إلى الأخ الحبيب والصديق العزيز أ, ا, ع

تحية دقيقة وبعد

سعدت جداً برسالتك الاجتهادية في دفاعك عن صحة الدين الإسلامي, وبالطبع يا صديقي سوف أعطيك كل اهتمامي في كل ما كتبته، وأني فخور جداً بصداقتك وأحيي فيك أسلوبك المهذب في الحوار واجتهادك الشاق في الدفاع عن صحة معتقدات دينك, سعدت قبل ما كتبته، وسوف أهتم بالتعقيب على رسالتك وأعلن وجهة نظري نحو كل ما حواها، وإن كنت منتظراً احتواء رسالتك على إجابات أسئلتي سواء التي طرحتها عليك خلال مناقشاتنا الودية، أو التي سطرتها لك، وظللت أنتظر إجاباتك دون جدوى حتى جاء يوم نقلك إلى مكان آخر، ولا زلت أذكر آخر كلمات قلتها لي: أخ محمد، أنت درست 19 سنة، لكن أنا لم أدرس بما فيه الكفاية، لكن أعدك أني سوف أدرس حتى أتمكن من الإجابة على كل أسئلتك ,

وطبعاً أنا أثق في وعدك يا صديقي, لكن ثق أنك لو درست بعناية وأعطيت إجابات منطقية يتقبلها العقل، فستكون قد بلغت بذلك مرفأ الحقيقة، وأدركت أن الإسلام لم ولن يكون أبداً من عند الله,

لقد ألغيت كل مصادر المعرفة وحصرت المعرفة داخل الكعبة فقط، وكأن الكعبة هي كل العالم، وهي وحدها التي أتى منها التصاعد الفكري، وبداخلها فقط تتجمع وتنحصر كل القوى الطبيعية, بالطبع فأنت تقصد تلك الكعبة الموجودة في مكة، ذلك البناء الحجري المربع الشكل ويرقد في زواياه اليمنى - الحجر الأسود - والذي يكسوه رداءاً أسود اللون لتغطيته لحجب كوامن قوته عن البشر,

هذا كلام طريف قد يكون دعابة - لكنه لا يمس للواقع المعروف بأدنى صلة، لأن هذا البناء الحجري من مخلفات الوثنية وعبادة الأحجار والأصنام، شيء بمثل هذه الصفات لا يعقل أن يكون مبعثاً للتصاعد الفكري في الكون، بل على العكس من ذلك، كانت الكعبة ولم تزل مبعثاً للتخلف الفكري والحضاري, فما هو حجر أبكم وأصم تطوف من حوله الناس وتتمسح به، وتلثمه! فأي رمز ديني يحمله، وأية علاقة لله بهذه الأصنام؟ هل تدعو الوثنية الصنمية فكراً تصاعدياً؟ إذن فالعبادة التوحيدية لله ماذا تكون؟ تدّعي أن هذا البناء الحجري يحوي كوامن القوى، فهل عجزت يا ترى هذه القوى المزعومة عن حماية الكعبة من الهدم والحرق؟ كم من مرات يتم هدم الكعبة وإعادة بنائها؟ الذي فعل ذلك هو الإنسان وليس الله، فالذين هدموا الكعبة بشر، والذين يعيدون بناءها بشر, وقد ظلت الكعبة منذ نشأتها تحت رعاية الوثنيين وعلى مدى قرون طويلة حتى ظهر الإسلام وتولى رعايتها امتداداً لعصر الوثنية، وأبقى على كل شعائر الطواف من حولها كما كان يفعل الوثنيون لأنه مشورع تجاري رابح، وليس بيتاً لله، لان الله لا يسكن في بيوت تُصنع بأيدي الناس, الله لا يحتاج بيتاً له، فهو روح يملأ العالمين، وقد كان العرب أذكياء في بناء هذا البيت الحجري والادعاء بأنه بيت الله الحرام ليأتي الحجاج من مختلف الأصقاع، وتنشط الحركة التجارية وكلها منافع دنيوية ليس لها أدنى صلة بالدين أو العبادة الحقيقية لله، فالله ليس موجوداً في الكعبة فقط، بل في كل مكان، وأما الادعاء بأن سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل - من جاريته - هاجر، هما اللذان قاما ببناء هذا البيت، وأن العرب والنبي هم أبناء إسماعيل، فهذه محض افتراءات ليس لها أدنى أساس من الصحة بحسب كل المراجع التاريخية، لأن العرب كانوا موجودين قبل إبراهيم وإسماعيل، مما يؤكد بطلان مزاعم المسلمين العرب أنهم أبناء إسماعيل, وتقول المصادر الإسلامية:

قيل إن جميع المسلمين العرب ينتسبون إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام,

والصحيح المشهور أن العرب قبل إسماعيل,, فهم عاد وثمود وكسم وجديس وأميم وجرهم والعمالقة، وأمم آخرون لا يعلمهم إلا الله كانواقبل الخليل - إبراهيم - عليه السلام وفي زمانه أيضاً ,

وأقدم قبيلة عربية معروفة كانت تتولى الإشراف على الكعبة هي قبيلة جرهم حتى تمكنت قبيلة خزاعة من نزول المكان وطرد الجرهميين وإقامتهم مكانهم , وتزوج قصي بن كلاب زعيم قبيلة - قريش - من ابنة جليل بن حبشية الخزاعي زعيم خزاعة الذي استولى على الكعبة من الجرهميين وصار يملك مفاتيح الكعبة، وأوصى قبل موته بولاية الكعبة لزوج ابنته قصي بن كلاب، ودخل في صراع مع قبيلة خزاعة حتى انتصر في النهاية، وجمع قبائل قريش التي ينتسب إليها نبي الإسلام محمد، وجعل قصي بني قريش يسكنون في مكة بعدما كانوا مشردين في الشعاب ورؤوس الجبال فقسم منازلهم فسمى (مجمعاً) وفيهم يقول الشاعر:

أبوكم قصي كان يدعى مجمعاً به جمع القبائل من فهر

وبدأ بذلك نجم قريش في الارتفاع, وقام قصي بتجميعها وأسكنها مكة، وهو أول من أعز قريش وظهر به فخرها ومجدها 90 ,

وقصي هذا هو الجد الخامس لمحمد، والرابع لورقة بن نوفل 91 بن الأسد بن عبد العزى, إن قصي ومحمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي,, ولا يوجد نسب معروف لمحمد سوى قصي بن كلاب وهو دخيل على مكة ولا يمت بأدنى صلة لإسماعيل، وقد قام قصي بهدم الكعبة وإعادة بنيانها بناء لم يبنه أحد ,

فأين هي صلة إبراهيم بالكعبة أو بقصي جد محمد؟ بل أين هي قبيلة محمد - قريش - من بقية القبائل العربية الأصيلة مثل جرهم وخزاعة؟

وهذه الكعبة التي تدّعي أنها مبعث الفكر التصاعدي أمر خليفة المسلمين بحرقها وهدمها ,

إن كعبة اليوم هي ذات كعبة الأمس حيث كان يطوف حولها الوثنيون العرب، ويؤَدّون ويقومون بكل شعائر الحج والطواف التي يقوم بها مسلمو اليوم، فما هو الجديد في الأمر؟ لا جديد, مجرد امتداد للوثنية القديمة ليس أكثر، نقلها الإسلام كما هي وادعى أنها وحي منزل من السماء رغم وجودها قبل الإسلام بمئات السنين! نعم كانت موجودة قبل هذا الوحي بقرون طويلة، لكن أخذها الإسلام كما أخذ عن العرب الأقدمين سائر عاداتهم وادعى أنه وحي تشريع إسلامي بينما هي عادات الأقدمين، نذكر منها عادة الطلاق وتعدد الزواج:

عرفت الأسرة العربية فيما قبل الإسلام - تعدد الزواج والطلاق ,

هذا البناء الحجري الذي تحصر فيه التصاعد الكفري والقوى الأربع الكونية كان مرتعاً خصباً للوثنية والأصنام حيث مملكة الشيطان وجنوده، والرداء الذي يغطيها وتدعي أنه ليحجب القوة عن البشر، هذا الرداء كان يرسل إلى الكعبة - كصدقة 0 وتعرّض للحريق مرات كثيرة, فأي بيت هذا الذي تتحدث عنه وتضفي عليه من الصفات الأسطورية ليبدو مقدساً وهو كان عبثاً للعابثين ,

بل هل تعلم يا صديقي أن مكة التي تحتوي على الكعبة كان يقدسها الهنود الوثنيون القدامي، وكانوا يطلقون عليها (موكشاشانا) أي بيت الله! إنه نفس بيت الله الذي كان عند الوثنيين العرب، ثم بيت الله عند مسلمي اليوم، امتداد وثني عبر القرون, والله لا يسكن في بيوت من حجارة, فهذا فكر وثني متخلف ولا يتفق مع ألوهية الله، وسيدنا إبراهيم بريء تماماً من بناء هذا البيت الشيطاني الذي تطوف حوله نماذج من البشر بلا معنى وبلا هدف روحي، مجرد عادات وثنية بالية اندثرت من العالم المتقدم، وبقيت أسيرة مكة، ولم يزل لها روّاد يأتون إليها من كل فج عميق - بحسب التعبيرات الإسلامية، ويظنون أنهم بهذا الحج والطواف يغفر الله لهم ذنوبهم وآثامهم, إبراهيم بريء تماماً من الكعبة وليست له أية صلة بالمسلمين، وأقدم المصادر التاريخية التي تكلمت عن أصول العرب لا تذكر أدنى علاقة لإبراهيم بالعرب والمسلمين وتنفي ذهابه إلى مكة من الأساس ، مثل - السجلات الأشورية - التي ترجع إلى عهد شلمنصر الثالث - 858 - 834 ق, م - ولا بالسجلات البابلية التي ترجع إلى عهد - نابونيد 555 - 539 ق, م - ولا في بقية السجلات الأخرى القديمة، ولا الكتب الدينية التاريخية ولا سيما - الكتاب المقدس - أقدم كتاب ديني في الوجود - وهو عمدة كل الكتب الدينية الصحيحة ومرجعها الأوحد، والموجود قبل ظهور الإسلام بمئات السنين,

بل أول مصدر عربي يستخدم لفظ العرب للدلالة على الجنس العربي هو القرآن , مما يدل على شمول هذه التسمية وجودها قبل الإسلام - وإن كان من الصعب علينا تحديد التاريخ الذي بدأ فيه استخدام هذه الكلمة للدلالة على الجنس العربي الخ ,

أي لا يوجد مصدر عربي واحد - قبل القرآن - يشير إلى التاريخ الحقيقي للعرب، وبالتالي مدى علاقتهم بإبراهيم، وكما هو معروف فالقرآن أحدث كتاب ديني، وعمره لا يتعدى 1500 عام فقط، بعد التوراة بعشرات القرون، وبعد الإنجيل بخمسة قرون، والقرآن لم يكن كتاباً بالمعنى المعروف للكتاب، بل كان مجرد كلمات مبعثرة يحفظها الناس، وقيلت هذه الكلمات على مدى 23 سنة كاملة! منذ بداية الدعوة بمكة حتى هجرة النبي للمدينة بعد مضي 14 سنة من بدء الدعوة، حتى موته في العام الحادي عشر لهجرته عن عمر يناهز ثلاثة وستين عاماً, فإذا كانت أول كلمات القرآن يرددها النبي وعمره 40 سنة فيتضح من ذلك أن عمر هذه الكلمات 23 سنة، قيلت للناس شفاهاً يعتمد على الحفظ في الصدور ولم يظهر القرآن الحالي في شكل كتاب - المصحف - إلا في عهد عثمان بن عفان ثالث الخلفاء، أي بعد مضي 48 سنة من قيل هذه الكلمات، وتم تجميعه من صدور الناس - وكان عدد كبير من حفظة القرآن قد ماتوا سواء في الحروب أو بعامل السن واستطاع عثمان بما حصل عليه - طبخ مصحفه - فجاء مبتوراً ومشوهاً, ينقصه التنسيق ليتماشى مع مجريات الأحداث التي يرويها، ويلزمه تصحيح الأخطاء التي احتواها, كتاب مثل هذا لا يعتد به ولا سيما في تحقيق أحداث سابقة عنه بعشرات القرون، وحتى لو فرضنا أن العرب هم من نسل إسماعيل، فما هو إسماعيل وما يكون؟ مجرد إنسان وحشي يده على كل أحد، ولم يتميز بشيء عن بقية الناس سوى أنه ابن جارية سيدتنا سارة زوجة إبراهيم الشرعية الحرة,,, ومعلوم أن ابن الجارية لا يرث مع ابن الحرة، فمن الحرة جاء سيدنا اسحق ابن الموعد الإلهي، الذي جاء من نسله الأنبياء العظام مثل سيدنا يعقوب وسيدنا يوسف، وسيدنا موسى، وسيدنا داود، وسليمان وجاء المسيح بحسب الجسد، تكريماً وتعظيماً لنسل اسحق, أما إسماعيل فلم يؤت من الكرامة أدنى نصيب,, ولم يحظ نسله بأي مجد، ولم يكن لهم دور في حياة البشر ولم تكن لهم رسالة أو نبوة أو كتاب كما كان جدهم إسماعيل - الذي جاء من نسله بنايوت، وقيدار، ومبسام، ومشماع، ودومة، ومسا، وحدار، وتيما، ويطور ونافيش وقدمة الخ، كل هؤلاء بشر عاديون لا يعرفهم أحد ولم يكن لهم أدنى دور تجاه الدين، بل على العكس كانوا من عباد الأصنام,, وحتى القرآن يعطي كل المجد لإسحق وليس لإسماعيل، ويقول أن من ذرية إسحق أهل النبوة وأهل الكتاب:

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ويَعْقُوبَ (أين ذكر إسماعيل) وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُُّبُّوَةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ,

وقوله أيضاً:

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ (ولا ذكر هنا لإسماعيل) نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ ,

وقوله أيضاً:

وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ,

وهو حديث موجه ليوسف، ويقول أيضاً مؤكداً عدم وضع إسماعيل في أصحاب النبوة:

وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ,

وتمتع يعقوب بن اسحق ونسله بمزايا ثمينة لا تُقدر، إذ يقول:

وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (يعقوب) الكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُّوَةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العَالَمِينَ,

وقوله أيضاً:

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ا ذْكُرُوا نِعْمَتِيَ التِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ (103), وتجد هذا القول مكرراً أيضاً في نفس السورة (104),

وهكذا أخذ بنو إسرائيل - اسحق ويعقوب - كل المجد وكل البركة من الله باعتراف القرآن ذاته، بينما لم يأخذ إسماعيل وبنوه أي مجد، ولم يكن له أي نصيب من القداسة، ونسل إسماعيل لم يأت من امرأة عربية بل من امرأة مصرية، وعاش هو وأمه هاجر في بئر سبع ولم يذهبا إلى الكعبة، ولو افترضنا جزافاً أنه ذهب إلى الكعبة، وهناك أصبح أباً للعرب، ثم جداً لمحمد، لنفترض حدوث ذلك جدلاً، فأي شرف يحمله إسماعيل؟ لا شيء بالمرة، لا شيء أكثر من كونه ابن جارية، ولم يكن مؤيداً بأي رسالة سماوية، ولم يكن نبياً، وكانت حياته وحشية ولم يؤت من المجد نصيب وهو ليس مدعاة للفخر أن ينتسب إليه أحد، ورغم ذلك فهو لم يذهب إلى الكعبة كما يدعي الإسلام، لذلك يرفض العقل تصديق أن يكون البناء الحجري المسمى بالكعبة هو بيت الله الذي بناه إبراهيم بمساعدة إسماعيل، فهي أسطورية وثنية لا تمس للدين الحقيقي بأدنى صلة,

والعجيب أنكم صرحتم بأن الخلاف في العقائد مرجعه إلى القوة الآتية من الكعبة التي تمثل العلم والنور والقوة الثانية هي من الوثنية وعلم العالم وتمثل الجهل والظلام، وإجابتي ببساطة شديدة هي عكس قولك تماماً، فالعلم والنور والمدنية والإيمان الحقيقي بالله هم خارج الكعبة وليس داخلها، تراهم في الهيئات الإنسانية العملاقة التي تمد يد العون والرحمة لجميع المقهورين في الأرض من بينهم الشعوب الإسلامية، وهذه الهيئات قامت على الإيمان الواقعي بوجود إله ينادي بالرحمة والمحبة بين البشر، وهؤلاء قاموا بترجمة إيمانهم إلى واقع حي ملموس يفيد البشر,, كل البشر,, وليس مجرد إيمان دعائي يحث على العداء والضغائن لأصحاب الديانات الأخرى، وليس إيماناً عاطلاً متكاسلاً متراخياً له شكل ومظاهر التدين وهو بعيد عن جوهر سماحة الدين,

الصفحة الرئيسية