كرم نابوت
عاش في
مملكة الملك أخآب رجل اسمه نابوت، من بلدة
يزرعيل، كان يملك حقلاً زرعه كرماً بجانب قصر
الملك أخآب، فطمع الملك في حقل نابوت وطلب منه
أن يبيعه له ليضمَّه إلى قصره. وعرض أن يدفع
لنابوت أكثر من السعر العادي. غير أن نابوت
رفض طلب الملك، لأنه لم يُرد أن يفرّط في
ميراث أجداده. فغضب أخآب الملك وذهب إلى قصره
حزيناً. ولاحظت الملكة إيزابل حزن زوجها
أخآب، فدبرت مكيدة لتستولي على الحقل، فأرسلت
إلى شيوخ بلدة نابوت وطلبت منهم أن يتَّهموه
بالتجديف على اللّه وعلى الملك، ثم أن يرجموه
عقاباً له. وفعل شيوخ المدينة ذلك وقتلوا
نابوت وأبناءه بالرجم. وذهب الملك أخآب
ليضمَّ حقل نابوت إلى أرضه، لأن العادة كانت
أن يستولي الملك على ميراث الأموات الذين لا
ورثة لهم.
وغضب اللّه على أخآب وزوجته إيزابل،
وأمر نبيَّه إيليا أن يذهب إلى أخآب ويقول له:
»فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَحَسَتْ فِيهِ
الْكِلَابُ دَمَ نَابُوتَ تَلْحَسُ
الْكِلَابُ دَمَكَ أَنْتَ أَيْضاً« (1ملوك
21:19). وقد تمَّت هذه النبوة تماماً - لحست
الكلاب دم الملكة إيزابل والملك أخآب بعد
قتلهما.
الرغبة الخاطئة:
يحذرنا
الكتاب المقدس من الرغبة الخاطئة فيما لا
حقَّ لنا فيه، فتقول الوصية العاشرة: »لَا
تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لَا تَشْتَهِ
امْرَأَةَ قَرِيبِكَ وَلَا عَبْدَهُ وَلَا
أَمَتَهُ وَلَا ثَوْرَهُ وَلَا حِمَارَهُ
وَلَا شَيْئاً مِمَّا لِقَرِيبِكَ« (خروج 20:17)
وقال السيد المسيح: »انْظُرُوا
وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ« (لوقا 12:15).
ويقول إمام الحكماء سليمان: »فَوْقَ كُلِّ
تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ لِأَنَّ مِنْهُ
مَخَارِجَ الْحَيَاةِ« (أمثال 4:23). وفي هذا
تحذير كافٍ للإنسان منّا من أن يشتهي ما يملكه
غيره.
أيها القارئ، احذر كل ما لا يريده
اللّه لك، ولا تقبل بأقل مما يريده لك. لقد
أخطأ الملك أخآب كثيراً في أنه اشتهى أن يأخذ
حقل نابوت. ابتدأ ذلك الفكر الخاطئ عنده بفكر
مسيطر لم يستطع أن يتحكَّم فيه. كانت مملكته
كبيرة وقصره متَّسع الأرجاء - لكنه اشتهى
حقلاً - حتى زوجته إيزابل رأت حقارة ما طلب،
ونحن نعلم أن كل شخص بعيد عن اللّه لا يمكن أن
يشبع من ممتلكات العالم. إن كل ما في الأرض
يشبه الماء المالح، كلما شرب الإنسان منه طلب
المزيد.
كانت رغبة الملك أخآب صغيرة، ولكنها
أثَّرت في حياته تأثيراً عظيماً، حتى رأى أنه
لا معنى لحياته بغير حقل نابوت. ورغم صِغر ذلك
الحقل، إلا أنه استولى على أفكاره حتى لم
يبْقَ له شيء آخر يفكّر فيه. عندما يقرّب
الإنسان منا قطعة عملة فضية صغيرة من عينه
فإنها تحجب نور الشمس عنه. وعندما يشتهي
الإنسان منا شهوة شريرة فإنها تحجب عنه نور
اللّه. فلنحذر من الشهوة الخاطئة، لقد كان ذلك
الحقل قريباً من قصر الملك وما أصعب الشهوة
وهي قريبة. لو أن الملك أخآب غيَّر مكان غرفة
نومه في اتجاه بعيد عن حقل نابوت - لو أنه حتى
باع قصره كله، لَحَفِظَ نفسه من خطية الشهوة.
في عالمنا أشياء كثيرة تقرّب الشهوة
إلينا، من وسائل الإِعلام التي تبثُّ لنا
شهوات الجسد، ومن الأصحاب الفاسدين الذين
يضلّلوننا عن الطريق القويم، ومن مبادئ
العالم الغريبة عن المبادئ الإِلهية. هذه
كلها تقرِّب الشهوة إلينا، لكن هذه الشهوة
الصغيرة القريبة كانت عظيمة التأثير فحكمت
فكر الملك أخآب وضيّعته تماماً.
بداية صغيرة:
عندما
بدأ الملك أخآب يشتهي حقل نابوت، بدأ بداية
معقولة. قال إنه سيعوّض نابوت عن حقله بالفضة.
وقد يبدو هذا الكلام معقولاً، لولا أنه كان ضد
الشريعة التي أعطاها اللّه لموسى. والمشكلة
في الخطية أنها تبدأ معنا عندما نفلسفها،
فنحن نعطي لكسر شريعة اللّه اسماً آخر، نقول:
لنكن اجتماعيين.. لماذا نحرم أنفسنا؟ إن الكل
يفعلون ذلك؟ ولقد خدع أخآب نفسه عندما أعطى
الخطية اسماً آخر. لم يقُل: سأشتهي حقل نابوت
وآخذه، ولكنه قال: سأشتريه، أو سأبادله بشيء
آخر. وسرعان ما تقدمت الشهوة في نفسه أكثر
وأكثر، لأن الخطيئة متحركة غير ساكنة.
لقد استخدمت إيزابل الملكة ختم
الملك أخآب وجعلت رجالاً آخرين يكذبون
ويدَّعون على نابوت أنه جدَّف على اللّه وعلى
الملك. وسرعان ما قتلوا نابوت المسكين عندما
اشتهى أخآب كرم نابوت - لم يكن يريد أن يقتله،
ولم يكن يظن أن الأمر سينتهي هذه النهاية
السيئة التي سيطرت عليه ولوَّثته بما لم يفكر
فيه.
أيها القارئ، هل بدأت خطية؟ رغبة في
نجاح اجتماعي بالغش؟ هل تريد أن تؤمّن
مستقبلك المالي بالحرام؟ اللّه يحذّرك من أن
تفعل هذا.
نهاية سيئة:
كانت
نتيجة قتل نابوت المسكين شيئاً لم يتوقعه
الملك أخآب. لما سمع أن نابوت مات قام ليرث
حقله وليستمتع به، ولكن ما إن دخل ذلك الحقل
حتى جاءه صوت النبي إيليا يزعجه ويقول له: »هكذا
يقول الرب: لا يحلّ لك!« وتضايق الملك جداً،
فقال للنبي: »هل وجدتني يا عدوي؟«. مسكين أخآب!
ظن أن النبي عدوه، مع أن رجل اللّه ليس عدوك،
وصوت الضمير صديقكك. وأعلن النبي إيليا عقوبة
اللّه الشديدة على خطية الملك أخآب. لسوف يموت
أخآب وزوجته إيزابل بسبب ما ارتكباه في حق
نابوت المسكين البريء. إن الخطية تسبّب الموت
وتضيّع السلام الداخلي، وتجيء بسحابة تحجب
وجه اللّه عنا.
هل خطيتك في مجال المال؟ ليست حياة
الإنسان من أمواله. هل خطيتك في رغبة شخصية
تتملَّكك؟ قل للّه: لتكن لا إرادتي يا رب، بل
لتكن إرادتك أنت. مهما بدت الخطيئة مشبعة
فإنها لا تشبع القلب الإِنساني، فإن ما يشبع
الإنسان هو عمل مشيئة اللّه الصالحة المرضية
الكاملة.
موت أخآب:
بعد أن
قتل الملكُ أخآب نابوت، أرسل اللّه له النبي
إيليا ليقول له: »هَلْ قَتَلْتَ وَوَرِثْتَ
أَيْضاً؟ فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَحَسَتْ
فِيهِ الْكِلَابُ دَمَ نَابُوتَ تَلْحَسُ
الْكِلَابُ دَمَكَ أَنْتَ أَيْضاً« (1ملوك
21:19).
وقد حدث ما تنبأ به النبي إيليا، فقد
خاض أخآب معركة حربية، ليستردّ مدينة راموت
جلعاد من مملكة أرام. ودخل أرض المعركة
متخفّياً، ولم يلبس ثيابه الملكية حتى لا
يُعرف. ولكن سهماً طائشاً أصابه بجرح مميت،
وجرى دم الجرح في مركبته الحربية. ومات عند
المساء. وغسلوا مركبته الحربية في بركة
السامرة، فلحست الكلاب دمه، تماماً كما قال
إيليا (1ملوك 22:38).
موت إيزابل:
وتنبأ النبي إيليا أيضاً أن الكلاب ستأكل إيزابل عند مترسة يزرعيل (1 ملوك 21:23). وقد تحققت هذه النبوة، لما حدث انقلاب عسكري ضد بيت الملك أخآب، بقيادة القائد »ياهو«. كحلت الملكة إيزابل عينيها وتزينت، وتطلعت من نافذة القصر إلى ياهو، فأمر ياهو بقذفها إلى الشارع، فنفَّذ رجال القصر ذلك، وسال دمها على الحائط وعلى الخيل التي داستها. وتركوا جثتها في الشارع. ولما جاءوا ليدفنوها لم يجدوا سوى الجمجمة والرجلين وكفَّي اليدين، فقد أكلت الكلاب بقية الجثة (2ملوك 9:30-37). وهكاذ عوقبت خطية الضلال عن الله، وحقَّق الله ما قاله النبي إيليا.