد الجديد لـم يعتنق هذه العقيدة بسهولة إطلاقاً."
يقف اللـه دائماً منفصلاً عن خليقته. فليس البشر امتدادا للـه. فيما يلي تسعة أمثلة لمواضع في العهد الجديد يدعو فيها يسوع: "اللـه."
1. في الأصحاح الأول من الرسالة إلى العبرانيين الذي يظهر تفوق المسيح على الملائكة والأنبياء، تقول كلمة اللـه، "وأما عن الابن (يقول اللـه) كرسيك يــا اللـه (ثيوس) إلى دهر الدهور." إنّ هذا الشاهد الكتابي عبرانيين 8:1 يستشهد استشهاداً مباشــراً بمزمور 6:45،7 حيث يقوم اللـه بمخاطبة اللـه وهي ترجمة صحيحة للنص اليوناني.
2. دعا بطرس المسيح "اللـه"(ثيوس).كتب "سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله إلى الذين نالوا معنا إيماناً ثـميناً مساوياً لنا ببر إلهنا (ثيوس) والمخلّص (الذي هو مخلّصنا) يسوع المسيح" (2بطرس 1:1). واسم يسوع المسيح مستخدم هنا لغوياً كبدل من اللـه والمخلّص حسب النص اليوناني (ويمكن استخدام البـدل في اللغة اليونانية كشرح لاسم سابق أو كمساوٍ له). وهذا الاستخدام هو بحسب قاعدةGranville Sharpe في اليونانية، أما حرف العطف "و" (kai في اليونانية) فيربط الاسمين بدون أي انفصام. وهذا يعني أنّ البدل (الكلمة التي تعطي اسماً جديداً للاسم السابق) يسوع المسيح يعود بالضرورة على كل من "اللـه" و "المخلّص." أي أنّ يسوع المسيح هو إلهنا ومخلّصنا. ويـؤكد علماء قواعد اللغة اليونانية أنّ شخصاً واحداً فقط هـو المقصود بإلهنا و"المخلّص" لا شخصين. يقول واينر شميدل في كتابه قواعداللغة اليونانية (ص 158) "تفرض القواعد فرضاً أنّ المقصود هو شخص واحد فقط." ويصّرح أي.تي. روبرتسون في مؤلفه "صور لفظية في العهد الجديد" (المجلد السادس ص 147) "شـخص واحد لا شخصان." (قارن هذا مع ما يقوله مولتون في مؤلفه "قواعد العهد الجديد"، المجلد الثالث ص 181، و دانا ومانتي في كتابهما "دليل قواعد اللغة اليونانية" ص 147). فهم يتفقون جميعاً بأن يسوع المسيح هو اللـه والمخلّص، أي اللـه المخلّص.
3. اســتخدم بولس نفس قاعدة Granville Sharpeعندما طلب من تيطس أن ينتظر ظهور مجد اللـه العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح (تيطس 13:2).
4. قال توما الذي شـك في قيامة يسوع، "إن لـم أبصر في يديه اثر المسامير وأضع إصبعي في اثر المسامير واضع يدي في جنبه لا أؤمن" (يوحنا 25:20). وعندما ظهر يسوع لتوما قال له، "هات إصبعك إلى هنا وأبصِرْ يديَّ وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً" أجاب توما وقال له، "ربي والهي" (يوحنا 27:20،28). ليس هناك شـك في أنّ كلمات توما كانت موجهه إلى يسوع. وقد استخدم توما كـلا اللقبين للتعبير عن فهمه لألوهية المسيح وربوبيته. لـم يوبّخ يسوع توما على تجديف قام به، وإنما قَبلَ اللقبين الدّالّين على ألوهيته. (عدد 29).
5. يقول (أعمال 36:2)، "اللـه جعل يسوع رباً ومسيحاً." ويتحدث العدد 39 عن اللـه على أنه الرب إلهنا. وهكذا فإن المسيح الذي هـو رب (عدد 36) هو أيـضاً اللـه (عدد 39). ويعزّز (أعمال 36:10) هذه النقطة فيقول إنّ "يسوع المسيح هذا هو رب الكل."
6. يشير أعمال 31:16،34 إلى الإيمان في الرب يسوع والإيمان في اللـه.
7. تقول رؤيا 10:7-12،17، "وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف، وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ والحيوانات الأربعة وخروا أمام العرش على وجوههم وسجدوا للـه قائلين: آمين. البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوة لإلهنا إلى ابـد الآبدين، آمين. لأن الخروف في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية (ماء الحياة) وسيمسح اللـه كل دمعة من عيونهم." لاحظ في العدد العاشر أنّ اللـه هو الذي يجلس على العرش وان الخروف يسوع هو الذي يجلس وسط العرش في العدد 17. فمن هو الذي في وسط العرش؟ فإذا قلنا إنّ يسوع يجلس في وسط العرش مع إنكارنا لألوهيته فإن معنى هذا أننا نُجرّد اللـه من مكانه الأبدي في السماء، وهو موقف لا يمكن الدفاع عنه.
8. ويتحدث (أعمال 25:18) عن طريق الرب وهو نفس الطريق الموجود في العدد 26 الذي يليه. غير أنّ الكلمة المستخدمة في العدد 26 في الأصل اليوناني هي "اللـه."
9. هناك اسم آخر للمسيح المنتظر وهو عمانوئيل (إشعياء 14:7) المـترجم حرفياً إلى "اللـه معنا." وينسب هذا اللقب بكل بوضوح في متى 23:1 إلى يسوع، "هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويُدعى اسمه عمانوئيل الذي تفسيره اللـه معنا."
10. يقول إشعياء 6:9، "لأنه يولد لنا ولد، ونعطى ابناً، وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً، إلـهــــاً قديراً (اللـه القدير) أباً أبدياً رئيـــس السلام." تشير هذه النبوءة المختصة بيسوع، المسيّا، إلى أن أحد أسمائه سيكون (اللـه القدير)، وفي العبريـة El Gibbor وهو نفس التعبير المستخدم عن يهوه في إشعياء 21:10. وما نرمي إليه هو أنّ الروح القدس ميّز يسوع بمثل هذه الاسماء؛ فلو لـم يكن مقصوداً لهذه الأسماء أن تعبّر عن طبيعة الطفل المولود، لكان ذلك خداعاً. يعني تعبير"هذا اسمه" إن هذه هي طبيعته وهذا هو شخصه، لا هذا ما يعنيه اسمه دون أن يكون للطفل المولود الطبيعة التي يدل عليها هذا الاسم.
وكما يقول هيربيرت سي. ليوبولد، "هذا هو نوع الطبيعة التي سيتمتّع بـها الطفل المولود، فهو يُدعى بهذه الأسماء لأنه في حقيقة الأمر يتمتّع بنفس الطبيعة التي يدل عليها اسمه." فإذا لـم يكن يسوع هو اللـه القدير، فلن يكون هو "مشيراً عجيباً" أو "رئيـــس السلام." وإذا لـم تكن هذه كلها تنطبق عليه، فلماذا يُدعى بها أصلاً؟ لماذا يخبرنا عن معنى الاسم إن لـم تكن له علاقة به؟ لكن المسيّا المنتظر، كما توضح بقية سفر إشعياء والعهد الجديد، مشير عجيب ورئيس السلام (إشعياء 42، 49؛ قارن زكريا 9:9،10؛ ميخا 4:5). وهو أيضاً اللـه القدير كما يبرهن العهد الجديد (يوحنا 1:1، تيطس13:2).
11. يقول (يوحنا 1:1،14) "في البدء كان الكلمة. والكلمة كان عند اللـه وكان الكلمة اللـه (ثيوس) والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا." لا توجد فقرة اكثر شيوعاً في الاستخدام، أو اكثر إثارة للجدل حول ألوهية المسيح من يوحنا 1:1. لا يوجد هناك شـك في أنّ الكلمة تشير إلى يسوع لأن العدد 14 يقول "والكلمة صار جـسـداً وحلّ بيننا." إذا أخذنا العددين 1،14 كما هما، فإنهما يعلّمان ألوهية المسيح، فهما يصرّحان بأن الكلمة كان عند اللـه وأن اللـه صار جسداً.
إذا أنكر المرء لاهوت المسيح بعد قراءتنا لهذين العددين، فإنه سيكون مضطراً لترجمة يوحنا 1:1 تـرجمة خاطئة أو محاولة إعادة تفسيرها. وإحدى هذه الطرق الخاطئة في ترجمتها هي القول، وكان الكلمة "إلهـاً" بدلاً من، وكان الكلمة اللـه. ومشكلة هذه الترجمة أنّ النص اليوناني لا يسمح هنا باستخدام اللـه كنكرة في هذا السياق.
يشير بروس ميتسجر، أحد دارسي اللغة اليونانية، إلى بحث علمي كتبه الدكتور ايرنست كادمن كولويل من جامعة شيكاغو. كتب كولويل بأن …
"الخبر المرفوع المعروف يأخذ أل التعريف في اليونانية عندما يتبع الفعل، ولا يأخذ أل التعريـــف عندما يسبق الفعل. (في الأصل اليوناني تستخدم الكلمة مبتدأ وتسبق الفعل ثم يأتي لفظ اللـه خبراً) "والكلمة كان اللـه" بدلاً من الترجمة العربية "وكان الكلمة اللـه." والعدد الأول من إنجيل يوحنا هو أحد الأعداد الكثيرة التي تنطبق عليها تلك القاعدة، وتدل على أنّ الخـبر اسم مُعرّف حتى بدون استخدام أل التعريف وغياب أل التعريف قـبل كلمة "ثيوس" لا يجعل الخبر نكرة أو صفة عندما يسبق الفعل. وهو لا يكون نكرة فــي هذا الموضع إلاّ عندما يحتّم السياق ذلك. والسياق لا يدع مجالاً لهذا في الإنجيل حسب يوحنا، لان مثل هذا التصريح عن لاهوت المسيح لا يمكن أن يعتبر غريباً عن روح إنجيل يوحنا الذي يصل إلى قمته باعتراف توما بألوهية المسيح وربوبيته."
ويقول ف. ف. بروسو، وهو خبير في لغات الكتاب المقدس، بأن ترجمة "وكان الكلمة إلهاً" خطأ مخيـف في الترجمة لأن حذف أل التعريف أمر شائع مع الأسماء التي تأتي في تركيب خبري.
وهكذا فإن (يوحنا 1:1) واحد مـن أوضح الأعداد في العهد الجديد التي تعبر عن لاهوت المسيح المطلق. ولقد ناقش هذا التركيب عدد كبير من عظام علماء اللغة اليونانية والكتاب المقدس. ويمكننا إعادة صياغة هذا العدد كما يلي، "قبل أن يوجد أي شيء كان الكلمة موجوداً أصلاً، وكان يتمتع بعلاقة حميمة مع اللـه (الآب)، ولقد كان الكلمة كل ما كانه اللـه."
يقول ف. ف. بروس إنّ التشديد هو على أنّ الكلمة "كان اللـه نفسه."
يسأل بعض الناس أحياناً كيف يمكن أن يكون يسوع هو "اللـه" و"عند اللـه" فـي نفس الوقت. والجواب موجود في مفهوم الثالوث: إله واحد في ثلاثة أقانيم أبدية. لقد كان"الكلمة" المذكور في (يوحنا 1:1) مع الأقنومين الآخرين من أقانيم الثالوث، وهو اللـه نفسه بطبيعته.
هناك مجموعة معروفة باسم "الطريق الدولي" تقول بأن يسوع هو الكلمة بمعنــى انـه كان تعبيراً عن اللـه كما تعبّر كلماتنا عن أنفسنا. ولا تؤمن هذه المجموعة أنّ يسوع كان الكلمة بمعنى أنه اللـه. ودعماً لوجهة نظرهم قالوا بأن يـوحنا 1:1-18 تتكلم أساساً عن اللـه، لا عن يسوع لأنها إذا كانت تتكلم عن يسوع، فإنها تنسب له صفات لا يجوز أن تكون إلاّ للـه. وهكذا، وبقدر الإمكان فإنهم يحاولون إخراج يسوع من دائرة الضوء زاعمين أنّ الأصحاح الأول من يوحنا هو عن اللـه.
غير أنّ هناك عيوباً ومشاكل في تفسيرهم هذا. أولاً: إذا كان المتحدّث عنه بضمير الغائب "هــو" في الأصحاح الأول من يوحنا هو اللـه بدلاً من يسوع، فإن كل الأصحاح الأول يصبح بلا معنى، لأن هدف إنجيل يوحنا هو أن يؤمن البشر بيسوع.
يقول يوحنا في العدد الرئيسي من إنجيله: "وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن اللـه، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" يوحنا 31:20. ولهـذا يبدو منطقياً أن ترتبط مقدمة إنجيل يوحنا بالهدف الذي قصد إليه.
ثانياً: كل ما تتحدث عنه الأعداد الثمانية عشرة الأولى من إنجيل يوحنا ينسب ليسوع في أماكن أخرى من نفس الإنجيل أو في فقرات العهد الجديد. فيما يلي بعض الأمثلة:
فقرات موازية |
الأصحاح الأول |
كان فعالاً في خلق العالـم. (عبرانيين 1:1،2،8-13، كولوسي 16:1-18). |
العددان 3،10: خَلًق يسوع العالـم
|
قال يسوع إنه "خبز الحياة" وإنه "القيامة والحياة" وإنه "الطريق والحق والحياة" (يوحنا 35:6،48،51؛ 25:11؛ 16:14). ويقول يوحنا 31:20 بأنه يمكن للبشر أن يحصلوا على الحياة بالإيمان بيسوع. |
العدد 4: "فيه كانت الحياة" |
قال يسوع إنه "نور العالـم" (يوحنا 12:8؛ 5:9). |
العددان 4،9: كان "نور الناس" و "النور الحقيقي" |
من؟ من المنطقي إن يشير هذا العدد إلى يسوع. فالتوكيد يتركز على مجيء يسوع إلى العالـم. (يوحنا 17:3، 33:6، .. الخ). |
العدد 10: "كان في العالـم" |
رفض اليهود يسوع، لا اللـه كما فهموا اللـه (يوحنا 32:3). لقد اعتقدوا أنهم برفضهم ليسوع يحققون إرادة اللـه. |
العدد 11: "إلى خاصته جاء، وخاصته لـم تقبله." |
يوضح يوحنا عبر إنجيله بأن على الناس أن يؤمنوا بيسوع (يوحنا 16:3-18؛ 24:5؛ 44:12؛ 31:20؛ .. الخ). ويسوع يمنح الحياة الأبدية (يوحنا 28:10). |
العدد 12: "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد اللـه، أي المؤمنون باسمه |
يعطينا هذان التعبيران، "الألف والياء" وصفاً جميلاً للـه يبعث على الخشوع. فاللـه كان موجوداً قبل وقت طويل من وجود النجوم في السماء ووجود عالمنا. وهو أزلي ابدي. يقول (تكوين 1:1) "في البدء . . . اللـه." واللـه وحده يستحق لقبي الألف (الأول) والياء (الآخر).
وهكذا فإن هذين الاسمين يعبران عن طبيعة اللـه الأبدية. إنه مصدر كل الخليقة وهدفها ولا يستطيع أي كائن مخلوق أن يَدّعي أنه الأول وأنه الآخر وأنه سابق كل ما هو موجود. يُدعى كل من يسوع واللـه "الألف والياء، الأول والآخر" في الكتاب المقدس.
يسوع |
اللـه |
رؤيا 17:1،18 "أنا هو الأول (بروتوس) والآخر (اسكاتوس) والحي وكنت ميتاً وها أنا حي إلى أبد الآبدين." |
إشعياء 4:41 "أنا الرب (يهوه) الأول ومع الآخرين أنا هو. |
رؤيا 8:2 "وإلى ملاك كنيسة سميرنا.هذا يقوله الأول والآخر الذي كان ميتاً فعاش." |
إشعياء 12:48 "أنا هو. أنا الأول وأنا الآخر." |
رؤيا 12:22-16 "وها أنا آتي سريعاً .. أنا الألف والياء البداية والنهاية الأول والآخر .. أنا يسوع أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمور .." |
رؤيا 8:1 "أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء." |
|
رؤيا 6:21،7 "أنا هو الألف والياء البداية والنهاية. أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً. من يغلب يرث كل شيء، وأكون له إلهاً وهو يكون لي ابناً." |
لا يمكن التقليل من أهمية الفقرات السابقة من سفر الرؤيا ودلالاتها. فهـي بعض من أقوى الأمثلة وأوضحها لتصريحات المسيح بألوهيته. إذ لا يمكن أن يكون هناك أوّلان وآخران، بدايتان ونهايتان.
يستخدم الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد لقب "الرب" بحرية للإشارة للـه وليسوع. والكلمة التي يستخدمها العهد القديم لتشير إلى الرب هي "أدوناي." والترجمة السبعينية والعهد الجديد يستخدمان كلمة "كيريوس" مقابل "الرب." وقـد استخـدم اليهود كلاًّ من كلمتي "أدوناي" و"كيريوس" للإشارة إلى اللـه.
استخدم العهد الجديد كلمة "كيريوس" بمعنيين، معنى شائع عام، وآخر مقدّس. والاستخدام الشائع العام كان تحية احترام تعني"سيدي" أو "سيد." أمـا المعنى المقـدّس فكان يفيد الألوهية. ومن الواضح أنّ بعض فقرات العهد الجديد تستخدم كلمة "رب" كتعبير يدل على تبجيل يسوع كما في يوحنا 11:4 "قالت له المرأة يا سيّد لا دلو لك والبير عميقة فمن أين لك الماء الحي." ولأن المسيحيين الأوائل كانوا موحّدين يؤمنون بإله واحد (كاليهود)، فإن استخدامهم كلمة "رب" بالمعنى المقدّس في مخاطبة يسوع سيكون دليلاً قوياً على انهـم اعتقدوا أنّ المسيح هو اللـه. يقول هوج وفاين في كتابتهما حول رسالتي بولس إلى أهـل تسالونيكي:
نرى الدلالة الكاملة لربط يسوع مع اللـه بلقب واحد هو "الرب" عندما ندرك أنّ هؤلاء الرجال كانوا ينتمون الى الأمّة الوحيدة الموَحِـّدة في العالـم. وان ربط اليهودي للخالق بشخص مخلوق، مهما بلغ تعظيمه له،كان أمراً مستحيلاً على الرغـم من انه كان أمراً ممكنا بالنسبة لشخص وثني.
وكان الرومانيون الذين عبدوا الإمبراطور كإله يحيّون بعضهم بعضاً بقولهم "قيصر رب." وان أحد أسبـاب اضطهاد الرومانيين للمسيحيين الأوائل واليهود هو رفضهم تقديم هذا النوع من الإجلال للإمبراطور. وتوضح هذه الممارسة الدلالة أو الأهمية المتضمنة في استخدام المسيحية لتعبير "يسوع رب" أي رب بمعنى "اللـه."
هنـاك عدة أمثلة واضحة يشار فيها إلى يسوع بكلمـة "رب" بالمعنى المقدس. كتب بولس قائلاً "وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلاّ بـالروح القــدس" ( 1كورنتوس 3:12). قد يعترض بعض الأفراد فيقولون "أنا أومن أن يسوع هو "ربي" ولكني بالتأكيد لا أعتقد أنه اللـه." والسؤال المهم هو عما هو المقصود بكلمة رب. إذ يستطيع أي شخص أن يتفوه بكلمتي "يسوع رب." وقد يقولها بعضهم بمعنى أنّ يسوع "سيد" لكن ليس هذا هو مـا قصده بولس. فهناك عدة دلائل تشير إلى أنّ بولس يتحدث عن ألوهية يسوع.
1. بدأ بولس الأصحاح الثاني عشر بالتحدث عن المواهب الروحية، وحقيقـة أنّ آهل كورنثوس كانوا منقادين سابقاً إلى عبادة الأوثان كآلهة. ويظهر بولس الفـرق الشاسع بين هذه الآلهة الزائفة (العددان 1،2) وبين يسوع بقوله انه لا يمكن لمن يتكلم بالروح القدس أن يقول بأن يسوع أناثيما (أي ملعون) ولا يستطيع أحد أن يعترف بأن يسوع رب إلاّ بالروح القدس، وهو بذلك يقصد أنّ يسوع الرب هو اللـه الحقيقي المستحق للعبادة.
2. تعامل بولس في العدد 3 مع الروح القدس ويسوع واللـه على أسس متســاوية. كما تُظهر الأعداد 4-6 الأمور التالية:
العدد 4: فأنواع مواهب ولكن الروح واحد؛
العدد 5: وأنواع خدم موجودة، ولكن الرب واحد (أي يسوع كما في العدد الأول)؛
العدد 6: وأنواع أعمال موجودة، ولكن اللـه واحد. فإذا لـم يكن المسيح هو اللـه، فلماذا يعامل على قدم المساواة معه في العدد الخامس؟ كما يتحدث العددان الحادي عشر والثامن عشر عن الروح القدس واللـه كتعابير مترادفة.
لو أننا سألنا شخصاً ينكر ألوهية المسيح عما إذا كان "يصلي إلى الرب" أم لا، فإنه سيسأل "من الذي تقصده؟" وهذا هو بيت القصيد. فنحن نجد عبر الكتاب المقدس أنّ اللـه ويسوع يدعيان الرب. والجواب الذي يحتمل أن نحصل عليه هو "أنا اصلّي إلى اللـه، لكني لا أومن بالصلاة ليسوع." وجواباً على مثل هذا القول، فإن هناك خمسة أمثلة في العهد الجديد تُقدَّم فيها الصلاة ليسوع في السمـاء كالرب (أو ابن اللـه).
1. في أعمال 59:7،60 دعا استفانوس يسوع رباً. صلّى أثنـاء رجمه فقال "أيها الرب يسوع، إقبل روحي." وهذا يشير إلى إيمانه بأن يسوع كـان اكثر من مجرد إنسان وانه كان قادراً إلى درجة تكفي لقبول روحه، ثم جثا على ركبتيـه وصرخ بصوت عظيم "يا رب لا تُقِم لهم هذه الخطية" لا يمكن ليهودي يوناني تقي أن يصلي لأي شخص أقل من اللـه.
2. كتب بولس الرسول في 1كورنثوس 2:1 إلى "القديسين .. الذين يَدْعُون باسم ربنا يسوع المسيح في كل مكان لهم ولنا (أي ربهم وربنا)."
3. وتحدث بولس الرسول في 2كورنثوس 8:12-9 عن شوكة في الجسد فقــال، "مـن جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني فقال لي: تكفـيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل، فبكل سرور افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحلّ عليّ قـوة المسيح."
4. ونقرأ في رسالة يوحنا الأولى 13:5-15، "كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن اللـه لكي تعلموا أنّ لكم حياة أبدية ولكي تؤمنوا باسم ابن اللـه. وهذه الثقة التي لنا عنده أنه إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا. وإن كنا نعلم أنه مهما طلبنـا يسمـع لنا نعلم أنّ لنا الطلبات التي طلبناها فيه." إن كل الضمائر الموصولة والمستترة (وهــي ضمائر غير مستترة باللغة اليونانية الأصلية) تشير إلى ابن اللـه (عدد 13).
5. قال سيمون في أعمال 24:8 "اطلبا (صلّيا) إلى الرب . . ." (يذكر العدد 16 أنّ يسوع هو "الرب").
لقد أكّد بطرس وبولس أنّ يسوع هو "رب الكل" (أعمال 36:10، رومية 12:10)، كما قال بولس "لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1كورنتوس8:2). من هو رب المجد؟ يخبرنا مزمور 10:24، "رب الجنـود، هو ملك المجد" (انظر أيضاً مزمور 7:96،8).
كما دعا بولس يسوع رباً في 2كورنتوس 4:4-5 فقال "إله هذا الدهر (الشيطان) قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة اللـه. فإننا لسنا نكرز بأنفسنا، بل بالمسيح يسوع رباً، ولكن بأنفسنا عبيداً لكم من أجل يسوع." وهكذا فإن المسيح، الذي هو صورة اللـه، رب.
وقد استخدم بولس نفس اللغة والمجاز اللذين استخدمهما إشعياء في العـهد القديم عن يهوه ليطبقهما على المسيح.
يسوع |
اللـه |
لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أنّ يسوع المسيح هو رب لمجد اللـه الآب" (فيلبي 9:2-10). |
"أنا اللـه وليس آخر .. لي تجثو كل ركبة، يحلف كل لسان" (إشعياء 22:45-24) |
ولـم يكن بولس الفرّيسي والعالـم بالعهد القديم ليستخدم هذا التماثل أو التطابق صدفة. أشار يسوع إلى نفسه على انـه "رب السبت،" وهي إشارة إلى نفسه كخالق للسبت. قال اللـه في خروج 13:31،17 "سبوتي تحفظونها. لأنه علامة بيني وبينكم هو بيني وبين بني إسرائيل علامة إلى الأبد." لقد نظر اليهودي إلى يهوه على انـه بادئ السبت (خالقه) وربه. وعندما وبّخ بعض الفريسيين يسوع لسماحه لتلاميذه أن يقطفوا السنابل في السبت كاسرين بذلك الناموس لأنهم عملوا في هذا اليوم المقدّس، قال لهم يسوع بأنه لا بأس بذلك لأنه "رب السبت" (متى 8:12).
يقول سي. اس. لويس،
نجد هنا ملاحظة أخرى غريبة: توجد في كل ديانة شعائر غير مريحة مثل الصيام. فيأتي هذا الإنسان يوماً ما ليقول، "ليس من الضروري أن يصوم أحد ما دمت هنا." فمن هو هذا الإنسان الذي يقول بأن مجرد حضوره يعلّق كل القوانين العادية؟ مـن هـو الشخص الذي يستطيع فجأة أن يعلن للمدرسة أنّ بإمكان الهيئة التدريسية والطلاب أن يأخذوا عطلة لنصف يوم؟
لقد اعتبر اليهود الذين سمعوا كلامه هذا تجديفاً. ثم دخل يسوع في نفـس يوم السبت إلى مجمعهم. مؤكداً مرة أخرى نقطة العمل يوم السبت والذي تمثّل في شفائه لرجل ذي يد يابسة، مما زاد من حنقهم عليه. لأن هـذا العمـل كان بمثابة كســر للسبت حسب فهمهم له. وعندما صرّح بأنّ له سلطاناً لا يمكن أن يكون إلاّ للـه، زاد سخطهم عليه وحاولوا قتله (متى 14:12).
ونعيد فنقول بأنه لا يمكن أن يوجد إلاّ إله واحد حسب تثنية 4:6، ومرقس 29:12.
لقد صرح إله العهد القديم بشكل حاسم بأنه وحده المخلّص "أنــا، أنــا الرب (يهوه) وليس غيري مخلّص" (إشعياء 11:43). غير أن الكتاب المقدس يوضح بأن يسوع هو أيضاً مخلّص.
يسوع |
اللـه |
متى 21:1 "... وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم." يوحنا 29:1 "وفي الغد نظر يسوع ... فقال، هوذا حمل اللـه الذي يرفع خطية العالـم." |
إشعياء 3:43 "لأني أنا الرب (يهوه) إلهك .. مخلّصك." |
يوحنا 42:4 "هذا هو بالحقيقة مخلّص العالـم." عبرانيين 9:5 "... صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي." |
1تيموثاوس 10:4 ".. ألقينا رجاءنا على اللـه الحي الذي هو مخلّص جميع الناس ..." |
لوقا 11:2"إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرب." |
لوقا 47:1 "وتبتهج روحي باللـه مخلصي." |
طلب بولس من تيطس أن ينتظر "الرجاء المبارك وظهور مجد اللـه العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح" (تيطس13:2). إنّ سياق هذا العدد هام. لأنه كان قد ذكر قبل ثلاثة أعداد أنّ اللـه هو المخلّص "مخلّصنا اللـه" (عدد 10) ويقول في تيطس 4:3 "مخلّصنا اللـه" وفي العدد 6 "يسوع المسيح مخلّصاً." فهو يستخدم في مدى اثني عشر عدداً كلمتي المسيح واللـه بشكل تبادلي بحيث يمكن أن تحل الأولى محل الثانية.
"الملك" لقب يعبّر عن جلال اللـه. كتب داود صاحب المزامير "لأن الرب إله عظيم ملك عظيم على (فوق) كل الآلهة" (مزمور 3:95). وقال اللـه "أنا الرب قدوسكم .. ملككم" (إشعياء 15:43). يتحدث الكتاب المقدس أكثر من ثلاثين مرة في المزامير وإشعياء وإرميا ودانيال وزكريا وملاخي عن اللـه كملك أو "الملك العظيم" أو "ملك اسرائيل."
وعلى الرغم من أنّ مصطلح الملك لقب بشري غالباً، فإن العهد الجديد لا يتحدث عن المسيح كملك بنفس المعنى الذي يتحدث فيه العهد القديم عن اللـه فحسب، ولكن يسوع يدعى أيضاً "ملك الملوك." إذ نقرأ في رؤيا 14:17 "...والخروف يغلبهم لأنه رب الأرباب وملك الملوك." وستكون الكلمات التالية مكتوبة على فخذ يسوع عند مجيئه الثاني، "ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤيا 16:19). ويشار إلى الرب يهوه في العهد القديم على أنه "إله الآلهة ورب الأرباب" (تثنية 17:10).
وهناك أهمية خاصة لتيموثاوس الأولى 14:6-16 تقول، "... إلى ظهور ربنا يسوع المسيح الذي سيبيّنه في أوقاته المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب، الذي وحده له عدم الموت (الأبدية) ساكناً في نور لا يُدنى منه، الذي لـم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه، الذي له الكرامة والقدرة الأبدية، آمين."
يمكن أن يشير "ملك الملوك ورب الأرباب" إلى المسيح أو اللـه. فإذا كانت تتحدث عن المسيح في حالته الممجَّدة (رؤيا12:1-18)، فإنّ "العزيز (صاحب السيادة) الوحيد وملك الملوك ورب الأرباب والذي له وحده عدم الموت (الأبدية) وساكناً في نور لا يدنى منه" ستكون كلها ألقاباً تدل على ألوهيته. وإذا كانت هذه الفقرة تتحدث عن اللـه فمعنى ذلك أنّ كلاًّ من المسيح واللـه يشتركان في اللقبين المتطابقين "ملك الملوك ورب الأرباب" كما تبين الفقرات الأخرى التي أشرنا إليها (رؤيا 14:17 مثلاً) وفي كلا الحالين، فإنها تقدّم دليلاً على ألوهية المسيح.
لـم يترك العهد القديم مجالاً للشك بأنّ اللـه هو ديّان كل نفوس الناس. "يدعو السماوات من فوق والأرض إلى مداينة شعبه .. لأن اللـه هو الديّان" (مزمور 4:50،6). وهناك إشارات كثيرة إلى يهوه كديان (تكوين 25:18، مزمور 13:96، عبرانيين23:12،24، 1بطرس 17:1). غير أننا نجد في العهد الجديد أنّ اللـه الآب قد ترك "كل الدينونة للابن" (يوحنا 22:5). ويوضح لنا العدد 23 سبب إعطاء اللـه كل الدينونة للابن: "لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب. من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله." هل الآب مكرم كاللـه؟ بالطبع. إذاً يجب أن يكرم الابن بنفس الطريقة.
إنّ (يوحنا 7:5-30) واحدة من أقوى الفقرات في كل الكتاب المقدّس التي تؤكد ألوهية المسيح. يسوع هو "العتيد أن يدين الأحياء والأموات" (2 تيموثاوس 1:4). وسيمثل كل المؤمنين أمام "كرسي المسيح" (2كورنتوس 10:5). وتتحدث رومية 10:14 إنّ الوقوف أمام كرسي المسيح هو إعطاء حساب عن أنفسنا للـه نفسه. كما أنّ يهوه والمسيح كليهما يفحصان قلوب المؤمنين "أنا هو الفاحص الكلى والقلوب" (رؤيا 23:2؛ إرميا 10:17). وهكذا يبرز يسوع ويهوه كديان واحد.
يستخدم تعبير "النور" غالباً للإشارة بشكل مجازي للـه وحضوره أو إعلانه. فاللـه هو "النور" و "النور الأبدي" و"نور الأمم" و "السراج" وهو الذي يضيء الظلمة (مزمور 1:27؛ إشعياء 6:42؛19:60،20؛ 2صموئيل 29:22).
قدّم يسوع تصريحاً قوياً عن نفسه بأنه النور، لا مجرد شخص يشير إلى النور. قال "أنا هو Ego eimi نور العالـم، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة" (يوحنا 12:8). وقال أيضاً مُشيراً إلى نفسه، "وهذه هي الدينونة، أنّ النور قد جاء إلى العالـم وأحبَّ الناس الظلمة أكثر من النور" (يوحنا 5:9). كما وصفه الرسـول يوحنا بأنه "نور الناس" و "النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان" (يوحنا 4:1،9). فكما أنّ اللـه هو النور الأبدي فإن يسوع هو أيضاً كذلك (إشعياء 19:60-20؛ رؤيا 23:21؛ 5:22).
يمكن لكلمة "الصخرة" أن تعني أشياء كثيرة، ولكن عندما تصبح اسماً للـه، فإنها ترمز إلى تعزية اللـه لنا، وثباته وصلابته وقوته. ترك موسى قبيل موته لأبناء أمته ترنيمة تذكرهم بطبيعة اللـه وبما فعله من أجلهم. استخدم في هذه الترنيمة اسمين للـه هما يهوه والصخرة. "إني باسم الرب أنادى. أعطوا عَظَمة لإلهنا. هو الصخر الكامل صنيعه!" (تثنية 3:32-4؛ انظر أيضاً تثنية 15:32،18، 30-31). وقد دعا داود صاحب المزامير اللـه إلهي و"صخرة خلاصي" (مزمور 26:89، 1:95). كما قدّم داود له العبادة كصخرة له "الرب صخرتي" و "صخرة إسرائيل" (2صموئيل 2:22،3،47؛ 3:23). ونجد في 2 صموئيل 32:22 سؤالاً استنكارياً، "لأنه من هو إله غير الرب ومن هو صخرة غير إلهنا؟"
وفي العهد الجديد يعطى يسوع لقب "الصخرة." فقد أشار بولس إلى بني إسرائيل في البرية مع موسى فقال "وجميعهم أكلوا طعاماً واحداً روحياً، وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً. لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح" (1كورنتوس3:10،4؛ انظر خروج 6:17؛ نحميا 15:9). كان بولس يشير رمزياً هنا إلى بني إسرائيل الذين يقوتهم اللـه - فكان يهوه يعطيهم الـمَـنّ من السماء (العدد 3) وكان المسيح يعطيهم الشراب (العدد 4). فمن الواضح إذاً أن بولس كان يؤمن أنّ يسوع هو يهوه.
كما تحدث بولس عن يسوع كـ "صخرة عثرة" (رومية 33:9). أشار له بطرس على أنه "حجر حي" و"حجر صدمة" و"صخرة عثرة" و "حجر مختار" و "حجر زاوية كريم" و "الحجر الذي رفضه البناؤون" (1بطرس 4:2-8).
تعني كلمة الفادي الشخص الذي يعيد شراء شيء. عندما كان الجنس البشري مفلساً روحياً وعاجزاً عن تخليص نفسه، قام اللـه عن طيب خاطر حسب علمه السابق (أعمال 2:23) بالتضحية بابنه من أجل فداء الجميع، فاتحاً الباب لأي شخص للمصالحة مع اللـه. تقول كلمة اللـه "عنده فِدىً كثير" (مزمور 7:130،8)، وإنه "الفادي" (إشعياء 17:48؛ 5:54؛ 9:63). وهو الذي يفدي من "الحفرة" حياتنا (مزمور 4:103)، ولا يمكن أن يأتي الفداء النهائي من الخطية إلاّ من اللـه.
يسوع المسيح هو فادينا من الخطية "لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا" (أفسس 7:1). فيسوع هو الذي اشترى لنا فداءً أبدياً (عبرانيين 12:9). كما طلب بولس من شيوخ أفسس أن يرعـوا "كنيسة اللـه التي اقتناها (اشتراها وافتداها) بدمه" (أعمال 28:20). ولا يمكن أن يشير هذا إلاّ إلى موت المسيح على الصليب. فيسوع هو اللـه الابن فادينا.
تنبأ العهد القديم، نظراً لحاجة البشرية للبر وعجزنا عن الوصول إلى مستوى القداسة الذي يطالبنا اللـه به (رومية 23:3)، أنّ يهوه سيقيم يوماً ما "غصن بِر" من أصل داود سيكون اسمه "الرب برنا" (إرميا 6:23؛ 15:33،16). وهذا الغصن حسب تعليم العهد القديم هو المسيّا المنتظر أو المسيح (قارن مع لوقا 32:1). وهكذا فإن أحد أسماء يسوع هو الرب (يهوه) برنا. ويقول لنا (إشعياء 24:45) بأنه ليس هناك أي بِر إلاّ في يهوه الرب "إنما بالرب البِر."
إن أحد الجوانب الجميلة للقب "الزوج"، عندما يستخدم للدلالة على اللـه، هو أنه يذكّرنا بأن اللـه يحبنا ويشتاق إلى أن يملأ الفراغ والوحدة في قلوب الناس كما يفعل الزوج المحب ليسدد احتياجات زوجته (والعكس بالعكس). ذكّر إشعياء إسرائيل بقوله "لأنّ بعلك (زوجك) هو صانعك" (إشعياء 5:54). وفي سفر هوشع نجد أن اللـه يقارن محبته لإسرائيل بمحبة زوج أمين لزوجة غير مخلِصة. لقد أعطى اللـه وعداً بأنه على الرغم من أنّ الدينونة قادمة، فإن إسرائيل سيدعو اللـه مرة أخرى "رَجُلي" (هوشع 16:2)، أي زوجي أو عريسي.
وكما ينظر العهد القديم إلى اللـه كزوج لإسرائيل، فإن العهد الجديد يرى في يسوع زوج (عريس) الكنيسة. قال يسوع إن تلاميذه محقّون في عدم الصوم لأن "العريس" معهم (مرقس18:2،19). ويطلب المسيح في متى 1:25 من العذارى (الكنيسة) أن ينتظروا العريس أي المسيح نفسه. ويقول بولس في (2كورنتوس 2:11) بأنّ الكنيسة مخطوبة للزواج من المسيح. ويشير (رؤيا 2:21،9) إلى الكنيسة كعروس مهيأة لرجلها والعروس امرأة الخروف. والعروس الجديدة هي أورشليم السماوية. وهكذا فإن المسيح، مثل اللـه، هو الزوج الإلهي.
"الراعي" مصطلح جميل يشير إلى اللـه في رعايته للبشر. رنّم داود قائلاً، "الرب راعّي فلا يعوزني شيء" (مزمور 1:23)، ويقول في (مزمور 1:80) "يا راعي إسرائيل أصغ يا قائد يوسف كالضأن." ويشير (تكوين 24:49) إلى اللـه "الراعي صخر إسرائيل." كما خصص حزقيال سفراً كاملاً للتحدث عن اللـه كراعٍ لبيت إسرائيل الضال "غنم مرعاه" (حزقيال 34).
وعلى الرغم من أنّ استخدام كلمـة الراعـي لا يـبرهن على ألوهيـة المسيح، فإن بطرس وبولس دعيا المسيح "رئيس الرعاة" و "راعي الخراف العظيم" و "راعي نفوسكم وأسقفها (حارسها)" (1بطرس 4:5، عبرانيين 20:13، 1بطرس 25:2). كما أنّ يسوع دعا نفسه راعياً مؤكداً أنه "الراعي الصالح" (يوحنا 11:10)، وأنه الراعي "الوحيد" (يوحنا16:10).
يقول أول عدد في الكتاب المقدس "في البدء خلق اللـه السموات والأرض" (تكوين 1:1). فاللـه يُعَرّف بوضوح على أنه الخالق. وإنّ قول أي شيء آخر مختلف عن هذا كان سيُعد تجديفاً من قبل اليهود. يقول الكتاب المقدس مرة تلو الأخرى على إنّ اللـه هو الذي خلق العالـم (أيوب 4:33؛ مزمور 5:95،6؛ 25:102،26؛ الجامعة 1:12؛ إشعياء 28:40).
يؤكد العهد الجديد ألوهية المسيح بالتحدث عنه كخالق:
"هذا كان في البدء عند اللـه. كل شيء به كان، وبغيره لـم يكن شيء مما كان ... كان في العالـم وكُوِِّنَ العالـم به، ولـم يعرفه العالـم." (يوحنا 2:1،3،10).
ومن الواضح أنّ هذه الفقرة تتحدث عن يسوع. ولقد عبّر بولس عن نفس الفكرة:
"فإنه فيه خُلِق الكل، ما في السموات وما على الأرض، ما يُرى ومـا لا يُرى، سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خلق. الذي هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل." (كولوسي 16:1-18)
يشير النص إلى أنّ بولس يتحدث عن يسوع. والضمائر المستخدمة تشير إلى شخص واحد. وتتحدث الفقرة عن شخص واحد خُلقت بواسطتـه كل الأشياء. إنه رأس الكنيسة وهو "البداءة"(موجود منذ البدء وبادئ كل شيء) و"بِكْر من الأموات." ولقد جمع يسوع كل هذه الأمور حسب أفسس 23:5؛ يوحنا 1:1؛ 1كورنثوس 20:15.
ولقد نَبّرَ كاتب الرسالة إلى العبرانيين على نفس النقطة. "اللـه ...كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه، الذي جعله وارثاً لكل شيء، الذي بـه أيضاً عمل العالمين (عبرانيين 1:1،2). وفي نفس الأصحاح الذي يخاطب الابن في العدد الثامن يقول، "وأنت يا رب (يسوع) في البدء أسَّسْتَ الأرض، والسموات هي عمل يديك" (عبرانيين 10:1).
يقول لويس سبيري شيفر:
"إنّ عملية الخلق في حد ذاتها أمر لا يمكن مقارنته بأي شيء آخر. عندما خلق اللـه الأشياء المادية، فقد دعاها إلى الوجود من العدم. وإنّ هذا التصريح لبعيد كل البعد عن فكرة أنّ لا شيء أنتج شيئاً. فمن الواضح أنه لا يمكن أن ينتج أي شيء من العدم واللاشيء. فالكتاب المقدس يقول بأنّ كل شيء قد برز إلى الوجود من موارد اللـه اللانهائية. فاللـه هو مصدر كل ما هو موجود. لقد تسببت إرادة اللـه الذاتية الحرة في خلق العالـم المادي، كما هو مذكور في رومية 36:10 "لأن منه وبه وله كل الأشياء. له المجد إلى الأبد آمين." يقول هذا العدد بأن الخلق عمل اللـه، فلا يعزى إلى غيره. لكن (كولوسي 16:1-17) يؤكد مستخدماً نفس التعبيرات العامـــة أنّ كل الأشياء قد خُلِقت من قبل المسيح وله وانه موجود قبل كل الأشياء، وان كل الأشياء قد خلقت بواسطته."
لقد كانت أروع لحظات الخلق تلك التي خلق فيها اللـه الإنسان "ونفخ في أنفه نسمة حياة" (تكوين 7:2). ويقول اللـه في تثنية 39:32، بعد تصريحه، "أنا أنا هو وليس إله معي،" بأنه هو الذي يعطي الحياة "أُحيي" (قارن مع مزمور 9:36).
قال يسوع، "لأنه كما أنّ الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن أيـضاً يحُيي من يشاء (يوحنا 21:5). قال يسوع قبيل إحيائه لعازر من بين الأموات "أنا هو القيامة والحياة" (يوحنا 25:11). كما انه ذهب إلى حدّ قال معه بأنه مُعطي الحياة الأبدية. "وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي … أنا والآب واحد" (يوحنا 28:10-30). قال يسوع بأنّ الكتب (مشيراً إلى العهد القديم) تشهد له ".. تشهد لي، ولا تريدون أن تأتوا إليّ لتكون لكم حياة" (يوحنا 39:5-40).
اللـه هو غافر الإثم والمعصية والخطية (خروج 7:34، انظر أيضاً نحميا 17:9؛ مزمور 5:86؛ 4:130؛ إشعياء 7:55؛ إرميا 34:31؛ دانيال 9:9؛ يونان 2:4). ويستطيع يسوع ابن اللـه، أن يغفر الخطية. يقول الرسول بولس في رسالته إلى أهل (كولوسي 13:2و13:3) إنّ يسوع هو الذي يغفر الخطايا. قال يسوع لبولس بأن عليه أن يؤمن به لينال غفران الخطايا (أعمال 18:26).
جاء إليه بعض الأشخاص طالبين الشفاء لصديق مفلوج لهم (مرقس1:2-12). ولما لـم يستطيعوا الدخول إلى البيت الذي كان يسوع يعلّم فيه، ثقبوا السقف ودلّوا صديقهم المفلوج. قدّر يسوع إيمانهم وتأثّر به، فقال للمفلوج "يا بني مغفورة لك خطاياك." "يا للغطرسة ويا لجرأة الافتراض!" هكذا كان تفكير بعض الأشخاص الموجودين. كيف يمكن ليسوع أن يعرف خطايا الرجل المفلوج؟ وكيف يمكنه أن يقدّم الغفران كما لو كانت الخطايا التي ارتكبها هذا الشخص موجهة ضده كما هي ضد اللـه؟ كيف يغفرها وكأن لديه سلطاناً على هذا؟ كان جواب يسوع واضحاً. لـم يكن متغطرساً، وإنما كان يقول الصدق، وها هو الدليل، "لكي تعلموا أنّ لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا ... قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك." وهذا ما حصل. فدهشوا جميعا ومجدوا اللـه.
كتب أ.ت. روبرتسون، عالـم اللغة اليونانية، معلقاً على (مرقس 7:2)،
"لقد اعتقد هؤلاء أنّ افتراض يسوع لهذا الامتياز أو الحقّ المقصور على اللـه وحده هو تجديف. وكان منطقهم صحيحاً. لكن العيب الوحيد هو استبعادهم إمكانية أن يكون ليسوع علاقة معينة مع اللـه تبرر تصريحه. وهكذا فإنّ الصراع هنا يدور حول قدرة يسوع على إثبات ألوهيته. لقد أدرك يسوع أنه مارس امتيازاً مقصوراً على اللـه بغفرانه خطايا الرجل المفلوج، فقام بشفائه مُقدّماً تبريراً كافياً لادعائه."
يقول روبرت ألان كول في تعليقه على هذه الفقرة من إنجيل مرقس، بأنـه يمكن النظر إليها من عدة زوايا، لكنها تلتقي جميعاً لتعطي معنىً واحداً. وهو في شرحه للفقرة يعيد صياغتها:
"هناك طريقتان للنظر إلى هذه الفقرة. وكلا خطَّي التفسير مثمران (لهما معنى)، وإذا تابعناهما إلى مداهما فسيتداخلان ويصبحان خطاً واحداً. يقول الخط الأول "هل تقولون إنّ اللـه وحده هو القادر على غفران الخطايا؟ لكني أريد أن أثبت لكم أنّ أمامكم إنساناً يملك نفس القوة. وبهذا المنطق يقود الكتبة المفكرين إلى المعادلة والربط بين يسوع الإنسان واللـه."
يؤكد جوش ماكدويل، أحد مؤلفي هذا الكتاب، في محاضرة له حول الغفران:
"لقد أزعجني مفهوم الغفران مدة طويلة من الزمن لأنني لـم افهمه. كنت يوماً أعطي محاضرة لطلاب الفلسفة. ووجّه إليّ أحد الطلبة سؤالاً حول لاهوت المسيح، فاستشهدت بالأعداد السابقة من الأصحاح الثاني من مرقس. فقام أحد الطلبة بتحدي الاستنتاج الذي توصلت إليه بأنّ غفران المسيح للرجل يثبت ألوهيته. قال بأن في إمكانه أن يسامح شخصاً دون أن يكون ذلك إثباتاً أنه يدّعي الألوهية. عندما فكرت في ما قاله الطالب الجامعي، عرفت السبب الذي دعــا القادة الدينيين يثورون بهذه الحدة على يسوع. أجل. يستطيع المرء أن يقول "أسامحك" ولكن لا يمكن أن يقول ذلك إلاّ للشخص الذي وُجِهتْ إليه الإساءة. فإذا أخطأتَ ضدي، بإمكاني أن أقول لك، "أسامحك." لكن هذا لـم يكن ينطبق على يسوع. فلقد أخطأ المفلوج ضد اللـه الآب، ثم جاء يسوع بسلطانه الخاص ليقول له مغفورة لك خطاياك. من المؤكد أننا نستطيع أن نغفر الإساءات الموجهة ضدنا، ولكن لا يستطيع أحد بأي حال من الأحوال أن يغفر الخطايا المرتكبة ضد اللـه إلاّ اللـه وحده. وهذا ما قاله يسوع."
لقد كان سلطان يسوع على مغفرة الخطايا مثالاً مذهلاً لممارسته امتيازاً يخصّ اللـه وحده.
يقول الرب يهوه في (خروج 26:15) "أنا الرب شافيك." على الرغم من أنّ اللـه أعطى موهبة الشفاء لعدة أشخاص عبر العصور، فإنّ أحداً لـم يَدَّعِ قط أنه يشفى بسلطانه الشخصي كما فعل يسوع. وقد آمن التلاميذ الأوائل بذلك السلطان، وشفوا أشخاصاً وأخرجوا شياطين باسم يسوع (متى 1:10؛ مرقس 38:9؛ لوقا 17:10). وقد أصاب هذا الأمر أعداءه بالذعر (يوحنا 24:9). فمن هو الشخص العاقل الذي يمكن أن يقول بأنه كان يشفي ويخرج الشياطين باسمه (سلطانه) الخاص؟ فهذا سيكون بمثابة نزع المجد الذي يخص اللـه وحده.
قال يسوع إنّ له سلطاناً على القوى الشيطانية كجزء من قدرته الشفائية (متى 22:12-29)، وهي حقيقة أقرّت بها الشياطين المهزومة معترفة بأنه "قدوس اللـه" و "ابن اللـه" (مرقس 24:1؛ 7:5؛ لوقا 34:4). ولقد وافقت الكنيسة الأولى وعلَّمت أنّ كل الملائكة والرياسات والقوات خاضعة له (1بطرس 22:3). وعندما تقابل بطرس في أعمال 34:9 مع رجل مفلوج، دعا الرجل باسمه وقال له "يا اينياس، يشفيك يسوع المسيح." فشفاه فعلاً. وهنا فإننا نجد بأن يسوع الموجود في السماء يعمل كشافٍ، كاللـه.
وهكذا يتكلم الكتاب المقدس بصوت قوي ونبرة عالية. لقد اتخذ يسوع لنفسه أسماءً وألقاباً لا يمكن أن تنطبق بحق إلاّ على اللـه. وقد دعي بهذه الأسماء والألقاب من قِبل آخرين: يهوه، اللـه، الألف والياء، الأول والآخر، الرب، المخلّص، الملك، الديّان، الفادي، الرب بِرّنا. وقد اشترك مع اللـه في ألقاب مثل "النور" و"الصخرة" و"الزوج" (العريس) و"الراعي" و"الخالق" و"معطي الحياة" و"غافر الخطايا" و"الشافي."
إن كان يسوع هو اللـه، فإنه سيحمل بالإضافة إلى ألقاب اللـه وأسمائه صفات لا يمكن أن تكون إلاّ للـه وحده. فهل حَمَل هذه الصفات؟ وهل يعلّم الكتاب المقدس ذلك؟
الفصل الثالث:
يسوع المسيح يمتلك كل صفات اللـه.
اللـه فريد. فهو وحده غير مخلوق. وهو خالق الكون كله وحافظه - أي أنه مصدر الخليقة وليس جزءاً منها. نستطيع أن نرى عمل اللـه أو بصماته في الأشياء المخلوقة، لكن عمله ليس جزءاً من اللـه أو اللـه نفسه. على سبيل المثال نقول بأن البشر كائنات شخصية - فنحن نستطيع أن نفكر ونقرر ونتصور ونحب. فنحن مخلوقون على صورة اللـه، الذي هو نفسه كائنشخصي، لكننا لسنا اللـه.
إذا كان يسوع المسيح هو اللـه حقاً، فلا بد أن يمتلك صفات اللـه ولا يعكسها فقط. سندرس في هذا الفصل خمس صفات مقصورة على اللـه، ونرى انطباقها على يسوع المسيح.
اللـه موجود فـي كل شيء؛ وكل اللـه (اللـه كاملاً) موجود في كل مكان في كل نقطة في الكون. وهذا هو المقصود بكونه كلّي الوجود. لكن إيماننا بأن اللـه موجود في كل شيء لا يعني أن كل شيء هو اللـه. فعندما نقول بأن اللـه موجود في كل مكان في نفس الوقت، لا يعني أنه موجود في كل شيء حسب المفهوم الهندوسي الذي يقول بأن كل الخليقة بطريقة ما جزء من اللـه. فقد خلق اللـه، على سبيل المثال، الشجرة ولكن الشجرة ليست جزءاً من اللـه.
كما أن اللـه كلي الوجود بمعنى شخصي (مزمور 7:139؛ أمثال 3:15)، وهو بهذا قادر على مساعدة أولاده وتخليصهم ومحبتهم والدفاع عنهم وتسديد أعمق أشواقهم واحتياجاتهم، فإن العهد الجديد يصف المسيح أيضاً بأنه كلي الوجود. قال بولس بأن "الذي نزل هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السموات لكي يملأ الكل (كل شيء)" (أفسس 10:4). وقال المسيح لتلاميذه، "لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (متى 20:18). كما قال لهم أيضاً، "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 20:28). كما تقول كلمة اللـه بأن المسيح يسكن قلوب كل الذين يضعون إيمانهم فيه (رومية 9:8؛ غلاطية 20:2؛ أفسس 17:3؛ كولوسي 27:1؛ رؤيا 20:3). ". . . أم لستم تعرفون أنفسكم (لستم تعرفون هذه الحقيقة عن أنفسكم) أن يسوع هو فيكم؟" (2كورنثوس 5:13). فكيف يمكن لشخص فانٍ، سواء كان ممجّداً أم لـم يكن، أن يدّعي بأنه يسكن في قلوب المؤمنين حول العالـم؟
عندما نقول إنّ اللـه كلي العلم، فإننا نعني أن اللـه يعرف كل شيء يمكن أن يُعرف، سواء كان أمراً واقعاً أم محتملاً على مدى الأبدية. يقول روبرت باسانتينو في كتابه "طبيعة اللـه وصفاته":
"معرفة اللـه كاملة وأبدية لكل الأشياء. فاللـه يعرف كل ما هو قابل للمعرفة. وتختلف معرفة اللـه الكلية عن المعرفة التي نكتسبها. فنحن نعرف بالتعلم. أما اللـه فلا يمر بعملية التعلم حتى يعرف. ولا يأتي علم اللـه الكلي نتيجة للتفكير المنطقي أو الاستنتاج أو استخدام الحواس أو التصور أو الاستقراء أو الاستدلال. فمعرفته مباشرة ودقيقة وواضحة تتفق مع حقيقة الأمور. ولا توجد مادة للمعرفة إلاّ ويعرفها اللـه."
ويصور العهد الجديد المسيح على أنه كلي العلم: عالـم بكل شيء - الماضي والحاضر والمستقبل. تقول لنا كلمة اللـه في (يوحنا 24:2،25) بأن يسوع "كان يعرف الجميع" لأنه علم "ما كان في الإنسان." وشهد التلاميذ له قائلين، "الآن نعلم أنك عالـم بكل شيء" (يوحنا 30:16). كما صرّح بطرس، "يا رب، أنت تعلم كل شيء" (يوحنا 17:21)." وتمشياً مع معرفته الكلية، قال الكتاب المقدس بأنه عرف من سيخونه (يوحنا 64:6).
يقول الدكتور جون والفورد في كتابه "يسوع المسيح ربنا" عن معرفة المسيح الكاملة:
"وبنفس الطريقة فإن معرفة المسيح السابقة تتأكد لنا في فقرات ومواضع كتابية أخرى (يوحنا 1:13،11؛ 4:18؛ 28:19). وانسجاماً مع علمه الكلي تقول كلمة اللـه بأنه يملك حكمة اللـه (1كورنثوس 30:1). ولا يمكن أن تنسب مثل هذه الصفات حتى إلى أكثر الأنبياء حكمة. فهي تشكل إذاً دليلاً آخر على أنه يمتلك كل الصفات الإلهية."
يقول توماس شولتز:
"تفوق معرفة المسيح أي كائن بشري بمراحل بعيدة. فهو ليس مجرد شخص عبقري أو مجرد أكثر البشر حكمة. إذ تتجاوز حكمته كل المحدوديات أو القيود البشرية ولا يمكن تصنيفها إلاّ كمعرفة كاملة. فهو أولاً: يعرف أفكار الإنسان الداخلية وذكرياته، وهي صفة مميزة للـه (1ملوك 39:8؛ إرميا 9:17-16). رأى الشرّ في قلوب الكتبة (متى 4:9)؛ وعرف مسبقاً الذين سيرفضونه (يوحنا 64:10)، والذين سيتبعونه (يوحنا 14:10). استطاع أن يقرأ قلوب الناس وأفكارهم (مرقس 8:2؛ يوحنا 48:1؛ 24:2،25؛ 16:4-19؛ أعمال 24:1؛ 1كورنثوس 5:4؛ رؤيا 18:2-23). لا يستطيع البشر أن يفعلوا أكثر من تخمين ذكي لما في قلوب الآخرين وأفكارهم. ثانياً: يمتلك المسيح معرفة لحقائق أخرى تتعدى قدرة أي إنسان على استيعابها. فقد عرف مكان السمك تماماً في الماء (لوقا 4:5-6؛ يوحنا 6:21-11)، وعرف أية سمكة تحوي العملة المعدنية (متى 27:17). كما عرف الأحداث المستقبلية (يوحنا11:11؛ 4:18)، والتفاصيل التي سيواجهها (متى 2:21-4)، وعرف بأن لعازر قد مات (يوحنا 14:11). ثالثاً: كانت له معرفة داخلية للذات الإلهية مُظهراً أنّ له أوثق اتصال ممكن مع اللـه. بالإضافة إلى المعرفة الكاملة فهو يعرف الآب كما يعرفه الآب (متى 27:11؛ يوحنا 29:7؛ 55:8؛ 15:10؛ 25:17). رابعاً: يُعلم الكتاب المقدس أنّ المسيح يعرف كل الأمور والأشياء (يوحنا 30:16؛17:21)، وأنّ كل كنوز الحكمة والمعرفة مذّخرة فيه (كولوسي 3:2).
يمكن ترجمة الكلمة العبرية "ايل شدّاي" (El Shaddai) إلى "اللـه القدير." وهي تفيد أنّ اللـه كلّي القدرة أو كامل القوة. وقد شهدت معجزات المسيح لقدرته وقوته وسيطرته على العالـم المادي. لكن كلماته وقيامته تعلنان سلطانه وقدرته على كل الخليقة.
يقول الدكتور جون والفورد:
"إنّ الدليل على قدرة المسيح الكلية حاسم مثله في ذلك مثل بقية الصفات الإلهية. وتأخذ هذه القدرة أحياناً الشكل المادي، لكنها تشير في أحيان كثيرة إلى سلطانه على الخليقة. إذ للمسيح القدرة على مغفرة الخطايا (متى 6:9)، وله كل سلطان (قوة أو قدرة) في السماء وعلى الأرض (متى 18:28)، وله سلطان على الطبيعة (لوقا 25:8)، وسلطان على حياته (يوحنا 18:10)، والقدرة على إعطاء الحياة الأبدية للآخرين (يوحنا 2:17)، والقدرة على أن يشفي الآخرين جسدياً، كما تشهد له معجزاته الكثيرة، بالإضافة إلى قدرته على إخراج الشيطان (مرقس 29:1-34)، والقدرة على تغيير الأجساد البشرية (فيلبي 21:3). وبفضل قيامته "فإنه يقدر أن يُخلّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى اللـه" (عبرانيين 25:7). وهو قادر أن "يحفظ وديعتي (ما أودعتكم إياه) إلى ذلك اليوم" (2تيموثاوس 12:1). "وهو القادر أن يحفظكم غير عاثرين ويوقفكم أمام مجده بلا عيب في الابتهاج، الإله الحكيم الوحيد مخلّصنا له المجد والعظمة والسلطان الآن وإلى كل الدهور، آمين." (يهوذا 24؛ قارن مع أفسس 27:5). ويبدو أن النص اليوناني ليهوذا 25 يوحي بأنّ هذا يحدث من خلال "يسوع المسيح ربنا،" أي أنّ، الذي يحدثه هو اللـه الآب؛ لكن على أية حال فإنّ هناك حاجة لقدرة المسيح. إنّ من الملاحظ أنّ تجسد المسيح وموته وقيامته سمحت له أن يتصرف ويتعامل مع الخطيئة من أجل خلاصنا. لكن قدرته الكلية محدودة ضمن ما هو مقدس وحكيم وصالح (أي أنه لا يقدر أن يرتكب خطيئة لأن ذلك مناقض لطبيعته).
هناك صفة أخرى من صفات المسيح ألا وهي مشاركته للـه في الأزلية. إذ تدعم فقرات كتابية كثيرة وجود المسيح قبل ولادته، ليس كمجرد فكرة في علم اللـه السابق وإنما كوجود حقيقي.
قال يسوع، "خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالـم وأيضاً أترك العالـم وأذهب إلى الآب" (يوحنا 28:16). قال يسوع مراراً بأنه أُرسل إلى هذا العالـم، وقد عنى بذلك أنه كان خارج هذا العالـم (يوحنا 32:3-34؛ 34:4؛ 23:5،24،36-38؛ 29:6، 33، 38؛ 16:7،18، 28،29،33؛ 18:8،29،38،42؛ 20:13؛ 30:16؛ 8:17؛ ... الخ). قال لنيقوديموس، "وليس أحد صعد إلى السماء إلاّ الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء (يوحنا 13:3). وقال "أنا هو ego eimi الخبز الحي الذي نزل من السماء ..." (يوحنا 51:6؛ أنظر أيضاً العدد 58). وقال المسيح، "فإن (فماذا لو) رأيتم ابن الإنسان صاعداً إلى حيث كان أولاً" (يوحنا 62:6). وقال يوحنا المعمدان عن المسيح، "الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع، وما رآه وسمعه به يشهد .." (يوحنا 31:3،32).
وصلّى يسوع مرة أخرى، "الآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالـم." (يوحنا 5:17). وقد افترض كاتب الرسالة إلى العبرانيين الوجود السابق للمسيح عندما كتب أنّ موسى حسِبَ عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر" (عبرانيين 26:11). ويقول الكتاب المقدس في رؤيا 8:13 بأنّ يسوع يملك "سفر الحياة منذ تأسيس العالـم."
أما يوحنا المعمدان الذي ولد قبل المسيح بستة أشهر فقال، "الذي يأتي بعدي صار قدامي (رتبة) لأنه كان قبلي" (يوحنا 15:1،30). يشير العدد الثلاثون بكل وضوح إلى أنّ يوحنا المعمدان كان يقصد يسوع وليس "اللـه." ومن المستحيل أن يكون يوحنا المعمدان يشير هنا إلى أنّ يسوع كان موجوداً في معرفة اللـه السابقة، كما يعتقد البعض، لأن اللـه الكلي المعرفة عرف يوحنا معرفة سابقة أيضاً.
يتحدث الكتاب المقدس بصوت موحَّد. فيسوع كائن أزلي. وهذا يتفق مع ظهورات اللـه في شكل مادي في العهد القديم. مثلاً تكوين 1:18-19؛ 7:16-13؛ 15:22،16؛ 11:31-13؛ 30:32؛ 15:48،16؛ خروج 2:4-4 (بالإشارة إلى 2:3)؛ 1 أخبار الأيام 15:21-19؛ مزمور 6:34،7؛ زكريا 10:12 (بالإشارة إلى يوحنا 37:19)؛3:14،4 (بالإشارة إلى أعمال 9:1-12). فهذه تشكل بعضاً من الفقرات الرئيسية الكثيرة التي تظهر أنّ اللـه ظهر ظهوراً مادياً.
إله الكتاب المقدس إله أبدي. أي أنه يتجاوز الزمن، وهو مصدر للزمن. ولـم يكن هناك زمن لـم يكن فيه اللـه موجوداً. ولن يكون هناك زمن لا يكون اللـه فيه موجوداً (خروج 14:3؛ حبقوق 6:3؛ تثنية 26:33،27). ولا يوجد من هو أبدي إلاّ اللـه.
إنّ يسوع المسيح أيضاً أبدي. لـم تكن له "بداية"، كما يدعي شهود يهوه وجماعة الطريق الدولي أيضاً، (ولحدٍ ما، المورمونيون).
قال النبي ميخا متنبئاً عن ولادة المسيح، "مخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل" (ميخا 2:5). كما تحدث إشعياء عن مولد المسيح فقال إنه يُدعى "أباً أبدياً" (إشعياء 6:9). ويمكن ترجمتها على نحو أفضل إلى "أبا الأبدية." قال يسوع، "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يوحنا 58:8). والنص اليوناني يستخدم هنا صيغة المضارع لا الماضي فهو لـم يقل "أنا كنت." ويوضح ف.ف. بروس قائلاً، "لو كان للمسيح مجرد وجود سابق، لا أزلي أيضاً، لقال: "قبل أن يكون إبراهيم كنت." لكن يسوع مضى خطوة أبعد من ذلك فتحدث عن نفسه باستخدامه تعبير "أنا كائن" أي الأبدي الدائم الوجود.
ويقول جي كامبيل، "تفيد الكلمات "أنا كائن" سرمدية الوجود السابق لكل الجنس العبري، الموجود في الكينونة الأبدية (اللـه)."
ويقدم ويليام باركلي تعليقاً هاماً فيقول،
"يسوع لا زمني. لـم يكن هناك وقت قط دخل فيه المسيح إلى حيّز الوجود، ولن يوجد وقت سيتوقف فيه عن الوجود. لا نستطيع أن نقول عن يسوع "لقد كان." يجب أن نقول دائماً "إنّه يكون" أو "أنه الكائن." نرى في يسوع لا زمنية اللـه، الذي كان إله إبراهيم واسحق ويعقوب، الذي كان قبل الزمن وسيظل بعده فهو دائم الوجود."
اللـه غير قابل أو معرض للتغير. فعلى الرغممن أنه يعمل في الزمان، ويؤسس ويغير علاقات في الزمان، فإن جوهره الذي يشمل صفاته لا يتغير أبداً (ملاخي 6:3؛ يعقوب 17:1؛ مزمور 11:33؛ إشعياء 9:46،10). ولهذا نستطيع الاعتماد على محبته لنا اعتماداً أبدياً وعلى حفظه لوعوده. من الواضح أنّ يسوع مرّ في تغيرات تطورية بشرية. أما بالنسبة لطبيعته الإلهية فإن الكتاب المقدس يؤكد بكل شجاعة أن "يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد" (عبرانيين 8:13). وهو يشترك مع الآب في جوهر واحد لا يتغير.
وهكذا فإننا نرى أن هناك أعداداً كثيرة في الكتاب المقدس تكشف أنّ يسوع يمتلك كل صفات اللـه السرمدي.
الفصل الرابع:
يسوع المسيح يمتلك سلطان اللـه.
نرى سلطان اللـه في يسوع عندما تحدث المسيح عن نفسه كشخص يستحق العبادة. كما قال إنّ له سلطاناً أن يقيم نفسه من الأموات، وتحدث بسلطان مهيب كاللـه نفسه.
إنّ موضوع العبادة في الكتاب المقدس هو أحد المواضيع الواضحة تماماً. فالعهدان القديم والجديد يؤكدان أنّ العبادة هي للـه وحده. قال يسوع لإبليس عندما حاول أن يجربه، "للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد" (متى 10:4؛ لوقا 8:4). ولا يصحّ لبشر أو ملاك أن يتلقى العبادة (متى 10:4؛ رؤيا 20:19؛ 8:22،9). إذ لا يمكن أن يعطي اللـه مجده لآخر (إشعياء 8:42).
يستخدم الكتاب المقدس بشكل رئيس كلمة واحدة للعبادة وهي الكلمة اليونانية "بروسكونيو." وهي الكلمة التي استخدمها يسوع في حديثه مع إبليس وإيضاحه وجوب عبادة اللـه وحده، وقد استُخدِمت أكثر من غيرها في وصف عبادة اللـه (يوحنا 24:4؛ رؤيا 14:5؛ 11:7؛ 16:11؛ ... الخ).
قال رجل ليسوع بعد أن شفاه، "أؤمن يا سيد وسجد له (أي عَبَدَهُ)"، وهي صيغة الماضي من بروسكونيو (يوحنا 38:9). وتستخدم نفس الكلمة في (متى33:14)، عندما سجد التلاميذ ليسوع (بمعنى عبدوه) بعد أن رأوه ماشياً على الماء. وفي مرة أخرى عندما رأى التلاميذ يسوع قبل القيامة وبعدها. نجد في كل هذه الحوادث أن نفس يسوع الذي سبق أن انتهر الشيطان لمحاولته أن يجربه بالعبادة الخاطئة لـم يحجم عن تلقي العبادة مُظهراً استنكاره ورفضه التام لتقديم العبادة للشيطان، على أساس أن العبادة هي للـه وحده. لكن يسوع قبل العبادة كحق له.
نجد في عبرانيين 6:1 أنّ اللـه يطلب من الملائكة أن تسجد ليسوع (بروسكيونيو) أي تعبدهُ. كما نجد في رؤيا 8:5-14 فقرة كاملة من التسبيح والعبادة مخصصة ليسوع "الحمل" وللـه. وصرح بولس في فقرة قوية بأن كل ركبة في السماء وعلى الأرض ستجثو للعبادة لاسم يسوع، وسيعترف كل إنسان بأن يسوع رب (فيلبي 10:2،11).
لقد تـم تقديم العبادة لابن اللـه من خلال أعمال لا حصر لها في العهد الجديد عندما أصبح ابنُ الإنسان نفسهُ هو موضوع الإيمان والرجاء والتوقير والمحبة.
إنّ الشهادة الموحدة لكنيسة العهد الجديد وللكنيسة عبر القرون هي أنّ اللـه المثلث الأقانيم، الآب والابن والروح القدس مستحق للعبادة.
حتى عندما كان يسوع خاضعاً كإنسان للموت، قال بأن له سلطاناً لإقامة نفسه (من بين الأموات)، وهذه قوة لا يملكها إلاّ اللـه. وقد يسأل بعضهم، "إذا كان يسوع هو اللـه، فكيف يمكن أن يقيم نفسه؟" قال يسوع في (يوحنا 19:2)، "انقضوا هذا الهيكل (مشيراً إلى جسده - العدد 21) وفي ثلاثة أيام أقيمه." أما عن حياته فقال، "لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً" (يوحنا 18:10).
لـم يكتف يسوع بأن ينسب إلى نفسه أسماء اللـه وألقابه وصفاته وسلطان إقامة نفسه من بين الأموات وتلقي العبادة، لكنه نطق بأشياء لا يحق إلاّ اللـه أن ينطق بها. فعندما أرسل الفريسيون أشخاصاً للقبض عليه، عاد هؤلاء خالين الوفاض. فسألهم الفريسيون عن السبب الذي منعهم من إلقاء القبض عليه، فكان جوابهم، "لـم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان." وكانوا على حق فيما قالوه.
من الصعب أن يقرأ المرء روايات الإنجيل دون أن يدهشه سلطان يسوع الإلهي. فقد دعا الناس أن يتبعوه، حتى إلى درجة التضحية بحياتهم من أجله. لقد تحدث بسلطان شخصي فريد.
كان المعلمون الآخرون في أيامه كالكتبة والفريسيين يستشهدون بالناموس والأنبياء (العهد القديم) لتثبيت ما يريدون قوله. لكن يسوع قال، "الحق الحق أقول لكم ... " و "وأما أنا فأقول ... " وقد أكدت الأحداث سلطانه. هربت الشياطين بكلمة منه. كما سكنت الريح وهدأ البحر خضوعاً لأمره. أقام الموتى وجعل المقعدين يمشون، وفتح أعين العمي. كتب سي. أس. لويس في كتابه "المسيحية الخالصة":
إنّ شخصاً لـم يكن إلاّ مجرد إنسان قال مثل هذه الأمور التي تفوه بها يسوع لا يمكن أن يكون معلماً أخلاقياً عظيماً. فإما أن يكون مجنوناً - على مستوى جنون شخص يقول إنه بيضة مقليّة - أو أن يكون شيطان الجحيم نفسه. وعليك أن تقرر بنفسك ما إذا كان هذا الشخص ابن اللـه، أو مجنوناً أو شيئاً أسوأ. تستطيع أن ترفضه كشخص أحمق، أو تبصق في وجهه وتقتله كشيطان، أو تسقط عند قدميه وتدعوه رباً وإلهاً. لكن لا تتنازل فتقول كلاماً فارغاً بأنه معلم أخلاقي عظيم. فهو لـم يترك هذا كخيار مفتوح أمامنا ولـم يكن ذلك قصده."
بالأسماء والألقاب والصفاتالتي تثبت أنّ يسوع ويهوه واحد
"لكن لنا إله واحد . . ." 1كورنثوس 6:8
انطباقه على يسوع | استخدامه للـه | الوصف |
يوحنا 24:8؛ يوحنا 58:8؛ يوحنا 4:18-6 |
خروج 14:3؛ تثنية 39:32؛ إشعياء 10:43 | يهوه "أنا هو" أو "أنا كائن" |
إشعياء 14:7؛6:9؛ يوحنا 1:1،14؛ 28:20 أعمال 28:20؛ تيطس 13:2 عبرانيين 8:1؛ 2بطرس 1:1 |
تكوين 1:1؛ تثنية 4:6؛ مزمور 6:45،7 |
الــلــه |
رؤيا 17:1،18؛ 8:2؛ رؤيا 2:22-16 |
إشعياء 4:41؛ 12:48؛ رؤيا 8:1 |
الألف والياء (الأول والآخر) |
متى 8:12؛ أعمال 59:7،60؛ أعمال 36:10؛ رومية 12:10؛ 1كورنثوس 18:2؛ 3:12؛ فيلبي 10:2،11 |
إشعياء 23:45 |
الـرب |
متى 21:1؛ لوقا 11:2؛ يوحنا 29:1؛ 42:4؛ تيطس 13:2؛ عبرانيين 9:5 |
إشعياء 3:43،11؛ 8:63؛ لوقا 47:1؛ 1تيموثاوس 10:4 |
المخلّص |
رؤيا 14:17؛ 16:19 |
مزمور 3:95؛ إشعياء 15:43؛ 1تيموثاوس 14:6-16 |
الملك |
يوحنا 22:5 2 كورنثوس 10:5 2 تيموثاوس 1:4 |
تكوين 25:18؛ مزمور 4:50،6؛ مزمور 13:96؛ رومية 10:14 |
الديان |
يوحنا 4:1،9؛ 19:3؛ يوحنا 12:8؛ 5:9 |
2 صموئيل 29:22 مزمور 1:27؛ إشعياء 6:42 |
النور |
رومية 33:9؛ 1بطرس 4:2-8؛ 1 كورنثوس 3:10،4 |
تثنية 3:32،4؛ مزمور 26:89؛ 2 صموئيل 32:22 |
الصخرة |
أعمال 28:20؛ أفسس 7:1؛ عبرانيين 12:9 |
مزمور 7:130،8؛ إشعياء 17:48؛ 5:54؛ 9:63 |
الفادي |
إرميا 6:23؛ رومية 21:3-22 | إشعياء 24:45 | برّنا |
متّى 1:25؛ مرقس 18:2،19؛ 2كورنثوس 12:11؛ أفسس 25:5-32؛ رؤيا 2:21،9 |
إشعياء 5:54؛ هوشع 16:2 |
الزوج (العريس) |
يوحنا 11:10،16؛ عبرانيين 20:13؛ 1بطرس 25:2؛ 4:5 |
تكوين 24:49؛ مزمور 1:23؛ 1:80 |
الراعي |
يوحنا 2:1،3،10؛ كولوسي 15:1-18؛ عبرانيين 1:1-3،10 |
تكوين 1:1؛ أيوب 4:33؛ مزمور 25:102،26؛ إشعياء 28:40 |
الخالق |
يوحنا 21:5؛ 28:10؛ يوحنا 25:11 |
تكوين 7:2؛ تثنية 39:32؛ 1صموئيل 6:2؛ مزمور 9:36 |
مُعطي الحياة |
مرقس 1:2-12؛ أعمال 18:26؛ كولوسي 13:2؛ 13:3 |
خروج 6:34-7؛ نحميا 17:9؛ دانيال 9:9؛ يونان 2:4 |
غافر الخطايا |
أعمال 34:9 | خروج 26:15 | الرب شافينا |
متّى 20:18؛ 20:28؛ أفسس 17:3؛ 10:4 |
مزمور 7:139-12؛ أمثال 3:15 |
كلّي الوجود |
متّى 27:11؛ لوقا 4:5-6؛ يوحنا 25:2؛ 30:16؛ يوحنا 17:21؛ أعمال 24:1 |
1ملوك 39:8؛ إرميا 9:17،9-10،16 |
كلّي العلم |
متّى 18:28، يوحنا 18:10؛ مرقس 29:1-34؛ يهوذا 24 |
إشعياء 10:40-13؛ إشعياء 5:45-13،18 |
كلّي القدرة |
يوحنا 15:1،30؛ 13:3،31،32 يوحنا 62:6؛ 28:16؛ 5:17 |
تكوين 1:1 | الوجود السابق |
إشعياء 6:9؛ ميخا 2:5؛ يوحنا 58:8 |
مزمور 26:102،27 حبقوق 6:3 |
سرمدي (أزلي أبدي) |
عبرانيين 8:13 |
إشعياء 9:64،16؛ ملاخي 6:3 يعقوب 17:1 |
عدم التغيير |
متّى 33:14؛ 9:28؛ يوحنا 38:9؛ فيلبي 10:2،11 عبرانيين 6:1 |
متّى 10:4؛ يوحنا 24:4؛ رؤيا 14:5؛ 11:7؛ 16:11 |
متلقٍ للعبادة |
متّى 21:5،27،32،34،39،44 متّى 34:23-37؛يوحنا 46:7 "الحق الحق أقول لكم . . ." |
"هكذا يقول الرب . . ." مستخدمة مئات المرات |
متحدث بسلطان الهي |
الفصل الخامس:
أصبح اللـه إنساناً في يسوع المسيح.
يُعلّم الكتاب المقدس أن يسوع كان إلهاً كاملاً وإنساناً كاملاً في نفس الوقت. قال بولس عن يسوع، "فإنه فيه يحلّ كل ملء اللاهوت (اللـه) جسدياً. فعلاقة يسوع مع الآب والروح القدس علاقة فريدة ضمن الثالوث الأقدس.
لقد اختار المسيح في تجسده طوعاً أن يضع نفسه تحت سلطان الآب. لـم يفعل ذلك لأنه كان مضطراً، ولكن لأنه اختار ذلك كجزء من خطة اللـه. ويشرح بولس هذه الفكرة في فيلبي 5:2-8،
"فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً، الذي إذ كان في صورة اللـه، لـم يحسب خلسة أن يكون معادلاً للـه، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس. وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب."
إنّ تخلي يسوع عن مساواته بالآب يفترض أنه كان مساوياً له. (الكلمة اليونانية المترجمة مساواة هنا مشتقة من جذر كلمة إيزوس المستخدمة في الهندسة في وصف المثلث المتساوي الساقين).
كما تعلّم هذه الفقرة أنّ يسوع كان موجوداً في هيئتين: كاللـه (عدد6) وكعبد (عدد7)، "وُجِدَ في الهيئة كإنسان." وتشير هذه الحقيقة التي ذكرها بولس إلى حدوث غير المتوقع – أن يصبح اللـه إنساناً. ولا تشير كلمة "خلسة" إلى أن يسوع كان يحاول اختلاس المساواة مع اللـه، ولكنها تشير إلى أنه، وهو المعادل للـه، لـم يتمسك أو يتشبث بامتيازاته الإلهية وهو على الأرض. فقد عاش حياته الأرضية بقوة اللـه. لقد أصبح اللـه الابن الذي خضع (خضوعاً وظيفياً وليس بالطبيعة) للـه إنساناً آخذاً طبيعة بشرية، حقيقية ثانية. ثـم قام طوعاً بفعل هذا الخضوع بتقديم نفسه ذبيحة من أجل خطايا العالـم.
إن خضوع يسوع لا يتنافى مع مساواته الجوهرية للآب والروح القدس. إذ لابد أن يكون اللـه الابن من نفس طبيعة اللـه الآب. وهذا واضح في (يوحنا 17:5،18). يعلّق المفسّر ليون موريس على هذين العددين فيقول:
"نقرأ أن يسوع شفى رجلاً كسيحاً في أورشليم يوم سبت، وأنه دخل في صراع عنيف مع قادة اليهود نتيجة لذلك. كان دفاع يسوع عن نفسه، "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يوحنا 17:5). ثارت ثائرة اليهود لأنه لـم ينقض السبت فحسب، بل دعا اللـه أباً له معادلاً نفسه باللـه (عدد 18). لا تشير صيغة الفعل المستخدمة هنا "يعمل" و "أعمل" إلى حدث واحد معزول، بل إلى ممارسة مستمرة. كما أنّ هذه الممارسة لـم تكن بلا هدف، أو أنها تعزى إلى إهمال أو تقصير ديني أو ما شابه. فهي تنبع من فكرة يسوع عن علاقته بالآب السماوي. فقد تصرف كما تصرف يوم السبت لأنه كان الابن. ولهذا رأى اليهود في نظرته للسبت أكثر من مجرد كسر لإحدى الوصايا، ولكن تجديفاً من أخطر نوع: "معادلاً نفسه باللـه." ولهذا اضطهدوه.
فكما كان الآب يعمل باستمرار (المعنى المتضمن في العمل هو حفظ الكون وما شابه) فإن يسوع كان يعمل بطريقة مماثلة – ليس كخادم يطيع الآب، ولكن على قدم المساواة مع الآب.
يقول الاستاذ اي.و.هينجستبرج:
"إنّ فكرة استمرار اللـه في العمل يوم السبت بشكل لا يقلّ عن عمله في أي يوم آخر، كانت أمراً معروفاً لدى اليهود في زمن المسيح. فالراحة في السبت كما هو مبين في تكوين 3:2 تشير بكل جلاء إلى عمل الخلق ذاته. وهذا ما فهمه اليهود تماماً. فالراحة المُشار إليها تتعلق بالسبت الأول. أما العمل الإلهي اللاحق فلا يعرف تمييزاً بين الأيام. ولقد كان واضحاً أنّ يسوع يدعو اللـه أباه بطريقة تختلف عن تلك التي يدعوه فيها كل الشعب اليهودي أباً (إشعياء 7:54). وقد أدرك اليهود ذلك من النتيجة التي توصل إليها يسوع حول تلك العلاقة (وهي أن بنوته الفريدة للـه هي التي تجعله يعمل جنباً إلى جنب مع الآب)."
يحاول يسوع أن يقول أنه كما أنّ الآب يعمل، فإنّ الابن يعمل أيضاً. ولـم يكن اختياره للكلمات مصادفة. فقد قصد بالسبت الراحة، لا العمل، وكان يسوع قد شفى لتوه شخصاً في السبت مُريحاً إياه من مرضه. لكن يسوع تابع كلامه ليقول إنه والآب، أباه الخاص الفريد، يعملان. فكما أن الآب يقوم باستمرار بحفظ الكون، يقوم يسوع أيضاً باستمرار بحفظ الكون (أنظر أيضاً كولوسي 16:1). لقد كان هذا الأمر تجديفاً بالنسبة لليهودي.
لقد فهم اليهود ما قصده المسيح بقوله إنّ اللـه أبوه على نحو فريد خاص. لـم يقصد يسوع، كاليهود، بأنّ اللـه هو "أبونا" بمعنى عام تحت رباط العهد الذي قطعه معهم. لكنه باستخدام تعبير "أبي" قصد بأنه يتمتع بعلاقة خاصة وفريدة وطبيعية مع الآب.
يقول سي.كي.باريت في تفسيره لإنجيل يوحنا:
"دعا يسوع اللـه أباه … ولـم يكن التعبير معروفاً أو مستخدماً في المجال اللاهوتي … وإن افتراض توافق وانسجام في عمل مشترك بين يسوع واللـه لا يمكن أن يعني إلاّ أنّ يسوع معادلٌ للـه."
لأن يسوع اتخذ هيئة بشرية في تجسده، فإننا نستطيع أن نرى اللـه في أكمل معنى ممكن في هذا العالـم. نرى في يسوع المسيح، وهو اللـه - الإنسان، "مجداً كما لوحيد من الآب" (يوحنا 14:1). غير أن هناك فقرات أخرى تقول، "الإنسان لا يراني (اللـه) ويعيش" (خروج 20:33)، "اللـه لـم يره أحد قط" (يوحنا 18:1)، "الذي لـم يره أحد من الناس ولا يستطيع أن يراه" (1تيموثاوس 16:6)، "اللـه الذي لـم يبصره" (1يوحنا 12:4، الخ).
إنه لأمر صحيح أنه لا يمكن لأحد أن يرى اللـه كاملاً بكل قدرته ومجده ويعيش. حتى أنّ وجود كائنات ملائكية أوقع خوفاً وخشوعاً كبيرين في قلوب الناس الأتقياء، إلى درجة قريبة من الموت (دانيال 5:10-11).
غير أنّ البشر "رأوا" اللـه. فعندما طلب موسى أن يرى اللـه أجابه، "الإنسان لا يراني ويعيش." لكن اللـه دبّر وسيلة لذلك، "وقال اللـه هوذا عندي مكان. فتقف على الصخرة ويكون متى اجتاز مجدي أني أضعك في نُقرة في الصخرة أسترك بيدي حتى أجتاز. ثـم أرفع يدي فتنظر ورائي وأمّا وجهي فلا يرى" (خروج 21:33-23). وهكذا فقد رأى موسى اللـه، لكن إلى درجة يستطيع تحملها. وهناك أمثلة أخرى أيضاً رأى فيها أشخاص اللـه. فبعد أن تصارع يعقوب مع إنسان، في ظهور مادي للـه، يقول الكتاب المقدس بأنه "جاهد مع اللـه" (تكوين 28:32؛ هوشع 3:12-4 حيث يتضح أنّ الجهاد هو الصلاة للـه). قال يعقوب "نظرت اللـه وجهاً لوجه ونجّيت نفسي" (تكوين 30:32). لقد رأى موسى وهارون وناداب وأبيهو مع سبعين شيخاً من شيوخ إسرائيل وقادتهم، إله إسرائيل ... فرأوا اللـه. (خروج 9:24-11). كما صرخ والد شمشون قائلاً، "نموت موتاً لأننا قد رأينا اللـه" (قضاة 22:13). وقال إشعياء بعد أن تلقى رؤيا سماوية للـه، "رأيت السيد ... لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود" (إشعياء 1:6-3،5). يوضح الوحي الإلهي في (يوحنا 41:12) أن المقصود هنا هو يسوع. "قال إشعياء هذا حين رأى مجده."
وهكذا فإنّ الصورة التي يقدمها لنا الكتاب المقدس هي أنّ الإنسان لا يستطيع أن يرى كل مجد اللـه وقوته ويبقى حياً. غير أنّ اللـه قد شوهد بدرجة لـم تستطع معها قدراتنا البشرية أن تدركه.
يُعلّم الكتاب المقدس أن اللـه قد شوهد في الزمان والتاريخ في شخص يسوع المسيح. قال يسوع إنّ رؤيتنا له هي بمثابة رؤيتنا للـه (يوحنا 54:12؛ 5:14-9). ويقول (كولوسي 15:1) إنّ المسيح "هو صورة اللـه غير المنظور." كما يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين بأنّ المسيح هو بهاء مجده (مجد الآب) ورسم جوهره (التجسيد الكامل لطبيعة الآب)" (عبرانيين 3:1). والكلمة اليونانية المستخدمة تعني نسخة طبق الأصل، وهذا التعبير أقوى من ذاك الموجود في (كولوسي 15:1). يقول جوزيف هـ. ثاير، بأنّ هذا التعبير كان يستخدم للدلالة على الأثر الذي يتركه ختم على شمع أو معدن. إنه الدمغة المطابقة تماماً لطبيعة الختم الأصلي من كل ناحية.
إن إعلان اللـه في المسيح دلالة منذرة بإعلان لاحق كامل للثالوث الأقدس. جاء يسوع المسيح أول مرة حتى يدعو ويعزي ويستعطف. يقول سي. اس. بولس:
"لماذا يهبط اللـه إلى هذا العالـم الذي يحتله الأعداء متنكراً ومنشئاً نوعاً من المنظمات السرية حتى يقوّض مملكة الشيطان؟ لماذا لا يهبط بكل قوته ويغزوها؟ هل يمكن أن يُعزى السبب إلى افتقاره للقوة الكافية؟ يعتقد المسيحيون أنه سيأتي يوماً بكل قوته، لكننا لا نعرف متى سيكون ذلك. لكننا نستطيع أن نخمن سبب تأخيره لمجيئه. إنه يريد أن يمنحنا فرصة الانضمام إلى صفّه بكل حرية. لا أعتقد أنك وأنا نحترم كثيراً رجلاً فرنسياً انتظر حتى دخل الحلفاء ألمانيا منتصرين ليعلن أنه يقف إلى جانبهم. سيغزو اللـه العالـم. لكنني لا أدري ما إذا كان الأشخاص الذين يسألون اللـه أن يتدخل علناً ومباشرة في عالمنا يدركون بأنّ هذا عين ما سيحدث. وعندما يحدث ذلك، ستكون نهاية العالـم. عندما يدخل كاتب المسرحية المسرح ويمشي على خشبته، يكون ذلك إعلاناً بانتهاء المسرحية. سيقوم اللـه بغزو العالـم يوماً ما، ولكن ما نفع قولك يومئذ إنك تقف إلى جانبه، عندما ترى كل الكون المادي ينصهر ويذوب مثل حلم. وشيء آخر - شيء لـم يخطر ببالك قط - شيء يأتي مدوياً، شيء جميل جداً بالنسبة لبعضنا وفظيع جداً بالنسبة للبعض الآخر بحيث لا يعود لأي منا خيار. وهنا لن يكون اللـه متخفياً. وسيسبب ذلك إما انفجار محبة أو رعباً لا يقاوم في كل شخص. وسيكون قد فات الأوان عليك لتحديد الجانب الذي ستنضم إليه."
تستخدم كلمة الابن في الكتاب المقدس بطرق عديدة مختلفة، تدل على البنوة الجنسية أو البنوة بشكل مجازي. وهناك كلمتان يونانيتان تترجمان إلى "ابن": تيكنون وهيويوس. وكلمة تيكنون، وهي الكلمة المعادلة لكلمة ولد، مشتقة من جذر كلمة لها علاقة بالولادة، ويمكن ترجمتها إلى ابن أو ابنة أو ولد. ويمكن استخدام الكلمة اليونانية الثانية هيويوس حرفياً، لكنها كانت تستخدم بشكل واسع جداً كما تقول "موسوعة سترونج الشاملة"، "للدلالة على القرابة المباشرة أو المجازية."
وقد استخدمت كلمة ابن للإشارة إلى يسوع أربعة استخدامات مختلفة على الأقل: ابن مريم، ابن داود، ابن الإنسان، ابن اللـه. تصف هذه التعابير الأربعة علاقة يسوع الطبيعية مع الآب والجنس البشري.
ابن مريم. كان ليسوع، حسب طبيعته البشرية، أم فقط بلا أب، وهي مريم. ويسوع الناصري بهذا المعنى هو ابن أو ولد حرفياً وجسدياً.
ابن داود. يستخدم الكتاب المقدس في هذه الحالة كلمة ابن (هيويوس)، وينظر إلى تعبير ابن داود عادةً على أنه مجازي، لأن يسوع ليس ابناً مباشراً لداود (انظر متى 42:22-45). غير أن ذلك يمكن أن يعني أيضاً أن يسوع كان من ذرية داود، وأنه وريث له.
ابن الإنسان. إن تعبير ابن الإنسان تعبير يهودي مميز، وقد استخدم أولاً في العهد القديم. استخدم العهد القديم كلمتين للدلالة على الإنسان - آدم و نوس (نوس: هي كلمة عبرية تعني الناس) - بشكل عام، أي للجنس البشري. يمكن لأي فرد أن يدعى ابن الإنسان. فقد أشير للنبي حزقيال، مثلاً، تسعين مرة كابن الإنسان. وبدأت هذه العبارة تأخذ أبعاداً مسيّانية (أي متعلقة بالمسيح المنتظر) في (دانيال 13:7،14).
أما في العهد الجديد، فقد قُصِرَ استخدام هذا التعبير على يسوع، إلاّ في (عبرانيين 6:2-8) حيث استخدم للدلالة على الجنس البشري بشكل عام. فبينما استخدمها العهد القديم بشكل عام، استخدمها يسوع بطريقة مجازية قائلاً بأنه "ابن الإنسان" الوحيد. ولـم يستخدم هذا التعبير إلا ثلاث مرات خارج الأناجيل (أعمال 56:7؛ رؤيا 13:1؛ 14:14). وهو يستخدم اثنين وثلاثين مرة في متى، وخمس عشرة مرة في مرقس، وعشرين مرة في لوقا، واثنتي عشرة مرة في يوحنا. وقد جاء هذا الاستخدام في كل مرة على فم يسوع نفسه (باستثناء يوحنا 34:12 عندما سأله أحدهم عما قصده بلقب ابن الإنسان).
يظهر الاستخدام المتكرر لهذا التعبير في كل مرحلة من مراحل حياة المسيح: خدمته العامة، ومعاناته، وآلامه، وتمجّده مستقبلاً. وقد استمر يسوع عبر الأناجيل الأربعة يعطي معنى كاملاً بشكل تدريجي لهذا اللقب.
يبدو أنّ استخدام يسوع لهذا اللقب يسير في خطين يقدّمان فكرتين: أولاً: يكشف لنا استخدام تعبير ابن الإنسان شخصاً إلهياً. فقد استخدمه يسوع لإظهار سلطانه على مغفرة الخطايا (متى 6:9؛ مرقس 10:2؛ لوقا 24:5)، وكونه رب السبت (متى 8:12؛ مرقس 28:2؛ لوقا 5:6). والتنبير هنا هو على سلطان المسيح. (لدينا إشارة واضحة إلى أن يسوع افترض أن له سلطاناً لا يملكه إلا اللـه وحده. ويمكننا أن نرى أيضاً التنبير على البعد الإلهي في استخدام يسوع لهذا التعبير بالنسبة لتمجّده مستقبلاً).
ثانياً: يكشف لنا استخدام تعبير ابن الإنسان شخصاً بشرياً. ومما لا شك فيه أن استخدام يسوع لهذا اللقب يشير إلى إنسانيته وألوهيته معاً. ونحن نرى ذلك بطريقتين هامتين في الأناجيل الأربعة: أولاً، يستخدم هذا اللقب للمسيح وهو منشغل بما يمكن أن يسمى عمله اليومي (متى 19:11). ثانياً، يستخدم هذا اللقب للمسيح فيما يختص بآلامه وموته (مرقس31:8). إن فكرة كون المسيح إنساناً تؤذن بحقيقة أنه لا بد أن يموت في نهاية الأمر. وهذا مفهوم وجد اليهود صعوبة في تصديق انطباقه على مسيحهم المنتظر. ثالثاً: لـم يقدّم يسوع نفسه كابن الإنسان الذي لا بد له أن يتألـم ويموت فحسب، ولكنه قدّم نفسه أيضاً على أنه ذاك الذي سيعود للمجد (متى 30:24؛ مرقس 62:14؛ لوقا 22:17؛ 8:18؛ 69:22؛ الخ).
عندما حوكم يسوع أمام السنهدريم اليهودي ورئيس الكهنة، قيافا، قدّم نفسه على أنه "ابن الإنسان" المشار إليه في دانيال 13:7،14:
"كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سُحُبِ السماء مِثلُ ابن إنسانٍ أتى وجاء إلى القديمِ الأيامِ فقرَّبوهُ قدامهُ. فأُعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد لهُ كل الشعوبِ والأممِ والألسنةِ. سُلطانُهُ سلطانٌ أبدي ما لن يزولَ وملكوته ما لا ينقرض."
سأل قيافا يسوع، "أنت المسيح ابن المبارك (اللـه)؟ فقال يسوع، أنا هو؛ وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء" (مرقس 61:14-62). لقد قدّم يسوع بتصريحه هذا تأكيداً قوياً حول مجيئه ثانيةً بمجد عظيم ليدين الأرض ويحكمها. ومن الجدير بالملاحظة أنّ هناك دلالة خاصة لقبول يسوع لقبي "ابن المبارك" و"ابن الإنسان" معاً في لقائه مع قيافا (قارن يوحنا 15:3-17).
يشرح جليسون أرتشر سبب ضرورة تمتع المسيح المنتظر بالطبيعتين الإنسانية والإلهية:
"يثير هذا الأمر سؤالاً حول أهمية دلالة لقب "ابن الإنسان." لماذا قدم المسيح ككائن بشري ممجد بدلاً عن أن يقدم كملك المجد الإلهي؟ والجواب موجود في ضرورة التجسد التي لا غنى عنها من أجل فداء الإنسان. لـم يكن ممكناً أن يكفر عن خطايا الجنس الآدمي الساقط الخاطئ إلاّ حامل خطايا يمثل البشر ككائن بشري حقيقي مثلهم بتضحيته بحياته من أجلهم. والتعبير الذي يستخدمه العهد القديم للفادي هو "جو إل" الذي يتضمن معنى "الفادي القريب." وهكذا كان لابد أن تربطه قرابة دم بالشخص الذي تبنى قضيته وسدد حاجته، مهما كانت هذه القضية أو الحاجة، سواء كانت افتداءه من الرق أو العبودية (لاويين 25:48) أو تحرير ممتلكاته المرهونة (لاويين 25:25)، أو الاعتناء بأرملته التي لـم ترزق ذرية (راعوث 13:3)، أو الانتقام من قاتله (عدد 19:35).
أعلن اللـه نفسه لإسرائيل كـ"جو إل" للشعب الذي قطع عهداً معهم (خروج 6:6؛ 13:15؛ إشعياء 1:43؛ مزمور 14:19)؛ لكن قبل أن يصبح اللـه إنساناً من خلال معجزة التجسد والميلاد العذراوي، كان أمراً غامضاً على شعب اللـه القديم كيف يمكن أن يتأهل اللـه ليكون "جو إل" لهم، أي فادياً قريباً لهم من نفس جنسهم. صحيح أن اللـه كان لهم أباً بالخلق، لكن "جو إل" تشير إلى علاقة دم على مستوى مادي جسدي. وهكذا كان لا بد أن يصبح اللـه إنساناً مثلنا حتى يفدينا من الخطية وعقابها. "والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً" (يوحنا 14:1).
لـم يكن بإمكان اللـه أن يغفر لنا خطايانا ما لـم يُدفع ثمنها كاملاً؛ وإلاّ لكان متواطئاً مع كل خرق وانتهاك لشريعته المقدّسة وحامياً له. ولـم يكن بإمكان اللـه إيجاد كفارة كافية عن خطايا الجنس البشري إلاّ كإنسان، وهذا ما صاره اللـه في المسيح. لأنه لا يمكن إلاّ لإنسان حقيقي أن يمثل الجنس البشري تمثيلاً صحيحاً. لكن كان لابد لفادينا أن يكون اللـه، لأنّ وحده هو الذي يقدر أن يقدّم ذبيحة ذات قيمة لا متناهية، للتعويض عن عقاب الهلاك الأبدي في الجحيم، ذلك العقاب الذي تتطلبه خطايانا حسب مطالب العدالة الإلهية المقدسة. لـم يكن في مقدور أحد غير اللـه أن يجد طريقة تمكنه من الحفاظ على عدالته في نفس الوقت الذي يصبح فيه مبرّراً (مُعطياً البر والقبول) للخطاة الفجار (رومية 5:4) بدلاً من أن يرسلهم إلى الهلاك الأبدي الذي يستحقونه . . لأنّ هذا الإنسان الكامل هو أيضاً اللـه اللامتناهي الذي قدّم ذبيحة فعليّة فعّالة لكل المؤمنين عبر العصور.
يأخذ تعبير "ابن الإنسان" أكمل أبعاده عندما يأخذ المرء في اعتباره الإشارة إلى (دانيال 13:7). فهذا اللقب وبدون أدنى شك مسيّاني (مرتبط بالمسيح المنتظر)، وقد صرح المسيح بأنه هو الشخص المشار إليه في (دانيال 13:7). ويبدو أن اليهود فهموا أنّ هذا هو لقب المسيح المنتظر، لكنهم لـم يقبلوا التوكيدين اللذين أضافهما يسوع إلى مفهومهم عن المسيح المنتظر؛ أولاً: رأى اليهود في النبوءات القديمة مسيحاً منتصراً، لا مسيحاً متألماً، وكان توكيدهم ينصبّ على منقذ سياسي لا روحي. غير أنّ يسوع صوّر ابن الإنسان على أساس أنه مسيح متألـم، مسيح لا بد أن يأتي ليموت. ثانياً: لـم ينظر قادة اليهود إلى المسيّا المنتظر على أنه اللـه المتجسد. فادّعاء أحدهم بأنه المسيح المنتظر شيء، وادعاؤه بأنه مسيح ذو طبيعة إلهية شيء مختلف تماماً.
وتلخيصاً لما سبق نقول إنّ "ابن الإنسان" الذي كان لقباً غامضاً بالنسبة لمعاصري يسوع، كان محمّلاً ثرياً بالمعاني والمضامين التي تبصّر الناس بطبيعة المسيح كالفادي القريب والخادم المتألـم والديّان القادم وحاكم العالـم.
نأتي الآن إلى تعبير "ابن اللـه." فكيف يمكننا أن نفهمه؟ إنّ كون يسوع المسيح هو ابن اللـه، الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس، أمر جوهري لعقيدة التجسد. إنّ ابن اللـه في الكتاب المقدس هو يسوع وليس الآب أو الروح القدس. فالآب لـم يتجسد. والروح القدس لـم يصبح إنساناً أيضاً. لكن الابن هو الذي تجسد. يتساءل بعض الناس حول كلمة "ابن" ويفسرونها، حيثما تظهر، بالمعنى الحرفي ،كابن يولد من أب وأم. وحسب هذا التصور، فإنه لا يمكن أن يكون يسوع هو اللـه لأنه كان ابن اللـه بالمعنى الحرفي. ويقول بعضهم محاولين استغلال فكرة أن يسوع ابن "هل سمعت مرة أن هناك ابناً لـم تكن له بداية؟" وهم يحاولون بهذا المقارنة بين الابن "المخلوق" مع "الآب غير المخلوق." لكن يمكن، بطبيعة الحال، قلب السؤال، "هل سمعت مرة أن هناك أباً لـم تكن له بداية؟" يمكن استخدام "ابن (هيويوس) اللـه" للدلالة على لاهوت المسيح الكامل، تماماً كما رأينا أنّ تعبير "ابن الإنسان" يشير إلى إنسانيته الكاملة (ولاهوته أيضاً).
ابن الإنسان = إنسانية كاملة (ولاهوت كامل).
ابن اللـه = لاهوت كامل.
يقول و.جي.تي.شيد، "تدل هذه التسمية "الابن"، المعطاة للأقنوم الثاني، على علاقة ملازمة متأصلة جوهرية أبدية." يحاول شيد أن يقول إنه إذا كان الآب أبدياً، فإنّ الابن كذلك. وكما أوضح شولتز، "لا تدل بنوة المسيح وأبوّة الأقنوم الأول على نقص في الجوهر أو المركز."
ويوضح بويتنر نقطة هامة:
"لقد أوضحنا في تناولنا السابق لعقيدة الثالوث أنّ تعبيري "الآب" و "الابن" لا يحملان في اللغة اللاهوتية أفكارنا الغربية عن مصدر كينونة وتفوق من ناحية، والخضوع والاعتماد من ناحية أخرى، ولكنهما يحملان الأفكار السامية والشرقية عن المشابهة وتماثل الطبيعة والمساواة في الكينونة. وبطبيعة الحال، فإن التعابير المستخدمة في الكتاب المقدّس تعابير سامية تفترض وعي الشعوب السامية لمدلولاتها، فحينما يدعو الكتاب المقدس المسيح "ابن اللـه،" فإنه يؤكد على لاهوته الحقيقي الصحيح. إذ تشير هذه التسمية إلى علاقة فريدة لا يمكن أن تعزى إلى مخلوق أو يشترك فيها شخص فانٍ. فكما أنّ أي ابن بشري يشبه أباه في طبيعته الجوهرية، التي هي إنسانيته، كذلك يشبه المسيح، ابن اللـه، أباه في طبيعته الجوهرية التي هي اللاهوت، أو الطبيعة الإلهية."
ويسهب شولتز فيقول:
"على الرغم من أنّ الكتاب المقدس يطلق على أشخاص آخرين لقب "أبناء اللـه،" مثل، الملائكة، آدم، حزقيال، والمؤمنين بالمسيح، فإن المسيح هو "الابن" بمعنى فريد مقصور عليه دون غيره. يلاحظ جريفيث توماس بأنّ لقب "ابن اللـه" موجود في أشكال مختلفة في اللغة اليونانية - فقد يستخدم أحياناً بأل تعريف تسبق كلاًّ من الكلمتين "الابن اللـه" ويستخدم أحياناً بحذف أل التعريف من الكلمتين "ابن إلـه." والصيغة الأولى، على الأقل، هي لقب ألوهية، وهي مستخدمة خمساً وعشرين مرة في العهد الجديد عن المسيح. ولقد فهم اليهود من اتخاذ يسوع لهذا اللقب ما يحاول المسيح أن يقوله عن نفسه، فأدانوه بسبب المعاني المتضمنة فيه (متّى 63:26؛ لوقا 70:22؛ يوحنا 7:19). لـم يكن يسوع يقصد فقط أنه المسيح ولكنه قصد أيضاً أنه اللـه. لـم يصنّف الرب يسوع المسيح بنوته للـه مع بنوة الآخرين له. فقد تحدّث عن هذا الموضوع بتفصيل حتى يُبقي كلاًّ من البنوّتين مميزاً ومنفصلاً (يوحنا 17:20). ومن الواضح أنّ التلاميذ فهموا أنّ المسيح كابن اللـه هو اللـه الأبدي."
يتضح لنا أن الاستخدامات المختلفة للقب "ابن اللـه" تشير إلى حقيقة التجسد، أي أن اللـه أصبح إنساناً. فإذا كان تعبير "ابن الإنسان" يعني أن المسيح إنسان، فإن تعبير "ابن اللـه" يعني أنه الـلـه.
الفصل السادس:
لدينا شهادة الكنيسة الأولى.
شهادة الكنيسة المسيحية الأولى واضحة في دعم ألوهية المسيح. ولقد أثبتت كتابات آباء الكنيسة والمدافعين عن الإيمان المسيحي، وهي مترجمه ومتوفرة لدينا اليوم، إيمانهم بهذه العقيدة التي تسمو على كل عقيدة غيرها.
أشار آباء الكنيسة في كتاباتهم إلى المسيح على أنه "سرمدي" و "اللـه المتجسد" و"الخالق" وأنه يملك صفات سرمدية أخرى مقصورة على اللـه وحده. فيما يلي مقتطفات من بعض كتاباتهم:
l بوليكارب (69-155م)، مطران كنيسة سميرنا، وتلميذ الرسول يوحنا. كتب: "أصلّي أن يبنيكم إله وأبو ربنا يسوع المسيح رئيس الكهنة السرمدي نفسه، اللـه يسوع المسيح في الإيمان . . ."
l اغناطيوس (توفي عام 110م)، رئيس كنيسة انطاكيا، كان معاصراً لبوليكارب وكليمنت وبرنابا، واستشهد في إحدى مسارح المدرجات الرومانية. يقول في رسالته إلى المؤمنين في مدينة أفسس كتب عن المسيح على أنه "إلهنا يسوع المسيح."
وفي رسالة أخرى حثّ اغناطيوس بوليكارب على أن "ينتظر ذاك الذي هو فوق كل زمان، السرمدي غير المنظور، الذي صار منظور من أجلنا. الذي تألـم من أجلنا."
وأضاف قائلاً في رسالته إلى مؤمني مدينة سميرنا أنه " … إذا كانوا لا يؤمنون بدم المسيح، (الذي هو اللـه)، فإن الدينونة تنتظرهم أيضاً."
وفيما يلي مقتطفات من ترجمة كيرسوب ليك للآباء الرسولين:
رسالة اغناطيوس إلى أهل أفسسi ، تحيات - " ... يسوع المسيح إلهنا ..."
رسالة اغناطيوس إلى أهل أفسس i.1 - "... بدم اللـه ..."
رسالة اغناطيوس إلى أهل أفسس vii.2 -" ... الذي هو اللـه في الإنسان ..."
رسالة اغناطيوس إلى أهل أفسس xvii.2- "... تلقى معرفة اللـه، أي يسوع المسيح ..."
رسالة اغناطيوس إلى أهل أفسس xix.3 - "... لأنّ اللـه ظهر كإنسان ..."
رسالة اغناطيوس إلى أهل مدينة ماغنيسيا xi.1 -"... المسيح الذي كان من الأزل مع الآب."
رسالة اغناطيوس إلى أهل مدينة تراليا vii.1 -" ... من اللـه، من يسوع المسيح ..."
رسالة اغناطيوس إلى أهل روما، تحيات - "يسوع المسيح، إلهنا" (مرتين).
رسالة اغناطيوس إلى أهل روما iii.3 - "... إلهنا، يسوع المسيح."
رسالة اغناطيوس إلى لأهل روما vi.3 -"... يسمح لي أن اتبع مثال آلام الهي."
رسالة اغناطيوس إلى أهل سميرنا i.1 -"يسوع المسيح، اللـه."
رسالة اغناطيوس لبوليكارب viii.3 - "... إلهنا يسوع المسيح."
الرسول برنابا vii.2 -"أبن اللـه، مع أنه كان الرب …"
يقول الباحث والمؤلف جون ويلدون "… إنّ حقيقة عدم تعرض اغناطيوس للتوبيخ أو اتهامه بالهرطقة من قبل أي شخص أو الكنائس التي أرسل إليها رسائله تبيّن أنّ الكنيسة الأولى، قبل وقت طويل من عام 115م، كانت مجمعة على قبول لاهوت المسيح."
l ايرينيوس (125-200م)، أحد تلاميذ بوليكارب، شرح في مؤلفه ضد الهرطقات (10:4) كيف أنّ موسى رأى المسيح مرات كثيرة، وأنّ المسيح هو الذي كلّم موسى من العليقة. تحدث ايرينيوس عن علاقة المسيح باللـه الآب: "فقد كان دائماً حاضراً معه كلمة الحكمة، الابن والروح، الذي بواسطته وبه، بحرية وتلقائية، خلق كل الأشياء، الذي يقول له أيضاً، نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا."
l الشهيد جوستين (110-166م)، أحد المدافعين عن الإيمان بأسلوب العلماء والباحثين، قال، "لقد قلت وأعدت، مراراً كافيه، أنه عندما يقول إلهي، ‘صعد اللـه من عند إبراهيم،’ أو ‘كلّم الرب موسى،’ و‘فنـزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما،’ أو ‘وأغلق الرب على نوح في الفلك،’ فإنّ عليك ألاّ تتصور بأن اللـه غير المولود نزل أو صعد إلى أي مكان. لأنّ الآب تعالى ورب الكل لا يأتي إلى مكان، أو يمشي، أو ينام، أو يصحو." لـم يرَ إبراهيم واسحق ويعقوب الرب الذي يتعالى عن كل وصف، وإنما "ابن اللـه" الذي كان أيضاً ناراً عندما تحدث مع موسى من العليقة. وأضاف: "لقد تحدث مسيحنا مع موسى من تحت النار التي ظهرت في العليقة." فالذي كلّم موسى لـم يكن هو أبا الكون؛ وإنما "يسوع المسيح،" "ملاك اللـه والرسول،" "والذي هو أيضا اللـه،" نعم "إله إبراهيم واسحق ويعقوب وأهية الذي أهية."
l كليمنت (توفي عام101م)، أسقف روما، استشهد بقول من (زكريا 5:14) مطبقاً إياه على ربنا يسوع المسيح، "ويأتي الرب إلهي وجميع القديسين معه"؛ ويطبّق عليه أيضاً عددين من ملاخي 11:1،14، يشيران إلى يهوه. ويتحدث عن "ربنا يسوع المسيح صولجان جلال اللـه،" والسيد الذي يأتي بغتة إلى هيكله؛ ولقد تكلّم اللـه في العهد القديم من خلال الروح القدس.
هذه مقتطفات قليلة جداً من بين كتابات كثيرة من كتابات الآباء التي كان يمكننا إيرادها للاستشهاد بها.
وإذا حدث أن ادعى أحد بان هذه الوثائق مزيفة، فإن عليه أن يقدم البرهان على ذلك، فالبَيِّنة على من ادّعى. إذ يجب عليه أن يدعم اتهاماته ويقدم كتابات تاريخية موثوقة من الكنيسة الأولى تقول بأنّ المسيح ليس اللـه. إذ لـم يتوصل أحد بعد مئات السنين من البحث والاستقصاء إلى وجود شخص قال بهذا قبل آريوس (بداية القرن الرابع).
ثانياً، بالنسبة لموضوع إمكانية العبث بالكتاب المقدس، وإضافة عقائد هامة فيما بعد، فإنه يمكن إعادة كتابة العهد الجديد كما هو موجود اليوم، باستثناء أحد عشرة عدداً من الاستشهاد بكتابات آباء الكنيسة الأوائل قبل عام 325م، ناهيك عن آلاف المخطوطات الكاملة أو الجزئية للعهد الجديد التي نملكها باللغتين اليونانية واللاتينية. إنّ الكتاب المقدس كما هو موجود بين أيدينا اليوم هو أكثر وثيقة تاريخية قديمة أدبية موثوقة في العالـم. وإن حذفنا كل الأعداد التي تعلّم لاهوت المسيح، فسيغدو العهد الجديد صورة زائفة بالية تكذّب كل الحقائق التاريخية.
إنّ أول حادثة مسجّلة لشخص مسيحي، ينكر لاهوت المسيح وقعت عام 190م، عندما أشار بائع جلود بيزنطي اسمه ثيودوتس إلى إنكاره للمسيح بقوله،"لـم أنكر اللـه ولكن إنساناً..." ولـم تصبح مسألة لاهوت المسيح قضية لاهوتية كبيرة ضمن الكنيسة إلاّ في (318-320م)، عندما قام كاهن من الإسكندرية يدعى آريوس بانكار ألوهية المسيح. والضجة التي أحدثتها هذه القضية دليل قوي على أنّ الكنيسة، حتى ذلك الوقت، لـم تكن تشك في لاهوت المسيح. وإلاّ لتمّ تجاهل تعليم آريوس على أساس أنه أمر عادي. لقد صيغت العقائد التي كان يؤمن بها المؤمنون أثناء هذا الجدل، بما في ذلك إيمانهم بأنّ المسيح هو اللـه، خلال قرنين ونصف من الاضطهاد القاسي. وقد دعي مجمع نيقيه (عام 325م) للاجتماع لإيجاد حل اكليركي (كنسي) لهذه المسألة. وبعد ثلاثة أشهر من التفكير المتروي المجهد، أكد المجمع ألوهية المسيح. وتـمّ طرد آريوس والكاهنين الآخرين اللذين ناصراه على أساس أنهم هراطقة.
يقول بعضهم إنّ قسطنطين فرض الموقف الأرثوذكسي على المجتمعين في مجمع نيقية، وإنّ المسيحيين خضعوا لرغباته خوفاً من سطوته. لكن هذا غير صحيح. فالحقيقة هي أنهم هم الذين أثروا فيه وحملوه على تغيير رأيه في الإيمان المسيحي. إذ تحدثنا السجلات التاريخية بأن قسطنطين حين رأى جراح المؤمنين وندبهم وأثار التعذيب الذين تعرضوا له بسبب إيمانهم بالمسيح، عمد إلى تقبيل تلك الجروح وآثارها. وما كان لهؤلاء المؤمنين الذين فقد معظمهم عيونهم وأطرافهم من أجل إيمانهم، ليخضعوا لأي ضغط شرير من قسطنطين.
آمن آريوس وأتباعه بوجود المسيح السابق لولادته، وبأنه هو الذي خلق العالـم. فلم تكن القضية المطروحة في مجمع نيقية هي ما إذا كان يسوع "إنساناً" فقط، وإنما كانت "هل المسيح هو اللـه أم مجرد ‘إله’؟"
وعلى الرغم من طرد آريوس، فقد تمكن من التأثير على كثير من أعضاء الكنيسة في فترات متقطعة لسنوات كثيرة بعد مجمع نيقيه. وقد تعرض أثناسيوس زعيم الموقف الأرثوذكسي أثناء هذه الفترة، والذي أصبح فيما بعد أسقف الإسكندرية، للنفي خمس مرات من جماعة آريوس. ولـم يتم إخراس هذه المعارضة بشكل نهائي إلاّ عام 381م في مجمع القسطنطينية.
ولا زال قانون الإيمان النيقوي الذي تمت صياغته وسط الاضطراب والجدل، حجراً أساسياً لاهوتياً للكنيسة.
يقول مارك نول عن قانون الإيمان النيقوي:
"قام الإمبراطور قسطنطين العظيم عام 325 باستدعاء قادة الكنيسة إلى بلدة صغيرة عبر بحر مرمرة من عاصمته القسطنطينية (اسطنبول حالياً). فقد انزعج للانشقاق الديني الذي يمكن أن يهدد وحدة إمبراطوريته. انصبّ الجدل على تعاليم أحد المسؤولين الثانويين في الكنيسة الإسكندرية في مصر. وكانت النتيجة أن قدّم لنا هؤلاء الأساقفة الذين اجتمعوا في نيقية للحكم على تعاليم ذلك الكاهن قانوناً للإيمان المسيحي جديراً بالتذكر.
ولـم يكن هذا الإقرار الإيماني، الذي تـمّ توسيعه فيما بعد، أول تعريف رسمي للثالوث الأقدس في مواجهة التعليم الهرطوقي فحسب، ولكنه كان أيضاً أول قانون يحوز على إجماع كامل في الكنيسة. (وهي ما زالت مستخدمة اليوم في اجتماعات العبادة في الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية واللوثرية والأسقفية وباقي الكنائس البروتستانتية الإنجيلية). وتكمن أهمية هذا القانون في شهادته القوية التي لا يشوبها غموض حول طبيعة يسوع الفريدة كمخلّص العالـم.
توضح العقائد التي علّمها آريوس الميل الموجود عبر التاريخ المسيحي لإخضاع حقائق إعلان اللـه عن نفسه من خلال الكتاب المقدس وفي المسيح لتصورات "المنطق" الجارية. قال آريوس "إذا كان اللـه الآب مطلق الكمال، ومطلق السمو، ومطلق الثبات، وإذا كان منشئ كل الأشياء دون أن يكون ذاته صادراً عن أي شيء آخر فإنه من الواضح أنّ كل شيء وكل شخص آخر في العالـم منفصل عن اللـه." ويضيف آريوس "إذا كان كل شيء منفصلاً عن اللـه، فلا بد إذاً أن يكون يسوع أيضاً منفصلاً عن اللـه."
يقول آريوس إنّ يسوع المسيح لعب دوراً مميزاً في خلق العالـم المادي وفدائه، ولكنه ليس اللـه ذاته. فلا يمكن إلاّ أن يكون هناك إله واحد، ولهذا فلا بد أن يكون المسيح قد خلق في زمن ما. ولا بد أن يكون المسيح (ككل الخليقة) معرضاً للتغير والخطيئة، وأنه (مثل كل الكائنات المخلوقة) لا يملك معرفة حقيقة لفكر اللـه.
أدرك مجلس نيقية مدى خطورة التهديد الذي يشكله تعليم آريوس للإيمان المسيحي، كما أدركوا أيضاً شأن طبقة المنطق الخفيفة الخادعة التي يمكن أن تظهر هذا المنطق مقبولاً. ولهذا عمد المجلس إلى صياغة التوكيدات التالية ضد فكر آريوس:
1. المسيح إله من إله (حرفياً ذات اللـه من ذات اللـه). كان يسوع نفسه هو اللـه بنفس المعنى الذي كان فيه الآب اللـه، وإنّ أي تمييز بين الآب والابن يجب أن يشير إلى الوظيفة الخاصة التي يقوم بها كل أقنوم منهما أو حسب العلاقة التي تربط كلاً منهما بالآخر- لكن الآب والابن والروح القدس هم كلهم اللـه حقاً.
2. المسيح مساوٍ للآب في الجوهر (حرفياً يشارك الآب نفس جوهره). والكلمة المستخدمة المترجمة نفس الجوهر هي هومو أو سيوس (هومو=نفس، اوسيوس=جوهر)، أثارت جدلاً كبيراً لكنها اختيرت كوسيلة لتعزيز حقيقة أنّ المسيح "مساوٍ للآب في الجوهر" بشكل واضح لا لبس فيه. فقد كان المقصود منها تلخيص تعليم المسيح نفسه "أنا والآب واحد" (يوحنا 30:10).
3. يسوع مولود غير مخلوق. أي أنّ المسيح لـم يخلق في أية مرحلة من الزمان، لكنه كان ابن اللـه منذ الأزل.
4. تجسد المسيح من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا. لقد كان عمل المسيح موجهاً لخلاص البشر، خلاصاً لـم يكن ممكناً تحقيقه لو كان المسيح نفسه مجرد مخلوق. يوضح الكتاب المقدس بشكل حاد وبدون اعتذار أنّ الجنس البشري خاطئ وبأن العالـم مخلوق كله وعاجز عن دفع نفسه إلى السماء بقوته الذاتية. فالخلاص من اللـه.
واجه إقرار الإيمان النيقوي معارضة كثيرة. فقد رفض كثير من الأريوسيين هجر عقائدهم حتى عند مواجهتهم ببيان الإيمان العقائدي النيقوي الذي يترجم الحق الكتابي. وقد أزعج استخدام كلـمات لـم تستخدم في الكتاب المقدس (مثل هومو أو سيوس) مؤمنين كثيرين كما أزعجتهم وجود كلمات مثل "جوهر" تستخدم غالباً بشكل غامض. لكن عندما أوضح أثناسيوس وغيره من المعارضين للآريوسيين بأن الجوهر الواحد أو المساواة في الجوهر لا تنكر الوجود المستقل للآب لكل من أقنوم الآب وأقنوم الابن وأقنوم الروح القدس والعمل المستقل لكل منهم، بدأ قانون الإيمان يكتسب قبولاً بشكل تدريجي.
وما زال مرسوم الإيمان النيقوي حتى يومنا هذا حاجزاً واقياً ضد هذا النوع من التخمين اللاهوتي الذي يمجد حكمة الإنسان فوق إعلان اللـه عن يسوع المسيح. وهو بمثابة قطارة واضحة لتعليم الكتاب المقدس حول طبيعة المسيح الإلهية، وتجسده كإنسان، وعمل الخلاص الذي أنجزه من أجل البشر. وأخيراً عندما يستخدم هذا البيان العقائدي كدليل للعبادة المسيحية أو الكرازة المسيحية، فإنه يمكن أن يصبح أيضاً أداة يستطيع الروح القدس من خلالها أن يحوّل حقائق الإيمان المسيحي إلى واقع الحياة المسيحية."
نؤمن بإله واحد، آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، وكل ما يرى وما لا يرى.
وبرب واحد يسوع المسيح، ابن اللـه الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد بالروح القدس من مريم العذراء، وصار إنساناً وصلب عنا على يد بيلاطس البنطي، تألـم ومات ودفن، وقام في اليوم الثالث حسب الكتب، وصعد إلى السماء. وهو جالس عن يمين الآب وسيأتي أيضاً بمجدٍ عظيم ليدين الأحياء والأموات الذي لا فناء لملكه.
و(نؤمن) بالروح القدس الرب المحيي، المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب والابن يسجد له ويمجد، الناطق بالأنبياء والرسل، وبكنيسة واحدة مقدّسة جامعة رسولية، ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا، وننتظر قيامة الأموات والحياة الأخرى. آمين. (أضيفت الفقرة الثانية في عام 381 م).
تقول مقالة بعنوان "لاهوت المسيح" في موسوعة زوندرفان لتفسير الكتاب المقدس:
"إنّ أوضح تعبير وأكمله عن لاهوت المسيح موجود في القانون النيقوي الذي نمت صياغته أصلاً في مجمع نيقية عام 325. نقرأ فيه "رب واحد يسوع المسيح، ابن اللـه الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله من إله، مولود غير مخلوق." نجد هنا كل جهد ممكن لتوضيح أنّ يسوع يتمتع بنفس جوهر اللـه "إله من إله." وترتبط بكلمة "لاهوت" كلمة أخرى أكثر عمومية ألا وهي "ألوهية" و "لاهوت" هي أقوى الكلمتين، وهي الكلمة المطلقة. إذ يمكن أن يقال بأنّ هناك قبساً من الألوهية في كل إنسان؛ لكن لا يمكن أن يقال نفس الشيء عن اللاهوت."
لـم يصرح بمثل هذه الأمور عن نفسه إلاّ يسوع المسيح. فتصريحاته عن نفسه تتضمن فكرة بأنّ ما يعلّمه هو ما يعلّمه اللـه نفسه، وإنّ ما عمله لا يمكن أن يقوم به إلاّ اللـه وحده، وإنّ هناك في شخصيته الكاملة وحدة مطلقة مع اللـه. وان توكيده لنفسه على أي نحو كان هو توكيد للـه. لا بد أن يكون أي شخص يدّعي لنفسه ما ادّعاه يسوع إما شخصاً مجنوناً منحرفاً أو صادقاً في ما ذهب إليه. وبما أنّ الاحتمال الأول لا يمكن أن تقوم له قائمة في ضوء الأدلة الأخرى المتوفرة، فإن المرء مجبر على الخيار الثاني هو الصحيح ألا وهو أنّ المسيح هو "إله من إله" كما صرح عن نفسه."
وعُقِدَ لاحقاً مجمع خلقيدونية عام 451. وقد تـم في هذا المجمع وضع وصف رسمي دقيق للعقيدة الكتابية بأنّ يسوع المسيح أقنوم إلهي واحد ذو طبيعتين. من المهم أن ندرك أنّ هذه المجامع التي عقدها المؤمنون لـم تكن لتكريس مواقف لاهوتية برزت لتوها، لكنها عُقِدت للرد على مواقف الذين عارضوا الموقف الكتابي الأرثوذكسي (التقليدي السليم) الذي سبق أن آمنوا بصحته.
وعلينا أن نتذكر أنه مع توسع الكنيسة في تلك الأيام، لـم تكن هناك وسائل إعلام إلكترونية أو وسائط نقل جوية لنشر المعلومات أو لضمان التعليم الدقيق. فقد اعتمد الناس على أشخاص أتقياء في إيصال المعلومات، أشخاص يستخرجون الكلمة بدقة وفاعلية. وقد ساهمت المجامع الكنسية كأساس لتلك العملية التي سهّلها وجود ممثلين عن التجمعات الرئيسية للمؤمنين في الإمبراطورية. وهكذا فإن الذي يشهد للاهوت المسيح ليس الكتاب المقدس وحده، ولكن تاريخ الكنيسة أيضاً.
الفصل السابع:
ما هي بعض الاعتراضات على ألوهية المسيح؟
يسوع واللـه واحدٌ في الاتفاق أو القصد
يقدّم بعض الناس اليوم عدداً من الاعتراضات الشائعة حول مسألة لاهوت المسيح، أو بالأحرى يعانون من صعوبات عقلية في فهمها. وسنناقش باختصار في هذا الفصل بعضاً من هذه الاعتراضات أو الصعوبات، وخاصة تلك التي تبرز من بين أشخاص مطّلعين على تصريحات ومصطلحات كتابية.
قال يسوع، "... أبي أعظم مني" (يوحنا 28:14). قد يقول بعضهم، "لا بد أنّ ذلك يثبت أنّ مركز يسوع هو نوعاً ما أقل من مركز اللـه." وهذه هي إحدى الصعوبات التي تثار.
إنه لأمر صحيح أنّ يسوع، في دوره كعبد أثناء وجوده على الأرض، احتل منزلة أقل من اللـه. غير أن هذه المنزلة لا تنفي طبيعته الإلهية. ففي ذلك الأصحاح قال يسوع لفليبس، "الذي رآني فقد رأى الآب. فكيف تقول أرنا الآب؟" (يوحنا 8:14-9). يوضح هذا التصريح أنّ يسوع والآب واحد في الطبيعة. وإنّ رؤيتنا لواحد منهما تعني رؤيتنا للآخر (قارن يوحنا 44:12،45). ولهذا فإنّ كلمات يسوع بأنّ الآب أعظم منه تشير إلى مركزه المؤقت لا إلى كينونته ووجوده.
نستشهد فيما يلي بما قاله آثر و. بينك في شرحه لإنجيل يوحنا:
"أبي أعظم مني." هذا هو العدد المفضل لدى الذين يرفضون الإيمان بالثالوث الأقدس، وينكرون لاهوت المسيح المطلق ومساواته الكاملة للآب. كان المخلّص قد أخبر التلاميذ لتوّه أنّ عليهم أن يفرحوا لأنه ذاهب إلى الآب، ثـم شرح سبب قوله بتصريحه "لأنّ أبي أعظم مني." لنضع هذا الأمر نصب أعيننا بشكل واضح، وستختفي كل صعوبة. فكون الآب أعظم من المسيح هو السبب المحدد الذي يوجب على التلاميذ أن يفرحوا لأنّ سيدهم ذاهب إلى الآب. هذا هو الذي يحدد فوراً معنى كلمة "أعظم" المُختلف عليها، ويظهر لنا السياق والمعنى الذي استخدمت فيه. لـم تكن المقارنة التي أجراها بين الآب وبينه تتعلق بالطبيعة، وإنما بالصفة الرسمية والمركز الرسمي.
لـم يتحدث المسيح عن نفسه في كينونته الجوهرية. فالذي لـم يتشبث بمساواته للـه "لـم يحسب خلسة أن يكون معادلاً للـه" أخذ شكل عبد، وليس هذا فحسب، بل صار في شبه الناس. لقد كان المسيح من هاتين الناحيتين، ناحية وضعه الرسمي كوسيط، وناحية اتخاذه للطبيعة البشرية، أقل منزلة من الآب. يقدّم لنا الرب يسوع في حديثه هذا وفي الصلاة التي تلته في الأصحاح السابع عشر على أنه عبد الآب الذي تلقى منه مأمورية، وعليه أن يقدّم له حساباً عنها، لأنه عمل من أجل مجده وتكلم تحت سلطانه. لكن هناك ناحية أخرى ذات صلة أكثر وثوقاً بالموضوع كان منه الابن أدنى مرتبة من الآب. فعندما تجسد وحلّ (خيّم) بين الناس، وضع نفسه بشكل كبير وذلك باختياره النزول إلى العار والآلام في أشد أشكالها. لقد أصبح الآن ابن الإنسان الذي ليس له مكان يضع عليه رأسه. فالذي كان غنياً افتقر لأجلنا. صار رجل الأوجاع والأحزان ومختبراً الأسى. وفي ضوء هذا أجرى المسيح مقارنة بين وضعه ووضع الآب في مقدسه في السماء. فقد كان الآب جالساً على عرش الجلالة الفائق السمو، لـم يخسف بريق مجده. كان محاطاً بالجند المقدّسين الذين يقدّمون له العبادة والتسبيح باستمرار. أما الأمر بالنسبة للابن المتجسد، فكان مختلفاً جداً – إذ كان محتقراً ومرفوضاً من الناس، محاطاً بأعداء حقودين قساة القلوب، منتظراً أن يسمّر قريباً على صليب المجرمين. بهذا المعنى أيضاً، كان أقل مرتبة من الآب. وبذهابه إلى الآب سيتحسن وضعه إلى درجة هائلة. سيكون ذلك كسباً أو ربحاً لا يمكن التعبير عنه. لقد كانت المقارنة إذاً بين وضعه الحالي المتّسم بالتواضع وحالته الممجدة القادمة لدى الآب. ولهذا فإنّ على الذين يحبونه أن يتهللوا للخبر السار عن ذهابه إلى الآب، لأن الآب أعظم منه، أعظم من حيث وضعه الرسمي ومن حيث الظروف المحيطة. فقد كان المسيح يتحدث عن امتلاكه مكانة كعبد، وتعظيم للآب الذي أرسله."
نجد أنّ نفس علاقة "أعظم وأقل" موضحة في 1كورنثوس 3:11، "ولكن أريد أن تعلموا أنّ رأس كل رجل هو المسيح، وأما رأس المرأة فهو الرجل، ورأس المسيح هو اللـه." نجد في هذا العدد ثلاث مقارنات: الرجل مع المسيح، والرجل مع المرأة، والمسيح مع اللـه. والمقارنة الثالثةبين المسيح واللـه هي موضوع المناقشة هنا. قد يقول قائل، "رأس المسيح هو اللـه… ألا يبدو أنّ ذلك يتحدث عن تفوق؟" علينا أن نلاحظ أنّ المقارنة تتعلق بأنماط سلطة لا عن نقص أو تفوق. لقد تطوّع المسيح فخضع لقيادة الآب أثناء وجوده على الأرض حتى يستطيع أن يتوحد مع الجنس البشري
هناك عدد آخر يظهر علاقة المسيح مع الآب. وهو أيضاً يثير أسئلة. "ومتى أخضع له (يسوع) الكل، فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل كي يكون اللـه الكل في الكل" (كورنثوس 28:15). فعل "أخضع" هنا لا يعني عدم مساواة الأشخاص وإنما فَرْقاً في الأدوار. فالخضوع لا يشير إلاّ إلى الوظيفة. ولا تعني الطاعة مستوى أدنى.
لنفكر في الأمر. حتى يكفّر اللـه عن خطايا الإنسان، كان لابد لأحد ما أن يخضع نفسه للموت. ولكن لا يمكن أن يقوم بذلك إلاّ من كانت له قدرة غير محدودة على التكفير عن الخطية، أي إنسان كامل. كان لابد أن يتوفر لديه قدرة غير محددة على التكفير لأنه سيبذل دمه عن كل البشر. وكان عليه أن يكون كاملاً لأنّ اللـه لا يقبل إلاّ الذبائح غير المعيبة. ومن يستطيع أن يقوم بذلك؟ اللـه وحده. وهكذا فقد سفك اللـه الابن دمه من أجلنا (أعمال 28:20). والطاعة هنا هي الكلمة المفتاح.
"فإذاً كما بخطيّة واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، هكذا بِبِر واحدٍ صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة. لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبراراً" (رومية 18:5،19).
كان لا بد للمسيح كإنسان كامل أن يكون مطيعاً للـه ويحقق خطة اللـه لفداء البشرية. فخضع طوعاً لتلك الخطة، للـه الآب حتى ينقذ البشرية من انفصال أبدي عن اللـه.
يقول بعضهم بأن تعبير "ابنه الوحيد" وهو أصلاً ابنه المولود الوحيد في يوحنا 16:3 (أيضاً 14:1،18؛ 18:3) ينفي لاهوت المسيح، لأنه يوحي بأنه مجرد كائن مخلوق كغيره. غير أنّ تعبير المولود الوحيد لا يعني "المخلوق." فكلمة مولود، كما هي مستخدمة في إنجيل يوحنا، تعني الفريد أو المبارك بشكل خاص أو المفضّل. يوضح سي. إس.لويس معنى "مولود" إيضاحاً وافياً:
"تقول إحدى العقائد بأنّ يسوع المسيح هو ابن اللـه وأنه ‘مولود غير مخلوق’، وتضيف مولود من الآب قبل كل الدهور. أرجو منكم أن تفهموا فهماً واضحاً أنّ هذا الأمر لا علاقة له إطلاقاً بحقيقة ولادة المسيح على الأرض كإنسان وكونه ابناً من عذراء. فنحن لا نتحدث الآن عن الميلاد العذراوي. نحن نتحدث عن شيء حدث قبل أن تخلق الطبيعة نفسها، وقبل بدء الزمان. فالمسيح مولود، غير مخلوق "قبل كل الدهور." فما الذي يعنيه ذلك؟
كلنا نعرف معنى كلمة "يلد" و "مولود." فكلمة "يلد" أو "ينجب" تعني أن يصبح الكائن أباً لمن يلده. أما كلمة يخلق فتعني يصنع. والفرق هو ما يلي: فعندما تلد أو تنجب، فإنك تلد شيئاً من نفس نوعك. فالإنسان ينجب أطفالاً بشريين، والأرانب تنجب أرانب صغيرة، والطير يضع بيضاً يتحول إلى طيور صغيرة. لكنك حينما تصنع، فإنك تصنع شيئاً مختلفاً في نوعه عن ذاتك. فالطير يصنع عشاً، والقندس سداً، والإنسان مذياعاً – أو ربما يصنع شيئاً أقرب شبهاً بذاته من المذياع، ولنقل إنّ هذا الشيء هو تمثال. فإذا كان نحاتاً بارعاً، فإنه قد يستطيع أن يصنع تمثالاً قريباً جداً في شبهه من الإنسان. ولكنه بطبيعة الحال لن يكون إنساناً حقيقياً، فهو سيبدو فقط مثل إنسان، ولن يستطيع أن يتنفس أو يفكر، ولن تكون فيه حياة.
يجب أن يكون هذا واضحاً تماماً في أذهاننا. فما يلده اللـه هو اللـه، تماماً كما أنّ ما يلده الإنسان هو إنسان. وما يخلقه اللـه ليس اللـه، تماماً كما أن ما يصنعه الإنسان ليس الإنسان. ولهذا فإنّ البشر ليسوا أولاد اللـه بنفس المعنى الذي به المسيح ابن اللـه. قد يكونون مثل اللـه من نواحٍ معينة، لكنهم ليسوا أشياء من نفس النوع. فهم أقرب إلى أن يكونوا تماثيل أو صوراً للـه.
للتمثال شكل الإنسان، لكنه ليس حياً. وبنفس الطريقة فإنّ للإنسان (بمعنى سأشرحهُ فيما بعد) شبهاً باللـه، لكنه لا يملك نفس الحياة التي يملكها اللـه. لنأخذ الآن النقطة الأولى (شبه الإنسان باللـه) أولاً. إنّ لكلشيء خلقه اللـه شبهاً به. فالفضاء يشبهه في ضخامته واتساعه: ولا نقصد بذلك أنّ عظمة اللـه هي نفس عظمة الفضاء، ولكنها نوع من الرمز لها أو ترجمة لها بتعابير غير روحية. والمادة تشبه اللـه في امتلاكها للطاقة: على الرغم من أنّ الطاقة المادية، بطبيعة الحال، تختلف اختلافاً كاملاً عن قوة اللـه. والعالـم النباتي يشبه اللـه لأنه حي، واللـه هو "الإله الحي"، لكن الحياة، بهذا المعنى البيولوجي، ليست نفس الحياة الموجودة في اللـه: إنها مجرد رمز أو ظل لها. وعندما نأتي إلى الحيوانات، نجد أنواعاً أخرى من الشبه بالإضافة إلى الحياة البيولوجية. كما أننا نجد في النشاط المكثف والتكاثر في الحشرات، مثلاً، شبهاً ضعيفاً جداً بنشاط اللـه وإبداعه الدائمين. كما نجد في الثدييات العليا بدايات المحبة الغريزية. وهي ليست نفس المحبة الموجودة في اللـه: لكنها تشبهها بنفس الطريقة التي يمكن لصورة مرسومة على ورقة مسطحة أن تشبه منظراً طبيعياً. وعندما نأتي إلى أسمى الثدييات، الإنسان، فإننا نكون أمام أكمل شبه نعرفه باللـه. (وقد تكون هنالك عوالـم أخرى أو كائنات أخرى، أكثر شبهاً باللـه من الإنسان، لكننا لا نعرف عنها). فالإنسان لا يحب فحسب، ولكنه يفكر أيضاً: والحياة البيولوجية تصل فيه إلى أعلى مستوى معروف."
نقرأ في (عبرانيين 17:11) أن اسحق يدعى وحيد إبراهيم (حرفياً ابنه المولود الوحيد) على الرغم من أنه كان لإبراهيم ابنان اسحق واسماعيل. وهكذا نجد أن كاتب الرسالة إلى العبرانيين يستخدم تعبير "مولود" ليعبر عن معنى "أنه فريد، ومبارك بشكل خاص أو مفضل." وينطبق نفس الأمر على (يوحنا 16:3) (والفرق الوحيد هو أن للـه ابناً واحداً بينما كان لإبراهيم ابنان).
وتعبير "المولود الوحيد" مترجم عن كلمة "مونوجينيس" المكونة من كلمتين: الكلمة الأولى هي مونو وتعني "مفرد فقط، وحيد، وحده." والكلمة الثانية هي "جينيس" وتعني "ذرية، ابن، نوع، جنس، فصيلة." إنها كلمة مركبة وتعني أنه "نوع فريد."
قد يشكل قول الكتاب المقدس الواضح أن يسوعّ كان إنساناً حجر عثرة يمكن أن يمنع بعض الأفراد من قبول لاهوته. فنحن نقرأ مثلاً، "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين اللـه والناس، الإنسان يسوع المسيح" (1تيموثاوس 5:2). كما تتحدث رومية 12:5-21 عن الخطية التي كفّر عنها الإنسان يسوع المسيح (عدد 15).
على الرغم من أن الكتاب المقدس يعلّم فعلاً أن يسوع كان إنساناً فإنه يعلّم أيضاً أنه اللـه. كان إنساناً، فقد ولد من العذراء مريم، لكنه كان أيضاً اللـه (يوحنا 1:1؛ 20:14-28؛ كولوسي 9:2؛ تيطس 13:2؛ 2بطرس 1:1؛ عبرانيين 8:1). كما أكد بولس على لاهوت يسوع عندما قال بأنه لـم يأخذ رسالته من إنسان، وإنما من يسوع المسيح (غلاطية 1:1). كان يسوع إنساناً، ولكنه كان أيضاً "يهوه" و"ابن اللـه" و"رب الأرباب" و"ملك الملوك" و" الألف والياء" و"الأول والآخر."
تسبب كلمة "بكر" الارتباك لبعض الناس الذين يعتقدون أنها لابد أن تعني "المخلوق الأول." وهذا يعني لهم أنّ يسوع لـم يكن إلا كائناً مخلوقاً، غير أزلي أو أبدي مثل اللـه.
غير أن كلمة "بكر" لا تعني أول مخلوق. فعندما صرح بولس بأن المسيح هو "بكر كل خليقة" (كولوسي 15:1)، استخدم الكلمة اليونانية "بروتوتوكوس" التي تعني الوريث، الأول رتبة. ولو قصد أن يقول "أول مخلوق" لاستخدم الكلمة اليونانية التي تفيد ذلك المعنى وهي "بروتوكتستوس." لا يقول الكتاب المقدس في أي موضع منه أن اللـه "خلق" يسوع.
كتب لويس سبري شيفر في كتابه لاهوت شخص المسيح: "يشير هذا اللقب الذي يترجم أحياناً "بكر" إلى أنّ يسوع هو البكر الرئيس في علاقته مع كل الخليقة، لا أول شيء مخلوق، وإنما السابق والمتقدم لكل الأشياء وسببها أو علتها أيضاً (كولوسي 16:1). لـم يكن ممكناً أن يكون أول كائن مخلوق وفي نفس الوقت العامل الذي ظهرت كل الخليقة بواسطته إلى الوجود كما تقول كلمة اللـه. فإذا كان هو العامل في كل الخليقة، لا يمكن أن يكون هو نفسه مخلوقاً.
يسوع واللـه واحدٌ في الاتفاق أو القصد
قال يسوع، "… أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي. أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد" (يوحنا 28:10-30). هل كان يسوع يقول أنه واحد مع اللـه أو أنه نفس اللـه، أي أنه يحمل نفس جوهر اللـه (كما أن الثلج والماء واحد في الطبيعة)، أو هل كان يقول بأنّ وحدته مع اللـه هي وحدة اتفاق أو انسجام في القصد أو الهدف؟ لاشك أنّ النص يشير إلى الفريضة الأولى.
أولاً: لقد فهم اليهود الذين كان يخاطبهم يسوع – الذين كانوا ثقافياً في وضع يسمح لهم بتفسير كلماته أفضل من أي شخص يعيش بعد ألفي سنة – أنه كان يعني أنه اللـه. "فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه، لأجل التجديف. فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً (حرفياً اللـه)" (يوحنا 31:10،33). ثانياً: كلمة "واحد" المستخدمة في "أنا والآب واحد" هي في اليونانية "هِن" التي تدل على الحيادية من حيث الجنس، ولا تدل على المذكر كما في كلمة "هيس." وهذا يشير إلى أنّ يسوع والآب واحد من حيث الجوهر. ولو استخدم صيغة المذكر "هيس" لعنى بأنهما كانا شخصاً (أقنوماً) واحداً، مما كان ينفي التمييز الشخصي بين الآب والابن.
يعكس لنا ما تبقى من الأصحاح العاشر من إنجيل يوحنا رد فعل يسوع لتهمة التجديف. بالنسبة ليهودي متمرس في الشريعة، كانت كلمات يسوع تعني شيئاً. أما بالنسبة لأي شخص غير مطّلع على الفهم اليهودي للعهد القديم، فقد تكون هذه الفقرة صعبة عسرة الفهم، خاصة فيما يتعلق بقضية لاهوت المسيح. تقول كلمة اللـه:
"أجابهم يسوع: أليس مكتوباً في ناموسكم أنا قلت أنكم آلهة؟ إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة اللـه، ولا يمكن أن ينقض المكتوب، فالذي قدّسه الآب وأرسله إلى العالـم أتقولون له أنك تجدف لأني قلت إني ابن اللـه. إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي، ولكن إن كنت أعمل، فإن لـم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيّ وأنا فيه. فطلبوا أيضاً أن يمسكوه فخرج من أيديهم" (يوحنا 34:10-39).
يرجع قدر كبير من الارتباك إلى استخدام يسوع كلمة آلهةً. فهل كان يقصد، "ما دام أن هناك أشخاصاً آخرين قد دعوا آلهة، فما الذي يمنع أن أدعو نفسي ابن اللـه؟" (وهو بهذا يدعو نفسه بشكل غير مباشر إنساناً لا إلهاً)؟
نجد "أنا قلت أنكم آلهة" في (مزمور 6:82). وكلمة آلهة المستخدمة في المزمور هي الكلمة العبرية "إيلوهيم" (إيلوه=إله، إيم= (للجمع) آلهة). إنّ الإشارة إلى اللـه بكلمة "ألوهيم" في العهد القديم لا تعني بأن الكتاب المقدس يُعلّم وجود آلهة متعددة. فالكتاب المقدس يستخدم دائماً الصيغة المفردة من الفعل مع كلمة إيلوهيم عند الإشارة إلى اللـه. (مثلاً، في البدء خلق (مفرد) اللـه (جمع ألوهيم)، السموات والأرض - تكوين 1:1). فالكتاب المقدس ثابت ومتوافق مع نفسه في تعليمه عقيدة الثالوث الأقدس. فنحن نجد في (متّى 19:28)، "باسم الآب والابن والروح القدس" أنّ كلمة اسم (وهي تدل على المفرد في اللغة اليونانية) مستخدمة للتعبير عن "الآب والابن والروح القدس"، الذين يشكلون اسماً واحداً. وتعبير آلهة (إيلوهيم) المستخدم في (مزمور 6:82) يشير إلى القضاة اليهود الذين يفترض فيهم أن يتصرفوا "كاللـه" مع الشعب، بمعنى أن يكونوا عادلين ومنصفين وما إلى ذلك. ومن الواضح أنهم لـم يكونوا آلهة بالمعنى الحرفي للكلمة. نجد نفس التعبير مستخدماً في (خروج 1:21-6 و9:22،28). فالكلمة العبرية المستخدمة هنا هي إيلوهيم (المترجمة إلى اللـه في اللغة العربية) مترجمة إلى قضاة في اللغة الإنجليزية.
هذا هو سياق العهد القديم الذي كان يسوع يشير إليه. لماذا؟ كان يسوع على ما يبدو يسألهم لماذا غضبوا كثيراً لاستخدامه تعبير ابن اللـه. فقد عرفوا مثل هذا التعبير في الماضي، (أي أنّ هناك أشخاصاً سبق أن دعوا آلهة في مزمور 82). فالمسألة المطروحة أمامهم كانت كما يلي: "لا تتوقفوا عند استخدام هذا التعبير. انظروا إلي أنا. انظروا إلى أعمالي؟ هل هي من اللـه؟ فإذا كانت كذلك، صدقوا ما أقوله بما في ذلك الأسماء التي أطلقها على نفسي."
من الواضح أنّ يسوع لـم يكن ينكر ما سبق أن نسبه لنفسه من ألوهية. لكنه قدّم لليهود تصريحاً شجاعاً، وتحداهم أن يفحصوا أعماله ليروا إذا كانت تُعطي مصداقية لقوله، "أنا والآب واحد."
يتدرج الجدل هنا من الأدنى إلى الأعلى. إذا كان اللـه قد دعا أشخاصاً آلهة (بصورة رمزية)، فكم بالأحرى يكون مناسباً "للذي قدّسه الآب وأرسله إلى العالـم" (وهذا ما لا ينطبق بالتأكيد على قضاة العهد القديم) أن يدعو نفسه ابن اللـه. الذي يعمل أعمال اللـه: فيقيم الموتى، ويمنح الحياة الأبدية، ويحفظ الخليقة ويغيرها (محوّلاً الماء إلى خمر، ومهدئاً العواصف، . . . الخ).
كانت ليسوع كإنسان معرفة محدودة. تحدث عن مجيئه ثانية فقال، "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن، إلاّ الآب" (مرقس 32:13). كما ناقشنا سابقاً، اختار يسوع في دوره "كعبد" أن يعيش الحياة هنا حسب الشروط والمعطيات البشرية على الأرض، واضعاً ثقته في قدرة أبيه، لا قدرته. فقد قال مثلاً، "لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً" (يوحنا 19:5). و"أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئاً" (يوحنا 30:5) و"في كل حين أفعل ما يرضيه" (يوحنا 29:8) و"الآب الحالّ فيّ هو يعمل الأعمال" (يوحنا 10:14).
قال يسوع في هيئته كإنسان بأنه لـم يعرف ساعة عودته. وسبب ذلك أنه حدد نفسه وفرض عليها حدوداً كعبد. ليس أنه لـم يكن معادلاً للـه، ولكن لأنه اختار بمحض إرادته ألا يمارس كل امتيازاته الإلهية.
اقترب أحدهم من يسوع وقال له، "أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فقال له يسوع، لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلاّ واحد وهو اللـه" (مرقس 17:10-18). قد يبدو للوهلة الأولى أنّ يسوع كان بقوله هذا ينفي لاهوته. وواقع الأمر مختلف. فقد كان يشدد على أنّ اللـه وحده صالح. والكتاب المقدس واضح حول صلاح المسيح. فالكتاب المقدس يدعوه "القدوس" و"البار" و"البريء" و"المنفصل عن الخطاة" و"بلا عيب" (أعمال 14:3؛ 2كورنثوس 21:5؛ عبرانيين 15:4، 26:7؛ 1بطرس 22:2؛ 1يوحنا 5:3). إذاً يسوع صالح بكل مقاييس الصلاح الحقيقية. وبهذا يشترك يسوع في إحدى صفات اللـه، ألا وهي الصلاح.
هناك سبب محتمل دعا يسوع إلى قول ما قاله للرجل، ألا وهو قياس عمق وعي الرجل لهوية المسيح وشخصه، ومدى جديته في اتباعه. فبعد أن أعلم يسوع الرجل أنه لا صالح إلاّ اللـه وحده، طلب منه أن يبيع كل ممتلكاته ويتبعه كتلميذ. لاحظ أنه لـم يقل له "اتبع اللـه" وإنما "اتبعني." وهكذا تنتهي هذه الفقرة بانطباع مخالف للانطباعات الأولى لبدايتها فهي تدعم لاهوت المسيح دعماً قوياً.
وتلخيصاً لما قبل، فإن كل الأسباب تقريباً التي تقدم لإنكار أنّ يسوع هو اللـه، تنبع من سوء فهم لرسالة فيلبي 6:2-11 التي تعلّم أن ليسوع طبيعتين: بشرية وإلهية، فقد "وُجِد" يسوع في هيئتين: كاللـه (عدد 6) وكإنسان عبد، (عدد 7). يقول النص بأن حالته الأولى كانت مركزاً من المساواة أو المعادلة للـه. أما حالته الثانية فكانت مركزاً من الإتضاع. إنّ كل الأعداد تقريباً التي تستخدم لمحاولة القول بأنّ يسوع لـم يكن معادلاً للـه والآب، وأنه لذلك ليس واحداً مع اللـه، تقارن يسوع في حالته المتضعة كإنسان بمركز اللـه الممجّد في السماء. والحقيقة التي يحاول القائلون بهذا تجاهلها هي أنّ يسوع ترك مركزه المجيد من المساواة مع اللـه الآب لكي يصبح إنساناً، ويموت عن خطايا الناس، ويقوم من بين الأموات، ويمجّد مرة أخرى.
الفصل الثامن:
هل المسيح هو الرب إلهك؟
على المرء في مرحلة ما بعد دراسة الأدلة المتوفرة بين يديه، أن يقرر ما إذا كان سيؤمن بلاهوت المسيح أم لا. يتفق معظم الذين يطلقون على أنفسهم لقب مسيحيين على أنّ يسوع عاش ومات ودفن وقام ثانية. غير أن يسوع قال إن لـم تؤمنوا أني أنا هو Ego eimi تموتون في خطاياكم (يوحنا 24:8). وكتب بولس، "إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن اللـه أقامه من الأموات خلصت" (رومية 9:10). إذا كان المسيح إلهاً كان الإيمان بلاهوته ضرورياً للخلاص، فإننا نخاطر بأشياء كثيرة إذا رفضنا الإيمان به.
أوضح سي.أس.لويس موضوع لاهوت المسيح عندما كتب إلى صديق متشكك اسمه آرثر جريفر:
أعتقد أن الصعوبة الكبيرة تكمن فيما يلي: إن لـم يكن اللـه، فمن هو؟ فقد رأيت في متّى 19:28 افتتاحية المعمودية "باسم الآب والابن والروح القدس،" من هو هذا الابن؟ هل الروح القدس إنسان؟ إذا لـم يكن كذلك، فهل أرسله إنسان (أنظر يوحنا 26:15)؟ يقول كولوسي 7:1، "الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل." أي نوع من البشر هذا؟ ناهيك عن افتتاحية إنجيل يوحنا، "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند اللـه، وكان الكلمة اللـه." خذ شيئاً أقل وضوحاً بكثير، عندما يبكي يسوع على أورشليم (متى 23)، لماذا يقول فجأة (عدد 34) "...أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء ..." من يمكنه قول مثل هذا الأمر إلاّ اللـه أو شخص معتوه؟ من هو هذا الإنسان الذي يتجوّل مُعلناً غفرانه لخطايا الناس؟ أو ماذا عن (مرقس 18:2-19)؟ أي إنسان هذا الذي يعلن، نظراً لحضوره أو وجوده، إلغاء أو تعليق أعمال التوبة مثل الصوم؟ فمن الذي يستطيع تعطيل الدوام الدراسي نصف يوم غير المدير؟
يبدو لي أنّ عقيدة لاهوت المسيح ليس أمراً يمكنك التخلص منه أو تجاهله. ولكنها أمر يلوح في كل نقطة وزاوية بحيث يتوجب عليك أن تحل كل خيوط النسيج لتتخلص منه. يمكنك بالطبع أن ترفض بعض هذه الفقرات بحجة أنها غير حقيقية أو أصلية، لكني أستطيع أن أوجه نفس الإلهام للكتاب الذي تؤمن به، إذا رغبتُ في أن ألعب نفس لعبتك. عندما يقول الكتاب المقدس بأنّ اللـه لا يمكن أن يجرَّب، فإني أقبل هذا الأمر على أنه حقيقة واضحة. فلا يمكن للـه، كإله، أن يجرَّب بالشرور، كما لا يمكنه أن يموت، وقد أصبح إنساناً حتى يعمل ويعاني ما لا يمكنه كإله أن يعمله ويعانيه كاللـه. وإذا نزعت من المسيحية لاهوت المسيح، فما الذي يبقى منها؟ فكيف يمكن أن يكون لموت إنسان واحد كل هذا التأثير على جميع الناس، وهو الأمر المُعلن على مدى العهد الجديد؟"
هذا هو بيت القصيد – لا يمكن لإنسان واحد أن يُحدث أي تأثير خاص على كل البشرية. اللـه الابن وحده هو الذي يستطيع التكفير عن خطايا كل الجنس البشري. ولا يمكن لأي بديل جزئي أن يقوم بهذه المهمّة ويرضي اللـه الآب.
إنّ فداءنا، وهو النقطة الجوهرية التي ترتكز عليها المسيحية، تعتمد على كون المسيح لا إنساناً فحسب، ولكن اللـه أيضاً. لقد اضطر "حَمَلُ فِصْحِنا" أن يكون خروفاً من القطيع حتى يتعذب ويصلب ويموت ويدفن. اللـه غير مؤهل أن يكون أخاً لنا، لكن ابنه يستطيع ذلك.
كثيرون من الذين ينكرون لاهوت المسيح يقولون إنّ أموراً كالثالوث الأقدس وطبيعة المسيح "مستحيلة" أو "غير معقولة." فهم يقولون، لا يمكن أن يصلب اللـه، فاللـه روح ولا يمكن أن يقدّم اللـه نفسه لنفسه ولا يمكن أن يولد اللـه. كل هذه الاعتراضات تتجاهل حقيقة التجسد، وأنّ الابن هو الذي قدّم نفسه للآب، وأنّ كل شيء مستطاع لدى اللـه.
يجب ألاّ نسمح لتصوراتنا حول ما هو معقول أو ممكن أن تحكم إعلان اللـه عن نفسه. فالمسألة المطروحة هنا هي ما قاله اللـه، وليس قدرتنا على استيعابه استيعاباً كاملاً.
عندما نقرأ البشائر الأربعة، نرى أن يسوع أثار ثلاثة ردود فعل رئيسية بين الناس في زمنه: البغض، الذعر، أو العبادة. لـم يكن بإمكان أحد من الناس أن يبقى محايداً بعد سماعه لتصريحاته عن نفسه. فقد حضّر يسوع المسرح لكل فرد بحيث لا يعود أمامه خيار ثالث، فإمّا أن يقبله أو يرفضه.
انتهى الأمر ببطرس الذي أنكره ثلاث مرات إلى أن يموت شهيداً بسبب قناعته أنّ يسوع هو اللـه المتجسد. عندما سأل المسيح بطرس عمن يكون أجاب، "أنت هو المسيح ابن اللـه الحي" (متى 16:16). لـم يستجب يسوع لقول بطرس بتصحيح النتيجة التي توصّل إليها، وإنما بالاعتراف بشرعيتها وصحتها ومصدرها، "طوبى لك يا سمعان بن يونا، فإنّ دماً ولحماً لـم يعلن لك، لكن أبي الذي في السموات" (متى 17:16).
كثيراً ما أطلق على توما لقب "الشكاك" لأنه شك في قيامة يسوع. لكن بعد أن قدم له المسيح نفسه دليلاً قاطعاً على قيامته من بين الأموات، صرخ توما معترفاً بالمسيح الرب مُقدِّماً له العبادة، "ربي وإلهي" (يوحنا 28:20).
ومنذ ذلك الوقت اختبر أشخاص كثيرون عبر القرون صراعاً مُتشابهاً عندما جوبهوا بسؤال يسوع، "من تقول إني أنا؟" تواجهنا مشكلة صوّرناها في الشكل التالي:
تصريح يسوع بأنه اللـه |
|||
خياران |
|||
تصريح صادق |
تصريح كاذب |
||
هو الرب |
خياران | ||
|
|||
خياران |
لم يكن يعرف ان مزاعمه كاذبة |
كان يعرف ان مزاعمه كاذبة |
|
تستطيع رفضه |
تستطيع قبوله |
كان مخدوعا بصدق |
كذب عامدا متعمدا |
كان مجنونا |
كان كاذبا |
||
|
|||
كان منافقاً |
|||
كان شيطاناً | |||
كان غبياً لأنه مات من أجل كذبة |
لمزيد من الإيضاح حول الشكل السابق - اقرأ كتاب "برهان يتطلب قراراً" (الفصل السابع)، وكتاب "مزيد من البراهين التي تتطلب قراراً" (الفصل الثاني). لمزيد من الأدلة التاريخية المؤيدة للاهوت المسيح، اقرأ كتاب "عامل القيامة." كل هذه الكتب من تأليف جوش ماكدويل أحد مؤلفي هذا الكتاب.
وماذا عنك؟ ماذا تظن في المسيح؟ هل أنت متديّن فقط، أم لك علاقة شخصية مع اللـه الحي من خلال ابنه يسوع المسيح؟ هناك أدلة كافية لدعم اعتقاد المرء بلاهوت المسيح للأشخاص المستعدين أن يتخذوا قراراً. بعد أن صرخ توما "ربي وإلهي" أجاب يسوع، "لأنك رأيتني آمنت؟ طوبى للذين آمنوا ولـم يروا" (يوحنا 29:20).
الفصل التاسع:
كيف اكتشف الكاتبان الحياة الجديدة في المسيح؟
بارت لارسون"بدأت تساؤلاتي حول أهمية المسيحية - أكثر من مجرد النظام العادي لمدرسة الأحد - كطفل عندما كنت أشاهد الواعظ المشهور بيلي جراهام. كنت حتى ذلك الحين قد حكمت على معظم المسيحيين بأنهم منافقون أو غريبو الأطوار. ولـم تكن أي من هاتين الصيغتين جذابة. وعندما استمعت إلى الدكتور جراهام وهو يعظ، أحسست كما لو أن قلبي سينفجر. فعلى الرغم أني كنت غير موضوعي (متأثراً بمشاعري وأفكاري الشخصية)، أحسست بحضور اللـه في الغرفة معي.
كانت إحدى الأفكار التي عبّر عنها الدكتور جراهام هي أنّ اللـه مُطلق النقاء والطهارة والبِر، وأننا نحن البشر خطاة (أي أننا كلنا تمردنا على اللـه بطريقة إيجابية وسلبية ولـم نصل إلى مقياس كماله). لقد كانت حالتي كحالة ذلك القاتل الذي مَثُلَ أمام القاضي للمحاكمة، فقال مُدافعاً عن نفسه، "لكن أنظر يا سيدي القاضي إلى كل الناس الذين لـم أقتلهم!" عرفت أننا كبشر نقف مذنبين ملومين أمام إله قدوس بار، وأننا إذا ذهبنا إلى السماء بدون تغيير أساسي في طبيعتنا، فسنلوثها ونفسدها.
شعرت بالذنب على الرغم من محاولتي الشديدة لإنكار ذلك وإبعاده عنّي. فأنا لـم أعش حسب مقاييسي الخاصة ناهيك عن مقاييس اللـه. قال الدكتور جراهام إنّ الذهاب إلى الكنيسة ليس كافياً. فدخول الكنيسة لا يجعل من الإنسان مسيحياً (تماماً كما لا يجعلك دخول كراج سيارات سيارة)، وأن صيرورة الإنسان مؤمناً بالمسيح تتطلب إيماناً نشطاً فعالاً، لا إيماناً سلبياً.
نستطيع أن نقرّب مفهوم الإيمان الفعال بأن نضرب مثلاً توضيحياً عن لاعب سيرك تمكّن من العبور فوق شلالات نياجارا على حبل رفيع حاملاً على ظهره كيساً من الرمل يزن خمسين كيلو غراماً. بعد أن أنهى محاولته بنجاح، سأل أحد المتفرجين، هل تؤمن أني أستطيع أن أفعل ذلك مرة أخرى؟ أجاب المتفرج أنا متأكد من ذلك، فرمى لاعب السيرك كيس الرمل عن ظهره وقال له، "إذاً اركب ظهري ودعني أحملك."
الإيمان الحقيقي هو أكثر بكثير من مجرد الموافقة العقلية على المبادئ المسيحية. إنه الاستعداد للركوب والمخاطرة بحياتنا. وأي شيء أقل من ذلك ليس "إيماناً" بالمعنى الكتابي للكلمة.
سمعت مرة قصة عن قاضٍ أُحضرت ابنته إلى محكمته بتهمة السواقة بسرعة زائدة. وفرض عليها أكبر غرامة ممكنة ممّا أدهش جميع الحاضرين. ثـم نزل من على كرسي القضاء، وأخرج محفظته ودفع الغرامة عنها. وهكذا تـم إرضاء كل من القانون المُطالب بالعدالة وقلب الآب المُحب. شرح الدكتور جراهام ما سبق أن فعله اللـه في شخص يسوع - فقد نزل اللـه وتنازل وأصبح إنساناً ليموت من أجل الجنس البشري لأنه أحبنا.
أضاف الدكتور جراهام بأن علينا أن نكون مستعدين للاعتراف بخطيتنا وقبول غفران اللـه لنا من خلال الإيمان بموت المسيح وقيامته من أجلنا. لا يمكننا أبداً أن نعمل لكسب هذا الغفران أو دفع ثمنه. فهو هبة يمكننا أن نقبلها أو نرفضها.
أجّلت موضوع إيماني بالمسيح لعدة سنوات، وكان أحد أسباب ذلك هو أنه مرّ عليّ وقت لا بأس به قبل أن أقابل مؤمنين حقيقيين بالمسيح احترمهم. وكان هناك سبب آخر وهو أني كنت مرتبكاً ومحتاراً بالنسبة لما يتوجب عليّ أن أفعله لكي أصبح مؤمناً بالمسيح. وأخيراً جاء ذلك اليوم. شرح لي أحد الوعاظ المتكلمين على انفراد عن جو خالٍ من إمكانية الإحراج، كيف يمكنني أن أصبح مؤمناً بالمسيح. (كنت قد رفضت في الماضي فرصاً أخرى خالطتها إمكانية الإحراج، فقد خشيت ألاّ أعرف ما يجب أن أفعله وأن أظهر بمظهر الأحمق).
وهكذا صلّيت بهدوء وأنا جالس في أحد المقاعد في اجتماع في مدرسة ثانوية في مدينة توبيكا في ولاية كانساس، وطلبت من المسيح أن يدخل حياتي. ومما أثار دهشتي العظيمة أنه فعل ذلك، ووجدت سلاماً لـم أعرفه من قبل. واختفت مشاعر الذنب، وفاض بقلبي فرح جديد، وصار لي هدف أحيا من أجله. لقد دهشت وسعدت لاستجابة اللـه لدعائي. اكتشفت أنه مهتم بي.
كنت أحياناً أحس حتى كمسيحي أني كطفل موضوع في سلة متروك أمام عتبة اللـه، وأنه لـم يكن للـه، بصفته اللـه المحب، أي بديل عن قبولي وإدخالي. أمّا الآن، فأعرف أنّ هذا غير صحيح، لأن اللـه هو الذي اختارني بدافع محبته العظيمة (أفسس 4:1،5) وهو يقول لجميع الراغبين في القدوم إليه "تعالوا."
ولا يسعني كشخص يهتم بك وعرف محبة اللـه إلاّ أن أشجعك، عزيزي القارئ، على ألاّ تبقى محايداً. فاللـه يحبك، وقد أثبت ذلك عندما أصبح إنساناً ومات من أجلك. وهذا هو غرض تجسد المسيح ولاهوته، وهو السبب الذي من أجله اشتركت مع جوش ماكدويل في تأليف هذا الكتاب.
بدأت بداية فكرية محاولاً تفنيد الكتاب المقدس كوثيقة تاريخية موثوقة، والقيامة كحدث تاريخي حقيقي، والمسيحية كبديل له علاقة بحياتنا. وبعد أن قمت بجمع الأدلة والبراهين التي ضَمَّنت كتبي بعضها، وجدت نفسي مُجبراً على الاستنتاج بأن كل حججي لا تصمد أمامها، وأن يسوع المسيح هو ابن اللـه، تماماً كما قال عن نفسه.
أدت النتيجة التي توصلت إليها حول الموثوقية التاريخية للكتاب المقدس وشخص المسيح إلى صراع شديد بيني وبين نفسي. فقد كان عقلي يقول لي بأنّ كل هذا صحيح، لكن إرادتي كانت تسحبني في اتجاه آخر. اكتشفت أن صيرورة المرء مسيحياً مؤمناً يمكن أن يكون اختباراً يهز الكيان.
كان الإحساس بالذنب والخطية واضحاً في حياتي. وقام يسوع المسيح بوضع تحدٍ مباشر أمام إرادتي، وهو أن أضع ثقتي فيه مُخلِّصاً لي، ذلك المخلّص الذي مات على الصليب من أجل خطاياي. كانت الدعوة التي وجّهها لي كما يلي: "هاأنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه" (رؤيا 20:3).
"وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد اللـه أي المؤمنون باسمه" (يوحنا 12:1). لـم يكن يهمني أنه مشى فعلاً على الماء أو حوّل الماء إلى خمر. فأنا لا أريد شخصاً مثله يغزو حياتي ويفسد عليّ تلذذي بالحفلات. لأنني إذا دعوته إلى دخول حياتي، فستكون تلك أسرع طريقة للقضاء على الاستمتاع بالوقت، والقضاء على سعيي لإشباع طموحي الذهني، وإعاقة أي قبول لي كباحث من قبل زملائي وأقراني.
وهكذا وصلت إلى تلك النقطة: فمن ناحية كان عقلي يقول لي بأنّ المسيحية صحيحة، وكانت إرادتي تقول من ناحية أخرى، "لا تعترف بذلك." وفي كل مرة كنت في رفقة هؤلاء المؤمنين المتحمسين السعداء، كان الصراع يحتد. فإذا وُجدت مع أشخاص فرحين في الوقت الذي تكون فيه تعيساً، ضايقك هذا الأمر كثيراً. ولقد ضايقني هذا الأمر إلى درجة أني كنت أنهض وأركض هارباً من الغرفة.
وصل بي الأمر إلى أني كنت أذهب إلى الفراش الساعة العاشرة ليلاً دون أن أتمكن من النوم قبل الرابعة صباحاً. عرفت أنّ علي أن أخرج يسوع من عقلي قبل أن أفقده.
كنت منفتح الذهن ومقتنعاً عقلياً، فقررت في الساعة الثامنة والنصف من 19/9/1959 أثناء سنتي الدراسية الثانية في الجامعة، أن أتخذ خطوة الإيمان بالمسيح وأدعوه أن يدخل حياتي.
سألني أحدهم: "كيف تعرف؟"
قلت: "لقد كنت هناك. حدث الأمر معي أنا."
صلّيت في تلك الليلة. صلّيت أربعة أمور حتى أؤسس علاقة مع اللـه، صلّيت من أجل علاقة شخصية مع ابنه يسوع المسيح المقام الحي. وعلى مدى فترة من الزمن غيرت تلك العلاقة حياتي.
أولاً، صليت "أيها الرب يسوع. أشكرك من أجل موتك على الصليب من أجلي."
ثانياً، قلت "أعترف بكل الخطايا والأمور التي لا ترضيك في حياتي وأطلب منك أن تغفر لي خطاياي وتطهرني." يقول الكتاب المقدس، "إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج."
ثالثاً، قلت له "والآن حسب معرفتي أفتح باب قلبي وحياتي لك وأضع ثقتي فيك وأؤمن بك مخلّصاً ورباً. استلم قيادة حياتي. غيِّرْني مبتدئاً من الداخل إلى الخارج. اجعلني ذلك الشخص الذي خلقتني لأكونه."
وكان آخر شيء صلّيته، "أشكرك لأنك دخلت حياتي بالإيمان." كان إيماناً أنتجه الروح القدس فيّ، مرتكزاً على الأدلة وعلى حقائق التاريخ وعلى كلمة اللـه.
ربما سمعت أشخاصاً متدينيين يتحدثون عن اختبارات حقاً خارقة مرّوا بها عندما آمنوا بالمسيح، ولكن شيئاً من هذا لـم يحدث لي. بل إني بعد أن اتخذت قراري، أحسست بتدهور في صحتي، ورغبة في التقيؤ. وشعرت بأني مريض.
"ما الذي ورّطت نفسك فيه يا جوش؟" أحسست بالفعل بأني أصبت بالجنون - ويوافق بعض أصدقائي على ذلك!
لكني أستطيع أن أؤكد شيئاً واحداً، لقد اكتشفت أني في مدة تتراوح ما بين الستة أشهر والسنة لـم أجن، بل إنّ حياتي تغيرت.
اشتركت في نقاش مع رئيس قسم التاريخ في إحدى الجامعات. قلت، لقد تغيّرت حياتي، فقاطعني بطريقة ساخرة نوعاً ما قائلاً، هل تحاول يا ماكدويل أن تقول لنا إنّ اللـه غير حياتك في القرن العشرين، في أية نواحي حدث هذا التغيير؟
بدأت أشرح التغيرات التي حدثت في حياتي لمدة خمسة وأربعين دقيقة إلى أن قاطعني قائلاً، "حسناً . . كفى."
السلام العقلي.كانت إحدى النواحي التي حدثته عنها، قلقي. فقد كنت من النوع الذي يجب أن يشغل نفسه طوال الوقت. كنت دائم الانتقاد لأصدقائي عند الاجتماع بهم، وكنت أمشي في الحرم الجامعي، فيصبح رأسي دوامة من الصراعات. وكنت أجلس محاولاً الدراسة أو التفكير، لكن دون جدوى.
لكن بعد عدة أشهر من اتخاذي قرار الإيمان بالمسيح، بدأ يتطور لدي نوع من السلام العقلي. لا تُسئ فهمي فأنا لا أتحدث عن غياب الصراع. فإنّ ما وجدته في علاقتي مع يسوع المسيح لـم يكن غياب الصراع بقدر ما هو القدرة على التعايش معه. وأنا لست مستعداً أن أقايضه بأي شيء في الوجود.
السيطرة على العصبية. كانت عصبيتي من النواحي التي شهدت تغيراً. فقد كنت أثور ثورة عارمة إذا نظر إليّ أحدهم نظرة تحدٍ أو استهزاء. وما زلت أحمل في جسدي آثاراً من شجار أثناء سنتي الأولى في الجامعة كدت أقتل فيها رجلاً. كانت عصبيتي جزءاً عضوياً مني، بحيث لـم أسع إلى تغييرها بشكل واعٍ.
بعد أن وضعت ثقتي في السيد المسيح، مررت بأزمة لأكتشف أن عصبيتي اختفت. ولـم أفقد أعصابي خلال العشرين السنة الماضية إلا مرة واحدة.
هناك ناحية أخرى أفتخر بها. وأنا أذكرها هنا لأن هناك أشخاصاً كثيرين يحتاجون إلى نفس هذا التغيير في حياتهم من خلال علاقة مع المسيح المقام الحي. وهذه الناحية هي الحقد، أو لنقل المرارة.
كانت حياتي مليئة بالحقد. لـم يكن هذا الأمر شيئاً ظاهراً للآخرين ولكنه كان نوعاً من الطحن الداخلي الذي يأكلني إذ كان الناس والأشياء والمسائل تثير ضيقي وسخطي. وككثيرين غيري، لـم أحس بالأمان. فكلما قابلت شخصاً جديداً مختلفاً عني، أحسست بأنه يشكل تهديداً لي.
لـم أكره شخصاً كما كرهت أبي، بل احتقرته، فقد كان سِكّير البلدة. وإذا كنت من بلدة صغيرة وكان أحد والديك سِكّيراً فلا بدّ أنك تعرف ما أتحدث عنه.
عرفت كل البلدة أمر أبي. أعتاد أصدقائي أن يأتوا إلى المدرسة ويطلقوا النكات حول ما يفعله والدي وسط البلدة. لـم يعتقدوا أنّ هذا الأمر يزعجني. فقد كنت أضحك من الخارج، لكني كنت أبكي من الداخل. كنت أذهب إلى الإسطبل حيث أرى أمي ممدّدة فوق روث البقر، بعد أن تتعرض للضرب من قِبَل أبي وتعجز عن النهوض.
وعند استضافتنا للأصدقاء، كنت آخذ والدي إلى مخزن الحبوب واربطه هناك وأوقف السيارة خلف المكان حتى لا يراه أحد، وكنا نقول لأصدقائنا بأنه ذهب إلى مكان ما حتى لا نصاب بالحرج. لا أعتقد أنّ أحداً يمكنه أن يكره شخصاً آخر كما كرهت أبي.
بعد حوالي خمسة أشهر من اتخاذي قرار قبول المسيح مخلّصاً ورباً لي، غمرت حياتي محبة لأبي - محبة من اللـه من خلال يسوع المسيح. نزعت هذه المحبة حقدي وقلبتني رأساً على عقب. كانت تلك المحبة من القوة بحيث استطعت أن أنظر إلى والدي وجهاً لوجه وأقول له، "يا أبي، أحبك." وقد كنت أعني ما أقوله. ونظراً لبعض التصرفات التي كنت قد قمت بها نحوه، هزته كلماتي.
بعد وقت قصير من انتقالي إلى جامعة خاصة، تعرضت إلى حادث سيارة خطر. رجعت إلى البيت بعد وضع الجبص حول رقبتي. لن أنسى أبداً منظر أبي وهو يدخل غرفتي ليسألني، "يا بني كيف يمكنك أن تحب أباً مثلي؟" قلت له يا أبي قبل ستة أشهر كنت أحتقرك. وبعد ذلك حدثته عما توصلت إليه من استنتاجات حول يسوع المسيح. قلت له، "لقد سمحت للمسيح أن يدخل حياتي. وأنا لا أستطيع أن أفسر ما حصل تفسيراً كاملاً، لكني وجدت، نتيجة لهذه العلاقة، القدرة على أن أحِب وأَقْبَل لا أنت فحسب، ولكن كل الناس الآخرين كما هم."
بعد خمسٍ وأربعين دقيقة حدث أحد أعظم الأشياء المثيرة في حياتي. فقد قال لي أحد أفراد عائلتي، شخص عرفني جيداً بحيث لا يمكنني أن أضع عصابة على عينيه حول حقيقتي، "يا ابني، إذا كان اللـه يستطيع أن يفعل في حياتي ما رأيته يفعل في حياتك، فإني أريد أن أتيح له هذه الفرصة."
عادة ما تحدث التغيرات في حياة الناس على مدى أيام أو أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات، لكن حياة والدي تغيرت أمام عيني. كان الأمر كما لو أن أحدهم أضاء مصباحاً كهربائياً. لـم أرَ أبداً مثل هذا التغير السريع قبل ذلك أو بعده. لـم يلمس والدي زجاجة الخمر بعد ذلك إلا مرة واحدة فقط، وصلت فيه الزجاجة إلى شفتيه دون أن يرشف منها ولو رشفة واحدة. إذ لـم يعد يحتاجها.
وصلت إلى استنتاج وحيد. وهو أن العلاقة مع يسوع المسيح تغيّر الحياة. تستطيع بجهل أن تهزأ بالمسيحية، تستطيع أن تسخر منها، لكنها ناجحة في تغيير حياة الناس. فإذا قررت أن تؤمن بالمسيح وتضع ثقتك به، ابدأ بمراقبة مواقفك وتصرفاتك - لأن شغل يسوع المسيح الشاغل هو تغيير حياة الناس وغفران خطاياهم وإزالة الإحساس بالذنب.
ليست المسيحية أمراً يمكن فرضه بالقوة على شخص أو إنزاله في حلقه رغماً عنه. فلَكَ حياتك ولي حياتي. وكل ما أستطيع أن أفعله هو أن أخبرك بما عرفته واكتشفته. أما بعد ذلك، فالأمر متروك لك. وكما تقول زوجتي، "المسيح قام من بين الأموات، ولهذا فهو حي. ولأنه حي فهو يمتلك قدرة لا متناهية على الدخول إلى حياة أي رجل أو امرأة ويغيّره أو يغيّرها مبتدئاً من الداخل إلى الخارج."
فالعنصر الأساسي هو القيامة. فالمسيح قد قام.
لقد حدثتك كيف تجاوبتُ مع تصريحات المسيح عن نفسه. وقد جاء دورك الآن لتسأل السؤال المنطقي التالي، "ما الذي تعنيه كل هذه الأدلة والبراهين لي؟ أي فرق سيحدثه إيماني أو عدمه بموت المسيح على الصليب من أجل خطاياي وقيامته من الأموات؟" لقد قدّم يسوع أفضل إجابة عن هذه السؤال لرجل شك فيه، وهو توما. قال له: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي." (يوحنا 6:14).
بناءً على كل براهين قيامة المسيح، واعتباراً لحقيقة أنّ يسوع يعرض علينا غفران خطايانا، وعلاقة أبدية مع اللـه، فمن هو هذا الطائش الأحمق الذي سيرفضه؟ المسيح حي. وهو حي اليوم.
تستطيع أن تضع ثقتك الآن باللـه من خلال الصلاة أو الدعاء. فالصلاة هي التحدث مع اللـه. وهو يعرف قلبك ولا تهمه كلماتك المنتقاة بقدر ما يهمه موقفك القلبي. إذا لـم تكن قد وضعت ثقتك في المسيح في الماضي فإنّ بإمكانك أن تفعل ذلك الآن.
كانت الصلاة التي رفعتُها كما يلي: "أيها الرب يسوع، أنا أحتاجك. أشكرك من أجل موتك على الصليب من أجل خطاياي. ها أنا أفتح باب حياتي لك وأقبلك مخلِّصاً لي. أشكرك لأنك غفرت خطاياي وأعطيتني حياة أبدية. اجعلني كما تريد. أشكرك لأنك مكّنتني من وضع ثقتي بك."