إيليا البطل العظيم

ظهر النبي إيليا على مسرح التاريخ عندما كانت حياة بني إسرائيل الدينية في هاوية ارتدادها، فقد ارتدَّ الشعب عن عبادة اللّه ارتداداً أليماً وعبدوا الأوثان، كان ملكهم أخآب غير متديّن ولا يهتم كثيراً بالدين، بينما كانت زوجته إيزابل متدينة غاية التديُّن، متعصبة لدين آبائها في عبادة الأوثان. فترك الملك الحبل على الغارب لزوجته وأنبياء أصنامها. وعندما تحدَّى النبي إيليا رجال الأوثان وأنزل النار من السماء، لم يهتم الملك أخآب كثيراً أو قليلاً بالأمر، كأنه لا يعنيه، بل كأنه كان يستغرب اهتمام الناس بالدين، فقد كان الملك مهتماً بصالحه الشخصي ونموه الاقتصادي، أكثر جداً من حياة الدولة الدينية. لقد بنى قصراً من العاج، وبنى مدناً كثيرة، لكنه لم يبْن الحياة الإِيمانية لشعبه. وعندما رأى أخآب أنبياء الأوثان يقتلون رجال اللّه ويضطهدونهم، لم يحاول أن يُرسي قواعد العدل في مملكته، حتى بدا كأن عبادة اللّه انتهت تماماً، لدرجة أننا سمعنا إيليا يقول: »بقيت أنا وحدي«. في تلك الظروف المظلمة امتلأ إيليا بالضيق من العبادة الوثنية، ومن اضمحلال نفوذ شريعة الرب ومن الظلمة المحيطة به، فقرَّر أن يُعيد الشعب إلى عهده السابق مع اللّه. لم يقدم النبي إيليا أفكاراً جديدة، ولم يدْعُ لواجبات جديدة، ولكنه أراد أن يوقظ ضمير الأمة كلها. وكما قال السيد المسيح إن إيليا يأتي أولاً ويردّ كل شيء، فقد كانت رسالته تهدف إلى ردّ الشعب للعبادة الصحيحة كما أعطاها اللّه لكليمه موسى. ولذلك وقف يقدم رسالة نارية للناس.

نبي الدينونة والنار:

والنبي إيليا هو نبي الدينونة والنار، وكان رجل عمل أكثر مما هو رجل كلام. كان متوحّداً في قلبه وفكره، يضع نفسه تماماً بين يدي اللّه، وينتظر إلهه، وكانت أول كلماته: »حيٌّ هو الرب إله إسرائيل الذي وقفتُ أمامه«. وقد تعامل معه الإِله الحي دائماً، وجاءه كلام الرب: »انطلق من هنا واتجه نحو المشرق، واختبئ عند نهر كريث، فتشرب من النهر. وقد أمرت الغربان أن تعولك هناك«. وأطاع إيليا مباشرة ودون مناقشة ولا جدال، ودون أن يسأل كيف - أطاع بِناءً على ثقة كاملة في اللّه.

وعندما جفَّ ماء النهر كان كلام الرب له ثانية أن يذهب إلى أرملة لتعوله في صرفة. ولقد فعل بغير تردّد. وبعد ما هرب من أمام إيزابل الملكة، أصدر اللّه لإيليا أمراً أن يلتقي بالملك أخآب بعد أن استولى على حقل نابوت، ففعل، وفي غير خوف مضى يقابل الملك ليعلن له دينونة اللّه.

ولم يظهر ضعف إيليا إلا مرة واحدة عندما هددته الملكة إيزابل بالقتل، فهرب لنفسه ومضى إلى صحراء سيناء بعيداً عن نفوذ الملكة إيزابل.

على أننا في حياة إيليا كلها نرى اعتماده الكلي على اللّه مؤمناً به. وحتى عندما طلب منه تلميذه أليشع أن يعطيه نصيب اثنين من روحه، قال له: »صعَّبت السؤال«. وهو بهذا يلقي الموضوع كله بين يدي اللّه. لقد تميَّز النبي إيليا بالهدف الواحد والرؤية الواحدة. لم يكن له هدف في الحياة إلا أن يقود بني إسرائيل إلى العبادة الحقيقية.

نبي الشجاعة:

وهناك صفة أخرى من صفات إيليا هي الشجاعة العظيمة، كأنه يقول ما قاله المرنم: »أَعْطَيْتَ خَائِفِيكَ رَايَةً تُرْفَعُ لِأَجْلِ الْحَقِّ. لِكَيْ يَنْجُوَ أَحِبَّاؤُكَ. خَلِّصْ بِيَمِينِكَ وَاسْتَجِبْ لِي« (مزمور 60:4، 5).

وقف النبي إيليا أمام الملك أخآب ثلاث مرات. في المرة الأولى قال له: »حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ، إِنَّهُ لَا يَكُونُ طَلٌّ وَلَا مَطَرٌ فِي هذِهِ السِّنِينَ إِلَّا عِنْدَ قَوْلِي« (1ملوك 17:2). وفي المرة الثانية التقى بالملك بعد ثلاث سنوات، فما أن رآه أخآب حتى قال له: »أنت هو مكدّر إسرائيل«. فأجابه: »أَنَا لَمَ أُكَدِّرْ إِسْرَائِيلَ، بَلْ أَنْتَ وَبَيْتُ أَبِيكَ بِتَرْكِكُمْ وَصَايَا الرَّبِّ وَبِسَيْرِكَ وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ« (1 ملوك 18:18). وفي المرة الثالثة التقى بالملك عند حقل نابوت، بعد أن قتل الملك نابوت وأخذ حقله، وما أن رأى أخآب إيليا حتى قال له: »هَلْ وَجَدْتَنِي يَا عَدُوِّي؟« فَقَالَ: »قَدْ وَجَدْتُكَ لِأَنَّكَ قَدْ بِعْتَ نَفْسَكَ لِعَمَلِ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. هَئَنَذَا أَجْلِبُ عَلَيْكَ شَرّاً، وَأُبِيدُ نَسْلَكَ« (1ملوك 21:20 و21).

وكان هذا النبي الشجاع خشناً غاية الخشونة مع أعداء الرب، حتى أنه ذبح أنبياء البعل الأربعمائة والخمسين، وأنزل ناراً من السماء أحرقت الضابطين ومئة جندي. على أننا يجب أن لا ننسى أن هذا الرجل الخشن كان قلبه عامراً بالحب لتلميذه أليشع، ولأرملة صرفة، ولأبناء الأنبياء الذين زارهم قبل أن يصعد إلى السماء مباشرة. لكن طابع شخصيته الأساسي كان الشجاعة والخشونة.

نبي الطاعة والصلاة:

قال إيليا إنه عبد اللّه وخادمه ونبيُّه، وأثبت صِدق هذا كله بما أجراه اللّه على يديه. لقد كان النبي إيليا دوماً يقف أمام اللّه وقوف الخادم أمام سيده، منتظراً توجيهات سيده. كان يكلم اللّه بالصلاة، وكان مستعداً دوماً أن يعمل مشيئته. وما أكثر احتياجنا في هذه الأيام إلى نبي مثل إيليا! وقليلون في عالمنا اليوم يؤمنون باللّه الحي كما آمن النبي إيليا، لأن البشر عادة يهتمون بما يريدون وبما يلمسون، وهم يشكُّون فيما لا يلمسونه. وكثيرون من الناس لا يريدون أن يؤمنوا بالإِله الحي لأن إيمانهم يعني أنهم سيكونون مسئولين أمام هذا الإِله الحي، وهم لا يريدون أن يتحمَّلوا مسئولية تُجاه أحد، ويريدون أن يسيروا في طريقهم كما يشاؤون، بغير رقابة من إله حي. إنهم يريدون أن يتمتعوا بالمنظور الملموس، ولذلك فإنهم يضعون قلوبهم وأفكارهم على الماديات.

مكانته في العهد الجديد:

ولنبي اللّه إيليا مكانة عظيمة في العهد الجديد كما رأينا في الفصل التاسع. كان الكتبة والفريسيون اليهود يعتقدون أن لا سلطان ليوحنا المعمدان أن يعمد، ما لم يكن هو المسيح أو إيليا أو النبي (يوحنا 1:25). ويذكر الرسول بولس النبي إيليا في حديثه في الأصحاح الحادي عشر من رسالة رومية ليوضح أنه قد حصلت بقية حسب اختيار النعمة (رومية 11:2-5) ويرى رسول المسيحية يعقوب في النبي إيليا مثالاً رائعاً لقوة الصلاة (يعقوب 5:17) ويتحدث تلاميذ السيد المسيح إليه عن قوة إيليا التي أنزلت ناراً من السماء أفنت الأعداء (لوقا 9:54).

يقف النبي إيليا على صفحات التوراة كواحد من أعظم الشخصيات الفريدة، لا يفوقه إلا كليم اللّه موسى. هذا هو النبي الناري الذي هيأ الطريق للرب، ولمجيء رجاء العالم، السيد المسيح.