إيليا يصعد للسماء

نجيء في تأملنا في حياة نبي اللّه إيليا إلى إصعاده للسماء بغير موت، فقد أخذ إيليا تلميذه أليشع من الجلجال متَّجهاً إلى بيت إيل، وكان فيها مقرٌّ للأنبياء. وكان النبي إيليا قد عرف وقت انتقاله إلى السماء، وربما عرف تلميذه أليشع أيضاً أن إيليا سيفارقه. كان إيليا على وشك الوقوف أمام الرب في السماء، وكان على أليشع أن يتسلَّم مسئوليات خدمة اللّه، بكل ما فيها من امتيازات ومتاعب. فقال النبي إيليا لأليشع: »إِنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَى بَيْتِ إِيلَ« (2ملوك 2:2). وكان الرب قد كشف لنبيه إيليا حوادث تلك الساعات الأخيرة من حياته، وكلَّفه أن يزور الأنبياء في أماكنهم المختلفة ليقدّم لهم وصاياه وتشجيعاته الأخيرة قبل انتقاله إلى السماء.

ولا ندري لماذا طلب إيليا من أليشع أن يبقى في الجلجال ليذهب هو وحده إلى بيت إيل. ربما أشفق على أليشع من أن يرى منظر انتقال معلِّمه إلى السماء. أو ربما قصد أن يمتحن محبة أليشع وأمانته. ولقد أظهر أليشع محبة شديدة لأستاذه النبي إيليا، فقال له: »حي هو الرب، وحيَّة هي نفسك، أني لا أتركك«. فذهبا معاً إلى بيت إيل. وخرج بنو الأنبياء الذين في بيت إيل إلى أليشع، وقالوا له: »أَتَعْلَمُ أَنَّهُ الْيَوْمَ يَأْخُذُ الرَّبُّ سَيِّدَكَ مِنْ عَلَى رَأْسِكَ؟« فَقَالَ: »نَعَمْ، إِنِّي أَعْلَمُ فَاصْمُتُوا« (2ملوك 2:3). وبنو الأنبياء هؤلاء هم التلاميذ في مدرسة الأنبياء، وكان رئيسهم في مرتبة أبيهم. وربما عرفوا أن انتقال النبي إيليا إلى السماء قريب - إما بإعلان من اللّه أو من النبي إيليا نفسه. أما أليشع فلم يكن راغباً في الكلام لكثرة حزنه.

ثم قال إيليا لتلميذه أليشع: »أمكث هنا لأن الرب قد أرسلني إلى الأردن«. فأصرَّ أليشع أن يصحبه في تلك الرحلة، فذهبا معاً، واجتمع خمسون رجلاً من بني الأنبياء ووقفوا يراقبون إيليا وأليشع من بعيد. ووجود خمسين من بني الأنبياء يدلّ على أن عدد المؤمنين كان كثيراً، وربما لجأ كل الذين يعبدون الرب إلى تلك المدارس خوفاً من اضطهاد الملك أخآب.

إيليا يشق نهر الأردن:

وأخذ النبيُّ إيليا رداءه ولفَّه وضرب به ماء نهر الأردن، فانفلق النهر، وعبر إيليا وتلميذه أليشع على اليبس. لقد قام إيليا هنا بمعجزة تشبه معجزة موسى الذي شق البحر الأحمر، ومثل المعجزة التي قام بها يشوع الذي فلق نهر الأردن. وكان عمل إيليا شهادة للشعب لينتبهوا إلى كلامه ويؤمنوا بالإله الحي. وبعد أن عبر إيليا وأليشع نهر الأردن قال إيليا لتلميذه أليشع: »اطْلُبْ مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ قَبْلَ أَنْ أُوخَذَ مِنْكَ«. فَقَالَ أَلِيشَعُ: »لِيَكُنْ نَصِيبُ اثْنَيْنِ مِنْ رُوحِكَ عَلَيَّ« (2ملوك 2:9). فقال إيليا: »صَعَّبْتَ السُّؤَالَ. فَإِنْ رَأَيْتَنِي أُوخَذُ مِنْكَ يَكُونُ لَكَ كَذلِكَ، وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ« (2ملوك 2:10).

لم يكن عند إيليا مال ليتركه لتلميذه أليشع، ولكنه كان يدرك أن بركة اللّه أعظم كثيراً من المال. وطلب أليشع نصيب اثنين من روح إيليا، بمعنى أنه سيكون الابن البكر للنبي، لأن الابن البكر هو الذي يأخذ نصيب اثنين. وكان هذا يعني أن يكون كالبكر بين الأولاد، رئيساً للأنبياء. ولا ننسب لأليشع هنا الطمع ولا الكبرياء، لكن ننسب إليه الرغبة القوية في أن يخدم اللّه. وكانت إجابة إيليا له: »صعَّبتَ السؤال«. بمعنى أنه ليس لإِيليا أن يختار خليفته، لكن الرب هو الذي يعيّن.

مركبة نار تأخذ إيليا:

وسرعان ما جاءت مركبة من نار وخيل من نار وفصلت بين إيليا وتلميذه أليشع. وصعد إيليا في العاصفة إلى السماء، وكان أليشع يرى وهو يصرخ: »يا أبي، يا أبي، مركبة إسرائيل وفرسانها«. وقول أليشع: »يا أبي« دليل على محبته لإِيليا. أما وصفه لإِيليا بأنه »مركبة إسرائيل وفرسانها« فمعناه أن إيليا وحده يشبه جيشاً كاملاً لحماية الشعب. وهذا صحيح، فقد كان إيليا أفضل من فرسان كثيرين، لأن به كان الرب يرشد شعبه، يحذرهم وينصرهم. وعندما أُصعد إيليا إلى السماء مزق أليشع ثيابه حزناً على فراق أستاذه.

لم يمُتْ نبيُّ اللّه إيليا، لكنه أُخذ إلى السماء بغير موت، في مركبة من نار تجرُّها خيول من نار. وكان هذا شيئاً هاماً يعلّم الشعب أن ينتبهوا إلى العالم الروحي الذي يدخله الأبرار. الناس دوماً يغرقون لآذانهم في ملذاتهم وأكلهم وشربهم وزواجهم وكسبهم المادي، بينما اللّه يريد أن يعلّمهم أن ينظروا إلى أعلى - إلى الباقي وليس إلى البائد. وإصعاد اللّه لإيليا في مركبة نارية شهادة من اللّه لخادمه أنه لم يكن مثير متاعب، كما اتهمه الملك الشرير أخآب بأنه مكدر إسرائيل. ولكن اللّه كان يختم على خدمة إيليا أنه خادم أمين، عرَّف الناس العبادة الحقيقية للّه.

إن الموت بالنسبة للمؤمن ليس موتاً لكنه انتقال، فالمؤمن يحيا هنا على الأرض مع اللّه، ثم ينتقل ليكون في السماء مع اللّه - ليس هو موتاً لكنه انتقال - وانتقال إيليا بهذه الطريقة يرينا كيف ستتغيَّر أجساد القديسين عندما يأتي المسيح ثانية من السماء ليأخذهم ليكونوا معه فيهتفون: »أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟« (1كورنثوس 15:55).

ندعوك لتفتح قلبك للّه، ليحل المسيح بالإيمان في قلبك، وعندها تختبر الحياة الأبدية التي لك في اللّه بواسطة المسيح. وقد قال السيد المسيح في صلاته الشفاعية: »هذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الْإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ« (يوحنا 17:3).