المسيح بين المعرفة والجهل

(لوقا3:19)

الباب السادس

الاعتراضات والرد عليها

وبعد أن رأينا أن المسيح له الأمجاد الإلهية, وهذا ما يثبت أنه الله. لكن المتشككين المضلين لا يصمتون ولا يقتنعون بل يبدأون من جديد بهجومهم الذي لا موضع له من الصحة فيسألون:

السؤال الأول:

إن كان المسيح ابن الله وهو «الله» صاحب الأمجاد الإلهية, وهو الذي يصلي له ويسجد له, فلماذا في أيام حياته على الأرض كان يصلي حتى وإنه في آخر لحظات حياته وهو على الصليب صلى إذ جاء في (متى 46:27) ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا : إيلي إيلي لما شبقتني «أي إلهي إلهي لماذا تركتني» وهنا نلاحظ أمرين هامين:

أ - مناداته لله على الصليب بأنه إلهه في القول «إلهي إلهي».

ب - مناداته لله واستغاثته به يدل على أنه إنسان يستغيث بالله.

ألا يكون مقبولا للعقل أن نقول إن المسيح هو إنسان عظيم أو نبي عظيم أو ملاك مرسل من الله أو هو أول خليقته وليس هو الله?

وللإجابة نقول:

إن هذا السؤال لا يشكل أية مشكلة بل هو من الأسئلة السهلة إذا وضعنا في أذهاننا الحقائق الكتابية الآتية:

إن الرب يسوع المسيح ابن الله مع أنه الله الأزلي, إلا أنه في ملء الزمان جاء إلى الأرض «مولودا من امرأة ليفتدي» (غلاطية 4:4) ولقد قال الرسول بولس جامعا الطبيعتين الإلهية والإنسانية (فيليبي 5:2 - 8) «المسيح يسوع... الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس وإذ و جد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب».

وفي هذه الكلمات نرى تنازل المسيح العجيب فلقد:

1 - أخلى نفسه

2 - أخذ صورة عبد

3 - صار في شبه الناس

4 - و جد في الهيئة كإنسان

5 - وضع نفسه

6 - أطاع حتى الموت

7 - موت الصليب.أي موت اللعنة لأنه مكتوب «المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة» (غلاطية 13:3) .

ومن هنا يتضح لنا أن المسيح مات كإنسان بديلا عن الإنسان «فإن المسيح تألم مرة واحدة من أجل الخطايا البار من أجل الأثمة لكي يقربنا إلى الله» (1بطرس 18:3) .

ولا يفوتنا أن نقول إن المسيح (كإنسان) «ليس فيه خطية» (1يوحنا35:3) . ولم يعرفها (2كورنثوس21:5) ولم يفعلها (1بطرس 22:2) . فهو البار بطبيعته (1يوحنا1:2) .

ولنلاحظ أيضا أن الذي تألم على الصليب ومات هو الرب يسوع المسيح «بناسوته». لأن اللاهوت م نزه عن الألم والموت. لكن في نفس الوقت كان ناسوته يحل فيه كل ملء اللاهوت جسديا لأنه لو كان ناسوتا فقط لما كان لكفارته العظيمة الكفاية لجميع البشر في كل الأجيال. ولذا فهو يسأل الله قائلا ? لماذا تركتني? وهذا السؤال لا يجرؤ إي إنسان خاطئ أن يسأله أو يوجهه إلى الله, لأنه يعلم أنه يعاقب بسبب خطاياه وشره. لذلك لم يوجهه أحد اللصين اللذين صلبا معه. بل قال أحدهما «أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا» (لوقا41:23) . أما المسيح فله الحق أن يسأل: إلهي إلهي لماذا تركتني?.

وسؤاله هنا سؤال الإنسان البار «النائب عن الأثمة الفجار». لذلك عندما صرخ على الصليب لم يقل أبي أبي لماذا تركتني?. بل قال «إلهي إلهي ولم يخاطب الله بالقول «يا أبتاه» (لوقا24:24) . كما هي عادته وكما هي نسبته وعلاقته. وربما سائل يقول: هل في هذه اللحظة التي صرخ فيها قائلا : «إلهي إلهي» لم يكن فيها ابن الله? لأن الله تخلى عنه?

لا يا عزيزي, إنه ابن الله في كل وقت حتى في ساعة الألم لأن علاقته بالآب. لم تنقطع لحظة واحدة. ولكن النداء الذي كان يتفق مع موقفه كحامل الخطايا عن الإنسان على الصليب هو «إلهي إلهي» وليس أبي أبي, لأن الذي كان يتعامل معه في هذا الموقف هو الله القدوس الديان, والمسيح كان النائب عن البشر الذي وضع الله عليه إثم جميعنا (إشعياء 6:53) . مع ملاحظة أن الآب لم يترك ابنه على الإطلاق بل بينما كان الابن يحتمل الآلام الكفارية على الصليب كان في نفس الوقت في حضن الآب أي موضوع محبته وسروره كما هو مكتوب «أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن, إذ جعل نفسه ذبيحة إثم» (إشعياء 10:53) . كما يجب أن نلاحظ أن هذه الصرخة التي صرخها «إلهي إلهي لماذا تركتني» أعلنت أنه البار القدوس الطاهر ولكنه بسبب خطايا البشرية التي حملها في جسده بصفته النائب والبديل حجب الله وجهه عنه لأنه قد صار ذبيحة خطية. وذبيحة إثم اقرأ (إشعياء 13:52 - 15 , 1:53 - 6 ,2كورنثوس21:5, رومية 21:3, 26 ,1بطرس 22:2 - 24).

مرة أخرى أقول: لا يغب عنا أن المسيح مع كونه «ابن الله» الرب يهوه العظيم هو أيضا «بالتجسد» «ابن الإنسان» بكل خصائص الإنسانية وصفاتها ما عدا الخطية.

فكإنسان كان لابد أن يطلق على الله أنه إلهه مع أنه الإله العظيم. فكإنسان كان لابد أن يصلي إلى الله ويطلب منه, مع أنه هو بذاته الذي نصلي إليه بصفته الله الحي مجيب الصلاة.

لذلك قيل عنه في أيام جسده مرارا وتكرارا إنه كان يصلى بوصفه الإنسان يسوع المسيح.

السؤال الثاني:

إن كان المسيح هو أقنوم الله الابن المساوي للآب والروح القدس, وله الأمجاد الإلهية, فلماذا قيل في (متى 32:12) «من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي» أليس هذا اعترافا منه هو بنفسه أنه إنسان كسائر الناس ولذا يكرر القول عن نفسه «ابن الإنسان».

وللإجابة نقول:

إن كلمات هذه الآية لا تلقي أية شبهة على لاهوت المسيح, بل كان الغرض الحقيقي منها هو أن يعلن المسيح لسامعيه أن الذين لم يؤمنوا بلاهوته من الناس الذين كانوا في عهده والذين لم يروه كالله الذي لا حد لمجده أو جلاله بل رأوه كإنسان محدود يلتمس لهم بعض العذر, أما الذين منهم أنكروا قوة الروح القدس التي كان يعمل بها معجزاته وإسنادها إلى الشيطان فليس لهم عذر على الإطلاق لأن قوة الروح القدس كانت ظاهرة بدرجة لا تدع مجالا للشك في أنها قوة الله نفسه.

كما أن هذه الآية تؤكد أن الروح القدس أقنوم إلهي هو الله ذاته, وليس مجرد تأثير كما يقول المضادون وأن الذي يجدف عليه فلا غفران له إلى الأبد. لأن هذا إنكار لشخصيته وحط من مكانته وهذا التصرف هو رفض متعمد لله وأعماله وإصرار على عدم الطاعة لسلطانه.

وأما السبب الذي لأجله يغفر لمن يقول كلمة على «ابن الإنسان» ولا يغفر لمن يجدف على الروح القدس, ليس هو عدم المساواة بين المسيح ابن الله والروح القدس, أو إن الروح القدس أفضل مقاما من أقنوم الابن, بل إنه بصفته «ابن الإنسان» كان يبدو كأحد الناس. ولذلك كان من المحتمل أن يشك في شخصيته الذين لم يكن لديهم علم بما هو مكتوب عنه في التوراة. ومما يدل على هذا قوله «من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له» ولم يقل «من قال كلمة على ابن الله يغفر له» لأن أقنوم الابن الأزلي معادل للآب وللروح القدس. أما بصفته ابن الإنسان بالتجسد فشكهم فيه له عذره. فكان من الجائز أن يغفر لهم, لو أنهم لم يشاهدوا معجزاته التي كان يعملها بقوة الروح القدس.

كما أنه بصفته ابن الإنسان جاء لخلاص الناس كما هو مكتوب «لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك» (لوقا10:19) .

لذلك طلب وهو على الصليب الغفران لصالبيه والمجدفين عليه قائلا : «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لوقا34:23) .

ولأن الروح القدس من عمله أن يعلن المسيح المخلص للنفس الهالكة ويقدمه بصفته الرب «وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس» (1كورنثوس13:12) , وهو أيضا «الذي يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة» (يوحنا8:16) .

لذلك فإن من يجدف عليه فلا غفران له إلى الأبد. بمعني أن الذي ينسب العمل المبارك الذي يعمله الروح القدس إلى الشيطان ويرفض بعناد توسلات الروح القدس وتبكيته لإرجاعه إلى الرب ويتقسى قلبه تماما كما حدث مع الفريسيين الذين أسندوا معجزات الرب يسوع إلى «بعلزبول» ورفضوا الرجوع إلى الله هكذا ح رموا من نتائج عمله وبالتالي ح رموا من الغفران إلى الأبد, يتم فيه القول «فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي».

السؤال الثالث:

إن كان المسيح «هو الله صاحب الأمجاد الإلهية» فلماذا قيل عنه ما يظهره بأنه أقل من الآب مثل:

أ - «إن الآب أرسل الابن إلى العالم» (يوحنا37:5) , وأيضا «وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته» (يوحنا3:17) ألا يدل هذا عن أن الإله الحقيقي هو الله, وأما يسوع فهو مرسل منه, وبالتالي يكون الآب أسمى من الابن مقاما ?

ب - «لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته» (يوحنا26:5) . ومن هذه الآية يظهر أن الآب هو المعطي والابن هو المعطى له من الآب حياة في ذاته وبالتالي لابد أن يكون الآب خالقا للابن. وواهبا إياه حياة في ذاته وعلى هذا فلا مساواة بين الآب والابن وبالتالي لا يمكن للابن أن تكون له الأمجاد الإلهية?

ج -«إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» (يوحنا17:20) . وأيضا «كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته» (أفسس17:1) . ألا يدل هذا على أنه كان واحدا من البشر الذين إلههم هو الله, وبالتالي لا يكون هو الله صاحب الأمجاد?

د - وكذلك «أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج أكثر من شركائك» (عبرانيين 9:1) .

ألا يدل هذا ويؤكد على عدم صحة ما تدعون وتقولون من جهة لاهوت المسيح?

وللإجابة على هذه الادعاءات, نقول:

أ - في الآية الأولى التي وردت في (يوحنا37:5) :

«الآب أرسل الابن» لا تعني على الإطلاق أن الابن في مركز المحدودية والتحيز بمكان, ولا يعني أنه قد تحرك من مكان إلى مكان, بل مجرد ظهوره في العالم بهيئة مرئية, لأن اللاهوت منزه عن التحيز بمكان وعن الانتقال من مكان إلى مكان. ثم إن مجيء الابن إلى العالم لم يكن بإرادة الآب بالاستقلال عن إرادته الشخصية كأقنوم الابن, بل جاء بإرادتهما وإرادة الروح القدس معا . وذلك كوحدة في الجوهر. فقال الابن له كل المجد «من عند الآب خرجت» (يوحنا27:16)أي خرجت بإرادتي وفي (فيليبي 7:2) يقول «الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد»أي إنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد بمحض إرادته وعن مجيئه بإرادة الآب والروح القدس معا قال له المجد على لسان إشعياء النبي: «والآن السيد الرب أرسلني وروحه» (إشعياء 12:48 - 15).

ولذلك فإرسال الآب للابن لا يدل على وجود أي تفاوت بينهما, بل بالعكس يدل على توافقهما وتوافق الروح القدس معهما في الاهتمام بالبشر والعطف عليهم أما السبب في ظهور الابن وإرساله دون الأقنومين الآخرين, فيرجع إلى أنه هو الذي يعلن الله ويظهره.

أما بخصوص الآية الثانية الواردة في (يوحنا3:17) فبالعودة للأصحاح الذي وردت فيه هذه الآية نجد أن المسيح يخاطب الله بقوله «أيها الآب». وفي ذات الوقت يؤكد وجوده مع الآب قبل كون العالم. وأيضا مجده قبل كون العالم في القول «والآن مجدني أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم» (يوحنا5:17) وهذا ما لا يتوافر في كل الخليقة حتى المؤمنين لان للخليقة بداية ولإيماننا إيضاً بداية لكن المسيح كما هو واضح أزلي لا بداية له

كما إنه في نفس الأصحاح يظهر لنا أنه مالك كل شيء في القول: «كل ما هو لي فهو لك. وما هو لك فهو لي» (يوحنا10:17) . كما يؤكد لنا في أصحاح سابق وحدانيته مع الآب في القول «أنا والآب واحد» (يوحنا10: 30)

بل ويؤكد معنى البنوة أنها علاقة المحبة الأزلية في القول «لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم» (يوحنا24:17) . كل هذه الآيات تؤكد لنا أزلية المسيح ووحدانيته مع الآب. وفي الآية التي نحن بصددها يعلن لنا المسيح أن الحياة الأبدية كما يقول الرسول يوحنا «كانت عند الآب وأظهرت لنا» (1يوحنا2:1) ويقول أيضا : «بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به» (1يوحنا9:4) .

أي إننا نقول إن الحياة الأبدية تتوقف على معرفة الإله الحقيقي الذي أظهر محبته بإرسال ابنه يسوع المسيح لعمل الفداء العظيم.

ثم إن القول «ليعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته» وارتباطه بالحياة الأبدية فهذا يظهر البرهان على لاهوت المسيح, لأن معرفة المسيح مساوية لمعرفة الإله الحقيقي.

كما قد جاء عنه في (1يوحنا20:5) «ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية» ومما لاشك فيه أنه لا يستطيع أحد أن يعرف الآب «الإله الحقيقي» إلا عن طريق معرفته لابنه يسوع المسيح «الله لم يره أحد قط, الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر» (يوحنا18:1) . كلمة «خبر» كما سبق الكلام تعني «أظهر» أو «أعلن» فالمسيح هو الطريق الوحيد لمعرفة الآب كما قال هو بنفسه لليهود (لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضا» (يوحنا19:8) .

وقال للتلاميذ أيضا «أنا هو الطريق والحق والحياة. وليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي. لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضا . ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه الذي رآني فقد رأي الآب» (يوحنا9:14) . ونوال الحياة الأبدية يتوقف على معرفة الله الحقيقي الذي أعلن ذاته في ابنه يسوع المسيح. كما قال الرسول يوحنا «وهذه هي الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية. وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة. ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة» (1يوحنا11:5, 12) وهذه المعرفة لا يمكن الوصول إليها بدون المسيح.

فالآية إذا لا تتعارض مع مساواة الابن بالآب. فهو الذي قال «أنا والآب واحد» (يوحنا30:10) . وبالتالي لا تمس لاهوت المسيح, ولا تقلل منه أو تظهر أن الآب أعظم مقاما من الابن أو الابن أقل مقاما من الآب.

ب - بخصوص الآية الواردة في (يوحنا26:5)

يقول المعترض: إن الآب هو الذي أعطى الابن أن تكون له حياة في ذاته, وبما أن الآب هو المعطي والابن هو المعطى له لذا لابد أن يكون الآب خالقا للابن وواهبا إياه الحياة, وعلى هذا فلا مساواة بين الآب والابن.

بالعودة إلى الأصحاح الذي جاءت فيه هذه الآية نرى:

أولا - أن هذه الآية تظهر المساواة بين الآب والابن, فالآب له حياة في ذاته والابن له «حياة في ذاته».

ثانيا : في هذا الأصحاح يقول المسيح لليهود «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل» (يوحنا17:5) وقد فهم اليهود من هذا القول أنه عادل نفسه بالله «فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا إن الله أبوه معادلا نفسه بالله» (يوحنا11:5) .

في نفس الأصحاح وبعد الكلام السابق جاء عن المسيح:

1 - أنه له نفس قدرة الآب في إحياء من يشاء (يوحنا21:5) .

2 - أنه له القدرة في إحياء الأموات بالخطايا (يوحنا25:5) .

3 - أنه له نفس الكرامة التي للآب (يوحنا22:5, 23).

4 - أنه سيقيم الأموات من قبورهم (يوحنا28:5, 29).

ولكننا نرى أن الآب قد أعطى للابن:

1 - كل الدينونة.

2 - أن تكون له حياة في ذاته.

وهنا نسأل, بأي اعتبار أعطى الآب هذه الأمور للابن? يقول في (يوحنا27:5) «أعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان» فعطايا الآب للابن ليست باعتباره الله «الأزلي» بل باعتباره ابن الإنسان في الزمان. حين أخذ صورة عبد وصار في شبه الناس ووجد في الهيئة كإنسان.

فمن جهة لاهوته هو «ابن الله» الله الأزلي, ولكن من جهة ناسوته وتجسده هو «ابن الإنسان» «الإنسان يسوع» وفي هذا الوضع الأخير «ابن الإنسان» مي زه الآب عن البشر جميعا بأن أعطاه حياة في ذاته. معلنا لنا بهذه الكلمات أن «ابن الإنسان» هو بذاته «ابن الله». وأنه في إنسانيته «له حياة في ذاته». وهذا ما أوضحه المسيح في (يوحنا17:10) «لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضا . ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولى سلطان أن آخذها أيضا وهذه الوصية قبلتها».

ولقد قال لليهود (يوحنا18:2 - 21) «انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه» وكان يقول هذا عن هيكل جسده, فلو لم يكن له حياة في ذاته ما استطاع أن يقول هذه الكلمات.

فالإعطاء المذكور في هذه الآية يعني إظهار حياة الله الذاتية في الإنسان يسوع المسيح عندما تجسد في الزمان.

ج- في الآية الأولى (يوحنا17:20) أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم».

إن الرب يسوع هو أحد أقانيم اللاهوت, لكنه بتجسده أصبحت له طبيعتان كاملتان متحدتان: هما اللاهوت والناسوت وهما متحدتان كل الاتحاد لا تنفصلان دون اختلاط أو امتزاج فلكل تمي زها عن الأخرى اللاهوت لاهوت والناسوت ناسوت.

فمن حيث اللاهوت: هو الله من الأزل وإلى الأبد «إنه الكائن على الكل إلها مباركا إلى الأبد» (رومية 5:9) .

أما من حيث الناسوت: فكان كأحد البشر مع ملاحظة خلوه من الخطية خلوا تاما , الذي لا يمكن أن يكون في إنسان آخر سواه. ولذلك كان يدعو الله من هذه الناحية أبا وإلها له. وهذا ما قاله في الآية السابقة عن الله أنه أبوه وإلهه, بمناسبة إعلانه عن عودته إليه بعد إتمام عمل الفداء الذي كان قد جاء إلى العالم للقيام به لأجلنا.

وقد قام بهذه المهمة بوصفه «ابن الإنسان» كما يجب أن نلاحظ أن هناك تميزا بين بنوته وبنوة المؤمنين. لذلك قال أبي وأبيكم. ولم يقل «أبينا» فبنوته أزلية أما المؤمنون, فهم أبناء الله بالتبني.

وفي الآية الثانية: (أفسس17:1) «كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح»

كما هو معروف أن رسالة أفسس تكلمنا عن «تدبير ملء الأزمنة» الذي فيه يجمع الله كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض (أفسس10:1) والمسيح في هذا التدبير يمثل «الإنسان» الذي أخضع الله تحت قدميه كل شيء (أفسس22:1) وباعتباره ابن الإنسان «فالله إلهه».

كما أنه يجب أن نلاحظ القول «إلهي وإلهكم, إله ربنا يسوع المسيح», ففي الأولى يربط نفسه بالتلاميذ بقوله لمريم المجدلية «اذهبي إلى إخوتي» ولكونه قد ربط نفسه بهم وأصبح مماثلا لهم فالله في هذا الاعتبار هو «إلهه» كما هو «إلههم» غير أنه إلهه باعتباره الإنسان الكامل الذي قام بعمل الفداء وسدد كل مطاليب عدالة الله «وإلههم» باعتبارهم مكملين فيه فهو بالنسبة لهم «إله كل نعمة».

إذا هذا التعبير «إله ربنا يسوع» لا يقلل من لاهوت ربنا يسوع المسيح أو يجعله أقل مقاما من الآب بل يؤكد أن المسيح هو «ربنا» كما أن هذه الرسالة (أفسس) تعلن أن المسيح هو الرب في (أفسس2:1) وأنه «ابن الله» (أفسس3:1, 13:4) وأنه هو الذي يحل بالإيمان في القلب (أفسس17:3) .

وفي الآية الثالثة: «مسحك الله إلهك» (عبرانيين 9:1) .

لنرجع إلى النص من أوله «وأما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور... من أجل ذلك مسحك الله إلهك... وأنت يا رب في البدء أسست الأرض والسموات هي عمل يديك» (عبرانيين 8:1 - 10) وهذه الكلمات مأخوذة من (مزمور 6:45, 7) وهو مزمور المسيح الملك الذي فيه يخاطبه الكاتب بالقول: «أنت أبرع جمالا من بني البشر, انسكبت النعمة على شفتيك. لذلك باركك الله إلى الأبد» (ع 6) «كرسيك يا الله إلى دهر الدهور».

وباعتباره «الملك الممسوح من الله في الزمان» يخاطبه بالقول «أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الإبتهاج».

ويجب ألا يفوتنا أن المسيح قد مسح بالروح القدس, بعدما اعتمد من يوحنا المعمدان في الأردن (لوقا21:3, 22) وأنه هناك أعلن الآب من السماء بنوته له إذ قال له «أنت ابني الحبيب بك سررت».

فالمسحة أمر يتصل بعمل المسيح في الزمان سواء اتصل هذا العمل بالفداء أو بالملك وإخضاع كل شيء وعلى هذا يكون المسيح قد مسح كإنسان ليتمم المشورات الأزلية.

وبهذا الاعتبار فالله إلهه مع أنه في ذات الوقت ابنه الأزلي الوارث لكل شيء الذي به عمل العالمين (عبرانيين 1:1, 2).

وهكذا, يتضح لنا أن المسيح بصفته «ابن الإنسان» يقول عنه النبي (مزمور 7:45) «من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك» وأيضا في (مزمور 6:2) يقول: «أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي».

والمقصود بدهن الابتهاج «الروح القدس» الذي به مسحه الله الآب للملك. كما قال هو «روح السيد الرب على لأن الرب مسحني» (إشعياء 11:61, لوقا17:4, 21 , مزمور 6:2, أعمال 38:10). ونحن نعرف أن الروح القدس هو الله أيضا .

ومن هنا يتضح لنا أن الآب هو الله والابن هو الله والروح القدس هو الله.

السؤال الرابع: يقولون جاء في (1كورنثوس24:15 - 28) «بعد ذلك النهاية متى سلم الملك لله الآب متى أبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة. لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه, آخر عدو يبطل هو الموت لأنه أخضع كل شيء تحت قدميه. ولكن حينما يقول إن كل شيء قد أخضع فواضح أنه غير الذي أخض ع له الكل. ومتى أخضع له الكل فحينئذ الابن نفسه أيضا سيخضع للذي أخضع له الكل كي يكون الله الكل في الكل».

من هذه الأقوال يتضح أن الابن نفسه أيضا سيخضع للذي أخضع له الكل. وهذا يرينا عدم مساواة الابن بالآب.

وللجواب نقول:

لقد كان غرض الله حين خلق الإنسان كما نقرأ «فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه. ذكرا وأنثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم أثمروا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض» (تكوين 27:1, 28) وقيل عنه في (مزمور 3:8 - 6) «تسلطه على أعمال يديك. جعلت كل شيء تحت قدميه» لكن بسبب السقوط, ومخالفة الله وعدم الطاعة له, فشل الإنسان في إتمام غرض الله في إخضاع كل ما على الأرض. وجاء الرب يسوع, وأخذ صورة الإنسان, ليس فقط ليفدي الإنسان, بل لكي يتم قصد الله في الإنسان وهو إخضاع كل شيء تحت قدمي الإنسان ورد السلطة المفقودة منه بسبب السقوط.

ومع أن الإنسان البشري فقد سيادته بسبب سقوطه, ولكننا نرى داود في المزمور الثامن يؤكد سيادة الإنسان. وهو بهذا التأكيد يشير إلى «ابن الله» الذي سيأخذ صورة الإنسان, وليتمم غرض الله الذي أراده من البداية للإنسان كما هو واضح في (عبرانيين 5:2 - 9).

وبالعودة إلى الأصحاح الذي منه هذا الجزء موضوع الاعتراض على لاهوت المسيح, نجد أن الرسول فيه يتكلم عن «ناسوت المسيح كثيرا» وفي ذات الوقت يؤكد لاهوته. فمثلا يقول: «فإنه إذ الموت بإنسان بإنسان أيضا قيامة الأموات» (1كورنثوس21:15) وأيضا «آدم الأول» و «آدم الأخير» وأيضا «الإنسان الأول من الأرض ترأبي والإنسان الثاني الرب من السماء» (1كورنثوس47:15) .

وإذ فشل الجميع «جاء ابن الله في صورة إنسان» ليخضع الخليقة لله, وله كل المجد بعد أن يتم إخضاع كل شيء يسلم الملك لله الآب. حيث لا تكون حاجة أن الإنسان يقوم بالعمل نيابة عن اللاهوت وعندئذ في الحالة الأبدية نرى الثالوث الأقدس «الآب والابن والروح القدس».

في الإنسان يسوع المسيح الذي مكتوب عنه «سر أن يحل فيه كل ملء اللاهوت جسديا».

وبهذا الاعتبار سيخضع الله الآب كل شيء تحت قدميه. وتقول الكلمات «ومتى أخضع له الكل» من الذي سيخضع له الكل? الله الآب سيخضع للمسيح الإنسان كل شيء.

ومتى أخضع الله الآب كل شيء للمسيح باعتباره رأسا وممثلا للإنسانية يأتي المسيح بهذا الاعتبار فيسلم الملك لله الآب, ويخضع له معترفا بأن القوة التي فيه لم تكن قوة إنسانية بل كانت قوة الله القادر على كل شيء.

وكأنه يقول: الآن قد انتهت مهمتي تماما كإنسان, فلقد كان الفادي للإنسان والممجد لله كالإنسان أيضا , وبموته كالإنسان أيضا أباد ذاك الذي له سلطان الموت وأنهى سيادته على الإنسان وبالتالي قد انتهت سيادة الموت أيضا .

وحيث إنه تمم كل عمل لأجله قد جاء كالإنسان أو كابن الإنسان, ولابد أن يسلم الملك للآب, حتى يرى المفديون الله في ثالوثه الآب والابن والروح القدس الله الأزلي في ملكه الأبدي في الإنسان يسوع المسيح حسب الجسد (عبرانيين 5:2 - 8).

بالرغم مما سبق ووضوح لاهوت المسيح كوضوح الشمس في رابعة النهار لكن لا يكف المضادون لشخصه. فهم يسألون قائلين:

في ظهوراته في العهد القديم قيل عنه إنه «ملاك الرب» فهل هذا القول «ملاك الرب» لا يثبت أنه مخلوق لأن كل الملائكة مخلوقون.

وللإجابة نقول:

ينبغي أن نعلم أن كل الظهورات في العهد القديم هي ظهورات أقنوم الابن, وكلمة «ملاك» تعني:

«مرسل» وكلمة «ملاك الرب» تعني: «الرب المرسل».

وفي كل حادثة ظهور بينما كان يتكلم كملاك, لكن كان يكشف عن ذاته أنه الله نفسه.

ولنأخذ على سبيل المثال:

ظهوره لهاجر, «وقال لها ملاك الرب تكثيرا أكثر نسلك» (تكوين 6:16) . وهذا ليس في سلطان أي ملاك, لكن هذا في سلطان الرب وحده.

وواضح من الآية السابقة أن الله يتكلم بسلطانه.

ولكن بعد هذا نقرأ أن ملاك الرب قال لهاجر «لأن الرب قد سمع مذلتك» (تكوين 11:16) وهنا نراه كأنه سفير مرسل من السماء ثم نقرأ بعد ذلك عن هاجر «فدعت اسم الرب الذي تكلم معها إيل رئي (تكوين 13:16) أي الرب رآني.

وفي العهد الجديد نقرأ أن الرب يسوع قال لنثنائيل: «قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة رأيتك» (يوحنا48:1) . وفي (تكوين 9:22 - 12) نرى أن ملاك الرب هذا منع إبراهيم أن يقدم ابنه اسحق ذبيحة «فلما أتيا إلى الموضع الذي قال له الله, بني هناك إبراهيم المذبح... ثم مد إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه فناداه ملاك الرب من السماء وقال إبراهيم إبراهيم. فقال هاأنذا فقال لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئا لأني الآن علمت أنك خائف الله فلم ت مسك ابنك وحيدك عني».

وهنا نرى أن ملاك الرب قد أظهر ذاته أنه الله الذي قد م إبراهيم له الطاعة ولم يمسك ابنه وحيده عنه.

وظهوره ليعقوب في (تكوين 11:31 - 13) «وقال لي ملاك الله في الحلم يا يعقوب فقلت هاأنذا فقال ارفع عينيك وانظر جميع الفحول الصاعدة على الغنم مخططة ورقطاء ومنمرة لأني قد رأيت كل ما يصنع بك لابان. أنا إله بيت إيل حيث مسحت عمودا حيث نذرت لي نذرا . الآن قم اخرج من هذه الأرض وارجع إلى أرض ميلادك». وواضح من هذه العبارات مع ربطها بتكوين (18:28 - 20), عندما نذر يعقوب نذره أن ملاك الله هو الله ذاته إله إبراهيم وإله إسحق.

وكذلك أيضا ظهوره لموسى إذ يقول في (خر 1:3 - 6) «وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة, فنظر وإذ العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تحترق. فقال موسى أميل لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العليقة? فلما رأي الرب أنه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى موسى... ثم قال أنا إله أبيك, إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب».

وهنا نرى أن ملاك الرب هو بذاته إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب.

وهكذا أيضا مع ظهوره ليشوع في (يش 13:5 - 15).

وظهوره لجدعون في (قض 12:6 - 14).

وظهوره لمنوح وزوجته في (قض 9:13 - 22).

هكذا في كل مرة نلتقي مع ملاك الله في الكتاب فإننا نجد الصفات الإلهية والأمجاد الإلهية والأعمال الإلهية والأسماء الإلهية. وهذه جميعها هي صفات خاصة بالرب يسوع رب العهد القديم والجديد.

أبعد هذا نقول إن الرب يسوع هو ملاك الرب وليس هو الرب?

ليفتح الرب البصائر والقلوب (راجع الجزء الخاص بـ هل المسيح ملاك?).

سؤال آخر:

قلتم في الكلام السابق إن المسيح له ذات أسماء الله في العهد القديم والجديد, وبناء على هذا قلتم إنه هو الله بذاته, وفاتكم أنه قد جاء عنه أنه عبد يهوه في (إشعياء 13:52) , وشواهد أخرى كثيرة. فكيف وهو عبد يكون هو الله? هل كلمة الله متناقضة?! ثم إنه كثيرا ما يطلق عليه أيضا «ابن الإنسان» و«المعلم». وهو قال عن نفسه أيضا إنه «جاء ليخدم» فكيف يكون هو الله?

وللجواب نقول:

أولا - المسيح عبد يهوه :

منذ أن رسم الروح القدس الخطوط الأولى في الكتاب المقدس, أعلن بصورة واضحة متعددة الجوانب أوجه عمل المسيح وخدمته المباركة, فلقد جاء عنه: في (زكريا 9:9) «هوذا ملك» وفي (إشعياء 13:52) «هوذا عبدي» وفي (زكريا 12:6) «هوذا الرجل» وفي (إشعياء 9:4) «هوذا إلهك» ولقد جاء عنه بطريقة أخرى:

في (إرميا 15:33) «ينبت لبيت داود غصن بر فيملك ملك».

وفي (زكريا 8:3) «هوذا عبدي الغصن».

وفي (زكريا 12:6) «هوذا الرجل الغصن».

وفي (إشعياء 1:4) «يكون غصن الرب بهاء ومجدا».

وفي العهد الجديد كتب الوحي عنه 4 بشائر وليس بشارة واحدة, ومن الواضح أن البشائر الأربع ليست تكرارا للكلمة, كما إنها ليست تكرارا لتاريخ ربنا يسوع المسيح على الأرض, كما إنها ليست تاريخا كتبه البشيرون الأربعة

كل كما رأي أو حسب ما يظن أو على قياس إدراكه العقلي. بل وإن كانت أربع بشائر لكنها إنجيل واحد الوحدة داخلية لأن الحق واحد فيها. ولكون الحق أعلى من عقولنا لذلك أعطى لنا أربع بشائر لنتعرف جيدا على هذا الشخص العظيم, الذي وإن كان يفوق العقل جدا لكنه ليس ضد العقل. وكل بشارة لها غرض وأسلوب خاص بها, وصفات الرب في كل منها متناسقة ومنسجمة ومرتبطة معا ففي:

1 - بشارة متى نرى المسيح الملك.

2 - بشارة مرقس نرى المسيح خادم الله لإيفاء حاجة الإنسان, وقائما بخدمة العبد بما في يده من قوة إلهية ممثلا العبد الخادم أو النبي الطائع.

3 - وفي بشارة لوقا نراه كابن الإنسان أو الوسيط أو الكاهن الذي جاء ليعالج ما أفسده الإنسان الأول بسقوطه ويرد له اعتباره.

4 - وفي بشارة يوحنا نراه في مركز الابن الوحيد والأزلي ونور العالم وخبز الحياة والمن النازل من السماء وطعام النفوس وشبع القلوب.

لذلك:

في البشارة التي تتكلم عنه كالعبد (بشارة مرقس) تبرز لنا هذا المركز في مواضع كثيرة منها:

1 - لم يذكر لنا شيئا عن سلسلة نسبه أسوة بالكثيرين من أنبياء وخدام العهد القديم الذين شاء الرب أن يخفى أنسابهم وإن ظهرت خدماتهم.

2 - الكلمة التي شاع استعمالها في هذه البشارة (مرقس) هي «للوقت» التي ذكرت فيه 42 مرة لإظهار المسيح في صورة الخادم دائم المشغولية بعمل الله. لذلك يذكر عنه هذا القول «لم يتيسر لهم فرصة للأكل» (مرقس31:6) .

3 - في هذه البشارة بالذات عندما تكلم المسيح عن ساعة مجيئه التي لا يعلم بموعدها أحد انفرد مرقس بذكر أن الابن لا يعلم بها «أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب» (32:13).

وهذا يتفق مع صورة المسيح المعلنة في هذا الإنجيل «الخادم» و «العبد المطيع» وفي (يوحنا15:15) «العبد لا يعلم ما يعمل سيده».

4 - والأسلوب الواضح في هذه البشارة يعلن أن الروح أخرجه إلى البرية (مرقس12:1) كعبد وخادم أمين ولم يقل (أ صعد) كما في متى للإعلان عن شخصه كالملك أو «يقتاد» كما في لوقا لإظهار إنسانيته (متى 1:4, لوقا1:4).

5 - أيضا الأسلوب الواضح في هذه البشارة هو الأسلوب العملي ولذا يغلب عليه طابع المعجزات لذلك ت ذكر فيه 18 معجزة.

6 - ولكماله كخادم أمين يعلنه أنه كان مع الوحوش (مرقس13:1) ولم تؤذه, كذلك كوفئ بإرسال ملائكة صارت تخدمه لندرك أن الله يكافئ ويشجع خدامه الأمناء.

7 - هذه البشارة تنفرد بالإعلان عن خلوة المسيح حوالي 11 مرة (الخلوة الانفرادية) كما أن خدمته كانت تسبقها الصلاة في موضع خلاء في الصباح الباكر جدا إعلانا عن سر قوة الكرازة (مرقس35:1 - 38).

8 - لم يحر م مكان ما من خدمته, خدم عند البحر حيث دعا تلاميذه, وخدم في البيوت حيث المفلوج وحماة سمعان, وفي الهيكل لشفاء ذي اليد اليابسة, وفي الطريق حيث جال يصنع خيرا ويشفى المتسلط عليهم إبليس, ولم تحرم القرى منه, فبينما كان في المدينة وكلها اجتمعت على الباب وشفى مرضاهم, لكنه قال «لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز هناك أيضا لأني لهذا خرجت» (مرقس33:1 - 38).

9 - في هذه البشارة وحدها تذكر حرفته المتواضعة كنجار (مرقس3:6) للإعلان عن مدى تواضعه.

10 - لم يطلب ما لنفسه كما لم يستخدم أبواق الدعاية (مرقس43:5, 56:6) تعلم متى يختفي وكيف يتكلم ومتى يصمت, عمل كل شيء حسنا (مرقس37:7) .

11 - ذاع صيته وأحاط به الجماهير فماذا كان جوابه? «لنذهب», «لنمض», «لنجتز», «قام ومضى».

12 - كان يخدم وسط الجموع ولم يهمل الزيارات الفردية للخدمة.

13 - لم يسلم باعتباره الخادم الأمين من الاضطهاد أثناء خدمته.

14 - يندر استعمال اسمه «الرب» لأنه في هذه البشارة نراه كالعبد حتى بعد صعوده إلى المجد نراه لا يزال يعمل ليس بالتلاميذ بل مع تلاميذه (مرقس20:16) .

15 - وبينما نراه في أول البشارة كعبد مرسل للخدمة, لكن في نهايتها نراه يجلس عن يمين العظمة في الأعالي مكافأة له (مرقس14:1, مرقس12:16).

وهكذا نرى أن الوحي يستخدم في كل بشارة ما يناسب من عبارات تختص بالعمل الوظيفي الذي لأجله قد جاء المسيح إلى أرضنا سواء كملك في بشارة متى? أو كعبد خادم في مرقس? وكابن الإنسان الوسيط والكاهن في لوقا, أو بصفته ابن الله في يوحنا.

ففي حادثة العماد وردت عبارة مخاطبة الآب للابن في بشارة متى بخلاف بشارة مرقس ولوقا ففي متى يقول «هذا هو ابني» (متى 17:3) , بينما في مرقس ولوقا «أنت ابني», أما في يوحنا فلم ترد نهائيا .

ففي متى نرى الإعلان عن الملك المفرز من وسط شعبه والمقام من الله رئيسا لهم. ولكي يكون متميزا عن الكل, وإجابة لتساؤلات الناس فلا يعودون يسألون كما سألوا يوحنا المعمدان قائلين «من أنت?» هل أنت المسيح? النبي أنت? (يوحنا22:1, 23).

فإصبع الله تشير إليه وحده والصوت ينادي قائلا :

«هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت».

وبهذا يكون قد وضح لهم أن هذا هو المسيح الممسوح من الله ملكا على صهيون.

أما في بشارة مرقس الذي يتحدث عنه كعبد يهوه الذي أخلى نفسه باختياره, يقول «أنت ابني». والعبارة ليس بها أية إشارة لتوجيه نظر الناس إليه, بل من لغة المخاطبة من الآب للابن, فإن كان العالم لا يدرك حقيقة بنوة الابن الأزلية لكن الله وحده هو الذي يعلنها, كما أعلنها لبطرس (متى 17:16) .

لذلك حرص الروح القدس أن يدو ن القول أنت ابني في بشارة مرقس, الذي يصور لنا المسيح كالعبد, ليعلن مجد الابن المتضع. فهو وإن كان قد أخذ مركز العبد لكنه هو القدوس ففي رسالة فيلبى بينما كان الرسول بولس يحث المؤمنين على التواضع وعدم الكبرياء والأنانية (فيليبي 3:2,4) , قدم إليهم المسيح نفسه مثلا أعلى للتواضع فقال لهم: «فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا . الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس. وإذ و جد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت. موت الصليب» (فيليبي 5:2 - 8).

وهنا نلاحظ أن المسيح لما اتخذ لنفسه طبيعة الناس, أخلى نفسه (أي أخفى مجد لاهوته). إن في هذا درسا عمليا ومثالا عظيما لنا في التواضع. لكن لا يفوتنا القول السابق لهذا القول: «الذي إذ كان في صورة الله» ويقول العارفون لليونانية إن عبارة «إذ كان» هي في صيغة الاستمرار, وليس الماضي. والمعنى المقصود هو: الذي كان ولم يزل كائنا ويستمر كائنا في صورة الله أي الله ذاته.

فهو في كل أيام جسده على الأرض هو أقنوم الابن, لأنه لو لم يكن المسيح هو الله دائما حتى بعد ما صار إنسانا , فموته لا يصلح أن يكون كفارة عن البشر, لأن فداء البشر يلزم أن يقوم به الشخص الذي هو إله وإنسان معا .

لذلك يقول «أخلى نفسه». بأخذه صورة عبد, مبينا بذلك الإخلاء مجيئه لأجل خلاص وفداء البشر الخطاة بموته على الصليب.

ولقد جاء بإرادته «أخلى نفسه» وفي طاعة كاملة لله ولتمجيده «آخذا صورة عبد», للقيام بكل ما هو مطلوب للآب وللبشر.

ومثله في ذلك مثل العبد العبراني الذي قال «أحب سيدي وامرأتي وأولادي لا أخرج حرا . يقدمه سيده إلى الله. ويقربه إلى الباب أو إلى القائمة ويثقب سيده أذنه بالمثقب فيخدمه إلى الأبد» (خر 5:21, 6).

وقد جاء عنه في (مزمور 6:40 - 10) «بذبيحة وتقدمة لم تسر . أذني فتحت. محرقة وذبيحة خطية لم تطلب حينئذ قلت هأنذا جئت بدرج الكتاب مكتوب عني أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت وشريعتك في وسط أحشائي. بشرت ببر في جماعة عظيمة هوذا شفتاي لم أمنعهما. أنت يا رب علمت. لم أكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بأمانتك وخلاصك. لم أخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة».

وفي (عبرانيين 5:10 - 10) ذات الأقوال يستخدمها بولس ويبدؤها بالقول: «لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقربانا لم ترد لكن هيأت لي جسدا» عند دخوله إلى العالم في حالة الإتضاع كالعبد المطيع.

وجاء عنه بالنبوة في (إشعياء 4:50 - 6) «أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف أن أغيث المعيى بكلمة. يوقظ كل صباح. يوقظ لي أذنا لأسمع كالمتعلمين. السيد الرب فتح لي أذنا وأنا لم أعاند. إلى الوراء لم أرتد. بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين. وجهي لم أستر عن العار والبصق».

نعم! لقد جاء إلى أرضنا من «عذراء» «ولكن يعطيكم السيد نفسه آية ها العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه عمانوئيل» (إشعياء 14:7) . «عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا» (متى 23:1) . ليعلن لنا أن المولود ليس فيه خطية (1يوحنا5:3) . لأنه لم يأت من زرع بشر. وإن كان بناسوته ولد ولكن بلاهوته الإله القدير (إشعياء 6:9) .

وأيضا إن كان مخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل لكنه ولد في بيت لحم اليهودية (ميخا 2:5) وقد أشار الله الآب في النبوة عن المسيح في إتضاعه كعبد يهوه في (إشعياء 6:49 - 7) «فقال قليل أن تكون لي عبدا لإقامة أسباط يعقوب ورد محفوظي إسرائيل. فقد جعلتك نورا للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض. هكذا قال الرب فادي إسرائيل قدوسه للمهان النفس لمكروه الأمة لعبد المتسلطين. ينظر ملوك فيقومون. رؤساء فيسجدون لأجل الرب الذي هو أمين وقدوس إسرائيل الذي قد اختارك».

كما يتكلم هو عن نفسه بالنبوة قائلا «اسمعي لي أيتها الجزائر وأصغوا أيها الأمم من بعيد. الرب من بطن أمي دعاني من أحشاء أمي ذكر اسمي» (إشعياء 1:49) وأيضا في (إشعياء 13:52 - 15) «هوذا عبدي يعقل يتعالى ويرتقي ويتسامى جدا . كما اندهش منك كثيرون. كان منظره كذا مفسدا أكثر من الرجل وصورته أكثر من بني آدم. هكذا ينضح أمما كثيرين. من أجله يسد ملوك أفواههم لأنهم قد أبصروا ما لم يخبروا به وما لم يسمعوه فهموه».

وإذا عدنا إلى حادثة العماد مرة أخرى في (مرقس11:1) نجد القول «أنت ابني الحبيب الذي به سررت». لاحظ القول «به سررت» وليس «بك سررت» كما في (لوقا22:3) وكأن الروح القدس يريد أن يقول لنا وإن كان المسيح في إتضاعه لأجل الفداء اتخذ لنفسه مركز العبد إلا أن هذا لا ينفي عن المسيح ما له من مركز طبيعي وأعني به الابن الأزلي, وذلك ليربط ما بين أزليته وتجسده وهذا واضح في بدء إنجيل (مرقس1:1) إذ يقول «بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله», ذلك حتى لا يقلل من شخصه المعبود وهو في مركز الإتضاع أو حتى لا ننسى أن الذي أخذ صورة العبد هو بذاته الابن في الأزل, والابن الممسوح أزليا لعمل الخليقة (أم 23:8) وفي ملء الزمان ارتضى الابن أن يأتي ليكون عاملا خادما لذلك لا غرابة أن يقول «به» وليس «بك» سررت.

أما في إنجيل متى الذي يتناول المسيح كالملك جاءت العبارة كالآتي: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (متى 17:3) .

ولقد تكلمنا في البداية عن «هذا هو ابني الذي به سررت»أي إن الله سر بمسحه ملكا منذ تأسيس العالم كما يقول السيد للخراف في (متى 24:25) «تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم» وكما قال في (مزمور 7:2) «أما أنا (الله) فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي».

أما في إنجيل لوقا فقد جاءت العبارة كالآتي: «أنت ابني الحبيب بك سررت» فلم يقل هنا «هذا هو» بل قال «أنت ابني» لأن البشر يرون في المسيح إنسانا فقط كما قال اليهود عنه وله «وأنت إنسان تجعل نفسك إلها» (يوحنا33:10) .

كما كانوا يرون فيه الخادم كما قال عن نفسه «لأن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدِم وليبذل نفسه فديه عن كثيرين» (مرقس45:10) .

أو كما قال الوحي عنه «جال يصنع خيرا ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس» (أعمال 38:10) .

ولكن الآب وحده يعرف من هو المسيح. إنه الابن الأزلي (أم 4:30) .

لذلك يقول له «أنت ابني الواحد معي ومع الروح القدس كالله الواحد منذ الأزل» (مزمور 2:90, ميخا 2:5).

وكما قال هو بنفسه في (متى 27:11) «وليس أحد يعرف الابن إلا الآب» و «أنا والآب واحد» (يوحنا30:10) .

فإن كان هو ابن الإنسان في لوقا وفي (فيليبي 8:2) «إذ و جد في الهيئة كإنسان» ولكنه هو الله بشهادة أقنوم الآب «أنت ابني».

لاحظ أسلوب المخاطبة «أنت» لذلك جاء القول «بك» وليس «به» سررت كما في متى ومرقس وذلك للأسباب الآتية:

أولا : لم يكن المسيح قبل أن يأتي إلى العالم بالتجسد ودخوله إليه (عبرانيين 5:10) يمكن أن يطلق عليه لقب «ابن الإنسان», وإن كان قد جاء هذا الاسم في نبوة (دانيال 13:7) لكنه صار كذلك بعد اشتراكه معنا في اللحم والدم (عبرانيين 14:2) .

فتجسد الابن جاء في ملء الزمان, وإن كان ذلك التجسد معروفا سابقا قبل تأسيس العالم. ولكن أعلن في الأزمنة الأخيرة من أجلنا (1بطرس 20:1) . ولأن إنجيل لوقا الغرض الوحيد منه هو إعلان المسيح «كابن الإنسان» لذلك نرى فيه مخاطبة الآب للابن «بك سررت»أي في الزمان الحاضر وليس في الأزل كما سبق الكلام في إنجيل متى ومرقس.

ثانيا : إنجيل لوقا يكلمنا عن المسيح «ابن الإنسان» كذبيحة السلامة (ذبيحة الشكر) بين الله والإنسان. لذلك يشهد الآب للابن بالقول «بك سررت».

ثالثا : إن إنجيل لوقا يكلمنا عن المسيح الوسيط بين الله والناس «يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح» (1تيموثاوس5:2) هذا هو الإنسان الفريد المزكى من الله.

ونلاحظ في هذه الآية اللاهوت والناسوت, فوسيطنا هو الإنسان يسوع المسيح. الابن الأزلي الذي جاء في شبه الناس (فيليبي 7:2) .

لأجل الإنسان ارتضى أن يقدم نفسه كفارة على الصليب مصالحا إيانا في جسم بشريته بالموت مبطلا في جسده ناموس الوصايا في الفرائض لكي يخلق الاثنين (الأمم واليهود) في نفسه إنسانا واحدا جديدا صانعا سلاما» (أفسس15:2, 16).

ومن الواضح أن مركزه كالوسيط والمصالح لم يتخذه قبل التجسد. وما جاء في (إرميا 33:9) يوضح لنا ذلك. لذلك لا غرابة أن يقول الآب عن الابن في إنجيل لوقا الذي يصوره لنا بصفته ابن الإنسان القول «بك سررت».

أما في إنجيل يوحنا فلم ترد هذه العبارة نهائيا , لأنه في هذه البشارة هو الله بذاته, مما سبق نستطيع أن نقول إن يسوع المسيح قبل أن يكون إنسانا هو الله. لكن لأجل البشر المساكين ولأجل مجد الله الذي أهانه البشر, قد تنازل واتضع في صورة البشر بل آخذا صورة عبد في طاعته لله واتكاله عليه وإتمام كل مقاصده ومشيئته. لذلك لاق به أن يقول للآب «العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» وأيضا «أنا مجدتك على الأرض» (يوحنا4:17) .

ثانيا - المسيح ابن الإنسان :

إن كان لقب «ابن الله» يعبر عن معرفة الله لكل الأمور وإعلان من هو المسيح فإن لقب «ابن الإنسان» يعبر عن مشاعر الله نحو البشر. وهذا اللقب لم يستخدمه أحد قط في الأناجيل غير الرب وحده. وقد ورد حوالي 80 مرة في البشائر كالآتي:

30 مرة في إنجيل متى.

12 مرة في إنجيل مرقس.

26 مرة في إنجيل لوقا.

12 مرة في إنجيل يوحنا.

وذكر أيضا هذا اللقب في (أعمال 56:7) في أقوال استفانوس: «ها أنا أنظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائما عن يمين الله».

وذكر أيضا في الرسالة إلى العبرانيين «ما هو الإنسان حتى تذكره أو ابن الإنسان حتى تفتقده» (عبرانيين 6:2) .

وورد ذكره أيضا في سفر الرؤيا مرتين في (رؤيا 13:1, 14:14).

ولو أمعنا التأمل في هذا اللقب من جهة وروده, نرى أن المرة الأولى في (متى 20:8) تعلن عن إتضاع لا مثيل له إذ يقول «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار. وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه».

وفي المرة الأخيرة في (رؤيا 14:14) نرى مجده العظيم إذ يقول: «ثم نظرت وإذا سحابة بيضاء وعلى السحابة جالس شبه ابن الإنسان له على رأسه إكليل من ذهب».

وليس ذلك فقط لكننا نجد أن الاسمين «ابن الله» و «ابن الإنسان» مرتبطان معا .

1 - فعندما سأل رئيس الكهنة الرب يسوع قال له: «أستحلفك بالله الحي أن تقول هل أنت المسيح ابن الله?».

قال له يسوع «أنت قلت, وأيضا أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا على سحاب السماء» (متى 63:26, 64).

قارن هذا مع ما جاء في (مرقس62:14) «أنا هو».

وقد رفضوا دعواه وحكموا عليه بالموت مصلوبا قائلين: «قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده. لأنه قال أنا ابن الله» (متى 43:27) .

وفي إجابة المسيح على سؤال رئيس الكهنة أكد ثلاث حقائق:

أ - أنه ابن المبارك ابن الله.

ب - أنه سيجلس على يمين القوة.

ج -أنه ابن الإنسان الذي سيأتي في سحاب السماء.

2 - في سفر الرؤيا نقرأ أن يوحنا رأى أنه لا يوجد أحد مستحقا أن يفتح السفر, فبكى ولكن جاءه صوت من السماء قائلا له «لا تبك. هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومه السبعة. فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفي وسط الشيوخ خروف قائم كأنه مذبوح له سبعة قرون وسبع أعين هي سبعة أرواح الله» (رؤيا 5:5, 6) وهنا نرى:

أصل داود:أي الخالق له إشارة للاهوت.

من سبط يهوذا, ابن داود إشارة للناسوت.

كما أنه يجب أن نلاحظ أن المرة التي قالها دانيال في نبوته, تدل على عظمته وسلطانه وتبرز أيضا لاهوته. إذ قال «فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض». ولقد سبق هذه الآية القول: «كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان أتى وجاء إلى قديم الأيام فقربوه قدامه» (دانيال 13:7, 14).

والعبارة التي قالها استفانوس تدل أيضا على عظمته ومجده. وعبر الوحي عن ذلك بالقول رأي «مجد الله ويسوع قائما عن يمين الله» (أعمال 55:7) .

ولقد قصد الرب يسوع من تسمية نفسه «ابن الإنسان» أن يعلن لنا أنه الله الذي تجسد, «وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد» (1تيموثاوس16:3) وتألم في وسط مظاهر الفقر والألم ليفتدى العالم أجمع. «فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح. أنه من أجلكم افتقر وهو الغني لكي تستغنوا أنتم بفقره» (2كورنثوس9:8) . وقصد في الوقت نفسه إعلان سلطانه ولاهوته في مجيئه الثاني, حينما يأتي من السماء بالمجد والعظمة, محاطا بالجلال في وسط مظاهر القوة والمجد, محفوفا بالملائكة. ويدل على هذا قوله المبارك في (متى 29:24 - 31 و 37 - 41 و متى 31:25 - 33 , متى 63:26).

وواضح أيضا أنه ليست ولادته من العذراء هي التي جعلته يسمى «ابن الإنسان» فولادته من العذراء هي إتمام الوعد الذي سبق وقاله الله عن: «نسل المرأة», إلا أنه صر ح بكل جلاء ووضوح أن ابن الإنسان هو الذي نزل من السماء. ففي (يوحنا13:3) قال لنيقوديموس: «وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء».

وأيضا قوله لتلاميذه في (يوحنا62:6) «فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أولا». وقوله أيضا في بيت زكا في (لوقا10:19) «إن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك».

ويجب أن نلاحظ أيضا أنه وهو ابن الإنسان هو رب السبت أيضا , وكابن الإنسان له سلطان أن يغفر الخطايا. وكابن الإنسان أعطى أن يدين «وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان» (لوقا5:6, مرقس10:2, يوحنا27:5).

نعم, إن الاسم ابن الإنسان هو الاسم الخاص للمسيح. وهذا الاسم لا يعني إطلاقا كونه ابنا لوالد بشرى. لكنه يدل على أنه و لد من امرأة فالذي و لد في بيت لحم هو إنسان كامل من كل الوجوه.

يسوع هل كان إنسانا ?

لقد جاء أناس بعد فترة قصيرة من حياة يسوع المسيح على الأرض, وهؤلاء لم يعرفوه حق المعرفة. قالوا إنه لا يمكن أن يكون يسوع إنسانا حقيقيا , ولكن له مجرد مظهر الإنسان (هؤلاء يطلق عليهم الدوسينتيون)أي الذين ينكرون ناسوت المسيح, لقد قالوا هذا لأنهم كانوا يعتقدون أن كل ما هو مادي شرير, والله لا يمكن أن يفسد نفسه بالسكن في جسد مادي, فإذا كان يسوع ذا طبيعة إلهية فهو لا يستطيع أن يكون بشرا .

ونحن نقول لك يا عزيزي القارئ إنه لا يمكن فهم هذه الحقيقة إلا بالرجوع لسجلات الحدث نفسه (التجسد) وبالتالي لا نقبل أفكارا لا أساس لها في حياة المسيح, ونذكر الحقائق كما سجلت في الوحي الإلهي ولو كانت مستحيلة في شرحها.

1 - يسوع له ميلاد وطفولة كأي إنسان طبيعي. لقد حبل به بطريقة معجزية (متى 20:1) لكن ميلاده من أم بشرية كان ميلادا طبيعيا (غلاطية 4:4) , وفي عمر مبكر أظهر إدراكا غير عادى لأمور الله (لوقا46:2 - 49), ولكن كان هذا في محيط النمو البشرى الطبيعي في عائلة بشرية عادية (لوقا42:2, 51, 52).

2 - عائلته وجيرانه اعتبروه كشخص عادى مثلهم (مرقس1:6 - 3) وعندما بدأ خدمته للتبشير والشفاء كان رد الفعل عند أسرته بدلا من أن يعبدوه كإله حاولوا أن يأخذوه البيت لأنهم ظنوه مجنونا (مرقس21:3, 31).

3 - كان له جسم مادي عادي.

- يلمس (لوقا39:24, 40).

- يجوع ويعطش (لوقا2:4, متى 18:21, يوحنا28:19, لوقا41:24 - 43).

- يتعب وينام (مرقس38:4, يوحنا6:4).

4 - اختبر العواطف البشرية مثل:

- التعب (مرقس5:3, 13:10, 14).

- الحب والحنان (مرقس21:10, متى 36:9, يوحنا3:11, 5).

- الحزن (يوحنا33:11 - 38).

- الفرح (لوقا21:10, يوحنا11:15).

- الشعور بالوحدة (متى 37:26, 38).

- الاندهاش والتعجب (مرقس6:6, لوقا9:17).

5 - في بعض المواقف كان مثل الناس الآخرين:

- تعر ض للتجربة واختبر الصراع مع الشيطان (مرقس13:1, لوقا40:22 - 42 , يوحنا27:12, عبرانيين 17:2, 18 , 15:4).

- دخل إلى المجمع حسب عادته مع رفقائه اليهود (لوقا16:4) .

- صلى إلى الله بمفرده (لوقا21:3, 12:6, مرقس35:1, عبرانيين 7:5).

ويجب أن نلاحظ أنه بالرغم من أنه تعر ض للتجربة إلا أنه لم يسقط فيها أبدا (متى 1:4 - 10 , يوحنا46:8,2كورنثوس21:5, عبرانيين 15:4,1بطرس 22:2, 23).

6 - مثل البشر مات جسديا ودفن (متى 50:27, لوقا46:23, عبرانيين 14:2).

وقد أثبت لتلاميذه بعد قيامته أنه قد مات فعلا وذلك بأن كشف لهم عن جروحه (لوقا39:24, يوحنا25:20 - 29 ,1كورنثوس2:15 - 4).

إن هؤلاء القوم ينكرون حقيقة إنسانيته لكن خلاصة القول عن يسوع الذي هو الله قبل أن يكون إنسانا , كان على الأرض إنسانا 100% جسديا وعقليا وروحيا , وهو الله في ذات الوقت.

لذلك فإن أي تفسير لشخصية يسوع لا يقول بأنه إنسان كامل فهو تفسير غير مؤسس على عمل الله التاريخي في المسيح, ومن ثم يجب رفضه.

وإذا كانت إنسانية يسوع تختلف عن إنسانية الآخرين فإن ذلك ليس بسبب أنه إنسان جزئيا ولكن بسبب فشلنا نحن في أن نكون كما أراد الخالق أن نكون, وأنه إنسان كامل وبشريتنا هي الناقصة.

وهذا قد دفع البعض أن يتسرع بالقول: إذا كان يسوع إنسانا كاملا فهو بالتالي لا يمكن أن يكون ذا طبيعة إلهية كذلك, أو بمعني آخر إن كان يسوع بشرا , فلا يمكن أن يكون هو الله. وهذا ما قاله خصوم المسيحية.

لكننا نقول إن حقائق حياة يسوع كما هي مسجلة في العهد الجديد تقتضي أن نؤمن بكل من ناسوته الكامل ولاهوته الكامل.

والذين تبعوه من التلاميذ إذ رأوا حياته أدركوا أنه ليس مجرد إنسان, إن تجربتهم معه قادتهم إلى استنتاج أنه ذو طبيعة إلهية ولذلك آمنوا أنه هو الله المتجسد بناسوت ولاهوت كاملين.

فعلى الرغم من أن رسل المسيح آمنوا أنه الله فقد آمنوا أيضا بأنه إنسان حقيقي (1يوحنا2:4, 3). لم يكن مجرد تظاهر منه بأنه إنسان بل هو حقا إنسان. ولفهم هذا الأمر يجب أن نتذكر شيئين:

1 - الله ليس محدودا بالأشياء التي تفهمها عقولنا, فهو يمكنه أن يصنع المعجزات, والتجسد هو المعجزة العظمى بين كل المعجزات (1تيموثاوس16:3) .

2 - إذا أراد الخالق أن يصير جزءا من خليقته فإن أكثر جزء من أجزاء الخليقة يمكن أن يكون مناسبا له هو الإنسان الذي خلقه على صورته كشبهه, تاج خليقة الله. ليس سمكة ولا جملا ولا كتابا ولكنه الإنسان (مرقس5:8 - 8) لذلك صار الله إنسانا .

يسوع هل كان معلما ?

رأينا فيما سبق أن كل الذين عرفوه اعتبروه إنسانا حقيقيا مثلهم تماما لكنهم سرعان ما بدأوا يعرفون أن ذلك الإنسان كان مختلفا فلم يكن مثل الناس الآخرين.

الناس الذين عرفوه جيدا هم تلاميذه لأنهم كانوا يجولون معه ويستمعون إليه أكثر من أي شخص آخر, وبعد قيامته فوض الأحد عشر ليكونوا له شهودا في العالم (أعمال 8:1) .

فإذا كنا نريد أدق معلومات عن عمل الله في المسيح, يجب أن نستمع لما قاله أولئك الرسل.

ومن المهم أن ندرك أن يسوع لم يخبرهم أنه الله أو ابن الله أو المسيا عندما دعاهم, وفي الحقيقة إن يسوع لم يخبر أحدا من الناس بطريقة مباشرة عن هويته (من هو?) لقد تركهم يستنتجون من هو بملاحظة ما يفعله والاستماع إلى ما يقوله.

ماذا كان رأي التلاميذ عن يسوع?

1 - في البداية اعتبروه كمعلم لهم. عندما دعا يسوع تلاميذه ليتبعوه كان يفعل ما فعله الكثيرون من المعلمين اليهود الآخرين في ذلك الوقت.

لم يكن هو المعلم اليهودي الوحيد الذي كان يجول مع مجموعة من التلاميذ (مثلا يوحنا المعمدان) كان له أيضا تلاميذ (متى 2:11, لوقا1:11).

لذلك فإن تلاميذ يسوع اعتادوا على مخاطبته بنفس الطريقة التي يستعملها التلاميذ الآخرون لمخاطبة قادتهم, مستعملين اللقب العبري رابي «سيدي» (مرقس5:9, 45:14, يوحنا38:1). والذين كتبوا العهد الجديد عادة ما ترجموا هذا اللقب بكلمة «معلم» (يوحنا38:1, متى 9:8 - 11).

لذلك عندما تبع التلاميذ يسوع اعتبروه كمعلم.

2 - ولكن سرعان ما ابتدأوا يدركون أن هذا المعلم كان مختلفا , لأنه كان يعلم ويعمل بسلطان أعظم بكثير من سلطان المعلمين اليهود الآخرين:

أ - في تعليمه (مرقس21:1, 22): المعلمون اليهود الآخرون علموا ما اقتبسوه من تعاليم الشيوخ فيقولون المعلم فلان قال.أي ليس لهم سلطان في ذواتهم, ولكنهم اقتبسوا التعاليم الجديرة بالاعتماد والقبول من آخرين. ولكن طريقة يسوع كانت مختلفة في التعليم فبدلا من اقتباس آراء الآخرين قد م لهم تعليمه الخاص (متى 21:5, 22).

تكلم كمن له سلطان (متى 28:7 - 29) جاعلا نفسه أعظم من موسى وكل أنبياء اليهود ومعلميهم, فالأنبياء عندما كانوا يتكلمون كانوا يقولون هكذا يقول الرب. ولكن يسوع قال: «أنا أقول لكم».

إنه لا يستمد السلطان من شخص آخر غير نفسه لأنه هو الله نفسه.

ب - في معجزاته (مرقس25:1 - 27): لو كان يسوع قد عل م بهذه الطريقة فقط لكان الناس سيقولون عنه إنه مجنون حتى إنه يتكلم بهذا السلطان, وفي الواقع إن بعض الناس قالوا مثل هذا القول, مثل أسرته التي أرادت أن تبقيه في البيت حتى تمنعه من أن يجلب السخرية على نفسه (مرقس21:3) ولكن يسوع لم يعلم فقط, بل أيد صدق تعليمه بأعماله (متى 2:11 - 6).

مثلا لديه القدرة على السيطرة على الأرواح النجسة (مرقس1:5 - 20)

شفاء الأمراض (مرقس25:5 - 34) وإقامة الموتى (مرقس 35:5 - 43).

وللسيطرة على الطبيعة (مرقس35:4 - 41).

ووجد التلاميذ أنفسهم أمام هذا السؤال: إذن من يكون هذا الإنسان? (مرقس41:4) لقد بدأوا يدركون أن الذي حسبوه معلما بشريا يجب أن يكون أكثر بكثير من ذلك, لأنه لم يتكلم فقط بسلطان الله ولكنه عمل كذلك بسلطان الله.

ج - هو عمل كذلك بسلطان الله عندما غفر الخطايا (مرقس5:2, لوقا47:7 - 49) لقد كان معلمو الناموس على حق إذ قالوا إن الله وحده هو الذي يمكنه أن يغفر الخطايا (مرقس6:2 - 7 , لوقا49:7), ولكن يسوع أيد غفرانه للخطايا بالمعجزة (مرقس8:2 - 12) وأي د ذلك في إظهار أن له سلطانا فريدا عندما قال إن المصير الأبدي للناس يتوقف على موقفهم تجاهه (مرقس35:8, 38).

أمام هذا كله وجد التلاميذ أنفسهم أمام النتيجة أن هذا المعلم ليس مجرد معلم بشرى لكنه هو الله بذاته الذي تجسد.

ونختم كلامنا عن هذا السؤال بالقول إن هذا الاسم «ابن الإنسان» يشير إلى الاتحاد الكامل بين طبيعتي اللاهوت والناسوت فيه, وإلى أنه صار ذا طبيعتين في أقنوم واحد. حتى إننا نراه جعل لناسوته نسبة إلهية كقوله «الذي نزل من السماء» و «الذي في السماء» ومن الجانب الآخر أيضا «كنيسة الله التي اقتناها بدمه» (أعمال 28:20) .

سيدعى ناصريا

سؤال آخر:

لكن لا يكف السائلون والمتشككون عن تساؤلاتهم فيقولون إن كان هكذا وصار الأمر واضحا أن المسيح هو الله فلماذا قيل عنه في (متى 23:2) «سيدعى ناصريا ?!».

وللإجابة نقول:

إن الآية الواردة في (متى 23:2) نصها كالآتي: «وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة لكي يتم ما قيل بالأنبياء أنه سيدعى ناصريا» ومع أنه قيل لكي يتم ما قيل بالأنبياء لكننا بالبحث لا نجد بحصر اللفظ نبوة تقول إنه «سيدعى ناصريا» لكننا نجدها معنويا , فمن كلام نثنائيل لفيلبس في (يوحنا45:1, 26) نفهم أن الناصرة كانت بلدة حقيرة ت تخذ كرمز للمذلة والمسكنة والإتضاع, وهذا ما جاء عن المسيح بلسان النبوة في (إشعياء 2:53, 3) «لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه محتقر ومخذول من الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به. »

عزيزي القارئ

هل تأكدت الآن من حقيقة من هو المسيح? إنه الله المتجسد والذي مات وقام من أجل خطايانا ليهبنا الحياة الأبدية, ليت الروح القدس يقودك لمعرفة الرب يسوع والتمتع بهذا العطاء الإلهي.

وإذا أردت مزيدا عن هذا الموضوع فاطلب ما صدر سابقا لنفس الكاتب:

1 - شهادات عن لاهوت المسيح (الكتاب السنوي لسنة 1996)

2 - التجسد الإلهي (من سلسلة فتشوا الكتب 1997).

الصفحة الرئيسية