قلنا أن أديرة الرهبان كانت منتشرة في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وحتى وقت ظهوره في بداية الدعوة الإسلامية وطوال العهد المكي وهو دام 13 سنة حيث كان الإسلام حتى ذلك الوقت لم يكن قد ابتدع القتال للمخالفين، وكان يعتمد على الجدال بالتي هي أحسن، ويعتمد على الموعظة الحسنة وهو العهد المسيحي المكي قبل هجرة النبي إلى المدينة، فكان طوال عهده المكي يتبع المسيحية بحسب ملة هراطقة المسيحيين مثل الأبيونية والأريوسية والنسطورية، وكان هؤلاء الهراطقة قد خرجوا عن صفوف الإيمان المسيحي المستقيم، ولما لم تجد بدعتهم قبولاً من عموم المسيحيين وفدوا على الجزيرة العربية واستوطنوا بها، وعنهم أخذ الإسلام الكثير من عقائدهم الهرطوقية، ظناً منه أنهم يمثلون المسيحية الحقة وهم ما كانوا إلا خوارجها وكان أحد الرهبان الذي التقى بهم محمد يُدعى نسطور!! وهو اسم لا يرحب به أي مسيحي صحيح الإيمان، بل بالحري يرحب به من كان يتبع مبتدع النسطورية الراهب نسطور,
وتمدنا كتب السيرة النبوية، وكتب المؤرخين المسلمين بالكثير من علاقات النبي برهبان هؤلاء النصارى، ولهذه العلاقات قصص شيقة ومثيرة ويكتنفها الغموض، بدءاً بقصته مع بحيرا الراهب ، مروراً بقصته المدهشة مع ورقة بن نوفل وهي من أهم قصصه مع رجال الدين النصارى على الإطلاق، لا سيما لو عرفنا ما الذي صنعه ورقة بن نوفل مع محمد ومن ثمة الإسلام ذاته، ولو عرفنا أيضاً من هو ورقة وما هي صلته بالنبي وبالوحي، إنه ورقة بن نوفل ابن أسد ابن عبد العزى ابن قصي سيد قبيلة قريش، وأول من أعزها، وكان يتولى العناية بالكعبة وهو جد النبي، أي أن ورقة والنبي جدهم واحد وهو قصي، ويعتبر ورقة بن نوفل أول شخص يهجر الوثن ويؤمن بوجود الله من عائلة قصي، فلم يكن وثنياً مثل بقية عائلات قصي بما فيهم عائلة النبي! الذي كان جده وثنياً وهو عبد المطلب، وكذلك أعمامه ووالديه وكل أقاربه، وإذا كان المسلمون يتباهون بنسب محمد وأن قصي بن كلاب هو جده، فيعتبر ورقة ابن نوفل أرفع منه نسباً لأنه الأقرب إلى قصي بن كلاب من قرابة محمد إليه فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بينما ورقة يتقدم عنه في النسب ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي بن قصي أي أن قصي هو الجد الرابع لورقة، بينما هو الجد الخامس لمحمد,
وكان ورقة أول من سخر من عبادة الأوثان، وأول من أنكر الطواف حول حجر الكعبة وقال:
ما حجر نطيف به ولا يسمع ولا يبصر ولا ينفع؟,
أصبت يا ورقة، فما هو حجر الكعبة الأصم والأبكم والأعمى والذي لا ينفع شيئاً بل ويضر؟ للأسف يا روقة فما زال أبناء قومك يطوفون بهذا الحجر,
وبعد ذلك صار ورقة مسيحياً، ثم علماً من علماء المسيحية العرب فتقول المصادر الإسلامية:
فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية وأتبع الكتب من أهلها حتى صار علماً من علماء أهل الكتاب ,
وتقول أيضاً:
كان ورقة يكتب الكتاب العربي! ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب ,
بل وقال النبي عنه:
رأيت القس ورقة في الجنة عليه ثياب خضر ,
هذه المكانة الرفيعة التي بلغها القس ورقة أسقف مكة العالم والذي يترجم من الإنجيل إلى العربية، جعلت بعض المسلمين الجدد يهذي ويقول,
ورقة لم يدع إلى النصرانية في يوم من الأيام !
أليست هذه نكتة مبكية؟! ومضحكة في آن واحد؟! إنه يقول ذلك على عالم من علماء الإنجيل وأول من قام بترجمة الإنجيل داخل مكة، وهو القس، رغم كل ذلك لم يدع إلى النصرانية في يوم من الأيام! أإلى هذا الحد بلغ السخف بالعقول؟؟ وقلب الحقائق وتزييف التاريخ؟ إن هذا الكاتب بمقولته الخطيرة هذه يلغي كل أحاديث النبي ويلغي كل المراجع الإسلامية من بينها كتب السيرة، كل هذا لكي يوهم نفسه والمسلمين أن ورقة لم يكن مسيحياً حتى يبعد شبهة علاقة ورقة بالوحي؟
وللأسف مؤلف هذا الكتاب الذي امتلأ بهذه المغالطات هو دكتور! المفروض أنه حاصل على مؤهل مرموق لكن إذا كان هذا حال علماء المسلمين فكم وكم يكون حال عامة المسلمين؟ إنه السيد الدكتور عويد بن عايد الحيلي، وكتابه هو (ورقة بن نوفل في بطنان الجنة) وهو من إصدار رابطة العالم الإسلامي، وهي في غنى عن التعريف في تبنيها لمثل هذه النوعية من الكتب التي يشرف عليها مكتب الإرشاد الديني ومناهضة الأفكار الهدامة التابع للرابطة والأفكار الهدامة هي كتب المسيحيين! ويتولى هذا المكتب الرد على هذه الكتب بعدما يدفع بسخاء لبعض الكتّاب الموتورين الحاقدين على المسيحية، وللأسف قد كنت من أحد هؤلاء في فترة سوداء من عمري، وكنت أعدّ كتاباً مثل هذه النوعية من الكتب الرديئة - لقاء مبلغ معلوم,
ونعود إلى ورقة الذي كان يطمح في تنصير أهل مكة، ووقع اختياره على محمد ليقوم بهذه المهمة! وقام بإعداده لذلك، وتمدنا المصادر الإسلامية أن محمداً كان يتعبد داخل مغارة كما يفعل الرهبان المسيحيون حتى اليوم وهذه المغارة هي غار حراء 238 ولكن كان محمد فقيراً معدماً، وكان لا بد لورقة ابن نوفل أن يؤمن لتلميذه معيشة كريمة وسهلة وأن يوفر له فرصة عمل، فهو متعطل عن العمل ويعيش عالة على عمه أبي طالب, وفكر ورقة في إيجاد حلٍّ لمشكلة تلميذه محمد المالية، وهداه تفكيره إلى السيدة خديجة بنت خويلد الأسدية، فهي ابنة عمه، ومسيحية مثله، شأنها شأن بقية بني أسد، وثرية جداً، ولديها تجارة واسعة، وتستأجر الرجال لتجارتها، وكانت على حظ من الجمال، وسبق لها الزواج من قبل أكثر من مرة، واختبرت الرجال، لكنها الآن صارت أرملة، في أواخر الثلاثينات من عمرها، ومحمد شاب صغير يمتلئ حيوية وفتوة، فضلاً عن كونه فقيراً معدماً لا يملك نفقات زواجه من أي فتاة صغيرة تناسب عمره، كل هذا كان يدور في ذهن ورقة، وعرض مشروعه بتلمذة محمد على ابنة أخيه خديجة، وكان ورقة محل احترامها وتقديرها، فهو في مقام والدها، ثم هو الزعيم الروحي لمسيحيي مكة بما ناله من علم، وخديجة مسيحية وكل أسرتها كذلك، ولا بد أن تطيع أباها الروحي, وبالفعل قامت على الفور بإلحاق محمد في العمل لديها، فكان يسافر في تجارتها إلى الشام فيرسل معه ورقة توصية لرهبان الشام من تلامذته ليقابلوا محمداً ليتلقى منهم العلم المسيحي خلال تواجده بالشام، فكان يواصل لقاءاته مع هؤلاء الرهبان ويتلقى منهم العلم، وكان يصل ذلك إلى مسامع خديجة فتفرح وتسر ولم لا؟ فهي مسيحية ويسعدها أن يتحول إنسان من شرك ووثنية الجاهلية إلى المسيحية حيث الإيمان بالله، ثم جاءت الخطوة التالية وهي قبولها الزواج منه، وكان هذا الزواج صفقة مربحة لكليهما، وإن كان محمد ربح أكثر من وراء هذا الزواج، فلقد أمن مستقبله ولم يعد شريداً مفلساً، بل صار غنياً يقول القرآن في ذلك:
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ,
وبعدأن صار محمد غيناً بسبب زواجه من خديجة، طالبه معلمه ورقة بتنفيذ باقي الاتفاق بينهما، وهو الإعداد المسيحي له حتى يقود شعب مكة إلى المسيحية وبذلك تتحول آخر قلاع الوثنية في الجزيرة بعدما تحول الجنوب والشمال وصارا مسيحيين، وحتى ينجح محمد في ذلك لا بد أن يتلقى المزيد من العلم؟ ولا سيما وزواجه من خديجة أمن له معيشته، ثم أن السيدة خديجة تشجعه على ذلك التعبد للإعداد للمهمة العتيد أن يقوم بها، ولم لا أليست هي شريكة ابن عمها ورقة في الاتفاق السري بينهما بخصوص محمد؟ يقول السيد محمد موسى رمضان:
لقد تفرست خديجة في محمد الخير، وتفرست فيه المستقبل الوضيء وتفرست فيه جلائل الأعمال وتفرست فيه أحداثاً جساماً يكون فيها سيداً وقائداً وعظيماً, فأحبت أن تشارك هذا الفتى القرشي في كل ذلك وكان لها ما أرادت فتزوجت منه وأحاطته بكل ما لديها من حنان ورقة ورعاية، وهيأت له كل أسباب السعادة والطمأنينة، وشجعته بأخلاقها الرفيعة وسلوكها النبيل على التعبد والتبتل والتفكير في خلق الله ,
وتقول المصادر الإسلامية:
وقد لعبت السيد خديجة دوراً كبيراً في حياة النبي، فالاستقرار المادي هيأ للنبي الظروف الملائمة للتأمل والتعبد في غار حراء حتى إذا تلقى الدعوة كانت أول من آمن به ؟ ,
كان محمد حينما عرف خديجة شاباً صغيراً لم يتعد الخامسة والعشرين من عمره، وقد تقدم في تلقي العلم الديني على يد أستاذه وصاحب الفضل عليه سواء في عمله لدى خديجة أو سواء زواجه منها، وقد اهتم ورقة بتعليم تلميذه الواعد محمد اهتماماً كبيراً ولم تمض سوى عشرة سنوات من إعداده إعداداً مسيحياً حتى صار متشبعاً بهذه التعاليم، وانعكس ذلك على سلوكه العام، مما جعل أهل مكة يطلقون عليه - الصادق الأمين - وهكذا كان متأثراً بتعاليم المسيحية الرفيعة، مما جعله يتمتع بمكانة طيبة داخل مكة وكان حتى هذا الوقت فخر شباب قريش، وعندما شرع القرشيون من هدم الكعبة لإعادة بنائها بشكل جيد، اختلفوا فمن يكون له شرف وضع الحجر الأسود مكانه، وكاد ان تحدث بينهم حرب لكنهم اتفقوا على أن يتقبلوا حكماً بينهم من أول شخص يتصادف دخوله الكعبة، فكان محمد, فقالوا:
هذا الأمين، رضينا، هذا محمد ,
ووجدها ورقة فرصة ذهبية ليشيع في الجزيرة كلها بواسطة تلاميذه الرهبان عن قرب ظهور نبي جديد، فانتشر هذا الخبر حتى صار معروفاً وسط كل العرب ولم يعد أمام ورقة شيئاً يفعله سوى البدء في إظهار تلميذه، وتدبير مسألة الوحي، وقد لجأ في ذلك إلى الحيلة,, فكان يختبئ من محمد داخل غار حراء التي شهدت فترة إعداده الطويل فيها، وكان يصدر أصواتاً غريبة كأن يتكلم باللغة العبرانية التي لا يعرفها محمد، ثم يتبع ذلك كلاماً باللغة العربية الفصحى وكان ضليعاً أيضاً فيها ليوحي إلى النبي أنه يتلقى كلمات وحياً منزلاً من السماء، ولأنّ ورقة عالمٌ بالكتاب ويعرف تماماً طرق تنزيل لاوحي، فلقد أراد أن يحدث للنبي، ما سبق حدوثه عندما أنزل الله الوحي على صموئيل النبي، مع تعديل طفيف، فبينما خاف صموئيل وقص ما حدث له إلى عالي الكاهن، خاف محمد وأسرع إلى خديجة التي كانت على علم مسبق بحدوث هذا الأمر بعدما أخبرها به روقة، وطالبها بتصديق محمد ثم اصطحابه إليه ليؤكد له صدق هذا الوحي المزعوم! وبالفعل نجحت هذه الخطة الجهنمية وأتت بنتائج مبهرة لم يكن يتوقعها ورقة وخديجة فلقد هرع محمد إلى زوجته خديجة خائفاً مرتعداً وقص عليها ما سمعه في غار حراء فقالت له بدهاء:
أبشر يا ابن عم، فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة؟ ,
لقد طال انتظارها لهذه اللحظة، وهي ترجو أن يكون نبي هذه الأمة؟ ولأن أفضل شيء لتلين وتشكيل الحديد أن يطرق عليه وهو ساخن فلقد انتهزت شدة انفعال النبي وأسرعت به إلى ورقة كما كان الإتفاق المسبق بينهما، ومجرد أن رآهما ورقة حتى قال:
قدوس قدوس والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة؟! لقد جاءه الناموس الأكبر! الذي كان يأتي موسى !! وأنه لنبي هذه الأمة ,
ويروي ابن سيد الناس جانباً طويلاً عن هذه المقابلة، نوجزها بالآتي:
فانطلقت خديجة بمحمد حتى أتت به إلى ورقة بن نوفل وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان أمرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً كبيراً فقالت له خديجة أي عم اسمع من محمد ابن أخيك! قال ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره محمد ما رأى فقال ورقة:
هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني أكون حياً حين يخرجك قومك، قال محمد: أو مخرجي هم؟!
قال ورقة: نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً؟
ماذا يا ترى يملك هذا الشيخ الطاعن في السن أن ينصر تلميذه محمد؟ إنه ليس من حاملي السلاح، كلا إن لديه أمضى سلاح، لديه الكتاب العربي، لديه الإنجيل العبراني، لديه الوحي، وما أدراك ما هو الوحي؟
واستمر وحي ورقة يلقيه على محمد، ويؤيده ويناصره ويدافع عنه أمام حجج سائليه ممن يبغون إحراجه بالأسئلة المعجزة، حتى عندما حاولت قريش إحراج محمد بإلقاء عليه بعض أسئلتها الصعبة يتدخل وحي ورقة بالإجابة عما يصعب على النبي الإجابة الفورية عليه، ويذكر المؤرخون المسلمون أنه في إحدى المرات ارتبك النبي أمام سائليه ولم يتمكن النبي من الإجابة مباشرة على أسئلتهم مما أفرح قريش، لكن الله سبحانه وتعالى - لعله يقصد ورقة - أوحى إليه بعد مدة ,
والواقع أن محمداً ذهب إلى أستاذه ورقة وأخبره عن أسئلة سائليه العسيرة، وبالطبع قام ورقة بالمطلوب، فأوحى إلى النبي بالأجابات المناسبة، ورد اعتباره أمام قريش التي شمتت فيه لعجزه السابق عن الإجابة، والفضل يعود إلى مؤازرة ورقة للنبي، تلك المؤازرة التي بدأت منذ أكثر من 15 سنة مضت، قام خلالها بالتوسط له لدى خديجة ابنة أخيه في إلحاقه لديها بتجارتها، ثم بزواجه منها، وبالطبع كان زواج محمد على خديجة هو زواجاً مسيحياً بدليل أنه بقي معها 15 سنة كاملة بدون ما يتزوج عليها أو يطلقها، ويؤكد رأينا ما يقوله مؤلفي كتاب التاريخ الإسلامي وبقية المصادر الإسلامية الأخرى:
عاش محمد مع السيدة خديجة 15 سنة على أتم وفاق، فلم يفكر في الزواج بغيرها حتى ماتت,
15 سنة كاملة عاشها محمد مع زوجته خديجة ولم يرتبط بغيرها طوال كل هذه السنوات وهو الذي تزوج بعد وفاتها بالكثيرات؟؟ وكان ضعيفاً جداً أمام النساء، حتى قيل عن نفسه - حبب إليّ النساء - ولم يكن يحتمل أن يمضي عليه سنة واحدة بدون أن يتزوج امرأة جديدة، فضلاً على مضاجعته مع ملكات إيمانه، وأي امرأة تدعوه لفراشها، رغم ذلك - بقي معتزاً جداً بذكرى خديجة لأنها كانت زوجته الشرعية الوحيدة، وتفوقت مكانتها على سائر أزواحه بما فيهم عائشة المقربة إليه، فكم من مرة يتشاجر معها بسبب غيرتها العمياء من خديجة رغم موتها!؟ وحدث أنها تفوهت بكلام قبيح في حق خديجة:
فقالت للنبي: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر الأول وأبدلك الله خيراً منها، فأجابها النبي محتداً:
دفاع محمد القوي عن زوجته المسيحية وبيان عظمتها وانفرادها عن بقية زوجاته:
والله ما أَدلني الله خيراً منها:
آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبتني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء ,
هكذا كانت خديجة تحمل هذه المكانة الفريدة، وما يحمله ذلك من دلائل عن مرحلة وجودها في حياة النبي، وهي أعظم مراحل عمره، يوم أن كان يعيش كأي مسيحي مكتفياً بزوجة واحدة ويدعو الناس إلى عبادة الله بالموعظة الحسنة، حتى ماتت خديجة, ومات ورقة، وتغير مسار الدعوة من السلم إلى السيف، ومن الوعظ إلى الذبح، وتدهورت سلوكيات النبي حتى رأيناه يطلق العنان لشهواته بدون أدنى تمييز أو استبصار حتى أنه ارتضى وسمح ضميره بأن يعاشر طفلة صغيرة معاشرة الأزواج، فعندما تزوج من عائشة كانت في العاشرة من عمرها! وتزوج ثاني وثالثة ورابعة وخامسة حتى عندما مات كان في عصمته تسع زوجات بخلاف معاشرته ما ملكت يمينه مما أفاء الله عليه! وهي تسمية مهذبة للسبايا من نسوة الشعوب المغلوبة ويصبحن جاريات ويبعن في سوق الرقيق في انتهاك صارخ لآدميتهن، فضلاً على معاشراته - بالهبة - أي أن أي امرأة لو دعته لمعاشرتها فإن أراد فليعاشرها بشرط واحد فقط وهو أن تكون مؤمنة!
15 سنة كاملة يقضيها محمد مع زوجة واحدة، لا يطلقها ولا يتزوج عليها، طبقاً للشريعة المسيحية، حينما كان محمد مسيحياً متتلمذاً على يدي أستاذه ورقة لكن الآن لم يعد محمد مسيحياً، بموت ورقة وخديجة وانتهى العهد المكي بمسالمته وتقواه، وجاء العهد المدني حيث تأسس ما يُسمى بالدولة الإسلامية وسيفها، وكانت المرحلة الانتقالية وهي من أصعب المراحل الحرجة التي واجهت النبي، ولا سيما بعد موت ورقة الذي كان مصدر الوحي لمحمد، تقول الأحاديث:
وما أن مات ورقة حتى فتر الوحي ؟
وظل مقطوعاً فترة طويلة مما جعل النبي يبحث عن مصادر ثانية لوحيه ولم يكن الأمر صعباً، فالجزيرة تعج بالكثيرين ممن يعطون الوحي، أناس من مختلف الملل والاتجاهات، يهود، نصارى، حنفاء، صابئين، زرادشتين، عبدة أصنام، وتعددت مصادر الوحي فجاء القرآن مشوهاً، ممسوخاً مليئاً بالمغالطات والمتناقضات الصارخة فظهرت بدعة الناسخ والمنسوخ ليبرر متناقضاته، واختلطت الأمور ببعضها المكي داخل المدني، والمدني داخل المكي، وأول الوحي في آخر القرآن وآخر الوحي في أول القرآن، والباقي تم توزيعه بدون تنسيق عقول أغلبية المسلمين، فلا يسألون ولا يهتمون، بل وكثيرين منهم لا يعرفون ما هو التنزيل المكي وما هو التنزيل المدني ولا ما هو الناسخ والمنسوخ، ولا يعرفون ترتيب التنزيل ولا كيفية جمع القرآن ولا يسمح لهم بدراسات نقدية حوله خشية اكتشاف زيفه، ويوجد سيفٌ مسلطٌ على عنق أي مسلم يطعن في صحة القرآن فهذا مرتدٌ والمرتد يُقتل,
وبعد هذا العرض يتضح أن المسيحية بلغت العرب، واعتنقها سكان الجنوب والشمال ووصلت إلى وسط الجزيرة - وتوغلت داخل النبي عن طريق ورقة، مما ينفي ادعاء حاجة العرب إلى دين جديد بكتاب عربي ونبي عربي،فالمسيحية جاءت لكل العالم واعتنقتها كل شعوب الأرض بمختلف لغاتهم وجنسياتهم، ولم يكن بحاجة ليرسل إلى كل شعب نبي منهم يتكلم لغتهم ومعه كتاباً خاصاً بهم,, لأنهلا يوجد دينٌ سوى دين واحد، ولا يوجد كتابٌ سوى كتابٌ واحد، هذا الدين الواحد بدأ بفلسطين وانتشر إلى كل أرجاء العالم، بكتاب واحد هو الكتاب المقدس الذي تمت ترجمته إلى كل لغات العالم، وهذا الكتاب شمل كل تعاليم ووصايا الله للإنسان إن عاش بها خلص، وإن رفضها هلك، ولم يترك هذا الكتاب كبيرة أو صغيرة إلا وتكلم عنها، بسلاسة وتنسيق بديع، وقد اتبع النبي هذا الكتاب لمدة 15 سنة لكنه ارتد عن المسيحية بعدما بدأ يميل إلى الزعامة والثراء والشهوات وهي أمور تتعارض بشدة مع المسيحية، والإسلام الذي جاء به محمد لم يقدم تعاليم جديدة نافعة للبشر بل استحدث تعاليم غريبة عن روح الدين السماوي، فأجاز القتل في سبيل نشر دعوته وأجاز تكفير بقية الشعوب، وأباح تعدد الزواج والطلاق وسائر الرزايا التي تعيد بالإنسان إلى عصور التخلف وعهود الظلام، وإني أتحدى أن يقول لي أي مسلم عن وجود تعليمٍ صالحٍ واحدٍ في الإسلام - لم يكن موجوداً في الكتاب المقدس الذي اقتبس وسُرق منه الإسلام أفضل ما لديه، إنها محنة عقلية أن يتوهم البعض أن الإسلام هو أفضل وأصدق الرسالات، وأي شخص يختار الإسلام هو مؤكد لم يدرس المسيحية ولم يعرفها المعرفة الصحيحة، وأي مسيحي يرتد عن المسيحية ليعتنق الإسلام، يشبه برجل استبدل جواهره الأصلية بأخرى مقلدة مزيفة لها بريق خارجي سرعان ما ينطفئ، أشكر الله إنني عشت المرحلتين، وعرفت الفوارق بينهما واخترت الأصلح والأجدى لخلاصي الأبدي، ويكون واهماً كل شخص يظن أنه يوجد خلاص بعيد عن المسيح، لكن مشكلة المسيحية أنها لم تتساهل مع الخطية بل وقد وضعت قيوداً أخلاقية صارمة على أتباعها لمرضاة الله وليس الناس، فلم تعد أتباعها بالخيرات الحسان ولا الغلمان ولا أنهار الخمر، ولم تبح لهم تعدد الزوجات والانغماس في الشهوات، لذلك كان طبيعي أن الإنسان الذي يختار المسيحية هو إنساناً صالحاً يسعى لحياة الكمال والقداسة والتضحية والمحبة، والجهاد الروحي في هذه الأرض حتى يخرج منها منتصراً لينعم في الأبدية بالنجاة والعيش مع رب السماء عيشة روحية مليئة تسبيحاً وحمداً وتمجيداً للخالق وهي السعادة الروحية لدى أرباب الكمال، لذلك رأينا أن الشعوب المتحضرة هي وحدها المتمسكة بالمحبة وبقية الشعوب الأخرى مهما تكن متخلفة مجرد أن تعتنق المسيحية تصير شعوباً راقية هذبتها تعاليم المسيحية، ولا يزال الإسلام قابعاً في هذه البقعة المتخلفة من العالم التي تشهد انتهاك حقوق الإنسان، وتخلفه الحضاري والفكري حيث الإرهاب والظلم والجهل والفقر الشديد,
العرب لم يكونوا بحاجة لدين جديد، ووصلهم الدين المسيحي المنزل من السماء، لكنهم اختاروا دين العالم وشهواته، وتركوا دين الله بروحانيته، وذبحوا المسيحيين العرب الذين ارتضوا بالمسيحية ديناً، فهم قد رفضوا المسيح، واتبعوا محمداً، وحتى تقوم الساعة يبقى للشيطان أتباع، وسيبقى لله أتباع، لكن الله يؤيد أتباعه، وهذا سر تقدم الأمم المسيحية,