قبر المسيح في كشمير |
ملحق 1 |
مثل الزارع والبذار |
لقد ورد هذا المثل في العهد الجديد على لسان المسيح في مت13: 3-8، مر4: 3-8، لو8: 5-8، ولهذا المثل تأثير في كثير من الكتابات، ومن الأمثلة على ذلك أنه جاء في كتاب بلوهر وبوذاسف الذي هو موضوع بحثنا. وجاء أيضاً في كتاب "الرعاية لحقوق الله والقيام بها" * لأبي عبد الله حارث بن أسد القنازي الملقب بالمحاسبي. وهو فقيه شافعي متصوف. وُلد في البصرة حوالي سنة 780-781م، وتوفى في بغداد سنة 857م. * الكتاب عبارة عن نصائح لأحد المتعلمين، ويربط اجدل بالرواية، ولكنه ولا ريب أجمل كتاب إسلامي عن الحياة الباطنة 0كما يرى ناسينون، ونيكولسون)، ومرجع الغزالي في مذهبه الخاص بالمعجزات. وللمؤلف كثير من الكتب الآخرى منها كتاب "الدماء) ذكره ابن حجر في كتابه "تهذيب التهذيب" جـ2 ص134-136" وفيه أشارات كثيرة إلى الإنجيل وكتب الأبوكريفا المتعلقة به (انظرمرجريت سميث. المرجع السابق ص83)، مثل العظة التي يقال إنالمسيح قالها للعالم السوء وهي في إحياء علوم الدين للغزالي. طبولاق جت3 ص398-399. كما قال المسيح للعالم السوء إنه كصخرة وقعت في م الوادي فلا هي تشرب الماء، ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع. تاريخ الأدب العربي. جـ4. كارل بروكمان. تعريب د. السيد يعقوب بكر، د. رمضان عبد التواب. ط2. دار المعارف. وقد جاء أيضاً في كتاب "عوراف المعارف(1) لشهاب الدين أبي عبد الله السهروردي** المتوفى عام 1231م. وهناك حديث على لسان محمد بينه وبين المثل الإنجيلي بعض مسافة. وهو قال: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان من نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا. وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل ** السهروردي: شهاب الدين أبو حفص عمر بن عبد الله، صوفي وفقيه من الشافعيةن ولد عام 1145م في سهرورد بفارس.. ثم استقر في بغداد وأصبح شيخ الصوفية في زمن الخليفة الناصر. توفى سنة 1234م. وأشهر كتبه: عوارف المعارف، كشف النصائح الغمامية وكشف الفضائح اليونانية، وقد أهداهما للخليفة الناصر. دائرة المعارف الإسلامية. الترجمة العربية. طبعة دار المعرفة. بيروت. مجلد 12. ص296-267. من فقُه في دين الله ونفعه ما بعثني الله وتعالى به فعِلم وعلّم. ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" (2). ولا تسند النصوص القديمة المثل إلى المسيح. فالمحاسبي يمهد له بقوله: "حدثنا الغُلابي قال: سمعت سفيان بن عُيينه يقول: أول العلم حسن الاستماع ثم الفهم ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر. وضرب بعض الحكماء مثلاً لذلك كله فقال...." ولعل المحاسبي يجهل مصدر هذا المثل، ولولا ذلك لذكر المسيح، فهو في مواضع أخرى من كتابه، لا يحجم عن الاستشهاد بأقواله، ولكنها غالباً ما تأتي عنده بمعناها ومغزاها أكثر مما تنقل بتعبيرها الحرفي. ومن ذلك، على سبيل المثال قوله: "قال عيسى عليه السلام والبركة، يا معشر الحواريين أدعو الله، عزّ وجلّ أن يهوّن عليّ هذه السكرة، يعنى الموت، فلقد خفت الموت مخافة، أوقفني خوفي من الموت على الموت" وهذا الكلام مقتبس من أقوال المسيح في بستان الزيتون (مت26: 36-39، مر14: 33-36، لو22: 40-42). وفي الصفحات التالية نسجل المثل كما جاء في إنجيل متى مقارنة بما جاء في كتاب بلوهر وبوذاسف (برلام وبود أساف) ثم كتاب الرعاية، ثم كتاب عوارف المعارف: (1) - هوذا الزارع قد خرج ليزرع (مت13: 3). - إن الباذر خرج ببذره الطيب ليبذره (بلوهر). - إن الباذر خرج ببذره (الرعاية). - إن الباذر خرج ببذره (عوارف المعارف). (2) - وفيما هو يزرع سقط بعض (الحب) على الطريق فجاءت الطيور وأكلته (مت13: 4). - فلما ملأ كفه منه فنشره وقع بـعض على حافة الطريق فلا يلبث شيئاً أن التقطه الطير (بلوهر). - وملا منه كفه فبذر فـــوقع منـه شيئاً على ظهر الطريق، فلم يلبث أن أنحط الطير عليه فاختطفه (الرعاية). - نفس ما جاء في كتاب الرعاية (عوارف المعارف). (3) - وسقط آخر على الأمــــاكن المـــحجرة، حيث لم تكن له تربة كثيرة، فنبت حالاً إذ لم يكن له عمق أرض (مت 13: 5). - ووقع بعضه عـــلى صــفاً قد أصابه ماء وندى وطين فنبت، حتى إذا اهتز صارت عروقه إلى يبس الصفا فيموت (بلوهر). - ووقع بعضه عـــلى صفاً يعني حجراً أملساً عليه تراب يســـير وندى قليل، فنبت حتى إذا وصلت عروقه إلى الصفا لم يجد مساغاً ينفذ فيه فيبس (الرعاية). - نفس ما جاء في كتاب الرعاية (عوارف المعارف). (4) - ولكن لما أشرقت الشمس احترق، وإذ لم يكن له أصل جف. مت13: 6. - غير مذكور (بلوهر). - غير مذكور (الرعاية). - غير مذكور (عوارف المعارف). (5) - وسقط آخر على الشوك فطلع الشوك وخنقه (مت13: 7). - ووقع بعضه في أرض ذات شوك، حــتى إذا سنبـــل، وكاد أن يثمر خنقه الشوك فأماته (بلوهر). - ووقع منه شئ في أرض طيبة، فيها شـــوك نابت فنـبت الـــبذر فلما أرتفع خنقه الشوك فأفسده واختلط به (الرعاية). - كما في الرعاية (عوارف المعارف). - وسقط آخر على الأرض الجيدة، فأعـــطى ثمراً. بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين (مت13: 8). - ووقع القليل منه في أرض طيبة منقاة، فسلم وزكا وطاب ونما (بلوهر). - ووقع منه شئ على أرض طيبة، ليس عــــلى ظهر الطريق ولا على صفا، ولا فيها شوك فنبت ونما وصلح (الرعاية). - كما في الرعاية(عوارف المعارف). (7) - من مرقس نرى أن الزارع كلمة الله. - وتفسير ذلك يا ابن الملك أن الذارع هو حــامل الحكمــة، وأما البذر الطيب فصواب الكلام (بلوهر). - فمثل الباذر كمثل الحكيم، ومثل البذر مثل صواب الكلام، يتكلم به الحكيم (الرعاية). - كما في الرعاية (عوارف المعارف). (8) - "كل من يسمع كلمة الملكوت، ولا يفهم فيأتي الشرير ويخطف ما قد زرع في قلبه. هذا هو المزروع على الطريق (مت13: 19). - فأما ما وقع منه على حافة الطريق فتخطفه الطير. فذلك ما لم يجاوز السمع حتى مرّ صفحاً (بلوهر). - ومثل ما وقع على ظهر الطريق مثــل الرجــل يسمع، الكلام وهو لا يريد أن يسمعه، فلا يلبث الشيطان أن يختطفه من قلبه فينساه (الرعاية). - كما في الرعاية (عوارف المعارف). (9) - والمزروع على الأماكن المحجرة، هو الذي يسمع الكلمة وحــــــالاً يقبلها بفرح، ولكن ليس له أصل في ذاته، بل هو إلى حين. فإذا حـــدث ضيق أو اضطهاد أو ضيق من أجل الكلمة فحالاً يعثر (مت 13: 21-22). - وأما ما وقع منه على الصفا الندية، ثم يبس حين بلغت عروقه الصفا. فذلك ما استحلاه صاحبه ساعة عند السماع بفراغ من قلبه وعرفــــه بفهمه ولم يعقد عليه بمحافظة ولا نية ولا عقل (بلوهر). - ومثل الذي وقع على الصفا مثل الرجل يسمع الكلام ويستـــحسنه، ثم يفضي إلى قلب ليس فيه عزم على العمل فينفسخ من قلبه(الرعاية). - كما في السابق(عوارف المعارف). (10) - والمزروع بين الشوك هو الذي يسمع الكلمة. وهــــم هــــذا العالم، وغرور الغنى يخنقان الكلمة فيصير بلا ثمر (مت 13: 22). - وأما ما نبت منه وكاد يثمر ثم أهلكه الشوك فهو ما رعـاه صاحبه وعَقَهُ، حتى إذا كان عند العمل الذي هو ثمرته، خنقته الشهوات فأهلكته (بلوهر). - ومثل الذي وقع في أرض طيبة فيها شوك، مثل الرجل الــذي يستمع إلى الكلام وهو ينوي أن يعمل بــه، فإذا اعتــرضت له الشهوات عند مواقع الأعمال خنقته فأفسدته (الرعاية). - كما في الرعاية. ويضيف والشهوات قيدته عن النهوض بالعـــمل فيترك ما نوى عمله لغلبة الشهوة، كالذرع يختنق بالشوك (عوارف المعارف). (11) - وأما المزروع على الأرض الجيدة (مت13: 23). - أما ما وقع منه في الأرض الطيبة وزكا وطاب ونما (بلوهر). - ومثل الذي وقع في أرض طيبة، ليس على ظهر طريق ولا فــــيها شوك، ولا على صفا(الرعاية). - ومثل الذي وقع في أرض طيبة (عوارف المعارف). (12) - فهو الذي يسمع الكلمة ويفهم. وهو الذي يأتي بثمر فيصــنع بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين (مت13: 23). - فهو ما اجتباه البشر، ووعـــاه الســـمع، وحفـظه القلب، وأنفذه العزم على قمع الشهوات وتطهير القلب من الدنس، والعمل به (بلوهر). - مثل الرجل يستمع إلى الكلام، وهو ينوي أن يعمل بــه، فيفهمــه ثم يصبر على العمل به عند مواقع الأعمال، ويجانب الشهوات (الرعاية). - مثل الرجل يستمع إلى الكلام(عوارف المعارف).
مما سبق نرى أن وجود شخص يروي مثلاً يشبه المثل الذي قاله السيد المسيح* ، لا يعني أنه هو المسيح، فأمثال المسيح أقتبسها الكثيرون، وخاصة المتصوفون. ويقول د. عبد الدائم الأنصاري(3): "من العناصر الأجنبية التي كان لها تأثير شديد على التصوف النصرانية. فقد اشتد الجدال بين رجالات النصرانية والمتصوفة، كما حدث الاختلاط بينهما، فأخذت آيات من الإنجيل تظهر فيه أقوالهم وكتبهم، وها هي كتب الغزالي خاصة: كتاب الإحياء، مليئة بكثير من القصص الذي يمثل الزهد ويؤكد المحبة. فقد قيل(4): إن راهبين قدما من سوريا إلى البصرة، فقال أحدهما للآخر: ألا تذهب لزيارة الحسن البصري فحياته كحياة المسيح. كما كانت أديرة الرها وحران هما حلقة الاتصال بين المسلمين والثقافة اليونانية(5) وتروي كتب الصوفية قصة المسيح الذي مر على ثلاثة نحلت جسومهم وأصفرت وجوههم، فقال لهم: ماذا أتى بكم إلى هنا؟ فأجابوه: خوفاً من النار، فرد عليهم أنكم تخافون شيئاً مخلوقاً، وخليق بالله أن يخلص من يخشاه، ثم مر بثلاثة أشد ضعفاً من الأول، فسألهم السؤال السابق. فأجابوا شوقاً إلى الجنة، فقال: رغبتم في شئ مخلوق وجدير بالله أن يحسن على من يرجوه، وأخيراً مر بثلاثة هم في غاية النحول والأصفرار، فسألهم * المرجع الرئيسي هو مقالة تحت عنوان: "مثل إنجيلي في نصوص عربية قديمة" بقلم حنا منصور. مجلة المسرة. عدد 586. يونيو 1973م. مع تعديل ترجمة نص إنجيل مت 13 واقتباسه من ترجمة فانديك. بيروت.
كما سأل الفريقين الأولين فاجبوه محبة الله، فهتف المسيح أنتم أقرب الناس إلى الله(6). ويقول د.كامل سعفان في حديثه عن الصوفيين(7): "ولعل منأخطر ما يجابهنا من كتابات بعضهم استخدام عبارات (التثليث) فيما يتناولون من علاقة الناسوت باللاهوت. ودون شك كان للثقافة المسيحية دور في هذا، وبخاصة أن المجتمع الإسلامي أتسع فيما أتسع لمجتمعات مسيحية، والحضارة الإسلامية استمدت فيما استمدت روافد من ثقافات مسيحية. ويقوا أيضاً: إن الصوفية تأثروا فعلاً بالفكر المسيحي(8). المراجع: 1 - عوارف المعارف. للسهروردي. تحقيق د. عبد الحليم محمود، د.محمود بن الشريف. دار المعارف. ط 1993. جـ1، جـ2. والكتاب من أشهر الرسائل في التصوف، وقد نشر بالقاهرة على هامش الإحياء للغزالي، وهو بصفة خاصة رسالة في الأخلاق والتصوف العملي، ولكنه في الوقت نفسه يشتمل على أشارات تاريخية هامة، فضلاً عن أنه مؤلف قيم يزودنا لامعلومات عن المصطلحات الصوفية. ويقول عنه د. محمد غلاب: هو كتاب المبادئ التي يجب على المتصوفة اتباعها، وهو واحد وستون فصلاً في صورة نصائح مملاة على أحد المريدين. ويعتبر منهجاً كاملاً للأرشاد النفسي. وقد عكف الغزالي -قبل أن يؤلف كتاب الأحياء_ على دراسته والعمل بما فيه زمناً طويلاً وظلت تعاليمه ذائعة في بئيات الصوفية ولا سيما الطريقة الشاذلية عدة قرون رغم ما وجه إليه من حملات الخصوم. "التصوف المقارن". د. محمد غلاب. مكتبة نهضة مصر. ص52. ط1956م 2 - رواه أبو موسى الأشعري. صحيح البخاري: كتاب المعلم. باب فصل من عِلم وعلّم. جـ1. ص18. المطبعة الشرقية. 1304هـ. 3 - التصوف بين الفلسفة والإسلام. د. عبد الدايم أبو العطاء البقري الأنصارى. مكتبة الأنجلو. 1982.ص15-16. 4- الكامل للمبرد. جـ2 ص28 5 - صوفية الإسلام. لنيكلسون. ص982. 6 - دائرة المعارف الإسلامية ص40 (بتصرف). 7 - سبحان الله. د.كامل سعفان. دار المعارف. ط 1 سنة 1980.ص35. 8 - المرجع السابق. ص39 |