الخطية

مهما حاولت بإلقاء الضباب حول الخطية وعدم وجودها في الإسلام ، فللخطية شأن وأهمية كبرى في القرآن,

فقد ورد في القرآن طائفة من الكلمات تعبِّر عن الخطية منها :

الذنب ، كقوله : إِنَّا فَتَحْنَا لكَ فَتْحاً مُبِينا ليَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ سورة الفتح 48 :1 2 ,

الوزر ، كقوله : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ سورة الشرح 94 :1 3 ,

الضلال ، كقوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَضَالّاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى سورة الضحى :5 8 ,

الظلم ، كقوله : وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ القَوْمَالظَّالِمِينَ سورة الشعراء 26 :10 ,

الإثم ، كقوله : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ سورة الأنعام 6 :120,

الخطيئة ، كقوله : وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً سورة النساء 4 :112 ,

بعد هذا دعني أقف عند قولك : وأول ما يتبادر إلى الذهن أن القول عن الخطيئة والتمسك بضرورة الفداء من أجلها ، أن ذلك نابع عن الكسل الوثني ,

إن هذه العبارات إذا بُحثت في ضوء كلام الوحي ، تبين أنها صادرة عن إنسان يريد ذر الغبار في الأعين لكي لا تبصر الحقيقة, فقد جاء في رسالة رومية 5 :12 : بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الخَطِيَّةُ إِلَى العَالَمِ ، وَبِالخَطِيَّةِ المَوْتُ ، وَهكَذَا ا جْتَازَ المَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ ، إِذْ أَخْطَأَ الجَمِيعُ ,

ويقول بعض الفلاسفة إن الإنسان يولد طاهراً وإنما إذا عاش في بيئة فاسدة تأثر بها ، لأن الإنسان فيه مجموعة من الغرائز ، التي وإن كانت لها غايات شريفة ، فهي تحمل نزوات شريرة,

 

الخطية إرث

نفهم من الاختبارات أنه لا يمكن للكائن الحي أن يلد كائناً مغايرا له, فالثور لا يمكن أن يلد حملاً, وكما قال المسيح لا يجنون من الشوك عنباً , وهذا القانون ينطبق على الإنسان ، فآدم الذي توالد منه البشر عصى الله ، فطرده من فردوس الطهر إلى أرض لعنت بسبب خطيته, وعلى هذه الأرض أنجب نسلاً نظيره, وكان هذا النسل بالطبيعة مطروداً فاقداً ميراثه بالفردوس,

والكتاب المقدس يقر هذه الحقيقة إذ يقول بفم داود النبي : هَئَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي مزمور 51 :5 ,

وقال الوحي بفم بولس رسول الجهاد العظيم : لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللّهَ. الجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صلاحاً ليْسَ وَلَا وَاحِدٌ رومية 3 :10 12 ,

قال العالم الانجليزي هاكسلي : لا أعلم أن هناك دراسة انتهت إلى نتيجة تعسة للنفس كدراسة تطور الإنسانية ، فمن وراء ظلام التاريخ يتبين أن الإنسان خاضع لعنصر وُضع فيه يسيطر عليه بقوة هائلة, إنه فريسة واهنة عمياء لدوافع تقوده إلى الخراب وضحية لأوهام لا نهائية ، جعلت كيانه العقلي هماً ثقيلاً وأفنت جسده بالهموم والمتاعب, ومنذ آلاف السنين لا يزال هو هو ، يقاتل ويضطهد ، ويعود ليبكي ضحاياه ويبني قبورهم ,

وهل يحتاج أحد إلى هذه الشهادات الصارخة الآتية عبر التاريخ لكي يلمس هذه الحقيقة؟ ألا يكفي أن ينظر الإنسان إلى أعماق نفسه ويتحسس ميوله ونزواته ، ليعلم أن ناموس الخطية ساكن فيه؟

أجل ، إنَّ وجود الخطية في حياة كل إنسان أمر لا يجهله أحد ، لأن فساد الطبيعة البشرية ظاهر للحس في عجز الإنسان عن حفظ الشريعة الأدبية من تلقاء نفسه ، حتى في توبته الذاتية فهذه عرضة للانتكاس إن كانت لا تلقى معونة الله بالروح القدس,

ألق نظرة عابرة على تاريخ الخطية عبر الأجيال لكي تجد الدليل الحاسم على وجود نزعة الشر في الإنسان, وأول ما ظهرت هذه النزعة في الجريمة الأولى التي اقترفها قايين ابن آدم حين قتل أخاه هابيل,

لقد حزّ في نفسي أسف شديد وأنا أقرأ كلامك المشوب بالتهكم على الخطية والكفارة ، اللذين يعلّم الإنجيل بهما, إذ تقول : إن ملخص ما يعتقده النصارى هو خرافة الخطية والصلب للتكفير , وكان الأحرى بك أن تسأل المسيحيين لشرح هذه الموضوع ، وفقا للوصية القرآنية إلى محمد القائلة : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ سورة النحل 16 :43 , وقد قال الجلالان في تفسير الآية : إن أهل الذكر هم العلماء بالتوراة و الإنجيل,, إلى أن يقول : أُولَئِكَ الذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْما ليْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَئِكَ الذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ سورة الأنعام 6 :89 90 ,

إن موضوع الخطية والكفارة بالفداء موضوع خطير جداً وقبل الخوض في دقائقه ، لا مندوحة لي من التمهيد بذكر الأحداث المهمة ، التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس ، منذ خلق الإنسان الأول, والتي عملت في تحريك محبة الله لأجل خلاص العالم,

 

أولاً : السقوط

 

يُعلّم الكتاب العزيز أنَّ الله خلق الإنسان على صورته كشبهه ، وعاهده عهد الحياة ، على شرط الطاعة الكاملة لوصاياه, يقول الكتاب المقدس : فَخَلَقَ اللّهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللّهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ,,, وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً : مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً ، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا ، لِأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ تكوين 1 :27 28 ، 2 :15 17 ,

وعاش آدم ردحاً من الزمن في فردوس عدن بحالة من الطهر متمتعاً بشركة روحية مع الرب الإله, وهذه الشركة كانت تفعم قلب آدم بالسعادة,

كان آدم بسيطاً ، وفي البساطة قرب من قلب الله, وكان كاملاً ، وفي الكمال مسحة من روح الله,

وكان مؤمناً صدِّيقاً ، والإيمان هو اليد التي تتناول بركات الله,

وكان باراً ، وفي البِّر قبس من نور الله,

ومع كل الامتيازات الروحية ، التي كانت لآدم فقد سمح الله بأن يُمتحن أبو البشرية, وكان هدف الامتحان : هل يحفظ آدم مكانه من الطاعة الولاء لله ، الذي وهبه كل هذه الجمالات؟

وفي كلمة أخرى ، كان قصد الله من امتحان أبي البشر أن يتعلم بأن هناك فاصلاً بين الحلال والحرام, وإنه لإثم أن يتعدى هذا الفاصل, وقد جعل هذا بأسلوب رمزي في ثمر الشجرة الممتنعة على آدم,

وظهرت سهولة الامتحان في التجربة التي جاءت من الشيطان, فهذا الماكر ، تقدم من حواء في صورة ناصح تهمه مصلحة الأبوين الأولين ، وقد بادرها بسؤال بسيط في ظاهره ، ولكنه مبطن بالخداع قال : أَحَقّاً قَالَ اللّهُ لَا تَأْكُلَا مِنْ كُلِّ شَجَرِ الجَنَّةِ؟ تكوين 3 :1 , كان الاستفهام هنا للتعجب والانكار معاً ، كأن الشرير يقول أعجب كل العجب ، أن يكون الله قد قال ذلك,

أخذت حواء بالكلام الماكر الذي صاغه الشيطان ، فغشاها من ضباب الشك في صلاح وصية الله,

من ثمر شجر الجنة نأكل ، قالت المرأة, وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا,

لَنْ تَمُوتَا! قال الشرير بَلِ اللّهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلَانِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللّهِ عَارِفَيْنِ الخَيْرَ وَالشَّرَّ تكوين 3 :4 و5 ,

كان لكلام عدو الخير لون المنطق المقنع بأن الله لأجل منعها ورفيقها من مساواته في المعرفة ، قيدهما بتحذير يبدو أنه غير صادق,

فاجتاح الشك قلب المرأة ، ولم تلبث أن استجابت لغواية الشرير, وللمرة الأولى رأت حواء أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلْأَكْلِ ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضاً مَعَهَا فَأَكَلَ تكون 3 :6 و 7 ,

وهكذا سقط الأبوان الأولان, سقطت المرأة لأنها شكّت في أمانة الله وصلاح وصيته, لقد ارتأت فوق ما ينبغي أن ترتئي ، طمعت في أن تماثل الله في المعرفة وأشركت رجلها معها ، فنقض عهده مع الله وتعدّى حدوده والخطية هي التعدِّي 1 يوحنا 3 :4 ,

ولما كانت أجرة الخطية هي موت رومية 6 :23 , وقع آدم وحواء تحت القصاص ، وفقا للإنذار الإلهي يوم تأكل منها موتاً تموت , ومعنى الموت هنا ليس انحلال الجسد في القبر ، بل هو موت النفس بخلودها في العذاب الأبدي,

وإذ سقط آدم أوقع نفسه تحت طائلة الحكم الذي لفظه الله ، إذ قال : مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ التِي أُخِذْتَ مِنْهَا تكوين 3 :17 19 ,

وبعد هذا الحكم طرده الرب الإله من جنة عدن مع امرأته ، فهاما على وجهيهما يضربان في الأرض ، وعلى الأرض أنجبا نسلاً ، وبالطبع كان نسلهما مطروداً من الفردوس,,, جاء في الرسالة إلى رومية 5 :12 : بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الخَطِيَّةُ إِلَى العَالَمِ ، وَبِالخَطِيَّةِ المَوْتُ ، وَهكَذَا اجْتَازَ المَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ ، إِذْ أَخْطَأَ الجَمِيعُ ,

يقول بعض الفلاسفة إن الإنسان يولد طاهراً ، وإنما إذا عاش في بيئة فاسدة ، تأثر بها وتسربت الخطية إليه, صحيح أن البيئة الفاسدة تساعد على نمو الخطية ، ولكن الإنسان يولد وفيه مجموعة من الغرائز ومن بينها الانجذاب إلى صنع الشر,

ونفهم من التعليم الإلهي أن الله لم يقطع عهد الحياة مع آدم من أجل نفسه فقط ، بل أيضاً من أجل نسله, ومن هنا كان آدم نائباً عن الجنس البشري كله ، بدليل قول الكتاب : لِأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الجَمِيعُ هكَذَا فِي المَسِيحِ سَيُحْيَا الجَمِيعُ 1 كورنثوس 15 :22 ,

فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ ، هكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ الهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ ، لِتَبْرِيرِ الحَيَاةِ. لِأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الوَاحِدِ جُعِلَ الكَثِيرُونَ خُطَاةً ، هكَذَا أَيْضاً بِإِطَاعَةِ الوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الكَثِيرُونَ أَبْرَاراً رومية 5 :18 و19 ,

جواباً على تساؤلك : ماذا تم في شأن الذين سبقوا المسيحمنالبشر ، ومنهم رسل وأنبياء كرام على الله ، لم يقبلوا ابن الله على عزم ضرورةقبوله, وهم كذلك لا يعترفون بالصليب؟

إن الجواب يلزمنا العودة إلى ما قبل طرد آدم حيث جاء في سفر التكوين 3 :7 و8 : أما آدم وحواء لما أكلا من الثمر المنهي عنه انْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ. وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِياً فِي الجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الجَنَّةِ ,

ونرى هنا أول عواقب الخطية : الخجل ، وثانيها الخوف وثالثها الحكم, إذ يخبرنا الكتاب المقدس : وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ لِآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ تكوين 3 :21 وهذا يدل على أن حيوانات قد ذُبحت في الفردوس, ولم يتحقق أن الإنسان كان يتخذ لحوم البهائم طعاماً, ولم يكن طعامه في أثناء إقامته في الفردوس إلا البقول والأثمار وغيرها من الأطعمة النباتية, وقد ذكر الكتاب الموحى به من الله هذه الحقيقة إذ قال : وَقَالَ اللّهُ : إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْلٍ يُبْزِرُ بِزْراً عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرا لكُمْ يَكُونُ طَعَاماً تكوين 1 :29 ,

فتلك الجلود بحسب ثقات المفسرين ، كانت من جلود البهائم التي كان آدم يقدمها في قرابينه,

ويخبرنا الكتاب المقدس أن الله أخرج آدم وامرأته من جنة عدن ليعمل الأرض التي أُخذ منها, وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة,

وخلاصة تعليم الكتاب المقدس أن الاتحاد النيابي بين آدم ونسله هو علة ما حلّ عليهم من الصعوبات التي حلت عليه,

أعود إلى القول إن آدم كان نائباً عن نسله ، وإن الوعود التي أعطاها الله له كانت كذلك لنسله ، وعندما صدر حكم الله عليه بالطرد من جنة عدن لحق ذلك الطرد نسله أيضاً ، إذ ولدوا على الأرض التي لعنت بسببه وسلط الموت عليهم كما تسلط عليه, وكذلك أوجاع الولادة التي كتبت على حواء قصاصاً كتبت على كل بنت من بناتها, وقد أدرك الفيلسوف أبو العلاء المعري هذه الحقائق فقال :

هذا جناه أبي عليّ -------- وما جنيت على أحد

 

منذ ما يقرب من الألفي سنة ارتفعت هذه الصرخة الداوية من فم الرسول بولس : وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ الخَطِيَّةِ. لِأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ.,, الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي ، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. لِأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الذِي أُرِيدُهُ ، بَلِ الشَّرَّ الذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. فَإِنْ كُنْتُ مَا لسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا ، بَلِ الخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ.,, فَإِنِّي أُسَرُّ بِنَامُوسِ اللّهِ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ البَاطِنِ. وَل كِنِّي أَرَى نَامُوساً آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي ، وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ الخَطِيَّةِ الكَائِنِ فِي أَعْضَائِي رومية 7 :14 23 ,

 

أجرة الخطية

 

يقول الكتاب الإلهي : لِأَنَّ أُجْرَةَ الخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ رومية 6 :23 يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ تكوين 2 :17 , وقد مات آدم وحواء الموت الروحي, وفقدا الشركة الروحية الجميلة المقدسة مع خالقهما المحب ولم يعد لهما ذلك الشوق المقدس إلى المثول في حضرته, وما أرهب ذلك الحكم القائل : يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ تكوين 2 :17 , وحينما تذكر آدم ذلك الحكم اختبأ مع امرأته عن وجه الله ، بسبب خطيته, هكذا قال الله في سفر إشعياء النبي : آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لَا يَسْمَعَ إشعياء 59 :2 ,

يعلمنا الكتاب أن الله كامل في صفاته ، ومن كمالاته العدل والصدق, وبما أن عدله وصدقه فعَّالان ، حكم على تعدي الإنسان بالموت عقاباً, بيد أنه كما أن لله عدلاً وصدقاً فعَّالان ، فله أيضاً محبة فعالة, محبة عجيبة ، لا تعرف الحدود في الصفح والغفران ، عبّر عنها بقوله : مَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ ، مِنْ أَجْلِ ذ لِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ إرميا 31 :3 , فهذه المحبة المتفاضلة جداً تدخلت لصالح الإنسان ، إذ قال تعالى اسمه : حَيٌّ أَنَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ ، إِنِّي لَا أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا حزقيال 33 :11 ,

قال المحامي الذائع الصيت سير برنتس في ختام دفاعه عن أحد المتهمين : قرأت في كتاب ما أن الله في مشورته الأزلية سأل العدالة والحق والمحبة ، هل أخلق الإنسان؟ فأجابت العدالة : كلا ، لأنه سيدوس جميع شرائعك وسننك ونظمك, وقال الحق : لا تصنعه ، لأنه سيكون قبيحاً وسيسعى وراء الباطل ، متكلماً بالكذب, حينئذ قالت المحبة ، أنا أعلم أنه سيكون هكذا, ولكني رغم شر الإنسان وفساده سأتولى أمره وسأسير به خلال الطريق المظلمة إلى أن أتي به إليك ,

لقد قلت سابقاً أن عهد الذبائح الكفارية رسم منذ أن كان الإنسان ، وهي كلها ترمز إلى حمل الله الذي يرفع خطية العالم يوحنا 1 :29 , نتعلم من أسفار الوحي أن ذبيحة الدم التي قدمها هابيل ، لم تكن إلا ظلا للفداء وعملاً يتفق مع فكر الله ، بل إنها من وحيه وإلهامه,

ونقرأ في الكتاب العزيز أنه حين نشفت مياه الطوفان خرج نوح ومن معه من الفلك, وأول عمل قام به هو بناء مذبح للرب وأصعد محرقات من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح فتنسم الرب رائحة الرضا تكوين 8 :20 21 ,

وكذلك الكبش الذي أعطاه الله لإبراهيم ليصعده محرقة عوضاً عن ابنه تكوين 22 :13 لم يكن إلا رمزا للفداء العظيم الذي أعده الله بذبيحة المسيح العتيدة,

وأيضاً خروف الفصح الذي أمر الله شعب إسرائيل بذبحه ورش دمه على أعتاب البيوت العليا وقوائمها ، لم يكن إلا رمزاً بارزالفصح العهد الجديد ، الذي ذُبح فيه حمل الله بدليل قول الرسول بولس : لِأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً المَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لِأَجْلِنَا. إِذا لنُعَيِّدْ ، لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ ، وَلَا بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالخُبْثِ ، بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلَاصِ وَالحَقِّ 1 كرونثوس 5 :7 8 ,

 

اختبارات شعب

لمس رجال الله في العهد القديم ضعف الإنسان وعدم كفاءة ناموس الفرائض لتطهير الخاطئ وتهدئة ضميره, وقد جاء في سفر العبرانيين أن القرابين والذبائح لا يمكن من جهة الضمير أن تكمل الإنسان عبرانيين 9 :9 , وفي كلمة أخرى أن الشريعة اللاوية في ما يتعلق بالذبائح لم تكن أكثر من ظل يشير لبركات العهد الجديد,

وقبلاً ارتفع صوت داود النبي إلى الله قائلاً : لِأَنَّكَ لَا تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلَّا فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لَا تَرْضَى مزمور 51 :16 ,

وجاء في إشعياء قول الله : لِمَاذَا لي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ؟ يَقُولُ الرَّبُّ اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ ، وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي ، مَنْ طَلَبَ هَذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دِيَارِي؟ لَا تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. البَخُورُ هُوَ مَكْرُهَةٌ لِي إشعياء 1 :11 13 ,

وقال في عاموس النبي : بَغَضْتُ ، كَرِهْتُ أَعْيَادَكُمْ ، وَلَسْتُ أَلْتَذُّ بِاعْتِكَافَاتِكُمْ. إِنِّي إِذَا قَدَّمْتُمْ لِي مُحْرَقَاتِكُمْ وَتَقْدِمَاتِكُمْ لَا أَرْتَضِي ، وَذَبَائِحَ السَّلَامَةِ مِنْ مُسَمَّنَاتِكُمْ لَا أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا. أَبْعِدْ عَنِّي ضَجَّةَ أَغَانِيكَ ، وَنَغْمَةَ رَبَابِكَ لَا أَسْمَعُ. وَلْيَجْرِ الحَقُّ كَالمِيَاهِ وَالبِرُّ كَنَهْرٍ دَائِمٍ عاموس 5 :21 24 ,

وخلاصة القول إننا حين نلقي نظرة متفحصة على تاريخ شعب إسرائيل ، نجد أنهم كانوا بقيادة موسى ويشوع بن نون يرجعون إلى الله على أساس الذبيحة, وحين تصل إلى عهد الملوك ، نجد أن الذبائح تشغل مركزها الممتاز, فهناك ترى ذبيحة المحرقة تقدم باستمرار ، بحيث لا تطفأ نارها أبداً ، وخصوصاً في عهد سليمان ، حيث كانت تقدم ربوات القرابين ، بحيث يمكننا القول إن تاريخ إسرائيل في طريق الطاعة قرابين وذبائح, ومع ذلك ما أشد النبرة التي وردت في سفر العبرانيين عن الفادي إذ قال : ذَبِيحَةً وَقُرْبَانا لمْ تُرِدْ ، وَل كِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَداً. بِمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ لَمْ تُسَرَّ. ثُمَّ قُلْتُ : هَئَنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ الكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي ، لِأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللّهُ,,,يَنْزِعُ الأَّوَلَ لِكَيْ يُثَبِّتَ الثَّانِيَ عبرانيين 10 :5 9 ,

فالروح القدس يؤكد لنا صراحة أن الله ما كان ممكناً أن يكفر عن الخاطئ بمجرد تقديمه ذبيحة حيوانية لو لم تكن هذه رمزاً إلى ذبيحة,

هَئَنَذَا أَجِيءُ لِأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللّهُ قال الكلمة المتجسد ، أي أنه لما توقف الرب عن الرضا بالذبائح الحيوانية لأن قداسته تتطلب ذبيحة أفضل وإيفاء أعظم عن الخطية ، حينئذ تقدم يسوع بذبيحة نفسه للتكفير عن خطايا الجنس البشري فصار القول : فَبِهذِهِ المَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ المَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً عبرانيين 10 :10 ,

والآن دعني أقف عند عدد من كلماتك التي تزعم أن في العقائد المسيحية كثيراً من التعاليم التي مصدرها وثني :

1 ديانة ميتراس الفارسية, وحسب زعمك : أن هذه الديانة جاءت إلى روما سنة 70 قبل الميلاد, وملخص هذه الديانة أن ميتراس كان وسيطاً بين الله والبشر,

ولكن يا سيد هل فاتك أن تعلم أن كلالديانات الوثنية تعتقد بأن معبوداتها تقربها إلى الله, وإن كان الأمر هكذا ، فأسألك أن تقرأ من القرآن الآية الثالثة من سورة الزمر حين يقول : وَالذِينَ ا تَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْإِلا ليُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى سورة الزمر 39 :3 ,

2 خرافة البعل, جاء في عدد من المعاجم التي قرأتها أن البعل إله كنعاني وهو زوج الإلهة بعلة ، أو عسيرة أو عشتاروت, وكان إله المزارع ورب الخصب في الحقول وفي الحيوانات, وقد أُولع أهل المشرق جداً بعبادة البعل حتى أنهم كانوا يضحون الذبائح البشرية على مذابحه, وكانو يختارون الأماكن المرتفعة كالجبال والتلال ذات المناظر الجميلة فيبنون عليها الأبنية الفاخرة المزخرفة ويكرسونها لهذا الصنم العظيم عندهم,

ويخبرنا الكتاب المقدس أن البعل صار معثرة لبني إسرائيل فكسروا وصايا الله بإدخالهم البعل بواسطة إيزابيل امرأة أخآب الملك 1 ملوك 18 :17 40 ,

وبالاختصار أقول إن عبادة البعل كانت عمومية بين أهالي المشرق في ذلك الزمن ، ولذلك ترى له أسماء عديدة ، لأن كل أمة كانت تسميه باسم يُعرف به عند قومها, وكان كل اسم من أسمائه يبتدئ غالباً بكلمة بعل ، وينتهي باسم ذلك البلد أو المدينة الموجودة هو فيها ، أو بشيء يُنسب إليه نحوه,

بعلزبوب ، أي إله الذبان ، وهو إله عقرون,

بعل فغور وقد عرف في لبنان باسم إله الشمس وقد بنيت له في مدينة بعلبك عدة هياكل أكبرها وأفخمها هيكل الشمس الذي بناه اليونانيون وكان يُعدَّ من عجائب الدنيا السبع,

بعل تامار ، أي إله النخيل أو التمر, ولعل هذا الصنم المصنوع من تمر النخيل كان معبود قبيلة عربية اسمها حذيفة ، وفي أحد السنين لم تعط أشجار النخيل عندهم ثماراً ولما عضهم الجوع أكلوا الصنم ، فقال فيهم أحد الشعراء :

 

أكلت حذيفة ربها

زمن التقشف والمجاعة

لم يحذروا من ربهم

سوء العقوبة والتباعة

بعل جاد ، أي معسكر البعل

بعل حاصور ، أي بعل الساعة

بعل حرمون ، أي بعل جبل حرمون

بعلزبول ، اسم كنعاني وهو إله الأقذار

بعل بريت ، اسم كنعاني وهو إله الأقذار

بعل شليشة ، ومعناه بعل الثل

بعل مراحيم ، ومعناه بعل الانفجارات

بعل هامون ، ومعناه إله الجمهور

والآن نطلب إليك وإلى الإمام أبي زهرة ، وأحمد شلبي ، أن تفيدونا أيا من هؤلاء البعليم ترشحون لمريديكم إن حياته أغرت المسيحية بتطبيقها على حياة يسوع,

نحن نتمسك بيسوع التاريخ الذي شهد له القرآن,

 الصفحة الرئيسية