المسيح بين المعرفة والجهل |
(لوقا3:19)
الباب
الثاني
الله
وثالوث أقانيمه
بعد
أن رأينا في التأملات السابقة أن الله واحد في
جوهره. لكنه أيضا ثلاثة أقانيم متميزة في
وحدانية بلا انفصال أو تجزئه.
سوف
نتحدث في هذا الفصل عن الأقانيم
الفصل
الأول
أقنوم
الآب
الآب
تنطق بالمد ة وليس بالهمزة ولنلاحظ أن:
1
- الآب هو, الآب منذ الأزل وبالتالي فالابن
هو الابن منذ الأزل لأنه ليست هناك أبوة إلا
معها بنوة, وإذ كان الأمر هكذا, فإن الابن
لا يكون مولودا أو مخلوقا من الآب, بل واحدا
معه في اللاهوت بكل صفاته وطبيعته.
2
- لا يراد بأقنوم الآب «أب»
بالمعنى الحرفي الجسدي أي إنه أدعى بهذا
الاسم لأنه أنجب أقنوم «الابن»
أو لأنه ذو فضل عليه, أو لأنه سابق له في الزمن.
كلا إذ يعلمنا الكتاب المقدس أن الآب واحد مع
«الابن» في اللاهوت.
فقد
قال الابن «أنا والآب واحد»
(يوحنا30:10) . وعندما سأله تلميذه «فيلبس» «يا
سيد أرنا الآب وكفانا» قال له يسوع «أنا
معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس.
الذي رآني فقد رأي الآب, فكيف تقول أنت أرنا
الآب. ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيّ»
(يوحنا8:14 - 10).
وقال
للتلاميذ: «صدقوني أني في الآب
والآب فيّ» (يوحنا11:14) .
فهذه
الردود التي نطق بها الرب لا تدع مجالا للشك.
بل من خلالها نرى وحدة الآب والابن.
هناك
فرق بين «الوالد» والآب.
فما أكثر الذين يقال عنهم «والدون».
لكنهم مجردون من كل معاني الأبوة,
فالتوالد ظاهرة جسدية, بينما الأبوة حالة
روحية لذلك لم يطلق على
أقنوم الابن ولو مرة واحدة اسم «ولد الله» «Child
Of God» كذلك لم يطلق على أقنوم الآب ولو مرة
واحدة اسم «الوالد» بل يطلق على الأول اسم «الابن»
«Son Of God» والثاني دائما اسم «الآب».
ولم
تطلق عليهما هذه الأسماء عندما و لد أقنوم
الابن من العذراء مريم أو في أي زمن من
الأزمنة السابقة للولادة فحسب, بل أطلق على كل
منهما اسمه الخاص به منذ الأزل السابق لكل زمن,
لأن الآب لم يكن سابقا للابن لأن الله روح
ولأنه لا يلد ولا يولد ولا شريك له أو نظير
وغير متغير, وأنه ليس قبله أو بعده إله, وهذا
ما يدل على أن الأبوة حالة روحية تتوافق مع
روحانية الله والمقصود بها (المحبة
الباطنية السامية) وهذا يليق بالله وحده
لأن محبته لا يحدها حد, وهي طبيعته, ولذلك
فمحبة الآب والابن أزلية. قال الرب يسوع مرة
بصفته «الابن».. عندما كان
على أرضنا بالجسد للآب:
«لأنك
أحببتني قبل إنشاء العالم» (يوحنا25:17)
وبهذا يكون قد كشف لنا سرا من أسرار أقانيم
اللاهوت. المحبة التي كانت في الأزل عاملة
ومتبادلة بين الأقانيم, ولذلك لا تسند المحبة
في الكتاب المقدس إلى أقنوم واحد بل إلى كل
الأقانيم أو بمعني آخر إلى الله ذاته. ففي (1يوحنا8:4)
«الله محبة» ولذلك «الآب»
يحب «الابن» و «الابن»
يحب «الآب» (يوحنا31:14) .
والروح
القدس هو روح المحبة (رومية 30:15,2 تيطس 7:1).
وتبادل
المحبة دليل على التوافق التام بين الله
وذاته.
إن
الوحي يدعو أحد الأقانيم بالآب.
هذا الاسم الذي يظهر كل معاني المحبة في الله,
ويدعو أقنوماً آخر بالابن الاسم الكريم الذي
يعبر عن هدف واتجاه المحبة في اللاهوت منذ
الأزل والذي عن طريقه أمكن إعلان هذه المحبة
في ملء الزمان للبشر.
فإن
كلا من الأبوة والبنوة هي نسبة إلهية أزلية
روحية, ليس لها نظير. ويدعو الوحي أقنوما آخر بالروح
القدس أو روح المحبة (رومية
30:15) لأنه مجرى محبة اللاهوت وحاملها ولذلك
فإن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بواسطته (رومية
5:5) .
3
- إن الذين يؤمنون إيمانا حقيقيا بالمسيح يطلق
عليهم «أبناء الله» ومن
حقهم أن يخاطبوه يا أبانا (1
يوحنا1:3, غلاطية 6:4).
لكن
ليس معني هذا أنهم قد أصبحوا واحدا مع الابن
في أقنوميته بل يعتبرون فقط أولاد الله, بسبب
إيمانهم القلبي بالمسيح واتحادهم الروحي به,
على أساس النعمة وصيرورتهم بالتبني أبناء (يوحنا12:1,
أفسس5:1) أما المسيح فهو ابن بجوهره وحقه
الذاتي غير المكتسب. ولذلك حتى بعد الإيمان
نعتبر خليقة الله وعبيده وهو بالنسبة لنا
خالقنا وسيدنا.
4
- وهناك إشارات في العهد القديم عن كون الله
أبانا مثل (إشعياء 8:64, ملاخي 6:1) مع ملاحظة أن
معرفة قديسي العهد القديم لم تصل إلى معرفة (الله)
كما وصلت معرفتنا نحن له عن طريق المسيح (يوحنا6:17
- 26).
لذلك
جميعهم كانوا يشعرون بالرهبة من حضرته بسبب
شعورهم بخطاياهم المتعددة ونقائصهم, لكن في
العهد الجديد على أساس كفارة المسيح زالت
المخاوف وبفضل عمل الروح القدس يحصلون على
حياة روحية تؤهلهم لذلك. الله باعتباره (الآب)
«باركنا بكل بركة روحية في
السماويات في المسيح. كما اختارنا فيه قبل
تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في
المحبة. إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح
لنفسه حسب مسرة مشيئته» (أفسس3:1 - 5).
وهو
«الذي أهلنا لشركة ميراث
القديسين في النور» (كولوسي 12:1) .
«وقد
ولدنا ولادة روحية لرجاء حي» (1بطرس 3:1) .
«ودعانا
إلى مجده الأبدي في المسيح يسوع» (1 بطرس10:5)
.
الفصل
الثاني
أقنوم
الروح القدس
يظن
البعض أن الروح القدس ما هو إلا مؤثر إلهي أو
قوة إلهية يعطيها للبشر, ويظن البعض الآخر وهم
شهود
يهوه (الذين لا يؤمنون بشخصية الروح القدس)
أنه ريح ويشددون على أن لفظ «ريح» هي الترجمة
الأصح.
لكن
الروح القدس ليس كذلك, إنه أقنوم إلهي مثل
الأقنومين الآخرين ولا يسمى بالروح القدس
لأنه يتميز عنهما بروحانية الجوهر. كلا لأن
للأقانيم جوهرا واحدا , كما رأينا في الكلام
السابق ولقد أعلن الوحي لنا أن الله (بأقانيمه)
هو روح (يوحنا24:4) .
وهذا
الاسم يعبر عن قيامه بأعمال اللاهوت روحيا أو
بطريقة غير ظاهرة. لذلك فالكتاب المقدس يذكر
له بكل وضوح ما يتميز به من مقومات الشخصية
فينسب له القيام بأعمال الشخص العاقل, المريد,
القادر.
ففي
(سفر القضاة 25:13) يقول عن شمشون: «وابتدأ
روح الرب يحركه في محلة دان».
وفي
(مزمور 10:143) يقول داود «روحك
الصالح يهديني».
وفي
(إشعياء 16:48) «الرب أرسلني
وروحه».
وفي
(إشعياء 14:63) «روح الرب أراحهم».
وقال
الرب يسوع عنه «الروح القدس
يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم» (يوحنا26:14)
«وهو يشهد لي» (يوحنا26:15) «ويبكت
العالم» (يوحنا8:16) «وهو
يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه
بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية.
ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم» (يوحنا13:16
- 15).
وفي
أعمال (29:8) «فقال الروح لفيلبس
تقدم».
وفي
(1تيموثاوس1:4) «الروح يقول
صريحا» وأيضا «فقال لي
الروح» أن أذهب» (أعمال
12:11) .
وفي
قول الرسول بطرس لحنانيا «لماذا
ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس. أنت
لم تكذب على الناس بل على الله» (أعمال 3:5,
4).
إن
هناك تميزا بين الروح القدس كأقنوم إلهي عن
الشخصيات البشرية بما له من الرأي الإلهي
الشخصي والإرادة الإلهية اللذين قد يتفق
فيهما وقد يختلف فيهما مع البشر:
«لأنه
قد رأي الروح القدس ونحن» (أعمال 18:15) وقال
الروح القدس «افرزوا لي برنابا
وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه فهذان إذ
أرسلا من الروح القدس انحدرا» (أعمال 2:13 -
4) «ولكن هذه كلها يعملها الروح
الواحد بعينه قاسما لكل واحد بمفرده كما يشاء»
(1كورنثوس11:12) .
من
الآيات السابقة نلاحظ أن الروح القدس متميز,
وأيضا له رأيه وإرادته المتفقة مع رأي وإرادة
المؤمنين, أما عن عدم اتفاقه معهم في الرأي
والإرادة فواضح من الشواهد التالية التي تثبت
أن له الرأي الحر والإرادة المستقلة.
في
(أعمال 6:16 - 7) «منعهم الروح
القدس أن يتكلموا بالكلمة في آسيا فلما أتوا
إلى ميسيا حاولوا أن يذهبوا إلى بيثينية فلم
يدعهم الروح».
وليس
ذلك فقط. لكنه مميز عن أقنوم الآب والابن معا
كالله الواحد وفي قوله «وروح
الله يرف على وجه المياه» (تكوين 2:1) .
وفي
(متى 20:10) «روح أبيكم هو الذي
يتكلم فيكم».
هنا
يظهر تميز الرب يسوع عن الآب.
وفي
(غلاطية 6:4) «أرسل الله روح ابنه
إلى قلوبكم صارخا يا أبا الآب».
وهنا
نلاحظ تميزه عن الابن.
وفي
(2كورنثوس14:13) نلاحظ تميزه عن الآب والابن معا
في القول: «نعمة ربنا يسوع
المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع
جميعكم». وهناك الكثير من الآيات التي
تتكلم عن لاهوت الروح القدس نذكر البعض منها
في (أعمال 3:5, 4) قال بطرس الرسول لحنانيا «لماذا
ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس. أنت
لم تكذب على الناس بل على الله».
وفي
(عبرانيين 14:9) نرى أن الروح القدس أزلي «بروح
أزلي قدم نفسه لله بلا عيب».
وفي
(1كورنثوس10:2) «يفحص كل شيء حتى
أعماق الله».
وفي
(يوحنا26:14) «يعلمكم كل شيء».
وفي
(يوحنا13:16) «يخبركم بأمور آتية».
وفي
(إشعياء 13:40) «من قاس روح الرب».
وفي
(أيوب 4:33) «روح الله صنعني
ونسمة القدير أحيتني».
وفي
(2بط 21:1) «تكلم أناس الله
القديسون مسوقين من الروح القدس».
وفي
(رومية 11:8) «سيحيي أجسادكم
المائتة بروحه الساكن فيكم».
وفي
(يوحنا6:3) «المولود من الروح هو
روح». وفي (تيطس 5:3) «غسل
الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس».
وفي
(1 بطرس2:1) «تقديس الروح للطاعة».
من
الآيات السابقة يتضح لنا أن الروح القدس:
أزلي,
وفاحص, وعليم, ويعرف المستقبل, وموجود في كل
مكان ولا يحد بحدود, خالق وصاحب الوحي ويحيي
ويلد النفوس ويجدد ويقدس.
وهذه
الصفات والأعمال هي ذات أعمال وصفات الله. فهو
أقنوم إلهي متميز عن الآب والابن كما أنه يطلق
عليه:
1
- روح الحق (يوحنا17:14) .
2
- روح الحياة (رومية 2:8) .
3
- روح المجد (1بطرس 14:4) .
4
- روح الموعد القدوس (أفسس13:1)
.
وفي
ذكر أنبياء العهد القديم عن لاهوت الروح
القدس برهان آخر على التثليث فجاء عنه الآتي:
1
- كائن منذ الأزل قبل الخليقة
(تكوين 2:1) .
2
- الخالق لكل شيء (مزمور 3:104)
(أيوب 4:33) .
3
- الحاضر في كل مكان (مزمور
7:139 - 10).
4
- القادر على كل شيء (زكريا
6:4) .
5
- هادي القلوب (مزمور 10:143) .
6
- منير العقول (أيوب 8:32,
خروج 3:31).
7
- محرك القضاة (قضاة 10:3, 25:13).
8
- المعلم (عدد 24:11 - 29, يوئيل
28:2, 29).
9
- القدوس (مزمور 11:51) .
10
- السرمدي غير المحدود (إشعياء
13:40) .
11
- الديان (تكوين 3:6, إشعياء
10:63).
ومن
هنا يتضح لنا أن الروح القدس له شخصيته
المتميزة كأقنوم إلهي, وليس قوة أو ريحا .
الفصل
الثالث
أقنوم
الابن
لقد
تكلمنا سابقا عن «الله»
وقلنا إن الله واحد, ذات واحدة جوهر واحد لكن (ثلاثة
أقانيم), وقلنا إن الأقانيم ليسوا أجزاء في
الله وليس الله مركبا في ثلاثة أقانيم, لكن
الله واحد وكل أقنوم هو الله وليس جزءا من
الله.
الآب
هو الله والابن هو الله, والروح القدس هو الله.
جوهر واحد ولكن أقانيم ثلاثة, متحدون غير
منفصلين ولكن متميزون عن بعضهم, متحدون في
اللاهوت وفي الصفات الإلهية ولكن متميزون في
بعض أعمالهم.
يقول
قائل إن هذا فوق العقل,
هذا صحيح لأن الله فوق العقل
ولابد أن يكون هكذا لأننا نعتقد أن الله لا
يكون على قدر العقل أبدا وإلا لا يكون هو الله.
الصنم
يعمله الإنسان على قدر عقله, على قدر ما يتصور
من صفات يصنعها في الصنم, أما الله فغير محدود,
ولكن العقل محدود, ولذلك فالله فوق العقل لكنه
ليس ضد العقل.
)
ولقد تكلمنا عن أقنوم الآب وأقنوم الروح
القدس. وأما الآن فلنتكلم عن أقنوم الابن:
يظن
البعض أننا كمسيحيين عقيدتنا في كلمة
«الابن» أنه
قد جاء بالتزاوج, أو جاء عن
طريق الإنجاب بواسطة الآب, أو لأنه أحدث منه
زمانا أو لأنه أقل منه مقاما , لذلك أطلقنا
عليه «ابن الله» ولذلك
يتهموننا بأننا قد جدفنا على الله وأشركنا به.
وهم بكل أسف لم يعرفوا معني كلمة (ابن
الله).
فنحن:
لا
نؤمن إطلاقا بما سبق,
ولم يرد ذلك في كتاب الله المقدس بعهديه.
بل
إن ما جاء في الكتاب المقدس عنه ينص على أن
الله روح لا أثر للمادة فيه,
لم يلد ولم يولد وأنه لا شريك له أو نظير, ولم
يتخذ لنفسه زوجة أو صاحبة, وأنه
لا يزيد ولا ينقص على الإطلاق.
كما
يجب أن نلاحظ أن هناك دينونة رهيبة ستقع على
كل من يتكلمون بالكلمات الصعبة على الرب يسوع
(يهوذا 14, 15) والذي سوف يدينهم هو بنفسه. لأنه
ديان الأحياء والأموات (أعمال 42:10) .
ثم
دعنا نفكر في الأمر سويا , لو كان المسيح ابن
الله بالولادة أو بالإنجاب عن طريق الآب لكان
الله في ثالوثه كالآتي (الآب
والأم والابن) لأنه حيث الولادة فلابد من
الأمومة.
ولكن
الله في ثالوثه لم يكن هذا بل هو (الآب
والابن والروح القدس) ولذلك لا يمكن أن
تكون بنوة الابن إلا البنوة الروحية وحدها.
ثم
إنه لم يدع «ابن الله» لأنه
خلق بواسطة الله, كما يدعى الملائكة والبشر
لأنهم خلقوا بواسطته ولم يدع «ابن
الله» لأنه أقرب الخلائق إلى الله بل هو «ابن
الله» من الأزل قبل كل الأزمنة وقبل وجود
أي مخلوق من المخلوقات (وأن الله أعلن ذاته
بهذه الصورة) «الآب والابن
والروح القدس».
فهو
من هذه الناحية فريد في شخصه وفريد في مركزه
وفريد في مهمته ولذلك جاء عنه في الوحي أنه:
«ابن
الله الوحيد» (يوحنا18:1) , (يوحنا16:3) .
أي
الذي ليس له نظير في بنوته لله وشخص لا نظير له
في بنوته لا يكون ملاكا أو إنسانا أو مخلوقا ,
لأن كل واحد من هؤلاء ليس وحيدا بل له نظير.
ثم
إن الاصطلاح «ابن الله»
ليس لقبا للمسيح بل هو اسمه بعينه (يوحنا18:3)
بينما الاصطلاح «أبناء الله»
مجرد لقب للملائكة والبشر يراد به الإشارة
إلى علاقة من العلاقات أو صفة من الصفات.
أما
الاسم فيراد به التعبير عن الشخصية نفسها. إن
بنوة الملائكة لله ترجع إلى كونهم مخلوقين
منه مباشرة فهم أبناء بالخلق.
أما بنوة المؤمنين فمن باب النعمة وليس من باب
الاستحقاق, لكن بنوة
المسيح حق من حقوقه الذاتية. لذلك:
لا
يجوز الخلط بين بنوة المسيح وبنوة الخلائق
بأي وجه من الوجوه. ثم ينبغي أن نلاحظ أن
الكتاب المقدس لم يقل عن المسيح «ولد
الله» بل ابن الله.
والفروق بين الاصطلاحين كثيرة نذكر منها:
1
- قد يكون هناك والد مجرد من كل معاني الأبوة
وقد يكون هناك شخص فيه كل معاني الأبوة, دون أن
يكون له أولاد مولودون منه, فالتوالد إذا حالة
جسدية أما الأبوة فحالة روحية.
2
- الاصطلاح «ولد
الله» يظهر بداية للمولود. وهذه البداية
ابتدأت بالولادة, أما الاصطلاح «ابن
الله» فله مدلولاته الروحية الخاصة التي
سنتكلم عنها فيما بعد.
3
- الاصطلاح «ولد الله» يظهر
عدم التساوي بين الوالد والمولود من حيث
الأسبقية في الزمن فدائما الوالد أكبر وأسبق
من المولود, وهذا ما لا يتوافق مع الله في
أقانيمه.
4
- الاصطلاح «ولد الله» يظهر
أن المولود له محدوديته بالزمان والمكان,
وهذا ما لا يتوافق مع المسيح الأزلي غير
المحدود.
5
- الاصطلاح «ولد الله» يستلزم
وجود أم وتزاوج , وحاشا أن
نقول عن الله هكذا, لأن الله
منزه عن هذه الأمور.
6
- الاصطلاح «ولد الله» يعلن
عن تسيد شخص على الآخر, فالوالد دائما له
السلطان على المولود. ولكن أقانيم الله غير
ذلك تماما .
7
- الاصطلاح «ولد الله» يعطى
التساوي بين المسيح «ابن الله»
والخلائق الأخرى وهذا ما لم يكن على الإطلاق.
ويجب
أن نلاحظ أيضا أن البشر يدعون أبناء الله
بالخلق للدلالة علي:
أ
- أنه مصدر وجودنا, كما هو وارد في (تثنية 6:32) «أليس
هو أباك ومقتنيك هو عملك وأنشأك» وفي (ملاخي
10:2) «أليس أب واحد لكلنا. أليس
إله واحد خلقنا». وفي (1كورنثوس6:8) «لكن
لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن
له».
ب
- أنه صاحب العناية بكل البشر كخلائقه ولكن
بصفة خاصة بالمؤمنين كما هو وارد في (مزمور
13:103) «كما يترأف الآب على
البنين يترأف الرب على خائفيه». «أبو
اليتامى وقاضى الأرامل الله في مسكن قدسه»
(مزمور 5:68) وفي (متى 26:6) «انظروا
إلى طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا
تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم
أنتم بالحري أفضل منها» وفي (متى 29:10, 30) «أليس
عصفوران يباعان بفلس وواحد منها لا يسقط على
الأرض بدون أبيكم وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم
جميعها محصاة».
ج
-ما علينا من واجب الخوف والطاعة كما هو وارد
في (ملاخي 6:1) «الابن يكرم أباه
والعبد يكرم سيده. فإن كنت أبا فأين كرامتي
وإن كنت سيدا فأين هيبتي قال لكم رب الجنود».
إن
المؤمنين هم أبناء الله بالولادة الثانية
والتبني كقول الوحي في (غلاطية 26:3) «لأنكم
جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع».
وفي (1يوحنا12:1, 13) «وأما كل
الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد
الله أي المؤمنون باسمه الذين و لدوا ليس من
دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من
الله». وفي (أفسس5:1) «إذ سبق
فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة
مشيئته»وعلى المؤمنين التجاوب مع هذه
النعمة بالسلوك بالتدقيق, كقوله في (1بطرس 17:1) «إن
كنتم تدعون أبا الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل
كل واحد فسيروا زمان غربتكم بخوف» وفي (متى
16:5) «فليضئ نوركم هكذا قدام
الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم
الذي في السموات».
ويجب
أن نميز بين بنوة البشر لله على أساس الخلق,
وبين بنوة المؤمنين لله على أساس الفداء, وبين
بنوة المسيح الأزلية للآب فهو ابن الله
الوحيد. ومدلول بنوته للآب مختلف تماما
فبينما يدعى البشر أبناء الله لأنهم من صنع
يديه وخليقته العاقلة نجد المسيح يدعى ابن
الله باعتباره الله المعلن في الجسد وخالق كل
الأشياء, وبينما نجد المؤمنين يدعون أبناء
الله على أساس الفداء, نجد أن المسيح هو الذي
صنع الفداء وهو الذي أعطانا سلطانا أن نصير
أولاد الله (يوحنا12:1) .
وهذا
التمييز واضح في كل الكتاب المقدس وإليك
الأمثلة الآتية:
1
- في (متى 27:11) وفي (لوقا 22:10) «كل
شيء قد د فع إلى من أبي. وليس أحد يعرف الابن
إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن
أراد الابن أن يعلن له». وفي (يوحنا 35:3) «الآب
يحب الابن وقد دفع كل شيء في يده».
وفي
(يوحنا15:10) يقول «كما أن الآب
يعرفني وأنا أعرف الآب». وهذه الأقوال لا
يمكن أن تنطبق على أحد إلا على ابن الله
الوحيد.
2
- وأيضا في (متى 17:3) في حادثة العماد «وصوت
من السماء قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به
سررت».
وفي
(مرقس6:12, 8) ترد هذه العبارة عن الله «فإذ
كان له أيضا ابن واحد حبيب إليه أرسله أيضا
إليهم أخيرا قائلا : إنهم سيهابون ابني فأخذوه
وقتلوه وأخرجوه خارج الكرم».
وفي
(يوحنا16:3) «لأنه هكذا أحب الله
العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من
يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية».
في
العبارات السابقة نلاحظ أنه الابن الحبيب
الوحيد, وهذا ما لا يمكن أن يقال على آخر سواه.
3
- يظن البعض أن الاصطلاح «ابن الله» قد
جاء عنه في الإنجيل فقط, لكن بالرجوع إلى
التوراة نرى إشارات واضحة عن هذا الأقنوم
فقد جاء عنه في (مزمور 7:2) «أنت
ابني» وفي سفر الأمثال (4:30) «من
ثبت جميع أطراف الأرض. ما اسمه وما اسم ابنه إن
عرفت?» ومن الملاحظ في كلمة الله أن
للمسيح بنوتين:
البنوة
الأولى :
بنوة
أزلية في اللاهوت قبل التجسد في هذا العالم
والتي يعبر عنها في (مزمور 7:2) بالقول «أنت
ابني», قبل أن يقول «أنا
اليوم ولدتك». لأنه لو كانت هناك بنوة
واحدة بالولادة في الزمان لكان قد قيل «أنا
اليوم ولدتك فأنت ابني» ولكن القول «أنت
ابني» أولا يدل على أن المسيح ابن الله
أزليا . كما أننا نلاحظ أن العبارات التي
استخدمت في العهد الجديد تدل على ذلك, مثل
أرسل, وظهر, وجاء, وخرج, كلها عبارات تدل على
الوجود الأزلي قبل التجسد. وإليك بعض الأمثلة
وإن كنا نتكلم بعد ذلك بالتفصيل عن أزليته:
في
(غلاطية 4:4) «ولكن لما جاء ملء
الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة».
في
(رومية 3:8) «أرسل الله ابنه في
شبه جسد الخطية» (أي في جسد مشابه لجسدنا
تماما . ولكن خال من الخطية)».
وفي
(1تيموثاوس16:3) «وبالإجماع عظيم
هو سر التقوى الله ظهر في الجسد».
ولذلك
لما تكلم إشعياء عن ولادته ثم ذكر اسمه قال:
«ويدعى
عجيبا مشيرا . إلها قديرا (الله القدير) أبا
أبديا (أبا الأبدية)» (إشعياء 6:9) .
ب
- البنوة الثانية في الزمان عندما و لد في
الجسد:
هذه
البنوة المشار إليها في (مزمور 2) بالقول «أنا
اليوم ولدتك».
ويقول
عنها في (إشعياء 6:9) «يولد لنا
ولد».
وفي
بداية بشارة متى ولوقا قصة ميلاده بالتفصيل.
وهذه البنوة تختلف عن بنوة كل البشر
والملائكة لله كمخلوقاته العاقلة وتختلف
أيضا عن بنوة المؤمنين الروحية لله كمن أخذوا
طبيعته الأدبية (يوحنا29:3) .
أنا
والآب واحد
في
حديث الرب الوداعي مع تلاميذه في ليلة آلامه
كشف لهم النقاب عن ذاته مباشرة إذ قال لهم «أنتم
تؤمنون بالله فآمنوا بي» (يوحنا21:14)أي
آمنوا بي أنني الله وسرعان ما كشف لهم عن
اتحاده كأقنوم بالآب, لأنه كما رأينا سابقا ,
أن الله واحد في جوهره لكن جامع في أقانيمه,
وأن الآب هو الله والابن هو الله والروح القدس
هو الله. لذلك.
قال
لتوما ردا على سؤاله عندما قال للرب «لسنا
نعلم أين تذهب. فكيف نقدر أن نعرف الطريق قال
له يسوع: أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد
يأتي إلى الآب إلا بي» (يوحنا5:14, 6).
ثم
يعلن بعد هذا الكلام مباشرة للتلاميذ عن
الوحدة والاتحاد بينه وبين الآب, لئلا يتسرب
لأذهان التلاميذ أن الآب شخص منفصل بذاته عنه,
فيقول «لو كنتم قد عرفتموني
لعرفتم أبي أيضا . ومن الآن تعرفونه وقد
رأيتموه» (يوحنا7:14) . وبالرغم من هذا
الإعلان فقد كشف التلاميذ عن عدم معرفتهم
وقصر إدراكهم في سؤال فيلبس للرب وطلبه إذ قال
على الفور للرب «يا سيد أرنا
الآب وكفانا» (يوحنا8:14) عندئذ رفع الرب
الستار تماما لي عرف التلاميذ الوحدانية
العجيبة والاتحاد العظيم للأقانيم فقال له «أنا
معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس.
الذي رآني فقد رأي الآب فكيف تقول أنت أرنا
الآب. ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب في .
الكلام الذي أكلمكم به, لست أتكلم به من نفسي
لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال. صدقوني
أني في الآب والآب في . وإلا فصدقوني لسبب
الأعمال نفسها» (يوحنا9:14 - 11). وفي إنجيل
يوحنا 29:10, 30 يقول الرب «أبي هو
أعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي»
لكن لئلا يتسرب للأذهان أن الآب أعظم من الكل
حتى من الابن, قال بعد هذا الكلام مباشرة «أنا
والآب واحد» والضمير «أنا
يأتي أولا قبل «الآب»أي إن
الابن والآب واحد في العظمة الإلهية واللاهوت
.
مع
ملاحظة :
أنه
لا يليق إطلاقا بأي مخلوق مهما كان أن يساوى
نفسه بالآب لكن هنا أقنوم الابن لم ير مانعا
أن يساوى نفسه بالآب, ولذلك اعتبره اليهود هنا
مجدفا فتناولوا حجارة ليرجموه (يوحنا31:10) .
لذلك
قال لهم يسوع «أعمالا كثيرة
حسنة أريتكم من عند أبي بسبب أي عمل منها
ترجمونني أجابه اليهود قائلين: لسنا نرجمك
لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف, فإنك وأنت إنسان
تجعل نفسك إلها أجابهم يسوع أليس مكتوبا في
ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة. إن قال آلهة
لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله ولا يمكن
أن ينقض المكتوب فالذي قد سه الآب وأرسله إلى
العالم أتقولون له إنك تجدف لأني قلت إني ابن
الله? إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي,
ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا
بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا
فيه» (يوحنا32:10 - 38).أي إن الطبيعة الإلهية
واحدة في الاثنين وأن الاثنين واحد في
اللاهوت رغم التميز في الأقنومية.
لذلك
قيل «فطلبوا أيضا أن يمسكوه»
(يوحنا39:10) .
سؤال
(1) :
يقول
غير المؤمنين بلاهوت المسيح إن العدد 34.. الذي
نصه: «أجابهم يسوع أليس مكتوبا
في ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة» يرينا أن
المسيح شخص إلهي بنفس المركز الذي يقال فيه عن
البشر إنهم آلهة وذلك بناء على ما قاله بنفسه.
لكن
بالتأمل في السبب في هذا القول ينتهي الادعاء.
فهو قد قال في (يوحنا30:10) «أنا
والآب واحد» وهنا تظهر وحدانية الآب
والابن, الأمر الذي فهمه اليهود وتناولوا
بسببه حجارة ليرجموه وقالوا له وأنت إنسان
تجعل نفسك إلها لذلك دفع المسيح تهمة التجديف
بالكلام السابق في (ع 34, 35) وهذه الكلمات
مأخوذة من (مزمور 6:82) حيث نرى الله متحدثا بها
إلى القضاة باعتبار أنهم يحكمون بين الناس
بحسب ناموس الله. ولكن مع مركزهم العظيم هذا
فالله يقول لهم «مثل الناس
تموتون» (مزمور 27:82) وأيضا قال الرب لموسى
بالنسبة لهرون: «هو يكون لك فما
وأنت تكون له إلها» (خر 13:4 - 16) هنا إلها «عن
موسى» باعتبار أنه مصدر كلمة الله إلى
هرون, فموسى يستقبل من الله الكلام. وكان
بالنسبة لهرون «إلها»
يعطيه الكلام الذي ينطق به الله.
لذلك
قال المسيح لليهود ما معناه :
إذا
كان كتابكم قد قال عن قضاتكم وهم بشر يموتون
ويسقطون أنهم آلهة, ولكون هذا الكلام «كلام
الله» الثابت, فلم تتهموا آساف كاتب هذه
الكلمات بالتجديف. أليس بالأولى أن تقبلوا من
قدسه الآب وأرسله إلى العالم? أو بعبارة أخرى:
إن
كان هكذا بالنسبة لقضاتكم, فلماذا تقولون لي
أنا المسيح الذي كرسني الآب وأرسلني لعمل
الفداء إنني أجدف لأني قلت إني ابن الله?
وإذ
جاز أن يقال عن قضاتكم وهم خطاة إذ يقول لهم: «حتى
متى تقضون جورا وترفعون وجوه الأشرار» (مزمور
2:82) «إنهم آلهة».
فالابن
الوحيد المعصوم من الخطأ الذي مسحه الآب من
الأزل أتقولون له إنك تجدف لأني قلت «أنا
ابن الله».
لذلك
يقول لهم المسيح «إن كنت لست
أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي ولكن إن كنت
أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا لسبب الأعمال
لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه» (يوحنا37:10,
38).
وهنا
يظهر الفرق بين تسمية القضاة وموسى«بأنهم
آلهة, وبين شخصه المبارك الذي هو الله الحقيقي».
فهؤلاء
(القضاة وموسى) هم آلهة
بالاسم فقط بمعني رؤساء.
أما
هو, تبارك اسمه إلى أبد الآبدين فهو الله
الحقيقي فهو ليس نظيرهم بل هو الرب إلههم كما
قيل عنه «اسجدوا له يا جميع
الآلهة» (مزمور 7:97) . الذي في أيام جسده وهو
صبي صغير قيل عن المجوس عندما أتوا إليه إنهم:
«خروا وسجدوا له ثم فتحوا
كنوزهم وقدموا له هدايا, ذهبا ولبانا ومراً»
(متى 11:2) هذا الذي قيل عنه وهو في مياه الأردن
ليعتمد «وإذا السموات قد
انفتحت له» (متى 16:3) وقيل عنه أيضا «لأن
الرب ملك كبير على كل الآلهة» (مزمور 3:95)
كما أن كل الآلهة هم مقامون منه كقوله «بي
تملك الملوك ويقضى العظماء عدلا . بي تترأس
الرؤساء والشرفاء. كل قضاة الأرض» (أم 15:8,
16) وكلهم يخطئون. أما هو فهو المعصوم من كل خطأ.
أبعد
هذا نساويه بهؤلاء الذين قيل عنهم إنهم «آلهة»
أم نجله ونكرمه ونعبده لأنه ذات الله الذي
يستحق أن يعبد.
ولكننا
أيضا نلاحظ أن المضادين للاهوت المسيح
والمتهكمين عليه بالكلمات الصعبة, الذين دينونتهم
لا تتواني وهلاكهم لا ينعس (2 بطرس3:2) لا
يكف ون عن الكلام بل بسوء فهم لبعض الكلمات
الحلوة التي نطق بها الرب يسوع يضللون
الكثيرين فإن اقتنعوا بالسابق لن يكفوا عن
التضليل بل يقولون:
سؤال
(2) :
إن
كان الرب يسوع الله الابن قال «أنا
والآب واحد» (يوحنا30:10) فلماذا قال «لأن
أبي أعظم مني» في (يوحنا28:14) ? وكيف تنادون
بمساواة الابن بالآب وها هو الابن يقول
بلسانه لأن أبي أعظم مني?
ونحن
إذ نسمع هذا التساؤل لا يمكننا السكوت, لكننا
نجيب على كل سائل ونحن نرجو الرجوع معا إلى
قرينة الكلام, لأننا لا يمكننا أن نفهم آية من
الكتاب المقدس فهما سليما بعيدا عن قرينتها.
والآن ماذا قال المسيح في حديثه قبل أن يذكر
هذه الكلمات السابقة?
لقد
قال «لو كنتم تحبونني لكنتم
تفرحون لأني قلت أمضى إلى الآب» وعندما
يقول المسيح «أمضي إلى الآب»
هذا معناه. أنه لا يشير إلى
لاهوته الذي يملأ السماء والأرض, والذي لم
يترك حضن الآب قط (يوحنا18:1) , بل يشير إلى «ناسوته»
كالإنسان. ومن هذه الناحية
فإن الآب أعظم من الابن في مركزه الذي أخذه
كالإنسان بعد تجسده واتخاذه صورة ومركز العبد
بالنسبة لأبيه (فيليبي 6:2 - 8) . مع الملاحظة
أنه في تجسده قد صار ليس أقل من الآب فقط «ولكن
الذي و ضع قليلا عن الملائكة يسوع نراه مكللا
بالمجد والكرامة» (عبرانيين 9:2) ويجب أن
نلاحظ أن هذا لا يمس لاهوته إطلاقا ولا يمس
مساواته بالآب لأنه في ذات الأصحاح يقول «الذي
رآني فقد رأي الآب» (يوحنا9:14) ويؤكد
وحدانيته مع الآب في قوله «إن
أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي
وعنده نصنع منزلا» (يوحنا23:14) وفي سفر
الرؤيا (13:5) نرى أن كل «خليقة
مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على
البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على
العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد
والسلطان إلى أبد الآبدين» وهكذا نعود
إلى (يوحنا30:10) لنسمع القول منه «أنا
والآب واحد» مقدما نفسه عن الآب دون أن
يكون في هذا اختلاسا . فهما واحد في الجوهر منذ
الأزل وإلى الأبد ثم إن مجيئه إلى العالم هو
ظهور في العالم بهيئة واضحة دون أن يترك
السماء لأن اللاهوت لا يتحيز بمكان بل موجود
في كل مكان. ثم إنه لم يأت إلى العالم بإرادة
الآب بالاستقلال عن إرادته بل جاء بمحض
إرادته هو أيضا .
لذلك
قال في (يوحنا27:16) «من عند الآب
خرجت».
وأيضا
في (فيليبي 6:2, 7) «أخلى نفسه
آخذا صورة عبد... وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت
الصليب» وهنا نرى إرادته ظاهرة, وأيضا قد
جاء بمحض إرادة الآب والروح القدس معا . لذلك
قال له كل المجد على لسان إشعياء:
«والآن
السيد الرب أرسلني وروحه» (إشعياء 16:48) .
الفصل
الرابع
وحدة
الأقانيم مع تميز كل أقنوم
ومن
جانب آخر نلاحظ أن الوحي الإلهي قد استخدم ما
يدل على تميز الآب والابن كأقنومين لكن سرعان
ما يستخدم ما يدل على الوحدانية من ألفاظ
فمثلا :
أ
- في (1تسالونيكي 11:3) يقول الرسول بولس
للمؤمنين في تسالونيكي «والله
نفسه أبونا وربنا يسوع المسيح» وهنا
أقنوما الآب والابن, ولكنه بعد ذلك «يهدي
طريقنا» ولم يقل يهديان
لأنهما واحد.
ب
- وفي (2تسالونيكي 16:2) يقول «وربنا
يسوع المسيح والله أبونا» وهنا أيضا
أقنوما الابن والآب, ولكنه بعد ذلك يقول «يعزي
قلوبكم» ولم يقل يعزيان
لأنهما واحد.
كما
يلاحظ في الآيتين السابقتين أنه في الأولى قد
م الآب «الله نفسه أبونا عن
الابن ربنا يسوع المسيح» وفي الثانية قد م
الابن «وربنا نفسه يسوع المسيح
عن الآب والله أبونا» لأنهما
واحد في المقام واللاهوت.
3
- وفي (رؤيا 15:11) يقول «صارت
ممالك العالم لربنا ومسيحه» وهنا أيضا
أقنوما الآب والابن ولكنه بعد ذلك يقول «فسيملك
إلى أبد الآبدين» ولم يقل
فسيملكان لأنهما واحد.
4
- وفي (رؤيا 6:20) يقول «هؤلاء ليس
للموت الثاني سلطان عليهم بل سيكونون كهنة
لله والمسيح» وهنا نجد أقنومي الآب
والابن ولكنه يقول بعد ذلك «وسيملكون
معه ألف سنة» ولا يقول
معهما لأنهما واحد.
5
- وفي (رؤيا 22:21) عن أورشليم السماوية يقول «ولم
أر فيها هيكلا لأن الرب القادر على كل شيء هو
والخروف» وهنا نجد أقنومي الآب والابن
ولكنه يقول بعد ذلك إنهما هيكلها
«وليس هيكلاهما» لأنهما
واحد.
6
- وفي (رؤيا 3:22, 4) يقول أيضا «وعرش
الله والخروف يكون فيها» وهنا نجد أقنومي
الآب والابن لكن عرشا واحدا وأيضا يقول بعد
ذلك «وعبيده يخدمونه» ولا
يقول «وعبيدهما يخدمونهما»
لأنهما واحد ثم يقول أيضا «وهم
سينظرون وجهه واسمه على جباههم» ولا
يقول وهم سينظرون وجهيهما واسماهما على
جباههم لأنهما واحد.
ولا
يفوتنا أن نقول كوحدة الابن هذه مع الآب مع
تميزه عنه, هكذا هي وحدته أيضا مع الروح القدس
مع تميزه عنه. ففي (رؤيا 18:2) بعدما يقول «هذا
يقوله ابن الله» يختم في عدد 29 من نفس
الأصحاح بالقول:
«من
له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس».
وكوحدة
الابن مع الروح مع تميزه عنه هكذا هي وحدة
الآب مع الروح مع تميزه عنه لذلك كان الرسل في
صلاتهم في (أعمال 24:4 - 27) يقولون «أيها
السيد أنت هو الإله القائل بفم داود فتاك»
لكن داود نفسه يقول في (2صم 2:23) «وروح
الرب تكلم بي وكلمته على لساني» ومن
الكلام السابق نلاحظ:
وحدة
الأقانيم الآب والابن والروح القدس كالله
الواحد مع تميز كل منهم لذلك نلاحظ وحدة الروح
القدس مع الآب كالله الواحد في تسميته
«روح أبيكم» (متى 20:10)
في حين يعلن تميزه عنه كأقنوم بالقول في نفس
العبارة:«هو الذي يتكلم
فيكم».
وتعلن
كذلك وحدته أيضا مع الابن كالله الواحد
بتسميته: «روح الله» في
القول «أرسل الله روح ابنه إلى
قلوبكم» (غلاطية 6:4) في حين يعلن تميزه عنه
كأقنوم بقول الرسول عنه في نفس العبارة «صارخا
(هو) يا أبا الآب».
الفصل
الخامس
مدلول
الاصطلاح «ابن الله» ومعانيه
تكلمنا
فيما سبق عن الله, ووحدانيته وأقانيمه.
لكن
مجرد ذكر اسم «ابن الله» يجعل أفكار الناس
تنصرف نحو العائلة البشرية.
فيتصورون أن الابن مولود من الآب وأن الآب
أكبر من الابن وهذا التفكير غير صحيح على
الإطلاق, لأنه لا توجد ولادة في اللاهوت,
وأيضا لا اشتقاق أي ليس الابن مشتقا من الآب.
سؤال
(3) :
ما
المقصود من الاسم المسيح «ابن
الله»?
إنه
يعني مدلولات روحية نذكر البعض منها, لأننا لا
نستطيع أن ن لم بكل معاني هذا الاسم العجيب
الفائق الإدراك لأنه «ليس
أحد يعرف الابن إلا الآب» (متى 27:11) :
1
- المدلول الأول ... المحبة :
لذلك
جاء في (يوحنا35:3, يوحنا20:5) «الآب
يحب الابن» وفي (كولوسي 13:1) يوصف بالقول «ابن
محبته» وفي (يوحنا18:1) يقول عنه «الابن
الوحيد الذي هو في حضن الآب».
ويجب
أن نلاحظ هنا أن الآب ليس له
حضن بالمعنى الحرفي المادي بل المعنى الروحي
العظيم وهو التآلف والحب والاتحاد وما يتبع
ذلك من الإحاطة بكل الأسرار والمقاصد
الباطنية.
إن
الآية لا
تقول «إن
الابن كان في حضن الآب أو
سيكون في حضنه», بل تقول «الذي
هو في حضن الآب» ومعني ذلك
أن حضن الآب هو مركز الابن الدائم فهو مركزه
قبل ظهوره على أرضنا وأثناء وجوده عليها وبعد
انتقاله منها فالأقانيم في وحدة متصلة غير
منفصلة.
كما
يجب أن نلاحظ أن محبة الآب للابن أزلية وهذا
ما صرح به المسيح في صلاته للآب «أيها
الآب... لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم» (يوحنا24:17)
.
2
- المدلول الثاني ... المعادلة للآب :
الذي
يطالع ما جاء في (يوحنا17:5, 18) عندما قال الرب
يسوع لليهود الذين كانوا يطردونه ويطلبون أن
يقتلوه «أبي يعمل حتى الآن
وأنا أعمل» يدرك أنهم فهموا المعنى الخاص
بالاسم «ابن الله» حتى إنه
قيل عنهم: «من أجل هذا كان
اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض
السبت فقط بل قال أيضا إن
الله أبوه معادلا نفسه بالله».
وفي
(يوحنا7:19) قالوا لبيلاطس «لنا
ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه
ابن الله» وهذه
المعادلة لم يختلسها اختلاسا لكنها حقه الخاص
به, ففي (فيليبي 6:2) «الذي إذ
كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا
لله».
وفي
(يوحنا30:10) يقول عن نفسه «أنا
والآب واحد».
وهذه
بعض الآيات التي تظهر المعادلة بين الآب
والابن:
أ
- أعمال اللاهوت :
«أبي
يعمل حتى الآن وأنا أعمل» (يوحنا17:5) .
«لا
يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر
الآب يعمل. لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن
كذلك» (يوحنا19:5) .
ب
- في قيامة الأموات :
«لأنه
كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن
أيضا يحيى من يشاء» (يوحنا21:5) .
ج-
الإكرام :
«لكي
يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب. من لا
يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله» (يوحنا23:5)
.
د
- الحياة :
«كما
أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضا
أن تكون له حياة في ذاته» (يوحنا26:5) .
ه-
الإيمان به :
«الذي
يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي أرسلني» (يوحنا44:12)
.
و
- الرؤية له :
«الذي
يراني يرى الذي أرسلني» (يوحنا45:12) .
«والذي
رآني فقد رأي الآب» (يوحنا9:14) .
ز
- القبول له :
«الذي
يقبلني يقبل الذي أرسلني» (يوحنا20:13) .
«ومن
يقبلني يقبل الذي أرسلني» (لوقا48:9) .
ح
- المعرفة به :
«لو
كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضا ومن الآن
تعرفونه وقد رأيتموه» (يوحنا7:14) .
ط
- الازدراء به :
«والذي
يرذلني يرذل الذي أرسلني» (لوقا 16:10) .
ى
- المحبة له :
«والذي
يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي» (يوحنا21:14)
.
ك
- البغضة له :
«وأما
الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي» (يوحنا24:15)
.
ل
- من حيث الامتلاك :
«كل
ما للآب فهو لي» (يوحنا15:16) .
م
- من حيث المجد :
«والآن
مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان
لي عندك قبل كون العالم» (يوحنا5:17) وأيضا
في (لوقا 26:9) يقول «لأن من استحى
بي وبكلامي فبهذا يستحي ابن الإنسان متى جاء
بمجده ومجد الآب والملائكة القديسين».
3
- المدلول الثالث .... إعلان الله :
من
الواضح في كلمة الله أن «الله
لم يره أحد قط» لكن أقنوم الابن هو الذي
أعلنه فيقول «الابن الوحيد
الذي هو في حضن الآب هو خبر» (يوحنا18:1)
وكلمة «خبر»
تعني كشف ما أغلق على البشر فهمه من جهة
اللاهوت. ولذلك قيل عنه في (كولوسي 15:1) «الذي
هو صورة الله غير المنظور» بصفته المعلن
لله. لاحظ أن الوحي لم يقل عن هذا الأقنوم إنه
خلق على صورة الله, كما قيل عن آدم الأول
المخلوق من التراب (تكوين 26:1, 27) ولم يقل إنه
صار على صورة الله بل يقول إنه «صورة
الله»أي إنه في ذاته هو «صورة
الله» أو «المعلن» لله.
ولقد
ورد في الكتاب المقدس عن صورة الشيء أنه «ذات
الشيء» أو نصه فقد قال الرسول بولس
لتلميذه تيموثاوس «تمسك بصورة
الكلام الصحيح»أي بذات
الكلام الصحيح (2تيموثاوس 13:1) وقال في
العبرانيين «لأن الناموس إذ له
ظل الخيرات العتيدة لا نفس صورة الأشياء»أي
«لا نفس حقيقة الأشياء»
أو ذاتها (عبرانيين 1:10) .
إذن
فالمقصود بكلمة صورة الله
هو «ذات الله» أو «الله
معلنا» إذ إن الصورة هي الشيء المنظور
الذي يمثل حقيقة كائنة, سواء كانت هذه الحقيقة
ظاهرة لنا أم غير ظاهرة. لذلك في (عبرانيين 3:1)
جاء عنه هذا القول: «بهاء مجد
الله ورسم جوهره» ولذلك قال لفيلبس «الذي
رآني فقد رأي الآب» (يوحنا9:14) .
إن
ما فعله الشيطان لحرمان البشر من التمتع
بالله هو أنه «أعمى أذهان غير
المؤمنين لئلا تضئ لهم إنارة إنجيل مجد
المسيح الذي هو صورة الله» (2كورنثوس4:4)
أما بالنسبة لنا نحن المؤمنين فمكتوب «لأن
الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي
أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه
يسوع المسيح» (2كورنثوس6:4) .
4
- مدلولات أخرى:
ومن
دراسة كلمة الله الحية نلاحظ أن البنوة تدل
على الوحدة في الصورة الإلهية
(فيليبي 6:2, كولوسي 15:1, عبرانيين 3:1)
وتدل
أيضا على المقام الإلهي
لأننا نقرأ في (متى 37:21) أنه أرسل ابنه إلى
الكرامين قائلا : «إنهم يهابون
ابني» لأن الابن يحمل اسم
أبيه ومقامه. ومن جهة الإكرام أيضا لاحظ (يوحنا23:5)
كما
أن هذه البنوة تدل على الوحدانية في جوهر
اللاهوت «أنا
والآب واحد» (يوحنا30:10)
كما
أنها تدل أيضا على أنها وحدة فريدة لا مثيل
لها (يوحنا18:1)
كما أنها وحدانية سرية فائقة: «ليس أحد يعرف الابن إلا الآب» (متى 27:11) .